شعار قسم ميدان

الخروج الكبير.. ماذا يمكن لنيتفليكس أن تقدم لشوندا رايمز؟

midan - Shonda Rhimes

لماذا ترغب شوندا رايمز، المؤلفة النجمة المتألقة، في برامج وقت الذروة على شبكة أي بي سي طيلة  العقد الماضي والمبدعة وراء انتشار مسلسلات ذائعة الصيت مثل غرايز أناتومي وسكندل، ترك شبكة التلفزيون؟ لقد كانت مكانتها على قمة المجموعة الأشد تنافسية لمنتجي البث التلفزيوني، محصنة، ولا يمكن زحزحتها منها، وظل قويا معدل نجاحاتها في إطلاق المسلسلات المتألقة المستحوذة على أوسع جمهور ممكن. فلماذا إذن تنتقل الآن إلى نيتفليكس، في خطوة تحوَل ملفتة أُعلن عنها الأسبوع الماضي؟ ورغم كل ما شهدته هيبة وسطوة خدمة البث الحي (الستريمنج)، من تصاعد مضطرد، ما زال جمهور هذه الخدمة ينحصر في المشتركين فيها، وهو بذلك أصغر بكثير من الجمهور الذي تحظى به شبكة آي بي سي (ABC) على الصعيد الوطني.

 

إن الجواب البسيط، وفقا لشريك رايمز السابق في مجال الإنتاج، مارك غوردون (الذي عمل معها في مسلسل غرايز أناتومي)، هو الإرهاق. رايمز هي الراعية للمسلسلين، غرايز أناتومي وسكندل ، وهو عبء مرهق للغاية يبدو من المستحيل تحمله بالنسبة لأي كاتب، فضلا عن مساعدتها في إنتاج ورعاية العروض الأخرى من المسلسلات (مثل How to Get Away With Murder, The Catch ، والبرامج أقل نجاحا مثل Off the Map  و Still Star-Crossed). وحول هذا الموضوع قال جوردون في مهرجان أدنبره الدولي للتلفزيون: "أعتقد أن الانتقال إلى نيتفليكس سيمنحها فرصة لتوسيع آفاقها" مضيفًا: "لن تضطر إلى إنتاج 22 إلى 24 حلقة بعد الآن، لقد كانت مثل هذه الوتيرة من العمل قاسية جدًا، وكادت أن تقضي عليها". قد يكون الأمر كذلك، لكن بالنسبة لرايمز والعديد من المنتجين الآخرين، فإن جاذبية نيتفليكس تتجاوز بكثير مجرد تميزها بحجم عمل أخف من شبكة آي بي سي.

  

المنتجة الأميركية شوندا رايمز
المنتجة الأميركية شوندا رايمز
  

تُعد رايمز، وشركتها شوندالاند، بمثابة أكبر سمكة تمكَن هرم تلفزيون نيتفليكس الأصلي استمالتها حتى الآن. لكن، إلى جانب رايمز هناك الكثير من الأسماء البارزة الأخرى التي قد التزمت مؤخرا بإنتاج عروض أصلية للشركة، بما في ذلك الإخوة كوين (بإخراجهما مسلسلات مختارات تسمى " The Ballad of Buster Scruggs") وستيفن سودربيرغ (الذي سينتج مجموعة محدودة من المسلسلات تحت اسم Godless). وفي كل حالة من هذه الحالات، تقوم نيتفليكس بتوجيه شيكات ضخمة لحساب مخرجين أصحاب الأسماء المرموقة ذائعة الصيت، الذين يمكنهم ضمان جمهور عريض ويأملون في توسيع قاعدة مشتركين واسعة بالفعل.

 

ولكن بالنسبة لرايمز، قد يكون الانتقال لأسباب تتجاوز مجرد مسألة المال، فليس خفي أن هناك الكثير من المال الذي يمكن الحصول عليه من خلال العمل في شبكة التلفزيون. ومن ثم، فإن انتقال رايمز إلى نيتفليكس دليل واضح على التحول المزلزل الطارئ في العالم التلفزيوني، حيث تكون المقاييس التقليدية للنجاح مثل التقييمات الضخمة، وصفقات المشاركة، وفترات الزمنية في أوقات الذروة، أقل أهمية، في الوقت الذي يشكل فيه الاستقلال الفني المبتغى النهائي. في الوقت الحالي، يمكن لنيتفليكس دفع شيكات على بياض بمبالغ غير مسبوقة لكل من منتجيها، لكن السؤال المطروح هو مدى استطاعتها الاستمرار على هذا النحو في المستقبل.

 

قالت رايمز في بيان إعلانها عن هذا الخبر إن "انتقال شوندالاند إلى نيتفليكس هو نتيجة خطة مشتركة تم وضعها من قبل تيد ساراندوس [كبير مسؤولي المحتوى في نيتفليكس] وأنا، بناء على رؤيتي الخاصة كقصاصة وبشأن تطور شركتي" . "يوفر تيد مساحة واضحة وجريئة  للمبدعين في نيتفليكس، وقد فهم ما كنت أبحث عنه، أي فرصة لبناء بيت جديد ونابض بالحياة يشجع الكتاب على تأليف القصص، ويتميز بحرية إبداعية فريدة من نوعها وقادرة على الوصول الفوري إلى الجمهور في شتى بقاع العالم، كتلك التي يسمح بها إحساس نيتفليكس الفريد للابتكار. وبذلك يزخر مستقبل شوندالاند في نيتفليكس بفرص لا حدود لها. "

  

قد تتمخض أهم التحولات في المستقبل، إلى نهاية (ABC)، خاصة وقد أعلنت الشركة الأم ديزني أن انطلاقة خدمة البث الحي الخاصة بها، ستكون في عام 2019 (رويترز)
قد تتمخض أهم التحولات في المستقبل، إلى نهاية (ABC)، خاصة وقد أعلنت الشركة الأم ديزني أن انطلاقة خدمة البث الحي الخاصة بها، ستكون في عام 2019 (رويترز)

   

رايمز محقة فيما تقول؛ "فبالنسبة لنيتفليكس، الجائزة هي العلامة التجارية الخاصة التي تجسدها رايمز، مما يسمح لها بمتابعة أي نوع من البرامج التي تريدها، ورغم مكانة رايمز على شبكة التلفزيون، فقد كانت عروضها تمر بالضرورة عبر عملية الإنتاج المرسومة، التي لا تستثني أي من المسلسلات الجديدة على شبكة آي بي سي، مما يعني احتمال رفضها في نهاية المطاف. مثال على ذلك، مسلسل (Still Star-Crossed)، الذي أنتجته رايمز لشبكة آي بي سي، وتمت كتابته في (أكتوبر/ تشرين الأول) 2015، وصدر الأمر بتجربته في (يناير/ كانون الثاني) عام 2016، وبرمجته كمسلسل في مايو 2016، وعرض لأول مرة في 29 مايو 2017. وبسبب سوء التصنيفات وآراء المنتقدين المتضاربة، تم إلغاؤه بعد أقل من شهر.

 

وهذا الشكل من دورة الإنتاج هو نوع المسارات التي ألغاها نيتفليكس تمامًا، ولن تضطر رايمز لتتنافس من أجل الفترات الزمنية المحدودة للبث مع جميع العروض الجديدة الأخرى للشبكة، ولن تحتاج أيضًا إلى تقييمات قوية من النقاد لضمان نجاحها في المستقبل. وهذا سيسمح لها بأن تكون أكثر تعمقًا في تحديد أنواع القصص التي تريد كتابتها وأقل قلقا بشأن البحث عن التاريخ الأمثل لعرض مسلسلاتها. يعود سبب حرص نيتفليكس على كثافة تدفق الكبير للمحتوى، جزئيًا لرغبته في عرض أشياء جديدة لا نهاية لها للمشاهدين، تستحق الاكتشاف؛ ويزدهر نيتفليكس بفضل طرق الدعاية الشفهية المتميزة بوتيرتها البطيئة.

 

حرية البث التلفزيوني الحي قد لا تدوم إلى الأبد
وفي الوقت نفسه، تُعتبر رايمز قاصة حكايات في شبكة التلفزيون بأتم معنى الكلمة، وتتميز عروضها بالإثارة وتشد انتباه المشاهدين، ومحبوكة بتقلبات مثيرة وشيقة التطورات، وكشف الأحداث الصادمة، وعادة ما تكون عروضها إجرائية في شكل من الأشكال (نجد في كل من Grey’s  و Scandal  قصص "حالة الأسبوع" إلى جنب الروايات المتسلسلة). ودأبت ريمش على ضخ مواسم من 22 حلقة لسنوات عديدة الآن، لمواكبة الطلبات المرهقة التي تفرضها مواسم شبكة التلفزيون، التي تدوم تسعة أشهر.

   undefined

  

مع نيتفليكس، لن يطلب من رايمز إنتاج أكثر من 13 حلقة في الموسم، وربما أقل من ذلك، في حدود ثمانية، لكي لا يبدو على عروضها ملامح التعب التي عانت منها المواسم الأخيرة، من مسلسل سكاندل (Scandal) (والذي سينتهي بعد هذا الموسم السابع المقبل).  يمكن اتهام العديد من مسلسلات نيتفليكس بتمديد قصصها لملء مطالب تشغيل 13 حلقة، غير أن رايمز تملك من البراعة في هذا الشكل من العمل، بما يسمح لها من تقليم بعض الفائض من المقاطع المثيرة في تلك المواسم، وجعلها أكثر إثارة.

 

حرية البث التلفزيوني الحي قد لا تدوم إلى الأبد. تقع على عاتق نيتفليكس مليارات الدولارات من الديون ولا يبدو عليها أي علامة توحي بقرب تحقيقها أرباحًا، وهي تخطط بدل ذلك، للاستمرار في عجز الإنفاق لسنوات على غرار ما فعلت شركة أمازون من أجل إنشاء قاعدة من المحتوى الأصلي، ومع ذلك ما يزال هناك ما يكفي من الاستقرار لضمان تمتع رايمز وغيرها من كبار المبدعين بالحرية الإبداعية التي تغيب في مجمعات البث مثل (ABC).

 

قد تتمخض أهم التحولات في المستقبل، في الواقع، إلى نهاية أي بي سي، خاصة وقد أعلنت الشركة الأم ديزني بالفعل أن انطلاقة خدمة البث الحي الخاصة بها، ستكون في عام 2019، التي سوف تحتوي على مكتبة واسعة من الأفلام وعروض التلفزيون، إلى جانب المحتوى الأصلي الجديد.

 

من شأن هذه الخطوة أن تنهي صفقة ديزني المسلية مع نيتفليكس، التي منحت نيتفليكس بموجبها حقوق البث الحي (ستريميغ) الخاصة بأفلام حرب النجوم ومارفيل (Marvel)، من بين عناوين أخرى، وأن تفتح جبهة جديدة في حرب شكل البث التي لا تنتهي. ولا يمكن سوى لشبكة بث مثل أي بي سي الزعم باستطاعتها الوصول إلى تقريب جميع جمهور المشاهدين في أميركا، غير أنه بات واضحًا أن هذه القدرة بدأت في التقلص بشكل جلي.

 ________________________________________

 

مترجم عن: (ذا أتلانتيك)

المصدر : الجزيرة