شعار قسم ميدان

"قوة الحبكة".. أفلام شيقة دارت أحداثها في غرفة واحدة

ميدان - اثنا عشر رجلا غاضبا 12 angry men

اعتُبر المسـرح هو أبو الفنون لفترة طويلة، ومع ظهـور السينما يبدو أن هذا الاعتبار اهتز بشكل كبير عندما تمددت إمكانياتها لتستحوذ على العقول والقلوب، لدرجة تجسيد مسرحيات شكسبير نفسها على الشاشة الفضية. تراجع المسرح كثيرا -لأسباب عديدة- أمام طغيان السينما المتعاظم الذي أصبح يقدم تدفقا مستمرا من الانتقالات السريعة بين المشاهد المتحركة بطريقة يستحيل أن يكون في استطـاعة المسرح التقليدي أن يقدمها، كما قال جوزيف م.بوج في كتابه الشهير "فن مشاهدة الأفلام". (1)

 

لكن واحدة من أكثر التهم التي طالما وجّهها المسـرحيون إلى الفن الجديد الوافد الساحر أنه لا يمكن أن يخلق مضمونا حواريا راقيا وأصليا كما يقدمه المسرح، وأن السينما تركز بشكل أكبر على التنوع البصري واختلاف الأماكن أكثر من اهتمامها بقوة الحوار. كان هذا صحيحا في بدايات صناعة السينما، لكنه مع تعـاظمها في العقود اللاحقة استطـاعت السينما أن تنافس المسرح في عقــر داره، مستخدمة نفس أوراقه: وحدة المكــان، وقوة الحوار. بالتأكيد مع لمسة السينما الإبهارية التصويرية التي تعتبر جزءا من خصائصها المُدمجة التي لا يمكن فصلها عنها.

 

قدمت السينما على مدار عقود طويلة ما يُعرف بـ "أفـلام المكان الواحد"، أي الأفلام التي تدور قصتها بالكامل في مكان واحد مغلق بدون أي مشاهد خارجية أو تنوّع بصري خارج نطاق مكان التصوير. أحيانا يكون هذا المكـان الواحد عبارة عن فندق أو منزل ريفي قديم أو غرفة، أو حتى مصعــد إحدى البنايات -مثل فيلم "بين السمـا والأرض" من إخراج صلاح أبو سيف-، أو ربما حتى "كابينة هاتف". مكـان واحد فقط تدور فيه أحداث الفيلم كله، ويتم التركيز بشكل كامل على الحوار.

 

في هذا التقرير نستعرض مجموعة من هذه الأفلام التي تدور في أضيق دائرة لهذا التصنيف، أفلام "الغرفة" الواحدة التي تتنوّع أحداثها بين الإلهام والفلسفة والأكشن والإثارة، بل وحتى الرعب والخيال العلمي.

 

الغـروب المحدود.. حوار الإيمان والإلحاد
undefined
       
الأسود "المؤمن": أنا لست متشككا مثلك.. أنا فقط متسائل!

الأبيض "المُلحد" بنبـرة ساخرة: ما الفرق بينهما؟

الأسود "المؤمن": المتسائل يريد أن يعرف الحقيقة.. المتشكك يريد أن يُقال له إنه لا توجد حقيقة من الأساس.

 

ما حدث أن ذلك الشخص الأبيض الذي يبدو عليه التعليم والثراء والمنزلة الاجتمـاعية قرر أن يُنهي حيـاته تحت عجـلات القطـار في ليلة شتوية هادئة. يبدأ الفيلم بمشهد أن القطـار يأتي مُسرعا في الطريق، لكننا نعرف لاحقا أن الرجل لم يُوفّق في إنهاء حياته بنفسه، بعد أن انتشله من هذا الموقف شخص آخر أسود البشرة، يجبـره على أن يصطحبه إلى منزله المتواضع في ضواحي المدينة، ليتحدث معه قليلا ويتأكد أنه يحاول الانتحار مرة أخرى.

 

لدينا الآن رجلان لا نعرف أسمـاءهم حتى: رجل أبيض ضـاقت به الحيـاة ويريد أن ينتحر ليحرر نفسه منها، لا يؤمن بالإله ولا يؤمن بالأديان ولا يعترف بوجود أي خير في العالم. هذا الرجل يجسده الممثل المميز توماس لي جونز. ومن ناحية أخرى لدينا رجل أسود بسيط متواضع الحال، هو الذي أنقذ حياة الرجل الأبيض، مؤمن وتبدو عليه العفوية، مرّ بأيام شديدة الألم وارتكب العديد من الخطايا في حياته، ومع ذلك يبدو عليه الرضا والهدوء ومستعد طول الوقت للحديث عن الله والعالم وأصل الشرور ومشكلات الدنيا. هذا الرجل يلعب دوره الممثل الأسود المخضـرم صامويل جاكسون.

  

  

فيلم "الغروب المحدود" (The Sunset Limited) هو فيلم أميـركي من إنتاج عام 2011، مبني على مسرحية بنفس الاسم من تأليف "كورماك مكـارثي"، ومن إخراج تومي لي جونز. الفيلم لا يوجد فيه أي ممثلين آخرين سوى العمـلاقين لي جونز في مواجهة صامويل جاكسون، ولا تدور أحداثه في أي مكان آخر سوى في المنزل الصغيـر المتواضع الذي يمتلكه الرجل الأسود. وتدور أحداث الفيلم بالكامل في نقـاش ممتع بين الطـرفين الذي يمثل أحدهما الإلحـاد وعدم غائية العالم وفوضى الوجود وذيوع الشر، والطرف الآخر الذي يمثل الإيمـان وغائية العالم وتناسق الوجود وتبرير الشر كمقابل للخير.

 

حوار فلسفي عميق لا يشوبه الملل إطلاقا، وسيناريو حواري مكتوب بعناية فائقة تجعل المشاهد على قدر كبير من التفهم لمغزى الحوار بعيدا عن أية تعقيدات فلسفية -رغم أن موضوع الحوار نفسه معقد-. حقق الفيلم تقييما نقديا إيجابيا مرتفعا في مواقع تقييم الأفلام، واعتُبر واحدا من أبرز الأفلام الفلسفية التي تناقش قضية الإيمـان والإلحاد بشكل ذكي وسلس وهادئ. خصـوصا أن الفيلم في النهاية لم ينتصـر لأي من الفريقين، ما جعل فكـرته واضحة: طـرح الأفكـار من كلا الجانبين، والحكم متروك للمشاهد هو الذي يقرر. (2، 3)

 

رجل من الأرض.. مواجهة بين العلم وما وراء العلم
جون لمجموعة أصدقائه: هنـاك أمـر أحاول أن أخبركم به، في الواقع أنا لم أفعل ذلك من قبل مطلقا، وأنا مندهش أنني أفعل ذلك الآن. أتساءل إذا كنت قادرا على أن أسألكم سؤالا سخيفا نوعا؟

أحد الموجودين في الغرفة (ضاحكًا): جون.. نحن جميعا أساتذة في الجامعة وعلماء، نحن دائما نجيب عن الأسئلة السخيفة طوال الوقت! (يتعالى صوت الضحكـات)

جون: ماذا لو استطـاع رجل من العصـر الحجري أن ينجو ويستمر في الحيـاة حتى يومنا الحاضر.. وربما يكون هو محدّثكم الآن!

 

على الرغم من ميزانيته المتواضعة للغاية التي لم تتجاوز 200 ألف دولار يعتبر فيلم "رجل من الأرض" (The Man From Earth) الذي تم إنتاجه في عام 2007 واحدا من أفضل الأفلام الحوارية التي تضم في طيّاتها مزيجا بديعا من الخيال العلمي والنقاش الديني والتاريخي والميتافيزيقي. حقق الفيلم تقييما نقديا إيجابيا كبيرا تجاوز الثمـاني درجات في موقع "آي إم دي بي" (IMDB)، وغيره من مواقع تقييم الأفلام، كما أنه يعتبر من أكثر الأفلام الحوارية شهـرة على الإطلاق.

       

   

حفلـة صغيـرة يعدّها البروفسـور جون لأصدقائه المدرّسين الجامعيين في الكلية قبل وداعهم، منطلقا إلى جامعة أخـرى للتدريس فيها. عندما يجتمع أصدقـاؤه الحاصلون على أرفع الدرجات العلميـة في مجالات البيولوجيا والجيولوجيا والفيزياء يسألهم البروفسور جون سؤالا غريبا نوعا: ألم تلاحظوا طوال هذه الفـترة التي قضيتها معكم أنني لا أكبر في السن أبدا، بينما أنتم جميعا تشيخون؟

  

يبدأ الأمر بالمزاح ثم يتطور ليأخذ مسارا جديا مذهلا. جون ليس شخصا طبيعيا، بل هو شخص يعيش على الأرض منذ أيام العصر الحجري ولا يتقدم في العمر مُطلقا. ثم يتوالى الأمر وتزداد خطـورته عندما يوجّه إليه العلماء أسئلة عن التاريخ والدين والحياة، ثم تصل إلى حد مجنون عندما يعلن لهم أنه لعب أدوارا تاريخية لمجموعة من أكثر الشخصيات تقديسا في تاريخ البشرية!


الفيلم كله يدور في منزل جون الصغير، ومبني على الحوار الكامل من بدايته إلى نهايته. الحوار في هذا الفيلم لا يمكن وصفه سوى بالعبقري، حيث يتراوح ما بين التهدئة أحيانا وبين التسارع المذهل أحيانا أخرى، ولعب الممثلون أدوارا كبيرة في تجسيد حوار علمي فلسفي جاد مبني بالأساس على سيناريو محبوك بعناية، حتى لو حلّق في الخيال في بعض أجزائه فإنه في كل الأوقات يطـرح فكـرة خفية: ماذا لو كان كل هذا الخيال له مسحة من الحقيقة فعلا؟ في عام 2016 تم الإعلان عن العمل على جزء ثانٍ من الفيلم يعتبر مكمّـلا له ويضم نفس أبطـاله جميعا تقريبا، من المتوقع طـرحه خلال الشهــور المقبلة. (4، 5، 6)

 

غرفة.. العالم بين أربعة جدران

               

واحد من أشهـر الأفلام التي تم إنتاجها في عام 2015، ترشح لثلاث جوائز أوسكار فاز منها بواحدة، فضلا عن فوزه بعدد آخر من الجوائز الدولية العالمية. كُتب على مُلصق الفيلم جملة تُعبّـر عن مدى عمقه وروعته "شاهده، وسوف تتحوّل". والواقع أن العبارة لم تكن إعلانية ولا تسويقية بقدر ما هي حقيقة تصف الأثر الذي يتركه الفيلم في نفوس مشاهديه.

 

فيلم "غرفة" (Room) هو فيلم كندي مستقل مبني على رواية بنفس الاسم، من بطولة بري لارسون -التي حصدت الأوسكار على دورها المميز في هذا الفيلم-، والطفل يعقوب تريمبلاي الذي يعتبر دوره في الفيلم تدشينا لمسيرة سينمائية مبشّرة. الفيلم تم إنتاجه بميزانية تقدر بـ 13 مليون دولار، واستطاع حصد أرباح لامست سقف الـ 36 مليون دولار مع تقييمـات نقدية إيجـابية هائلة، وإعجـاب جماهيري طاغٍ بفكـرة الفيلم ومحتواه وأسلوبه الإخراجي والتمثيلي المميز.

 

يفتح جاك عينيه على الدنيا ليجد نفسه بجانب أمه المحبة المخلصة التي تقدم له كل الرعاية والحب، حتى يصل إلى سن خمس سنوات ليلاحظ أن حيـاته كلها برفقة والدته في غرفة صغيرة لا تتعدى مساحتها عدة أمتار. هذه الغرفة هي عالم جاك وأمه التي لا تنفك تخبـره أن هذه الغرفة هي الكون كله، وأن التلفزيون الذي يتابعانه هو منفذ إلى عالم افتراضي خيـالي. لاحقا نعرف أن تصرّف الأم تجاه ابنها من منطلق خوفها عليها، وأنها تتعرض لاغتصاب ممنهج على يد شخص آخر، وتحاول أن تحمي ابنها من أي شر مادي أو نفسي. إلى أن يأتي الوقت الذي يقرران فيه -مع تزايد فضـول جاك حول العالم الخارجي- الهـروب عبر خطة مليئة بالمخاطر.

     

بشكل عام يمكن وصف كل مشهد في هذا الفيلم بالمؤثر. سلسلة طويلة ممتدة على مدار ساعتين مليئة بالمشاهد المؤثرة والسياق الحواري المدهش حول العالم والوجود والحياة من ناحية، والفضول والتطلع إلى الحرية والسعادة من ناحية أخرى، والخوف من سقف التوقعات المرتفعة من ناحية ثالثة، ما يجعله واحدا من أفضـل أفلام "المكـان الواحد" على الإطلاق. (7، 8)

 

الاختبار.. صراع تؤجّجه المنافسة وعدم الفهم

   

يعتبر فيلم "الاختبار" (Exam) واحدا من أكثر الأفلام الغامضة التي صدرت خلال السنوات الأخيرة. الفيلم من إنتاج عام 2009، تم إنتـاجه بميزانية متواضعة لا تتجاوز 600 ألف دولار. الفيلم البريطاني حاز تقييما نقديا إيجابيا مرتفعا كواحد من أشهر أفلام "تفجيـر العقــل" (Mind Blowing Movies) التي تم تصويرها بشكل كامل في غرفة مغلقة صغيرة.

 

ثمـانية عبـاقرة يصلون إلى المرحلة النهائيـة في اختبارات انضمامهم إلى شـركة تُطوِّر تكنولوجيا طبية فائقة. المفترض أن المنضمين إلى هذه الشركة يكونون على قدر هائل من الذكاء والإبداع، لذلك بعد أن اجتازوا كافة اختباراتها يأتي في النهاية الاختبار الأخيـر الذي يتم بناء عليه اختيـار شخص واحد فقط من بين الثمانية للانضمام إلى الشركة والحصول على وظيفة الأحلام الغامضة.

 

يدخل المختارون إلى غرفة الاختبار، يجدون الممتحن يعلن أن أمامهم 80 دقيقة للإجابة عن سؤال واحد فقط لا غير، وأن هناك ثلاثة شروط: لا أحد يتحدث إلى حارس الغرفة، لا أحد يعطي الورقة لزميله، لا أحد يغادر الغرفة. ينصرف الممتحن ليجد المؤهلون للوظيفة أنفسهم تجـاه ورقة الاختبار التي يفتحونها ليجدونها خالية تماما. يكتشفون بالتدريج أن الموضوع أكبر من مجرد اختبار ذكـاء عادي، ويفتحـون معا نقاشا واسعا يبدأ منطقيا ذكيا، وينتهي دمويا مليئا بالقلق والأحداث المذهلة.

   

الفيلم دار بالكامل داخل غرفة الاختبار، ولا يحتوي على أية مشاهد خارجية، وترشّح لعدد من الجوائز، ويمكن القول إنه يحوي في حواره جوانب عميقة من الحوارات التي تخص الجانب الإنسـاني خصوصا على مستوى الصراع والمنافسة ربما من الصعب وجوده في أفلام أخرى شبيهة. (9، 10)

 

اثنـا عشـر رجلا غاضبـا.. حول مصير إنسـان واحد

          

تحفة المخرج الأسطوري "سيدني لوميت" الخالدة التي تعتبر واحدة من أهم أفلام السينما العالمية تاريخيا على الإطلاق، حيث احتل فيلم "اثنا عشر رجلا غاضبا" (12 Angry Man) مكانه الدائم في قائمة أفضل أفلام التاريخ التي تم إصدارها من قِبل عدة مؤسسات صحفية وسينمائية. الفيلم من إنتاج عام 1957، وحاز على مستوى عالٍ جدا من التقييم النقدي والإقبال الجمـاهيري.

 

الفيلم بالكامل يدور في غرفة مغلقة يجتمع بها هيئة من المحلّفين مكوّنة من 12 رجلا لدراسة توقيع عقـوبة أو براءة شـاب متهم بتنفيذ جريمة قتل من الدرجة الأولى. يتبادل المحلّفون الحوار بشكل واسع بخصوص القضية، ويعبّر الحوار عن شخصية كل فرد وانحيازاته وآرائه بخصوص القضية، ما بين رجل مسن حكيم، وشخص متعصب، وشخص بسيط متواضع، وشخص عنيد وعصبي، وشخص صاحب مبادئ، وشخص ماكر. طيف من الشخصيات المتباينة اجتمعت في غرفة واحدة لتنظر في اتهام الرجل.

 

الفيلم مدته 96 دقيقة، 3 دقائق منها فقط كانت خارج الغرفة بينما بقية الفيلم دارت أحداثه داخل الغرفة. ويعتبر العصب الأساسي الذي بُنيت عليه شهـرة الفيلم وتميزه العالمي هو الحوار العميق في كل مشهد من مشاهده، والحالة المستمرة من الصراع والتناقض والتضارب في الآراء، ومن ثم الاستمرار في استنتاج حقائق جديدة بناء على تنوع الشخصيات في الفيلم، مما يجعله فيلما من أهم الأفلام التي تحمل في طياتها دروسا في كافة نواحي الحياة تقريبا بلا استثناء، وهذا هو سبب تميزه.

 

ترشح الفيلم للعديد من الجوائز العالمية وقتئذ، لكن شهـرته الحقيقية استمدت لاحقا حيث تبوأ بشكل دائم مكانة متقدمة في معظم القوائم العالمية التي تم إصدارها بخصوص أفضل أفلام التاريخ، وأفضل أفلام القـرن العشرين من حيث القيمة الثقافية والإنسانية التي يقدمها من ناحية، وحبكة صنـاعته وإخراجه وحواره من ناحية أخرى. (11، 12)

 

كابينة الهـاتف.. حوار يحفّه الموت في أي لحظة
  
فيلم "كابينة الهاتف" (Phone Booth) هو فيلم إثارة أميركي من إنتاج عام 2003. الفيلم يعتبر من أكثر أفلام المكان الواحد شهـرة مع ارتباطه بجـرعة إثارة وتشويق وأكشن عالية جدا. تم إنتاج الفيلم بميزانية قدرها 13 مليونا، في مقابل إيـرادات ضخمة لامست سقف الـ 100 مليون دولار، مما يجعله واحدا من أنجح التجارب السينمائية تجاريا تحت تصنيف المكان الواحد.

 

ستو شيبارد -الذي يلعب دوره النجم الأيرلندي كولن فاريل- مندوب مبيعات ذكي يتخذ من الحوار المنمّق وسيلة لكسب عيشه، يتفق مع عشيقته على أن تحدثه على كابينة الهاتف العمومي، ليجد نفسه يتحدث مع شخص آخر يخبره بحقيقة مخيفة: أنه قناص، وأنه يوجه بندقيته إليه الآن، وأن أي محاولة لإنهاء الحديث وإغلاق الهاتف أو محاولة مغادرة الكابينة سيقابله بطلقـة تستقر في رأسه.

 

الفيلم يحتوي على جرعة تشويق مرتفعة للغاية من ناحية، وسياق حواري يضم معاني إنسـانية ممتازة من ناحية أخرى، مما يجعله من أفضل الأفلام الحوارية التي تخلط بين التشويق والفكـر والردود السريعة الذكية. مدة عرض الفيلم حوالي ساعة ونصف تدور أحداثها جميعا داخل هذه الكابينـة بدون مشاهد خارجية تقريبا سوى مشهد حضور الشرطة. (13، 14)

 

1408.. قد يكون الحوار مع النفس هو قمة الرعب
       
لا يمكن وصف فيلم "1408" أنه فيلم من أفلام المكان الواحد بشكل كامل، ومع ذلك فقد تم تصوير حوالي 70% من مشاهده في غرفة مغلقة. الفيلم مبني على قصة قصيرة لكاتب الرعب الأشهر ستيفن كينغ، من إنتاج عام 2007 وبطولة جون كيوزاك والنجم صامويل جاكسون.

 

ماك إنسلن كاتب متخصص في أدب الرعب يهوى "هدم الأساطير" بزيارة أكثر الأماكن رعبا في البلاد، ينتهي به الحال إلى فندق أُشيع أنه يضم غرفة ملعونة اسمها الغرفة 1408. يذهب إلى الفندق متوقعا أنه سيجد شائعات بوجود مسوخ أو أرواح شريرة، ليكتشف أن الرعب الحقيقي في الغرفة أشنع من ذلك بكثير. رعب أن يجلس بمفرده ليجترّ ذكرياته وأسوأ ما مر به في حياته، إلى جانب خوض سلسلة طويلة من الهلاوس المرعبة التي تدور بشكل أساسي حول هذه الذكـريات.

   

الفيلم من أكثر أفلام الرعب النفسي شهرة -كعادة أفلام ستيفن كينغ-، تم إنتاجه بميزانية تقدر بـ 25 مليونا، واستطاع تحقيق إيرادات كبيرة في شباك التذاكر تجاوزت 130 مليون دولار، كما حقق تقييما نقديا إيجابيا مرتفعا من النقاد والجمهور. على الرغم من أنه بشكل عام فيلم سوداوي كئيب، وعلى الرغم أنه قائم على الأحداث أكثر بكثير من "الحوار"، لكن فكـرته الإجمـالية قد تكون واحدة من أفضل الأفكـار وأكثرها تأثيرا: قد يكون الحوار مع النفس المليئة بالذكريات المؤلمة أمرا مرعبا أكثر من أي شيء آخر. (15، 16)  

      

في النهاية يمكن القول إن هذه النوعية من الأفلام لها عشّـاقها، ولكنها إلى حد ما ليست مُريحة لمن يعانون رهاب الأماكن المغلقة قطعا، خصوصا مع الأفلام التي تستخدم "المكـان الواحد" في تصنيفات دموية ومرعبة بدلا من الأفلام القائمة على الحوار والفكر.

المصدر : الجزيرة