شعار قسم ميدان

"IT".. كيف جسد أنجح فيلم رعب سينمائي رواية كينغ؟

ميدان - فيلم it

لم يتوقع أكثر المتفائلين في شركة "نيولاين سينما" عند قرارهم باقتباس رواية ستيفن كينغ الشهيرة "It" في نسخة سينمائية جديدة أن يحقق عملهم هذا القدر من النجاح، فرواية "كينغ"، التي صدرت عام 1987، هي واحدة من أضخم رواياته، ورغم نجاحها الفائق لم يتم اقتباسها إلا في مسلسل تلفزيوني قصير يحمل نفس الاسم عام 1990، وهو الوسيط الذي كان يسمح حينها بتقديمها في 3 ساعات. وبينما اقتبست السينما العديد من رواياته الأخرى وجعلته واحدا من أكثر الأدباء التي حولت أعمالهم إلى أفلام، نهاية بـ "ذا دارك تاور" (The Dark Tower) الذي عُرض في دور السينما قبل أسابيع، فإن "It" كانت رواية متروكة، لم يتم التصدي لها لضخامتها وصعوبتها، قبل أن تقرر شركة "نيولاين" أن تخوض التجربة، وتمنحها لمخرج الرعب الأرجنتيني الموهوب آندي موسشيتي.

وبعد 4 أسابيع فقط من عرضه، أصبح العمل "أنجح فيلم رعب في تاريخ السينما"(1)، متفوقا على فيلم "طارد الأرواح الشريرة" (The Exorcist) الذي ظل على رأس تلك القائمة لمدة 43 عامًا كاملة، ليجلب "It" إيرادات وصلت حتى الآن إلى 277 مليون دولار داخل أميركا و499 مليونا(2) كمجمل عائدات حول العالم، مع نجاح نقدي موازٍ جعلته يوصف أنه من "أذكى الاقتباسات السينمائية التي قُدّمت عن روايات ستيفن كينغ بشكل عام"(3). وفي هذا التقرير نتناول الكيفية التي اقتبس بها موسشيتي الرواية على المستوى السردي والبصري، والفوارق التي ظهرت نتيجة لاختلاف الوسيط أو الزمن، لتكون النتيجة النهائية بتلك الجودة.
 

 رواية
 رواية "IT" لـ ستيفن كينغ  (مواقع التواصل)

 

قرار السرد السينمائي

تؤسس الرواية عالمها في مدينة "ديري"، وظهور "الوحش" بني وايز، الذي يملك شكل مُهرج مبتسم يقوم بالتهامِ الأطفال ويختفون من المدينة، وينقسم سرد الحكاية بين زمنين، زمن في الماضي يجتمع فيه 7 أطفال (6 أولاد وفتاة – بصفات وشخصيات مختلفة) من أجل مواجهة الخطر الذي يدركون أنه يهدد حياتهم، وصولا إلى الانتصار عليه في النهاية، وزمن في الحاضر (بعد 27 عامًا من الأحداث القديمة) تعود نفس المجموعة إلى المدينة بعد ظهور المهرج مرة أخرى.

أول القرارات المهمة التي تخص اقتباس الرواية هو تقسيمها إلى فيلمين صريحين، وعلى عكس نسخة 1990 التلفزيونية التي كان التداخل السردي بين زمنين (وهي طريقة أقرب لشكل الرواية) هو الاختيار: أن نبدأ من الزمن الحاضر مع ظهور بيني وايز مرة أخرى في مدينة "ديري"، واتصال "مايك هانلتون" (الوحيد الذي ظل يعيش في المدينة) بالأصدقاء الستة من أجل العودة لمواجهة "وايز"، ومع كل اتصال نرى شخصية منهم في الحاضر أولا، ثم نعود للوراء كـ "فلاش باك" لمشاهد يتذكر فيها جزءا من الحكاية القديمة، قبل أن يلتقوا أخيرا في "ديري" ويبدأوا المواجهة الثانية.

في الجزئين السينمائيين لن يتم استخدام هذا الأسلوب السردي، لا زمن حاضر ولا آخر ماض، لا يوجد فلاش-باك وتقطيع بين صورة الشخصيات كبارا وصغارا، فبدلا من ذلك يتم الفصل التام بين الحكايتين، الجزء الأول منهما (الذي صدر فعلا) يتناول الأحداث الخاصة بالأطفال، ثم جزء ثانٍ سيصدر في 6 (سبتمبر/أيلول) عام 2019 يتناول المرحلة الخاصة بهم عندما كبروا. وهذا القرار كان مفيدا جدا لتكثيف العالم المرعب والمغلق الذي يعيش فيه الأطفال، ومفيدا أيضا لأننا لا نعرف (إلا لقراء الرواية أو مشاهدي الفيلم الأصلي) هل سيعيشون كلهم أم سيموت أحد منهم؟ وبالتالي كانت بعض لحظات الرعب والإثارة (تحديدا التي يصبح فيها أحد الأطفال بين يدي بيني وايز أو بالقرب من أسنانه المرعبة) لها فاعلية وأثر أكبر بكثير.

  

تغيير الفترة الزمنية للأحداث

أبطال وشخصيات الرواية استلهمها ستيفن كينغ من طفولته، حياته وأصدقائه ومخاوفه، لدرجة أن بطلها الرئيس "بيل" حين يكبر يصبح كاتبا لروايات الرعب! لذلك فالزمن الذي دارت فيه الأحداث القديمة كان بين عامي 1957-1958، وقت طفولة ومراهقة "كينغ"، ثم بعد ذلك تعاود الشخصيات الاجتماع في 1984-1985. في فيلم آندي موسشيتي يتم تغيير الحقب الزمنية بالكامل، يصبح الزمن القديم الذي تدور فيه أحداث الجزء الأول هو 1989، وتبعا لنظرية أن بيني وايز يظهر بكارثة كل 27 عاما فإن الجزء الثاني ستدور أحداثه عام 2016.

هذا التغيير ليس مجرد رقم زمني، ولكن يتبعه تغييرات كبرى في جوهر العمل، فمن ناحية جزء من "شكل الفيلم" وبعض حوارات الشخصيات واستخدامات الموسيقى قائمة بالكامل على إحياء نهاية الثمانينيات على الشاشة، كأن للفيلم قصة فرعية أخرى (بخلاف الرعب) تدور حول مجموعة من الأصدقاء في المدرسة الثانوية خلال تلك الفترة، والطريقة التي يتفاعلون بها مع عالمهم. ومن ناحية أخرى فالجوهر الأساسي لـ "It" وشخصية بيني وايز هو تجسيده للرعب الداخلي وظهوره في صورة لأكبر مخاوفك، وبينما كانت الرواية تستلهم "وحوش فترة الخمسينيات" (مثل الرجل الذئب وفرانكنشتاين) لخلق لحظات رعب الشخصيات، فإن الفيلم الحديث يستخدم وحوشا أخرى تنتمي إلى فترة السبعينيات والثمانينيات، كالساحرات أو السيدة الضاحكة في اللوحة أو حتى فريدي كروغر (الذي أرعب العالم في منتصف الثمانينيات مع فيلم "كابوس شارع إيلم") وتم حذف الجزء الخاص به بسبب طول مدة الفيلم(4).


تفاصيل الشخصيات وتطوير لحظات الرعب

في مقابلة بينهما عام 2016 قال جورج مارتن، الروائي الأشهر في العالم حاليا وصاحب سلسلة روايات "أغنية الجليد والنار" المقتبس عنها مسلسل "لعبة العروش" (Game Of Thrones)، لـ ستيفن كينغ إن ميزته الأهم بالنسبة له هو قدرته على "خلق لحظات رعب استثنائية، مع شخصيات قوية يتورط معها المشاهد بالتعاطف"(5)، لذلك فميزة "كينغ" ليست لغته الأدبية مثلا أو قدرته على بناء حبكة مدهشة (لا أحد يسأل مثلا من أين أتى بيني وايز وكيف يتمتع بكل تلك القدرات الخارقة) أو التواءات مفاجئة (حتى حين يتم الكشف عن كيف أتى لا يبدو ذلك مهما للقارئ بأي شكل)، ولكن خياله الاستثنائي يرتكز بالكامل -كما قال مارتن- على مشهدية لحظة الرعب لشخص تهتم لأمره.
  

undefined
  
في الفيلم يتم تطوير الجزئيتين بشكل يضيف حتى إلى عالَم "كينغ"، يجعل واقع الشخصيات أكثر وضوحا وقتامة، مثل قصة "مايك هامبتون" واحتراق والديه أمامه بشكل لم يحدث في الرواية، أو تطوير جزئية علاقة "بيفرلي" بوالدها، وبدلا من الشدة والحزم وبعض العنف كنقاط المشكلة في النص الأصلي، تم في الفيلم إضافة الإشارات المبطنة إلى احتمالات الاعتداء الجنسي واختيار الممثلة صوفيا ليلز التي تملك جسد مراهقة وليس طفلة من أجل تدعيم ذلك الجزء من الحكاية. كذلك إضافة الجزء الرومانسي بين "بيفرلي" من ناحية و"بين" و"بيل" من ناحية أخرى، والتعامل مع ذلك كمثلث حب يجمع بين ثلاثتهم ويحول الفيلم (في أحد أبعاده أيضا) كفيلم رومانسي بين مراهقين، على عكس الرواية التي كان فيها "بين" فقط هو من وقع في حب "بيفرلي".

كذلك فإن مشاهد الرعب هنا تستغل إمكانيات الوسيط السينمائي إلى أقصى درجة، بداية من المشهد الافتتاحي الثوري جدا الذي يقوم فيه "بيني وايز" بقضم ذراع الطفل "جورجي"، ويتم تقديمه في الفيلم بصورة أعنف حتى من الرواية، كذلك لحظات مثل الدماء التي تفور من حوض الحمام في بيت "بيفرلي"، أو تطوير صورة المنزل الذي يعيش فيه "بيني وايز" ويذهب إليه الأصدقاء، أو المشهد الممتاز جدا للغرف الثلاثة التي يضعها كخيارات لهم، وصولا إلى منظر الأجساد الطافية في المواجهة الختامية، كل شيء يتم العمل عليه وزيادة درجة الرعب والقسوة فيه، بما يناسب حتى تغير الزمن والميل الحالي إلى العنف بدرجة أكبر مما كان عليه العالم في الثمانينيات.
 

نهاية الفصل الأول ومشهد الحب

undefined
 
يعتبر الكثير من نقاد الأدب أن أجرأ وأغرب مشهد كتبه ستيفن كينغ في حياته هو نهاية الفصول الخاصة بالطفولة في رواية "It"، فإلى جانب القَسَم الذي قام به الشخصيات بأن يعودوا إلى هنا لمواجهة المهرج إن عاد ثانية، فإن "بيفرلي" تقول لهم إن كلا منهم يجب أن يمارس الحب معها، "حتى لا ينسوا تلك اللحظة أبدا" بعد ذلك مهما تغيروا. ستيفن كينغ فسر ذلك أكثر من مرة بأن جزءا من الرواية بالنسبة له هو كونها "قصة نضج"، وتحوّل مجموعة من الأطفال إلى رجال، والجنس بالتالي هو مؤشر نضج مهم، وقرار "بيفرلي" بأن تكون "جسرهم نحو الرجولة" يجعله مرتبطا بالتجربة التي عاشوها معا مع المهرج ويجعل من المستحيل نسيانها(6).

سينمائيا، كان من غير الممكن حدوث ذلك، سواء من ناحية رقابية ومجتمعية وحقوقية، وحتى من وجهة نظر المخرج الذي اعتبر الأمر "فائضا أدبيا لم نكن بحاجة إليه"(7)، فكان ذلك هو التغيير الأخير في الأحداث، حُذِف المشهد، وبدلا من ذلك تم الاكتفاء بالدائرة الصغيرة التي يصنعها الأصدقاء ويتعاهدون فيها بالدماء أن يعودوا في حال عاد "بيني وايز"، وهو ما سيحدث في الجزء القادم بعد عامين، والذي -إن كان كأحداث الرواية- سيبدأ بجريمة قتل جديدة لطفلة بعد 27 عاما، وعلى أثرها سيعرف "مارك" أن المهرج قد عاد، ويبدأ في تجميع "نادي الخاسرين" مرة أخرى.

المصدر : الجزيرة