شعار قسم ميدان

عَقد التحولات الجذرية.. أفلام وثائقية مشوقة تعرض حقبة الستينيات

ميدان - جمال عبد الناصر
الستينيات.. عَقدٌ حوى العديد من التحولات الجذرية، فهو العَقد الذي شهد تغييرًا كاملًا في مسار الموسيقى العالمية عندما صعد "الخنافس" على قمّة الغناء العالمي، وهو عقد انتشار جهاز التلفزيون على مدى واسع بين كل الطبقات الاجتماعية حول العالم، ليتحوّل إلى الوسيلة الإعلامية الأبرز خلفًا للمذياع. 
 
في الستينيات انتشرت احتجاجات شبابية غاضبة في معظم المدن الكبرى حول العالم بما يُعرف مظاهـرات الطلاب، في هذا العقد أيضا انطلق أقوى مدّ شعبي تاريخي لدعم المدنية ونبذ العنصـرية وتعميم المساواة، لا سيّمـا في الولايات المتحدة والغرب تحت قيادة مارتن لوثر كينغ، وهو العقد نفسه الذي شهد أكبر هزيمة عسكـرية للعـرب على مدار القـرن كله في (يونيو/حزيران) 1967 في واحدة من أخطر تحوّلات الصراع الإقليمي العربي الإسرائيلي. 
 
الستينيات هي الفتـرة المضطربة سياسيا حدّ الجنون على المستوى العالمي، لدرجة أن يشهد العالم كله اغتيال جون كينيدي الرئيس الأميركي في وضح النهار وأمام جميع الشاشات. السنوات العشر العجاف التي شهدت حربًا طويلة باردة بين القوتين العظميين كادت تصل إلى حرب نووية مع أزمة الصواريخ الكوبية، وانعكست أيضا على سباق التسلّح بصواريخ طويلة المدى، والدخول في سباق محموم لغزو الفضاء والصعود إلى القمر. لحسن الحظ أن تراث هذه الفتـرة باق ومسجّل بالصوت والصورة، ويمكننا أن نعيشه مرة أخرى في جولة من أهم الوثائقيات التي تؤرّخ لهذه الحقبـة الثرية في تاريخ العصـر الحديث، في هذا التقرير نستعرض أبرز الوثائقيات التي أنتجتها الجزيرة الوثائقية حول هذه الفترة.
 

في رحاب الأبيض والأسود
 
مع قدوم عقد الستينيات كان جهـاز التلفزيون قد انتشر حول العالم على مستوى كافة الطبقات الاجتماعية، الأمر الذي جعـل هذا العقد تحديدا يمثّـل تغييرا جوهريا في مفـاهيم صناعة المنتجات البصرية، بعد أن ظلت البشرية تعتمد عقودا طويلة على المذياع في المقام الأول في متابعة ما يحدث خارج حدود المنزل، واقتصار الإبهار البصري على قاعات السينما.
 
تغيرت المعادلة تماما، وأصبح التلفزيون داخل كل منزل، وبدأ هذا الجهاز السحري في توجيه الحياة بكل أطرافها، بدءا من انتخاب الرئيس الأميركي، ومرورا بطفـرة إنتاج الإعلانات المرئية، وليس انتهاء باشتعال المنافسة في إنتاج المسلسلات والأفلام المنزلية، الأمر الذي دفع بشكل سريع في تطوير كافة البرامج والمنتجات التلفزيونية مع تنامي المنافسة الشرسة على مدار العقد كله، خصوصا أنه كان عقدا مليئا بالأحداث السياسية والإنسانية التي تستدعي الرصد المرئي.
 
عالم الأبيض والأسود الساحر هو ما يستعرضه هذا الفيلم الوثائقي الممتد على مدار 40 دقيقة تقريبا، يسلط الضوء على أبرز مراحل تطوّره في فترة الستينيات في أميركا، وبزوغ عصر المسلسلات، وتحوّل التلفزيون إلى النافذة الرئيسة لكل أوجه السياسة والاقتصاد والإعلام والإعلانات التجارية وإنتاج الأفلام، وغيرها من المجالات التي كانت تركّز بشكل أساسي على الجودة بغض النظر عن مجال العرض.
 
كانت النتيجة من وراء هذه المنافسـة الكبرى هو التطوير السريع للبرامج والأفلام والإعلان الذي اعتمدت عليه البشرية في العقـود التالية ووصلت إلى ما وصلت عليه الآن، وما زالت تلك الحقبة -الأبيض والأسود- معينا دائما لا ينضب لنوستالجيا تلك الفترة.
 

فيتنـام.. وصمة عار الستينيات
 
عندما أعلن الرئيس الأميركي جون كينيدي توقيع معاهدة صداقة بين الولايات المتحدة وحكومة فيتنام الجنوبية في (أبريل/نيسان) 1961 التي تلاها حزمة مساعدات اقتصادية وعسكـرية كتمهيد للتدخل الأميركي في فيتنام، ربما لم يكن أحد يتوقّع أن هذا التدخل هو مقدّمة لما سيخلده التاريخ كواحد من أكثر المآزق العسكرية التي تعرضت لها الولايات المتحدة على الإطلاق والذي امتد طوال عقـد الستينيات كله، مُحدثا أكبر وصمة عار عسكرية وسياسية لهذه الحقبــة.
 
يسلط الوثائقي الضوء على حرب فيتنـام منذ بدء اندلاعها ومراحل تطوّرها، في تداع سلس وشيّق لأبرز أحداث هذه الفتـرة المؤلمة في تاريخ البشرية. على مدار سنوات من اندلاع الحرب استخدمت الولايات المتحدة كل الوسائل العسكرية ضد الفيتناميين، كالتجميع القسري للسكان، وتصفية الأسرى، والقصف بقنابل النابالم الحارقة، وتحطيم الغطاء النباتي، فضلا عما أظهرته وسائل الإعلان من ممارسات بشعة لا إنسـانية عامل بها الجيش الأميركي الفيتناميين العزّل، أشهرها قيام الملازم الأميركي وليـام كالي بإبادة المدنيين العزّل في قرية لاي عام 196، والتي تناولتها وسائل الإعلام الأميركية بشكل مكثّف كواحدة من أسوأ ممارسات الجيش الأميركي في فيتنام.
 
انتهت الحرب في منتصف السبعينيات بانسحاب القوات الأميـركية من فيتنـام مخلّفة أكثر من مليوني قتيل فيتنامي وثلاثة ملايين جريح، وأكثر من 12 مليون لاجئ. بينما وقع في صفوف الأميركيين أكبر قدر من الخسائر في تاريخ الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث سقط أكثر من 57 ألف قتيـل، وأكثر من 150 ألف جريح، ومخلّفة وراءها أيضا ما يعتبـر وصمـة عار تاريخيـة في جبين الإنسـانية.
  
أخيرا.. على سطح القمر
  
عندما أعلن الاتحـاد السوفياتي عن إطـلاقه لأول قمـر صناعي "سبوتنيـك 1" في التاريخ في (أكتوبر/تشرين الأول) من عام 1957 كان هذا الإعـلان بمنزلـة الشرارة الأولى لإطـلاق ما يسمّى "سباق الفضـاء" بين القوتين العظميين الجديدتين في العالم، ضمن مجموعة منافسات وسباقات أخرى سياسية وعسكـرية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة كانت قد بدأت منذ لحظة انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945.
 
بعد عام واحد من الإنجاز الفضائي السوفياتي -أو صدمة سبوتنيك كما سمّاها الأميركيـّون- الذي أعطى إشارة واضحة على تقدم تقني كبير في الإمكانيات الفنية والصاروخية السوفياتية، أعلنت أميركا تحت عهد الرئيس أيزنهاور إنشاء وكالة ناسا في عام 1958 كمؤسسة مدنيّـة لتطوير الأبحاث المتعلقة باستكشـاف الفضاء والبحوث العلمية ذات الصلة، وبدء دخول الولايات المتحدة كمنافس لغريمها السوفياتي على استكشاف الفضاء، وسط حقبـة سياسية مشتعلـة كان لـ "تطوير الصواريخ البالستية بعيدة المدى" الاهتمام الأكبر لكل من القوّتين، بعد نجاح كل منهما في صناعة القنبلة النووية والهيدروجينية.
 
يسلّط الوثائقي المثير الضوء على حقبـة الستينيـات التي شهدت أعتى درجات المنافسـة من أجل السيطرة على الفضاء، حتى إن السيناتور ليندون جونسون -الذي أصبح رئيسا لأميركا فيما بعد- أعلن في تصريح شهيـر له أن مَن يسيطر على الفضاء يسيطـر على العالم. ومع ذلك، لم تكن رحلـة الولايات المتحدة للهبوط على القمـر رحلة هيّنة، ومرّت بالكثير من الأزمـات والإخفاقات حتى استطـاعت إنزال أول رائد فضـاء في التاريخ على سطح القمر عبر المسبار الشهير أبوللو 11 في 20 (يوليـو/تموز) من عام 1969.
 
لا صوت يعلو فوق صوت الخنافس
  
بالتأكيد لم يكن الفتى جون لينـون الذي لم يتجاوز الستة عشـر عاما يتخيّل أن فرقته الموسيقية الصغيـرة التي أسسها في نهاية الخمسينيات وأطلق عليها اسم "رجال المحجـر" في خضـم موضـة تشكيل الفرق الموسيقية التي شهدتها بريطانيا في الخمسينيات ستتحول بعد عدة سنوات إلى فرقة "الخنافس" التي سجّلت في موسوعة غينيس القياسية كأفضل فرقة موسيقية في التاريخ، وواحدة من أكثر العناصـر المميزة لعقـد الستينيـات إلى الأبد.
 
مع مطلع الستينيات، ومع وصول أفراد الفرقة إلى سن المراهقة تم الاتفاق على تحويل اسم الفرقة إلى "الخنافس"، وبدأت رحلة موسيقيـة بها الكثير من محطات الصعود، وأيضا محطات الهبوط والتحديات التي واجهـت الرباعي الذي خلّده تاريخ موسيقى الروك أند رول: جون لينـون، بول مكارتني، جورج هاريسون، رينغو ستار. الرباعي المكوّن لفـرقة "الخنافس" التي بدأت رحلتها الحقيقيـة الاحترافية مع مطلع الستينيـات بالضبط وانتهت في عام 1970، أي بنهاية عقد الستينيات بالضبط أيضا، كأن الفـرقة قد خلقت لهذه السنـوات العشـر تحديدا دون غيرها، ثم البقاء في سجـلات الموسيقى العالمية كواحدة من أبـرز الظواهر المرتبطة بعقد الستينيات تحديدا.
 
ومع ذلك، ورغم الشهـرة الواسعة التي خلّفتها الفرقة فإن العديد من الانتقادات وجّهت لها باعتبارها الحركة الموسيقية التي غيّرت وجه الذوق الموسيقي إلى الأبد، البعض يتهمها أنها غيّرت الموسيقى إلى الأسوأ، والبعض الآخر يعتبر البيتلز هي أساس التغيير الكبير الذي طرأ على الموسيقى بين نصفي القــرن العشرين، فضـلا عن انتقادات واسعة بما اعتبر ارتباط تلك الفرقة بانتشار المخدرات وإقبال الشباب عليها كجزء من موضة عالميـة تدعو إلى التحرر وكسر القواعد. يحكي الوثائقي بشكل ممتع أبرز محطات صعود "الخنافس"، ومدى التأثير الذي خلّفته على إيقاع عقد الستينيات ككـل كواحد من أبرز محددات تلك الفتـرة.
  
أزمة الصواريخ.. الحرب النووية على الأبواب
  
في مطلع الستينيات كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي تأخذ طابعا خطيرا، صرّح الرئيس السوفياتي خروتشوف علنا تحت قبّة الأمم المتحدة عام 1960 أن بلاده سوف تستمر في صنـاعة الصواريخ البالستية بعيدة المدى كما تصنع النقـانق، الأمر الذي جعل الإدارة الأميـركية تطلق طائرة تجسس فوق الأجواء السوفياتية لدراسة الإمكـانيات العسكـرية لعدوّها، كانت النتيجة أن تم إسقاط الطائرة ومحاكمـة الطيار الأميـركي علنا.
 
منذ بداية الستينيات كـانت الأزمة الأميركية-السوفياتية في أوجهـا، خصوصا مع بدء سباق إقامة الصواريخ في مناطق قريبة لكلا الدولتين، نشرت الولايات المتحدة صواريخ جوبيتر في تركيا، بينما دعم الاتحاد السوفياتي فيدل كاسترو، وقام بنشـر صواريخ نووية في كوبا، ما جعل الولايات المتحدة تحاول إسقاط حكم كاسترو لإبعاد شبح الاتحاد السوفياتي الذي بات على بعد دقائق من حدودها فيما يعرف بعملية خليج الخنازير.
 
تفـاقمت الأزمـة إلى معدلات جنونية من الإجراءات السياسية والعسكـرية غير المسبوقة بين أميركا والسوفيات، نتج عنها ما يعرف تاريخيا بأزمة الصواريخ الكوبية التي تعد واحدة من أخطـر الأزمات التي شهدها القرن العشرون على الإطلاق، والتي كادت تجر العالم إلى حرب نووية شاملة تجاوزتها البشـرية بأعجوبة.
 
الوثائقي يستعرض مشاهد من خلفيـات الصراع الذي كان يتصاعد بوتيرة متسارعة للغاية في مطلع الستينيات حتى وصل إلى أزمة الصواريخ التي استمرت 13 يوما التي مثّلت أقرب نقطـة إلى البشرية من اندلاع حرب نووية صاروخية بين القوتين العظميين المتصارعتين.
 
ضد العنصريّة.. لديّ حلم
(الجزء الأول من الفيلم)
  
بقدوم الستينيات كـان العالم كله يشهد واحدة من أعظم المظـاهر الإنسانية في دعاوى الحقوق المدنية وهدم التعصب العنصري، في مقولة ما زالت تتردد حتى يومنا الحالي كواحدة من أكثر المقولات إلهاما: "لديّ حلم" (I Have a dream)، وهي الجملة التي قالها المناضل الأسود مارتن لوثر كينغ في خضم نضـاله السلمي لحصول السود الأميركيين على حقوقهم السياسية والمدنية.
  
يستعرض الوثائقي حقبـة الستينيـات التي كانت لا تزال تشهد امتدادا لممارسات عنصـرية فجّة من البيض تجـاه السود في المجتمع الأميركي استمرت على مدار عقود طويلة، وفي ذلك الوقت كان يُمنع السود من ممارسة حياتهم العادية في الولايات المتحدة، ويمنعون من دخول المقـاهي وارتيـاد الحافلات الحكـومية، بل يُعرَّضون فيه للمعاقبة القـانونية في حالة وجودهم في تلك الأماكن.
 
كان مارتن لوثر كينغ شخصية فريدة من نوعها، حيث جمـع العقلية الأكاديمية والدينية والحقوقية، مما جعله زعيما حقيقيا لحركة السود الأميركيين في سعيهم إلى نيـل حقوقهم، وتعرّض خلال مسيـرته تلك إلى العديد من العقبات ومحاولات الاغتيال التي تكللت آخرها بالنجاح، حيث تعرّض إلى إطلاق نار في (فبراير/شباط) من عام 1968 على يد أحد المتعصّبين البيض أدّى إلى وفـاته وهو ابن تسع وثلاثين عاما، ومع ذلك تكـلل نضـاله -الذي كـان من أبرز ملامح عقــد الستينيـات- بالنجاح، بعد نيل السود الأميركيين حقوقهم الكاملـة أسوة ببقية الفئات من طوائف الشعب الأميـركي، ربمـا كان ذروة مشـاهدها بتولي الرئيس السابق باراك أوباما حكم البـلاد كأوّل رئيس أميركي أسود.
  
الاغتيال الأكثر غموضًا في القرن العشرين
  
رغم أن الرئيس جون كينيدي لم يلبث في مقعد الرئاسة للولايات المتحدة أكثر من عامين، أي أقل من نصف فتـرة رئاسية واحدة، من عام 1961 إلى عام 1963، لكنه يعتبر واحدا من أشهر الرؤساء الأميركيين وأكثرهم تأثيرا في التاريخ السياسي الأميـركي، حيث كان هو الذي أطلق شرارة برنامج سباق الفضاء والتخطيط للصعود إلى القمـر، واستطاع التعامل مع ملفّين شديدي الحساسية في عصـره، وهما أزمة تقسيم برلين وأزمة الصواريخ الكـوبية.
 
تم اغتيال جون كينيدي في 22 (نوفمبر/تشرين الثاني) بإطـلاق الرصاص عليه أثناء تواجده في سيارة مكشوفة برفقة زوجته جاكلين كينيدي أثناء زيارته الرسمية إلى تكساس، وتعتبر عملية اغتياله من أكثر عمليات الاغتيال السياسي تعقيدا، حيث تم إلقاء القبض على القاتل الذي تم اغتياله هو الآخر أثناء اقتياده إلى المحاكمة، الأمر الذي جعل القضية تتشابك وتتداخل الاتهامات فيها ما بين الاستخبارات الأميـركية والسوفياتية والإسرائيلية لدوافع مختلفة.
 
يستعرض الوثائقي بشكل سلس أبرز المحطـات والمواقف التي اقترنت بقضية الاغتيال الأشهر في هذا القـرن ودوافعها لواحد من أكثر الرؤساء الأميركيين شعبية وكفاءة، والذي حجز -رغم قصـر مدته- مكانة كبيرة في التاريخ الأميـركي بسبب إنجازاته في قضايا شديدة الحساسية، وبسبب ظـروف مقتله الذي تظلُّ غامضةً حتى الآن.
  
أزمات العرب: ناصر.. زمن الحصار
 
باندلاع ثورة 23 (يوليو/تموز) في عام 1952 بدا أن المشهد السياسي في المنطقة العربية قد تغيّر بالكامل، كان عقد الخمسينيات هو عقد التحولات الثورية الكبرى في الدول العربية وأفريقيا، قاده الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر بما شهده من أحداث كبـرى في تحوّل مصر ومن ورائها العديد من الدول العربية إلى الاشتراكية، وتأميم قنـاة السويس، وإطلاق حزمة إجراءات مما أعلن وقتئذ أنها إصلاحات جوهرية للاقتصاد المصري واستئصال للفساد.
 
يسلّط الوثائقي الضوء على فتـرة الستينيـات الناصرية التي شهدت حصارا من الأزمات للحكم في مصر، حيث بدا المشهد بقيادة ناصر يشير إلى العديد من التغيّرات الخطيرة على وشك الحدوث، كانت إرهاصاتها قد بدأت في أواخر الخمسينيات عندما تم إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، والتي لم تستمر سوى ثلاث سنوات انتهت بنقضها في عام 1961، ثم تلاها تورّط مصر في حرب اليمن، مع إعلان حزمة إجراءات سياسية واقتصادية وسّعت دوائر معاداة القاهرة بالعديد من الدول العربية والعالمية من ناحية، ووطّدت علاقتها مع دول أخرى على رأسها الاتحاد السوفياتي، ثم الأزمة الأكبر التي شهدتها مصر والعرب بعد هزيمة عسكرية ساحقة يوم 5 (يونيـو/حزيران) على يد إسرائيل، والتي كان من نتائجها استلاب عدد كبير من الأراضي العربية وخسائر غير مسبوقة.
 
يبرز الوثائقي النموذج المصري كمحور لما كان سائدا في المنطقة العربية في الستينيات من اشتعال سياسي يعتبر امتدادا للاشتعال السياسي العالمي بين القطبين الكبيرين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. شهدت المنطقة كافة الأزمات الممكنة تقريبا، من حروب عسكـرية إلى أزمات سياسية إلى مواجهـات داخلية ترددت أصداؤها على كافة الأصعدة العربية بأشكال مختلفة.
  
مضت الستينيات بغير رجعة، لكن آثارها ما زالت تضرب بجذورها في حياتنا اليومية إلى حد بعيد، حتى لو بدت لنـا أنها حقبـة قديمة غريبة عنا، يقول بوب ديلان أحد أبرز رموز حقبـة الستينيـات الموسيقيـة والحائز على جائزة نوبل للآداب:"الناس لا يزالون يعيشـون حتى الآن على موائد الستينيات، ويمررون أفكـارها وموسيقاها طوال الوقت".
المصدر : الجزيرة