شعار قسم ميدان

صعود الأسطورة ودراما الأحياء الشعبية

Mohamed Ramadan

هذه محاولة لرصد الصعود الشعبي السريع والمفاجئ للنجم محمد رمضان، وهي تعتمد على مشواره الدرامي فقط ولا تتناول أعماله السينمائية؛ باعتبار أنه اعتمد على خلطة السبكي المجربة مسبقا، وكذلك محدودية انتشار السينما وارتباطها بنوع محدود من الجمهور على عكس الدراما التي تخاطب أغلب الفئات الطبقية، بالإضافة إلى أن رمضان نفسه يعتبر أعماله الدرامية أكثر تعبيرا عنه من أعماله السينمائية التي أداها مرغما -على حد قوله- لذلك سيقتصر المقال على المشوار الدرامي. والذي يطرح استفهاماً حول هذا الصعود السريع ومدى ارتباطه بمحمد رمضان ذاته، وارتباط ما يقدمه بالشارع المصري.

 رمضان يعتبر أعماله الدرامية أكثر تعبيرا عنه من أعماله السينمائية التي أداها مرغما
 رمضان يعتبر أعماله الدرامية أكثر تعبيرا عنه من أعماله السينمائية التي أداها مرغما
 
واقع ما قبل الدراما
الخيال قد لا يسعفنا أحياناً، ويجبرنا على الانغماس في الواقع لأنه يحوي داخله ما يكفي لأن يكون محركاً للدراما، في نهاية عام 2008، احتلت جريمة قتل هبة العقاد ابنة الفنانة ليلى غفران وصديقتها نادين، واجهة الصحف المصرية وأصبحت قضية رأي عام، ليس فقط بسبب شهرة والدة الضحية؛ بل لأنها ومن اللحظة الأولى عُدّت جريمة مختلفة من حيث طبيعتها، فالمشتبه فيه من ضواحي القاهرة، والضحية من طبقتها الراقية، والجريمة وقعت في أحد أكثر أحياء القاهرة الجديدة رقيا وهدوءاً.

 

 طبيعة موقع الجريمة الراقي وتركيبته الاجتماعية وعلاقته بالجريمة تتضح من تعليق حارس العقار لـ"العربية نت"، "أنه حتى بالرغم من الجلبة التي حدثت ووصول رجال الأمن والنيابة للمعاينة، إلا أن أحدا لم يتجمع كما يحدث في الأحياء الشعبية، فقط سأل بعضهم عما حدث وعندما عرف انصرف ولم يعلق".

 

نجح مسلسل "ابن حلال" وهو أولى بطولات محمد رمضان المطلقة في الدراما التلفزيونية، في استغلال أحداث جريمة مقتل هبة ونادين من خلال دراما اجتماعية تتطرق للفروق الطبقية بين الأثرياء والفقراء.

قرية الندى -موقع ارتكاب الجريمة- واحدة من أكثر أحياء مدينة الشيخ زايد رقيا وثراءً، والتي تعتبر أحد المجتمعات التي صممت خصيصا بطريقة تجعلها معزولة عن الطبقات الدنيا، وكأن الجريمة إشارة في الوقت نفسه إلى أن تلك المجتمعات معزولة بحزام ناسف قد لا يجعلها في معزل عن الانفجارات الطبقية بل في القلب منها، الملابسات المحيطة بالجريمة لم تجعل تغطيتها مقتصرة على صفحة الحوادث؛ بل تصدرت واجهات الصحف واحتلت المساحة الأبرز في برامج التوك شو حينها.

 

الثورة والمسكوت عنه
هذا ولأن الثورة تصلح لأن تكون إعادة تعريف للواقع المصري -أو هكذا خُيّل لنا- ظهرت ليلى غفران في برنامج "العاشرة مساء" مع منى الشاذلي على فضائية دريم وقالت "إنها تعرف هوية القاتل وأن المتهم الذي قبض عليه بريء".

 

بعد سقوط نظام المخلوع مبارك في مصر، وبعد صدور قرار منع رئيس وزرائه أحمد نظيف من السفر والتحفظ على أمواله مباشرة، انتشرت شائعات تناولتها الصحف بكثافة حول ارتباط نجل رئيس الوزراء بحادثة مقتل الضحية نادين، كان يمكن اعتبار الشائعات مجرد تصفية حسابات سياسية مع نظام رموزه كانت سقطت بالفعل.

ما أعطى للشائعات دورا أبرز، وأعاد القضية إلى واجهة الإعلام مرة أخرى -رغم صدور حكم الإعدام للمرة الثانية في حق محمود عيساوي المتهم بقتلهما- هو رفض عائلتا الضحيتين إقفال القضية، لوجود ثغرات في التحقيق، وصدور تصريحات للفنانة ليلى غفران مرة أخرى تشير فيها إلى تورط نجل نظيف في مقتل ابنتها؛ تصريح سرعان ما نفاه محاميها لتتوارى ليلى غفران عن الأنظار ويغلق ملف القضية نهائيا برفض محكمة النقض الطعن الخاص بالمتهم، وتُنفذ فيه عقوبة الإعدام صباح الخميس 19 يونيو 2014.

 

ابن حلال أو كيف ينتقم الشارع لضحاياه
"جميع أحداث وشخصيات المسلسل من وحي خيال المؤلف، وأي تشابه بينها وبين الواقع هو من قبيل الصدفة لا أكثر".
 

نجح مسلسل "ابن حلال" وهو أولى بطولات محمد رمضان "حبيشة" المطلقة في الدراما التلفزيونية؛ في استغلال أحداث جريمة مقتل هبة ونادين، من خلال دراما اجتماعية تتطرق للفروق الطبقية بين الأثرياء والفقراء، وذلك الهامش الضيق الذي يجمعهما معا وكيف يساهم الظلم الاجتماعي والفساد السياسي في تحويل الإنسان من الخير إلى الشر.

محمد رمضان الشاب المصري الذي نشأ في أقصى الصعيد بملامح مصرية تماماً وبشرة سمراء وجسد هزيل
محمد رمضان الشاب المصري الذي نشأ في أقصى الصعيد بملامح مصرية تماماً وبشرة سمراء وجسد هزيل
 

تدور قصة المسلسل وأحداثه حول شاب فقير أتى من الصعيد ليبحث عن قوت يومه، ويتم توريطه ككبش فداء في جريمة قتل فتاة كانت قد لقت مصرعها على يد ابن شخصية سياسية بارزة، ويدخل السجن ويحكم عليه بالإعدام، ثم يهرب منه ليتحول إلى شخص آخر يتاجر في السلاح ويبدأ رحلة الانتقام من كل الشخصيات التي حولته من عامل بسيط يسعى لاكتساب الكفاف إلى مجرم خلقته الظروف الاجتماعية القاسية، ليبدأ رحلته في الانتقام العنيف من ضابط الشرطة ورجل الأعمال والشخصية السياسية البارزة.
 

أصبحت شخصية "حبيشة" أيقونة شعبية تليق بروايات السمر وحكاوي المساء لطبقة شعبية لا تجد أي ممثل سياسي حقيقي لها.

قد يبدو الانتقام في ظاهره انتقاماً من الشخصيات التي ورطته في جريمة قتل لم يرتكبها؛ لكن هؤلاء الأشخاص يحملون رمزية لكامل المنظومة السياسية التي خلقت الظروف الاجتماعية القاسية، والتي خلقت بدورها "حبيشة" كمواطن يصلح تماماً لأن يكون كبش فداء.

 

انتقام حبيشة لم يكن انتقاماً ذاتياً لخياناته الشخصية، بل انتقام واعٍ لطبقة اجتماعية تم وأدها بفعل منظومة سياسية فاسدة ومتواطئة "السياسي الفاسد/رجل الأعمال/الشرطي" لقد أنجز "حبيشة" انتقامه الفردي العنيف نيابة عن طبقته التي نجحت الدولة في جعلها دائماً على الهامش، هامش الحيز العمراني وهامش الحياة السياسية، فكان من الطبيعي أن تحقق عدالتها الناجزة خارج حيز القانون.

 

لذا لم ينجح التنويه الذي أضافته أسرة عمل المسلسل في نفي الارتباط بين شخصية محمود عيساوي المتهم الذي نفذ عليه بالفعل عقوبة الإعدام أثناء عرض المسلسل، وبين شخصية "حبيشة" التي نجحت في تحقيق انتقامها العادل، بل على العكس! أصبحت شخصية "حبيشة" أيقونة شعبية تليق بروايات السمر وحكاوي المساء لطبقة شعبية لا تجد أي ممثل سياسي حقيقي لها، أي أن الاحتفاء الشعبي بتلك الشخصية كان رفضاً واعياً للنهاية التي قررتها الدولة بإعدام "عيساوي" أي أنها اختارت عدالة ناجزه ولو في صورة درامية، ووجدت في شخصية "حبيشة" صدى لكينونتها وتطلعاتها المكبوتة في الانتقام.

 

"الأسطورة" أو كيف أكد محمد رمضان أسطورته الشعبية
"أنا بنتمي لفلسفة القوة لنيتشه"
محمد رمضان – برنامج المتاهة
 

تدور أحداث مسلسل الأسطورة حول أخوين من منطقة شعبية "السبتية" أحدهما "رفاعي الدسوقي" بلطجي، يعمل تاجراً للسلاح ويؤمن أن القوة هي القانون الوحيد الذي يحكم هذا العالم، بينما الآخر "ناصر الدسوقي" شاب جامعي يدرس الحقوق ويسعى إلى الانضمام للسلك القضائي، ولكن نظراً لظروفه الاجتماعية ونشأته في حي متواضع وفقير يفشل في الالتحاق بالسلك القضائي، إشارة كافية ليؤمن "ناصر" وجمهوره -بالتأكيد- أن العالم غير عادل، وأن القوة هي ميزان العدالة، أي أن "قانون رفاعي" ينتصر في النهاية، يعي ناصر الدرس مبكرا ويبدأ في تحصيل أسباب القوة المادية، ويرث بعدها شخصية أخيه الإجرامية وينجح في تحقيق ذاته.
 

محمد رمضان نموذج للشاب الكادح الذي نجح بمثابرته وتمثيله للبسطاء الذين يشبهونه في تخطي الحواجز الطبقية، وأصبح نموذجاً لرحلة الترقي وتحقيق الثراء السريع، الحلم الذي يداعب جمهوره.

لاقى العمل حفاوة جماهيرية كبيرة في الأوساط الشعبية، وحتى في السوشيال ميديا، ولم يتم التعامل المكرر مع شخصية ناصر باعتبارها رمزية للخير المطلق ورفاعي كممثل للشر المطلق، بل احتفى الجمهور بشخصية ناصر المعدلة أو رفاعي الجديد؛ الشخص الذي نجح في التعامل مع العالم بالمنطق الذي يحكمه، ونجح في تحصيل أسباب القوة والتحقق الفردي، أي ما أريد قوله أن جزءاً من نجاح رمضان هو رغبه دفينة في تحقيق الانتقام ولو بشكل درامي من الواقع.
 

لماذا محمد رمضان؟

تعتمد الدراما والسينما عادةً في تقديم أبطال أعمالها على شباب بدرجة عالية من الوسامة، فخرجت العديد من الأدوار التي لا تعبر عن واقعنا الاجتماعيّ، وأبطال تلك الأعمال لم يكونوا ذوو شبه بهؤلاء الذين تقابلهم كل يوم في الشارع المصري؛ على العكس من ذلك، كان محمد رمضان الشابّ المصريّ الذي نشأ في أقصى الصعيد، بملامح مصرية تمامًا، وبشرة سمراء، وجسد هزيل -قبل التحاقه بالجيم طبعًا؛ يشعر الجمهور بالألفة عندما يكون بطله الدراميّ والمعبر عنه يشبهه تمامًا، ويشبه هؤلاء المارة الذين يصادفهم في الشارع.
 

صحيح أن الوضع الاجتماعي لرمضان سرعان ما تغير بعد صعوده الجماهيريّ الكبير، وأصبح الرجل يقطن في فيلا فخمة في مجمّع سكنيّ راقٍ "كومباوند"، ولم تعد هناك أي احتمالية لأن يصادف رمضان هؤلاء الذين يمثلهم في الشارع أو أثناء حياتهم اليومية، وصحيح أنه يتباهى على مواقع التواصل الاجتماعي بامتلاكه سيارتين فارهتين، إلا أن ذلك لم يكن مثار سخط وجدل -بين جماهيره- باعتبار أنه لم يعد يمثلهم بالفعل، ما حدث هو العكس تقريبًا، باعتبار أنه وفي النهاية محمد رمضان نموذج للشاب المنسيّ والمهمل من قبل الدولة، والذي نجح بمثابرته وتمثيله للبسطاء الذين يشبهونه ويشتركون معا في خلفية اجتماعيّة مهمشة، ومن خلال دعمهم استطاع أن يتخطى الحواجز الطبقية ويترقى اجتماعيًا، فأصبح نموذجًا لرحلة الترقي الطبقيّ وتحقيق الثراء السريع، وهو الحلم الذي يداعب جمهوره.

المصدر : الجزيرة