أفلام يجب أن يشاهدها كل مهتم بالتدوين
"الكتابة هي أصعب مهنة في العالم بعد مصـارعة التماسيح"
(إرنست هيمنغــواي)
العصر الحالي هو عصر "صعود التدوين" بلا جدال، فمع التمدد الهائل في الشبكة العنكبوتية بكل لغات الأرض أصبح المُدوّن هو الانعكـاس العصري لمفهـوم الكاتب والمؤلّف والقاصّ، فالمدوّن له رأي كالكاتب، وله حدود معلوماتية يعتمد عليها كالمؤلّف، وله خيال يستخدمه كالقاصّ، وهو الذي يجعله يستمدّ قيمـه الأساسية من هذه المهن الثلاثة، ويعتبرها تصبّ جميعا في كنانته التي يطلق منها أسهم الكلمات.
هنا نستعرض مجموعة من الأفلام تدور جميعها حول "الكتابة" بأشكالها المختلفة، ما بين مؤلفين وكتّاب وشعراء في أفلام متنوّعة التصنيفات، تعتبر جميعا منهلا مهما بالنسبة لأي شخص يمتهن أي مهنة ذات صلة بالكتابة، أو لأي مهتم بهذا المجال.
فيلم (The Words) إنتاج عام 2012، بطولة الممثل العالمي برادلي كوبر، إخراج وتأليف برايان كلوغمان. حاز الفيلم على مراجعات نقدية إيجابية مرتفعة، ويعتبر واحدا من أهم الأفلام التي تخوض في كواليس عالم الكتابة والتأليف والنشر.
مؤلف فاشل معدوم الموهبة، تمر عليه السنوات دون أن يقدم مؤلفا قيّما واحدا يسمح له بنشره في دور نشر معتبـرة، ومع ذلك يستمر بإصرار في هذا المجال رغم كافة العروض الوظيفية التقليدية التي تصل له، حتى تقع في يديه -بالصدفة البحتة- حقيبة تحتوى بداخلها على رواية تبدو عتيقة، مطبوعة على ورق أصفر قديم كاتبها مجهول.
يُذهل المؤلف من روعة الرواية، ويقوم بإعادة كتابتها كما هي على الحاسوب كالمسحور، ثم يجد نفسه في سلسلة أحداث تجعله يقدّم هذه الرواية المجهـولة باعتباره هو كاتبها، فتنهال عليه الأموال والشهـرة والأضواء والمؤتمرات المختلفة، حتى تأتي اللحظـة التي يظهـر فيها مؤلف الرواية الحقيقي، شيخ كبير في السن يعمل في وظيفة متواضعـة.
سياق الفيلم يتراوح بين المثير والهادئ، استطـاع أن يركز على معاني أخلاقية وإنسانية رفيعة، وفي الوقت نفسه يسلط الضوء بشكل ممتاز على عالم الكتابة والتأليف والنشر، وطبيعة تفكيـر الناشرين التي تكون أحيانا براغمـاتية أكثر من أي شيء آخر.
الفيلم له تلك الحالة المميزة الدائمة لأفلام وودي آلن، يحكي عن مؤلف شاب يصطحب خطيبته في زيارة إلى باريس، خطيبته مشغولة دائما بالأمور الاجتماعية والتسوق ولقاءات الأصدقاء، وهو يريد أن يختلي بنفسه قليلا في شوارع عاصمة النور الساحرة، حتى ينجح أخيرا في اقتناص جولة في باريس منتصف الليل. في عالم ما بين اليقظة والحلم، يدخل المؤلف الشاب إلى أحد المقاهي ليجد نفسه أمام مجموعة من أعظم الكتاب العالميين في التاريخ، يجلسون أمامه يتحدثون عن الأدب، بل ويعرضون عليه أن يقرأوا روايته ويقدموا لها نقدا، وجد الشاب نفسه أمام فرصة أن يقوم الكاتب الأسطوري إرنست هيمنغـوي بقراءة روايته مع العديد من الكتاب الآخرين.
الفيلم يركز على حالة معينة تعتبر هي حلم أي شخص يعمل في مجال الكتابة والتأليف بأي صيغة، فكـرة ماذا لو قرأ أعمالك أحد الأساتذة العظام الذين تربّيت على كتاباتهم وحروفهم؟ وماذا لو أتيحت لك الفرصة أن تقابلهم مجتمعين في مقهـى ليلي لطيف في العاصمة الفرنسية؟!
هذه هي فكـرة فيلم "1408"، فيلم رعب نفسي من إنتاج عام 2007، بطولة جون كيوزان وصامويل جاكسـون، ومبني على قصـة قصيرة لكاتب الرعب الأشهر ستيفن كينج، حقق الفيلم إيرادات كبيرة تجاوزت 130 مليون دولار أمام ميزانية متوسطة تقدر بـ 25 مليون دولار.
كاتب محترف في مجال الرعب، تدور كتاباته جميعها حول فكـرة هدم الأساطير ودحضها، حياته كلها عبارة عن بحث عن شائعات وجود بيوت مسكونة أو أشباح، ومن ثم يذهب إليها ليخوض التجربة بنفسه، ويكتشف أنها مجرد مخاوف كوّنها الناس في أذهانهم ليس لها علاقة بالحقيقة، حتى يذهب إلى استشكاف الغرفة 1408 في فندق الدولفين، ليشهد بنفســه نقضـا للأفكار التي كوّنها خلال مسيرته الأدبية الطويلة. ورغم أنه فيلم رعب فإنه يحمل بداخله الفلسفة العميقة التي تتميز بها كتابات كينج، فضـلا عن أن مفهـوم الرعب في هذه الغـرفة ليس متعلقا بالمسوخ بقدر ما هو متعلق بالأفكـار والذكريات في عقلك.
الفيلم يركز طوال الوقت على فكـرة إذا كان في عقلك أفكـار تحوّلت إلى واقع، كيف ستتعامل معها بمرور الوقت؟ هل ستصاب بالملل منها؟ أم ستعتبر أنك تعيش حالة السعادة المُطلقة؟ والأهم كيف ستتقبل إذا كانت هذه الفكـرة من الممكن أن تتمرد عليك؟ الفيلم يعتبر من أيقونات الأفلام التي يجب أن يشاهدها كل شخص له علاقة بالكلمة المكتوبة، بدءا من الصحفي وليس انتهاء بالمدوّن والمؤلف وكاتب الرأي، فهو فيلم نموذجي لكل صاحب كلمـة يتمنى أن يرى وقعهـا في الواقع، ما بالك لو رآها نفسها -كلماته وأفكـاره- أمامه كما هي!
فيلم "تكيّف" (Adaptation) يسلط الضوء تماما على هذه البقعة المظلمة في حياة كل كاتب، ويعتبر من أفضـل أدوار الممثل نيكولاس كيدج، حيث ترشح الفيلم لعدة جوائز أوسكار، وهو بالأساس قائم على قصـة حقيقيـة مرّ بها الكاتب تشارلي كوفمـان في منتصف التسعينيات عندما بدأ في كتابة "The Orchid Thief" بغرض تحويله إلى فيلم سينمائي، وأصيب بقفلة كاتب أدّت به إلى اكتئاب حاد، وأدّى إلى فشله في تقديم الكتاب. ما فعله تشارلي بعد إصابته بهذه الحالة هو أنه بدلا من ترك الكتابة كليا والاكتفاء بالشعور بالانهزام قام بتحويل عثـرته إلى نجاح بأن قام بكتابة سيناريو فيلم يسلّط الضوء على معاناته الأولى في تحويل كتابه إلى فيلم، أي أنه قام بإظهـار معاناته في كتابة السيناريو، وقام بتقديـمها على شكل سيناريو فيلم حقق نجاحا كبيرا.
المثير في هذا الفيلم أنه يدخل في تفاصيل حياة الكاتب تماما، أدوات كتابته، أزماته، شعوره بالضيق، متلازمة تقطيع الأوراق أكثر من مرة، متلازمة حذف الملفات دائما، الشعور الدائم بعدم الرضا، الارتباك الكامل من مناسبات اجتماعية لا تتوقف ورغبته الدائمة في الانسحاب منها للحصول على مزيد من التركيز. باختصار هو فيلم يحكي قصـة كاتب يعاني في سبيل الوصول إلى النجاح كانعكاس لقصة حقيقية تماما.
يسلط الفيلم الضوء على معنى أن كل منهما يحتاج الآخر، في النهاية يتمكن الكاتب من الخروج من عزلته الطويلة ويخرج للتفاعل مع الناس بفضـل الشاب، بينما يستطيع الشاب أن يتجاوز مشاكله العنصـرية ويحقق أحلامه، فيما يبدو أنه اسقاط واضح على مفهوم العلاقة الناجحة بين الكاتب والمجتمع، الكاتب قادر على حل مشكلات المجتمع بأفكـاره ورؤيته، بينمـا المجتمع قادر على إخراج الكاتب من عزلتـه بالتجاوب معه أكثر.
الفيلم هو سيرة ذاتيـة للكاتب الأميركي ترومان كابوتي الذي اشتهر برواية "إفطار مع تيفاني"، تقوده مجموعة من المصادفات بأن ينتقل إلى كنساس بصحبـة كاتبة زميلة له، ليدخل في أحداث بوليسية سوداوية بعد وقوع جريمة قتـل، يقوم على إثرها كابوتي بالدخول في شبكة علاقات معقـدة مع رجال الشرطة والمتهمين بالقتل والشهود والجيران، سيخرج منها لاحقا بكتابه الشهيـر "بدم بارد" (In cold Blood).
الفيلم يسلط الضوء في كل مشهد من مشاهده على نموذج الكاتب المهووس بالتفاصيل، والذي يهتم بدراسة كل شيء والاقتراب من حافة الخطر طوال الوقت في سبيل إرضاء متعته الشخصية التي تتيح له نشر مادة مثيـرة تنال إعجاب القارئ وتعطيه الأسبقية الكاملة في إنجاز عمـل ما يظـل أثره طويلا، وهو ما حصل عليه كابوتي بالفعل من كتبه وروايته المثيرة للجدل. يعج الفيلم بحيـاة "الكاتب" الميداني، تحديدا الذي يجمع ما بين حسّ الصحفي الاستقصائي ورجل الأمن وعقلية الناشر المتطلّعة للإثارة وأيضا الكثير من الخداع والأنانية لتحقيق هذه الأهداف.
يسلط الفيلم الضوء على أبعاد مختلفة من حياة سيلفيا، منها تميزها في الكتابة والتأليف للقصص القصيرة والشعر، ومنها حياتها الزوجيـة مع زميلها تيد هيـوز، ومنها مرحلة آلامها ومعاناتها مع الاكتئاب الذي انعكس بشكل كامل على كتاباتها، فزادها إبداعا ورونقا من ناحية، وإظلاما من ناحية أخرى.
الفيلم عبارة عن لقطات متفرقة من حياة الكاتبة بشكل من المفترض أن يثير إعجابك خصوصا إذا كنت تعمل في مجال الكتابة أو مهتما به، ويشير أيضا -بوضوح- أن الكتابة لدى بعض المبدعين ليست وسيلة لجذب الأنظار إطلاقا بقدر ما هي تفـريغ الآلام والأحلام على الأوراق، ربما كخط دفاعي أخير قبل الإقدام على أي شيء، حتى لو كان إنهاء الحياة ذاتها بوضع الرأس داخل الفـرن.
كاتب شديد التمرّد، وصل به الحد من الوقاحة والتمرّد والانفلات إلى أن تم إيداعه في مصحة عقلية في حبس منفـرد، وإن تمت معاملته بشكـل أكثر احتراما من النزلاء الآخرين بتوفير الأوراق والحبر له ليتسنى له كتابـة روايته وقصصـه التي تعتبـر من أكثر الروايات رعـونة وانفلاتا في تلك الفتـرة.
يتواصل ماركيز دو ساد مع مجموعة من الأشخاص في المصحة ويمرر لهم كتاباته، فيتلقّفهـا الناشرون سريعا ويبدأون في طباعتها ونشـرها وبيعها سريعا في فرنسا، حتى ليبدو أن البلاد كلها أصبحت مدمنة على كتاباته المنفلتة، الأمر الذي يجعل المصحة ورجال الدين يشددون العقوبات ضده، والبدء في تعذيبه بكافة الوسائل ليتوقف عن كتابة رسائله وتمريرها، حتى يصل الأمر في النهاية إلى قطـع لسـانه، وتعذيبه بأسوأ الطرق.
الفيلم عنيف للغاية بلا شك، ويتناول جوانب مختلفة في حياة كاتب متمرّد جريء بشكل مبالغ فيه، وإن كان يثير إعجاب العامة في نفس الوقت، ويتعرّض لأفكـار بخصوص العقل والإبداع والدين والنواحي الأخلاقية، مع كمية عنف كبيرة يجعله قطعا غير مناسب لمشاهدته من قبل الجميع. فيلم "Quills" يستعرض تجربة شخصية تاريخية مثيرة للجدل ربما تعتبـر سقف الجنـون لدى أي كاتب من الصعب أن يتكرر مرة أخرى في التاريخ!
يحكي الفيلم قصـة الكاتب الأميركي المميز دالتون ترامبو الذي كان أيقونة من أيقونات كتّاب السيناريو في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، ومن أشهـر مؤلفي هوليـود، وسط هذه المسيرة الناجحة من الإبداعات والشهرة الطاغية بدأت المشكلات تنهال على رأس الكاتب بسبب ما بدا للسلطات الأميركية أنه انحياز للشيوعية من طرف الكاتب، وهو الأمر الذي كان يجعـل صاحبـه تحت المراقبة والمساءلة فورا في تلك الفتـرة المتأزّمة من الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفيتي.
تتصاعد الأحداث لتصـل إلى حبس الكاتب المبدع لما يقارب عاما كاملا، ويمـر مع عائلته بمأساة كبـرى في واحدة من أبرز صور تدخل السلطات في قمـع الكتّاب المبدعين وأصحاب الرأي حتى في البلاد التي طالما رفعت راية حرية التعبيـر في كافة مراحلها.
هذه الأفلام تشمل نواحي عديدة من حيـاة كل صاحب قلم، قلق واضطراب واكتئاب وتكيف ومشكلات وضغوط وإثارة. ويبدو أن هذه النواحي تحديدا هي السبب في صقـل قلم الكاتب، وتحسين آدائه ليصل إلى مرحلة يمكنه تخليد اسمه بعد أن يدفع الثمن. هنـاك المزيد من الأفلام التي تلامس أمورا تهم كل مدوّن، منها:
فيلم "البريق" (The Shining)، إنتاج عام 1980، وهو فيلم رعب نفسي بالأساس، من إخراج المخرج العالمي الراحل ستانلي كيوبريك، في كثير من جوانبه يحمل نواحي "الوسط" الذي يسعى له الكاتب للإبداع والهروب من الصخب، حتى لو كان فندقا مهجـورا!
فيلم "كاتب الظـل" (The Ghost Writer)، إنتاج عام 2010، قصـة مثيرة في سياق من الأكشن والإثارة. فيلم "Misery"، إنتاج عام 1990، الكاتب الشهير الذي تنقلب به السيارة وينجو من الموت بفضل سيدة يكتشف أنها أخذته رهينة لديها، وتبدأ في تعذيبه، ثم يكتشف أن سبب تعذيبها له أنه قتل إحدى شخصياتها المفضّلة في رواياته!
فيلم "أغرب من الخيال" (Stranger Than Fiction)، إنتاج عام 2006، صحيح أنه ليس فيلما يناقش حياة كاتب بشكل خاص، ولكنه يناقش جانبا من جوانبه، تلك الأصوات التي تظهـر فجأة في رأس البطل كأنه كاتب دقيق يسجّـل حياته بكل تفاصيلها.
فيلم "أنطون تشيخـوف 1890″، إنتاج عام 2016، فيلم فرنسي يستعرض مرحلة معينة من حياة الكاتب الروسي العملاق أنطون تشيخوف. فيلم "Stuck in love"، إنتاج عام 2012، يحكي قصة اجتماعية بحتة بطلها كاتب وزوجته السابقة يحاولان أن يتعايشا مع أبنائهم المراهقين بكل ما تحمله حياتهم من تعقيدات ومواقف مختلفة.