شعار قسم ميدان

وثائقيات مثيرة ترصد أكثر الأماكن غموضا في العالم العربي

ميدان - وثائقي
تعد موضوعات عجائب العالم وغرائبه من أكثر الموضوعات جذبًا للاهتمام للمتخصصين وغير المتخصصين على السواء. وبشكل ما، عندما يأتي الحديث عن "الأماكن الغامضة" يقفز دائمًا في الذهن نموذج مثلث برمودا الأطلسي، أو أهرامات الجيزة أو أحجار ستونهينج المبنية ما قبل عصور التاريخ في شمال إنكلترا، أو التماثيل العجيبة في جزيرة إيستر في جنوب المحيط الهادي.

 

الكوكب الذي نعيش فيه يعج بالأماكن الغامضة المثيرة، والأماكن الخلابة من ناحية أخرى التي طالما استرعت انتباه البشر واهتمامهم جيلًا بعد جيل. ولكن يبدو أن كثرة هذه الأماكن، وكثرة علامات الاستفهام والتعجب المصاحبة لها جعلت الأنظار تتوجّه إلى أكثرها شهرة، وتتجاهل العديد من الأماكن الأخرى التي لا تقل أبدًا أهمية وروعة وغموضًا.

  

ما لا يعرفه الكثيرون أن العالم العربي يعج بأماكن مُدهشة وخلابة ومثيرة لعلامات الاستفهام بشكل لا يقل أبدًا عن مناطق أخرى في العالم، إن لم يكن يتفوّق عليها جميعًا في غموضها وغرابتها. ومع ذلك لم تحظَ هذه الأماكن بالشهرة الكافية ربما لقلة تسليط الأضواء عليها. في هذا التقرير نغوص معًا في رحلة وثائقية بعنوان "دهاليز" من إنتاج الجزيرة الوثائقية، تصحبنا إلى مجموعة من أكثر الأماكن غرابة وغموضًا من المحيط إلى الخليج.

  

بابل.. حضارة وغموض لا ينتهي

    

"حاول البابليون بناء برج عالي، وحاولوا قتال الرب، فانزعج الرب وقرر تهديم البرج، ونشر البابليين على رقعة واسعة من الأرض، وبلبل ألسنتهم: أي لم يفهم أحدهم الآخر، فجاءت كلمة "بابل" من بلبلة الألسن"

  

عندما يأتي الحديث عن مدينة بابل الأثرية العراقية العتيدة، فنحن نتحدث عن مدينة ذات طابع خاص للغاية. مدينة ذكرت باسمها في كل الكتب السماوية "التوراة والإنجيل والقرآن"، سمّيت بمدينة الرب أو بوابة الإله. شهدت هذه المدينة بناء حضارة من أقوى وأعظم حضارات الشرق القديم، وكانت هي مركز لحضارة والفنون والعلوم واللغات لفترات طويلة.

  

لا تزال هذه المدينة العريقة تمتلك طابعًا غامضًا، ليس فقط بسبب سمعتها التاريخية العريضة، أو حديث الأديان عنها وشهادتها لأحداث دينية كبيرة. وإنما ايضًا بسبب البناء المعماري الذي يتراوح ما بين العظمة والكبرياء من ناحية، والغموض الذي يطرح علامات استفهام حول طريقة حياة أهلها في تلك الفترة. خصوصًا مع أبنية عديدة خصصت كمتاهات وقلاع وحصون وملاهي، تجعل دائمًا الربط قائم بين ما هو تاريخي وتراثي ومتواتر عن هذه المدينة العظيمة والغامضة في نفس الوقت.

  

وادي رَم.. حضارات عربية على بيئة مرّيخية

  

عندما بدأ تصوير فيلم "المرّيخي (The Martian)" الشهير الذي تم إنتاجه في العام 2015، من إخراج المخرج الأميركي الشهير ريدلي سكوت، وبطولة مات ديمون وجيسيكا شاستاين. وقع اختيار المخرج -كالعادة- على منطقة وادي رم في جنوب الأردن، لتصوير المشاهد الخارجية من فيلمه التي تجسّد سطح المريخ، باعتبار أن هذه المنطقة هي أكثر المناطق الأرضية شبهًا لسطح المرّيخ، وأقربها تشابها في تضاريسها على الإطلاق.

  

هذا الاختيار لم يكن استثنائيًا، حيث تم تصوير العديد من الأفلام الهوليوودية الضخمة التي تتناول الصعود إلى القمر أو الكواكب الأخرى في هذا المكان تحديدًا، بسبب احتوائه على تضاريس وأشكال بيئية شديدة الشبه ببيئة كوكب المريخ، وبيئة القمر أيضًا.

  

ومع ذلك، لا تتجلى أهمية ورهبة هذه المنطقة فقط في تضاريسها وسطحها، وإنما أيضًا في الحضارات التي قامت عليها، حيث مرّ عليها الأنباط وعاد وثمود. وهي منطقة متاخمة لمعابد ضخمة شُيّدت من آلاف السنين، وتضم حفريات وآثار تخلّد مسيرة البدو الرحّل الذين سكنوا هذه المنطقة. كما ذكر اسمها في القرآن الكريم في آية: إرم ذات العِماد، التي لم يُخلق مثلها في البلاد.

  

تكوّن وادي رم منذ ملايين السنين، ويعتبر حتى الآن واحدًا من أكثر المناطق الأثرية والسياحية غموضًا ورهبة بعد أن انضم إلى منظمة اليونسكو، وهو من أهم المناطق السياحية في الأردن. فضلًا عن احتوائه على بيئة حيوانية متنوّعة بين حيوانات رعوية أليفة من ناحية، ومن ناحية أخرى حيوانات شرسة مخيفة لن تتمنى أن تقابل إحداها أثناء زيارتك للمنطقة.

  

طاسيلي.. كهوف تحمل أعظم أسرار البشرية غموضًا

   

رسوميّات عجيبة داخل جدران الكهف، بعضها يبدو طفوليًا والبعض الآخر يبدو مخيفًا. رسوم لحيوانات ورعاة تجسّد حياة قدرت بـ 12 ألف عام قبل الميلاد، قبل بدء مفهوم الحضارة البشرية نفسها. ورسوم أخرى عجيبة لما يبدو لأشخاص يرتدون بزّات فضائية، وكائنات غير مألوفة في عالمنا الأرضي. هذه الرسوميات كانت سببًا في تغذية فكر الخيال العلمي الذي يحيط بالمنطقة.

  

صحراء طاسيلي تقع في الجنوب الشرقي من الجزائر، وتضم إلى جانب كهوفها الغامضة مساحات واسعة من التنوع البيئي والجغرافي تنم عن مدى التغيرات البيئية الواسعة التي شهدتها هذه المنطقة عبر تاريخها الطويل. الأمر الذي جعلها من ضمن مناطق التراث العالمية التي تشرف عليها اليونسكو، وواحدة من أكبر الوجهات السياحية جذبًا في الجزائر، خصوصًا فيما يعرف "سياحة المغامرة"، حيث تحتوي على كثبان رملية وكهوف وبيئة تضم مجموعة من الحيوانات النادرة.

  

أهمية كهوف طاسيلي الأساسية أنها تبرز نقوشًا تعتبر حرفيًا تأريخًا للتطور البشري، حيث سجلت النقوش والرسوم الأوّلية صراع الإنسان في اصطياد حيوانات عملاقة وضخمة، ثم لاحقًا بعد عدة آلاف من السنين أبرزت النقوش بدء رعاية الإنسان لقواطع من الماشية، ثم أخيرًا فترة استئناس الخيول والإبل والحيوانات المختلفة، والسيطرة عليها كجزء من السلوك الإنساني الناضج في تلك الفترة. وهي ما تعتبر أدلة غاية في الأهمية للعلماء في معرفة تاريخ تطور الوجود البشري من مرحلة الصيد الوحشي إلى مراحل الاستئناس الحيواني، تمهيدًا لبدء الحضارة والبناء في المراحل اللاحقة.

  

آثار مَرْوِي.. أهرامات أخرى غامضة

   

بشكل عام، عندما تذكر كلمة أهرامات فأول ما يتبادر للذهن هو أهرامات الجيزة المصرية العملاقة، ربما لأنها الأشهر عالميًا والأعلى طولًا والأضخم بناءً، والأهم: الأكثر غموضًا. إلا أن هذا لا يعني أنها الوحيدة، فهناك أهرامات أخرى قد تقل عن الاهرامات المصرية عالمية وطولًا وشهرة، ولكنها لا تقل عنها غموضًا وحضارة.

  

مروي هي مدينة أثرية في شمال السودان على الشاطئ الشرقي لنهر النيل، وكانت هي عاصمة المملكة الكوشية التي امتدت لعدة قرون ما بين القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن الرابع الميلادي، وارتبطت آثارها الغامضة بشكل كبير بأبنية هرمية الشكل. وتعتبر آثار مروي واحدة من أهم الآثار في السودان، ومصنّفة بأنها منطقة تقع ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

  

آثار هذه المنطقة تشمل عددا كبيرا من الأبنية، تتنوع ما بين أهرامات ومقابر وبوابات ونقوش انتصارات حربية وتماثيل آلهة قديمة. كما تدل على حركة نشطة للغاية لهذه الحضارة مع دول البحر المتوسط وروما والهند والشرق الأقصى. إلا أن أشهر ما يميزها هو 300 هرم صغير، وهو عدد هائل جعل المنطقة تعتبر أكبر مكان لتجمع الأهرامات في العالم. كل هرم يحتوي على جسد أحد الملوك أو الملكات، بمدخل صغير تمارس فيه الطقوس الجنائزية، ويحتوي معظمها على نقوش مختلفة تشمل تضرعًا للآلهة ومشاهد للحياة اليومية المختلفة.

  

مِسْفاة العبريين.. قرية عُمانية تتحدى الطبيعة

   

المسفاة -في اللغة- هو المكان الذي تسفيه الرياح، أو المكان الذي تتجنبه الرياح. لذلك سُمّيت "مسفان العبرين" بهذا الاسم، باعتبار أنها تتحدى الطبيعة. قرية بديعة على قمة جبل بارتفاع ألف متر عن سطح البحر، اتخذها أهلها مكانًا لحياتهم بشكل طبيعي على مدار ألف عام من الآن، استطاعوا أن يروّضوا الطبيعة لصالحهم ويتأقلموا معها، على الرغم من أنهم حرفيًا يعيشون على ارتفاع شاهق.

  

البيوت في القرية العمانية التي تسكن شواهق الجبال عبارة عن هندسة معمارية لصخور هذا الجبل، حيث تكون الحوائط في بعض البيوت هي نهاية صخور الجبل نفسه. ومع ذلك، تم تأسيس القرية بطريقة متناغمة جميلة، وتتخذ هيئة بديعة تطل على منظر خلاب، يجعل القرية العمانية فريدة من نوعها شكلًا ومضمونًا وسكانًا وحياة.

  

مسفاة العبريين هي قرية تابعة لولاية الحمراء في محافظة الداخلية بوسط سلطنة عّمان، وعدد سكانها لا يتجاوز المئات، وتعتبر من أهم القرى السياحية العُمانية ومن أكثرها إثارة للدهشة. ومع ذلك، يعيش سكانها حياة عادية تمامًا متأقلمين مع الارتفاع الهائل، والابتعاد النسبي عن الخدمات المعتادة التي تنالها كافة المدن والقرى الأخرى. صحيح أن بعض سكّانها قد تركوها، وتوجهوا إلى المدن القريبة حيث الحياة المدنية العادية، إلا أنها ما زالت تحتفظ بقوام جيد من سكانها الأصليين الذين أبوا أن يتركوها وقرروا الاستقرار والحياة فيها كما فعل الأجداد على مدار ألف عام تقريبًا، في ملحمة تجسّد صراع الإنسان العماني مع الطبيعة.

   

السؤال هنا: كيف تصل المياه للسكّان؟ كيف يزرع السكان نباتاتهم ويعتمدون على انفسهم غذائيًا؟ هل يحصلون على الخدمات العادية التي يحصل عليها السكان الآخرون؟ كلها أسئلة يجيب عنها الوثائقي المصحوب بصور بديعة للمسفاة وأهلها.

   

بَتّير.. جنة على أرض فلسطين

   

"ما يميز بتير الموقع الذي وجدت فيه بين جبال، ووديان، وينابيع.. الطبيعة والتشكيلة الطبوغرافية للمنطقة من جبال وتلال ووديان خلّابة جدا وتسمح بتعدد نباتي كبير وهائل. أينما ذهبت ستجد شيئًا يُسحرك.. سعة الأفق في هذا المكان، مع وجود الخضرة الدائمة وصوت المياه يؤدي بك إلى حالة شاعرية تجعلك تشعر بالانتماء إلى هذا المكان"

   

من الصعب تصوّر وجود جنة خضراء عامرة بالمروج والأزهار والفواكه على امتدادات واسعة في المنطقة العربية التي تميل أجواءها إلى الحرارة والرطوبة واللون الأصفر الصحراوي. ولكن وجود "بتّير" الفلسطينية ينسف هذا التصوّر، حيث تقدّم لوحة خضراء لواحدة من أروع القرى التي يمكن أن يشهدها الإنسان بعينيه.

   

بتّير هي قرية صغيرة من قرى الريف الغربي التابعة لبيت لحم، هي عبارة عن قرية مدرّجة مبنية عبر مجموعة من المصاطب العتيقة التي يعود تاريخ بعضها إلى خمسة آلاف عام. توارد على هذه القرية العديد من الحضارات والمدن والثقافات، وظلت كما هي على الدوام تقدّم مشهدًا فريدًا، حيث الخضرة بجانب الارتفاع الجبلي بجانب العمل اليدوي بجانب التاريخ الطويل.

   

سبب التسمية متعدد، إلا أن أغلب الظن أن تسمية "بتّير" بهذا الاسم اختصارًا لـ "بيت الطير" حيث اشتهرت القرية بأنها محط لأنواع مختلفة من الطيور التي تمر لتعيش فيها بسبب كثرة بساتينها وطبيعتها الخلابة. وأُعلن عن إدراج القرية إلى لائحة التراث العالمي للأمم المتحدة في العام 2014.

   

حوض آرغين.. عندما يتعانق الصحراء والمحيط

   

"الغريب في الامر أن محمية أرغين رغم أهميتها الوطنية والدولية إلا أن المواطن الموريتاني لا يعرف أي شيء عن هذه المحمية الطبيعية النادرة في العالم. تقع المحمية في شريط تقاطع المحيط والصحراء، وهذا مشهد طبيعي جذّاب جدا لا يوجد في مكان آخر في العالم أن يتعانق النقيضين في نقطة واحدة.. وهذا هو سر أهمية هذه المحمية وخصوصيتها" – من الفيلم

  

حوض أرغين هو حوض يمثل مجموعة جزر تقع على المحيط الأطلسي على الساحل الغربي لموريتانيا، شمال العاصمة نواكشوط. الحوض يتميز بأنه عبارة عن صحراء تطل على محيط، وبالتالي جعلت هذه البيئة المُدهشة غير المعتادة هذه المنطقة مركزًا لأنواع مختلفة من الحياة بدءًا من الطيور المهاجرة والحيوانات النادرة. فضلًا عن تضمنها لشعاب مرجانية بديعة تعتبر مأوى لثروة سمكية هائلة ومتنوّعة.

   

الجزيرة خضعت لأنواع مختلفة من الاستعمار بدءًا من البرتغاليين ثم الإسبان والهولنديين وحتى الإمبراطورية البروسية ثم الاستعمار الفرنسي. واعتبرت نقطة مهمة في الساحل الغربي المطل على المحيط الأطلسي، حتى انضمت إلى مواقع اليونسكو للتراث العالمي باعتبارها واحدة من أهم المحميات الطبيعية الخلابة على الساحل الأفريقي الغربي.

  

وادي الحيتان.. فك لغز تطور الحيتان عبر التاريخ

   

من السهل تصوّر أي عبق تاريخي لمدينة الفيوم المصرية التي تقع في غرب النيل، كونها تعتبر من أكثر المدن المصرية ترويجًا للسياحة من ناحية، ولها امتدادات تاريخية أثرية معروفة تعود إلى عصور مصر القديمة. إلا أنه من الصعب تصوّر أن هذه المنطقة الصحراوية القاحلة كانت في الحقيقة مطمورة تحت المياه لملايين السنين، وأنها كانت موطنًا للحيتان العملاقة التي كان لديها امتدادات عظمية تشبه الأقدام.

  

القصة أنه في السنوات الأخيرة تم اكتشاف عظام ضخمة في منطقة "وادي الحيتان"، اعتقد العلماء لفترة طويلة أنها بقايا ديناصور ضخم. لاحقًا، تم تعديل هذا الاستنتاج إلى استنتاج أكثر غرابة، وهي أن هذه العظام الضخمة لحيتان عملاقة كانت تعيش في هذه المنطقة، لديها امتدادات عظمية فيما يشبه أقدامًا صغيرة. وهي ما اعتبرت حلقة الوصل بين نوع آخر من الحيتان اكتشف في باكستان كان لديه أقدام حقيقية ويعيش في كل من البر والبحر.

  

محمية وادي الحيتان في جنوب غرب الفيوم اعتبرت محمية تراث عالمي في العام 2005 بعد اكتشاف حفريات لحوت عملاق قدر وزنه بحوالي 7 أطنان، وطوله 18 مترًا. ولاحقًا تم افتتاح المحمية رسميًا في مصر، وتم إعدادها كمتحف مفتوح للجمهور من ناحية، ومتحف آخر مخصص للعمليات البحثية المستمرة في هذه المحمية بواسطة العلماء حتى يومنا هذا.

     

في النهاية، هذه الوثائقيات التي تعتبر رحلات سريعة -مدتها 25 دقيقة تقريبًا لكل رحلة هي مدة كل فيلم- لمجموعة من الأماكن داخل المنطقة العربية، ربما تظهر نتيجة واضحة مفادها أن الكثير من العرب ليس لديهم المعرفة الكافية بالعديد من الأماكن الساحرة والغامضة التي تتواجد في بلادهم. ولو عرفها البعض -سماعًا- ربما جهل قيمتها الحضارية أو الجيولوجية أو الإنسانية!

المصدر : الجزيرة