شعار قسم ميدان

من يوتيوب لهوليوود.."ساندبيرغ" ورحلة أحد أبرز مخرجي أفلام الرعب

ميدان - ديفيد ساندبيرج

هناك حلم ما، سيمر في ذهن كل صانع أفلام هاوي، لمرة على الأقل كل أسبوع، وهو أن يضع أفلامه على موقع "يوتيوب"، وتنال نسبة مشاهدة مرتفعة، وفي صباحٍ عادي جدا، يتلقى مكالمة من رقمٍ غريب، وحين يرد على الهاتف بضجر، يُفاجأ بأنها مكالمة من أحد منتجي هوليوود، الذين يَعرضون عليه أن يعمل مع أحد الاستوديوهاتِ الكبرى، وأن يخرج فيلمه القصير الناجح في نسخة طويلة، بميزانية 5 ملايين دولار. نسبة تحقق هذا "الحلم" نادرة لدرجة الاستحالة، رومانسية لدرجة الخيال، ولكن هذا ما حدث حرفيا مع المخرج السويدي "ديفيد ساندبيرغ".

"دائما ما تساءلتُ عن كيف يحدث الأمر؟ كيف تحول (Mama) مثلا من فيلم قصير إلى نسخة هوليوودية بإنتاج واحد من أهم مخرجي الرعب في العالم؟! وظللتُ أتساءلُ حتى تلقيت مكالمة من جيمس وان يخبرني فيها أنه يدعوني لمقابلته من أجل إنتاج نسخة طويلة من (Lights Out)"

(ديفيد ساندبيرغ – حوار مع الصحفي سيمون طومسون – موقع "فوربس" – (يوليو/تموز) 2016)

"الناس يعتقدون أن صناعة أفلام الرعب سهلة، ولكن هذا غير حقيقي، من الصعب جدا أن تجد مخرجا لديه أفكارًا ذكية لإثارة فزع المتفرج، التقاط "ساندبيرغ" لم يكن خيارا معقدا لهذا السبب".. المخرج والمنتج جيمس وان (من أهم صناع سينما الرعب في هوليوود خلال السنوات الأخيرة وصاحب أفلام (Saw) و(The Conjuring) في حوار مع "ذا تايمز"- (مارس/آذار) 2016- وهو يفسر كيف قرر من أفلام قصيرة مدتها 3 دقائق على يوتيوب أن يرسل تذكرة سفر إلى "ساندبيرغ" كي ينتقل إلى هوليوود ويصنع أفلامًا طويلة.

 

كيف بدأت رحلة "ساندبيرغ"؟
المخرج السويدي ديفيد ساندبيرغ
المخرج السويدي ديفيد ساندبيرغ
    
في الأصل، يعمل ديفيد ساندبيرغ في مجال الأنِيميشن والرسوم المتحركة، منذ نهاية التسعينيات تقريبا. ومُنذ 11 عاما، أنشأ قناةً على موقع يوتيوب تسمى (Ponysmasher)، من أجل طرح أعماله وفيديوهات الأنيميشن القصيرة التي ينتجها. لاحقا، بدأ يفسح اهتماما أكبر لصناعة الأفلام، تحديدا أفلام الرعب، لم يكن لديه خطة واضحة، فقط قرر مع زوجته لوتا لوستن (التي تعمل في مجال التصوير) أن يَصنعا أفلاما قصيرة بميزانية صفرية، تقوم على موقف رعب قصير، في بيتهما بالسويد؛ من باب التسلية على الأغلب، وطرحها على القناة في موقع "يوتيوب".

بدأت اللعبة بفيلم يسمى (Cam Closer)، مدته دقيقتان و23 ثانية، عام 2013. وصنعا في خلال عامين عدة أفلام لم يزد طول أي منها عن 3 دقائق ونصف، وكانت تلك الأفلام هي (Pictured، Coffer، Attic Panic). ولكن الأهم على الإطلاق كان فيلم (Light Out)، الذي فاز بجائزة أفضل فيلم قصير وأفضل مخرج في أكثر من مهرجان عام 2014، قبل أن يحدث ما هو أكثر، ويشاهده جيمس وان في أحد هذه المهرجانات، ويكون ذلك هو السبب في متابعته "لسَاندبيرغ".

 

 

كل أفلام "ساندبيرغ" ذات "بناء" واحد، تبدأ بلوتا لُوستن (لأنّهما يصنعان أفلامَهما دون ممثلين آخرين) تلاحظ شيئا غريبا (تفاحة مختفية في الكاميرا- صورة تتغير على الحائط- صوت مرعب من أحدِ الصناديق- أو شبح كائن يظهر عند إغلاق النور)، تنتبه وتركز ويزداد رعبها، وفي اللحظة التي تظن فيها أنها تخلصت من ذلك الرعب (أو في بعض الأفلام تحاول اكتشافه أكثر) تحدث الخاتمة الخاطفة كنهاية للمشهد/للفيلم. وداخل ذلك الشكل المبسّط للـ (Structure)، هناك الكثير من الأفكار أو الخيال، ليس فقط في المواقف (الكلاسيكية في أغلبها) ولكن في كيفية تنفيذها، والعناية الفائقة بالإيقاع والتوقيت واستخدام الصوت كأدوات أساسية في صنع "لحظة مرعبة".

يقول "وَان" إنه حين شاهد أفلام "ساندبيرغ" "رأى الكثير من نفسه حين كان أصغر سنا، تشعر أن لديك الكثير لتثبتِه، وليس لديك شيئا تخسَره، تمنح الفرصة للتجارب والأفكار وتحاول جعلها في أفضل شكل"(1)، و"لذلك، ولأنه لديه الكثير من الأفكار الذكية والتنفيذ المبتكر رغم الميزانية الصفرية، فقد قررت سريعا أن ذلك ما سنفعله: سندعمه، سنعطيه الأدوات، سنمنَحه بعض الأموال الكافية لصناعة فيلم طويل، مع حرية كافية ليكون مُبتكرا كما كان دائما". ومن هنا؛ اتصل "وان" بـ"ساندبيرغ"، وأخبره أنه سَيمنحه 5 ملايين دولار من أجل أن يحول (Lights Out) لنسخة طويلة في هوليوود.

 

من البيت إلى الأستُوديو
"حينما فكرتُ مبلغ 5 مليون دولار كميزانيةِ للفيلم بعد أن كنت أعمل بـ"زيرو بادجتْ"، قلت لنفسي يمكن أن نفعل أي شيء نريده، انفجارات، ديناصورات، ولكن سريعا عرفتُ أن ذلك ليس مبلغا كبيرا على الإطلاق بالنسبة لهوليوود، لذلك هناك بعض الأشياء التي سيكون عليك تنفيذها والتفكير فيها بمنطق الصناعة البدائي أيضا"

(ساندبيرغ)

   

نجاح فيلم
نجاح فيلم "Blade Runner" منح ساندبيرغ فرصة أكبر لإخراج الجزء الثاني من الفيلم الشهير (Annabelle)، بميزانية 15 مليون دولار (آي إم دي بي)

 

كانت الميزانية المحدودة هي محاولة من "وَان" وشركة "وارنر برَذَرز" لجعل المخاطرة بمُخرِجٍ هاوٍ ضئيلة، بحيث لا يكون هناك خسائر كبرى لو فشل. في المقابل كان ذلك مُلهِمًا لـ"ساندبيرغ" في إبقاء شغفه بما يحبه في الأفلام، وهي الحلول غير التقليدية البسيطة التي تخرج في النهاية بنتيجة جيدة؛ يشرح مثلا الطريقة التي نفذ بها شكل "عين الشبح" المرعبة(2)، وأنه استعان بمجلة قديمة قرأ فيها عن الطريقة التقنية التي تم بها تنفيذ شكل العيون في فيلم (Blade Runner) الكلاسيكي لريدلي سكوت، دون (CGI) أو تكاليف مؤثرات باهظة، وجرب الأمر نفسه (ذو الميزانية الصفرية) في النسخة الطويلة من الفيلم، وكان فعالا جدا. وبالمثل، الكثير من التفاصيل التي أفادته فيها خبرة سنواته الأسبق في صنع الأفلام كهاوٍ، ليقدم في النهاية "فِيلم رعب طازج"(3) بحسب وصف النقاد.

يقول "ساندبيرغ" إن الأمر "لم يكن صعبًا في هوليوود، الشيء الوحيد الذي كان عليه تطويره والتدرب عليه هو القدرة على التواصل، فلسنواتٍ طويلة كنت أعمل مع نفسي وأُولتا فقط، وأنفذ ما أريده بيدي، ولكن في صناعة الأفلام على مستوى احترافي.. الشيء الأهم هو القدرة على شرح أفكارك للآخرين والتواصل معهم لتطويرها"(4). لينجحَ الفيلم بشكل أكبر كثيرا من المتوقع، ومن ميزانية 5 ملايين دولار، حقَّق الفيلم عائدات عالمية بلغت 148 مليونًا، مما دعّم حُظوط الهاوي السويدي بين الاستوديوهاتِ الكبرى، ومنحه فرصة أكبر وهي إخراج الجزء الثاني من فيلم (Annabelle)، بميزانية أعلى قليلا، 15 مليون دولار.

 

حاضر ومستقبل في هوليوود
بدأ عرض (Annabelle Creation) هذا الأسبوع في أميركا. وبالتزامن مع ذلك، قام "ساندبيرغ" بطرح 11 فيديو جديد على قناته (Ponysmasher)، سلسلة فيديوهات أحدها بعنوان (MyAnnabelle Creation Filmmaking Tips)، وسلسلة ثانية بعنوان (Directing Annabelle Creation)، والميزة الأساسية فيهما أن "ساندبيرغ" لم يتخلَ أبدا عن روح السينمائي الهاوي، يقول إنه "يشعر بالانتماء للصناع الشباب، الذين يطرحون أفلامهم على يوتيوب"(5) لذلك ففي فيديوهاته الأحدث يصنع تجربة مدهشة وغير معتادة أبدا، في أن يقوم مخرج من داخل الصناعة في هوليوود بطرح الكواليس والحديث عن الإخراج.
 

  
"أريد صناعة فيديوهات عن الإخراج، لأن صناع الأفلام يتعلمون الكثير من الإنترنت، على يوتيوب وفيميو، ولاحظت أنك ستجد ملايين الفيديوهات التعليمية عن كتابة السيناريو أو عمل الكاميرا، ولكن هناك القليل جدا عن الإخراج، ولهذا أريد أن أقوم بدورٍ في هذا، ليس فقط بالحديث النظري عن صناعة الأفلام، ولكن بإظهار كيف حدث ذلك وأنا أخرج فيلما بالفعل، لست سبيلبرغ بالطبع أو نولان ولكن إذا أردت أخذ جولة في كيفية صنع فيلم.. فهذا ما أحاول فعله"

(ساندبيرغ – افتتاحية فيديوهات (Directing Annabelle Creation) – (أغسطس/آب) 2017)

وفي مقابل تلك الروح الهاوية، التي تتواصل مع المتابعين، وترد حتى على تعليقات "يوتيوب"، فإن المسيرة الاحترافية لـ"ساندبيرغ" بخير كذلك. في 3 أيام حقَّق (Annabelle Creation) أكثر من 36 مليون دولار، وضعته على قمة شباك التذاكر الأميركي، وعلى الأغلب فإن فيلمه القادم سيكون (Shazam!)، أحد أجزاء العالم الممتد لأبطال (DC) الخارقين، عن فتى صغير يمكنه أن يتحول لبطل خارق باستخدام كلمة (Shazam!) السحرية، وفي حالِ صحَّت الأخبار، وهي على الأغلب صحيحة لأن جيمس وان سيخرج فيلم (Aquaman) مع (DC) وترشيحه لـ"ساندبيرغ" منطقي للغاية، فإن الرجل الذي كان في غرفة بيته قبل سنوات قليلة يصنع أفلاما بـ"زيرو بَادجت"، لن تقل مِيزانيته الجديدة عن 100 مليون دولار.

"أكثر ما أحبه فيه هو شغفه الشديد؛ إنه يفاجئني دائما".. "إنها قصة مُلهمة، حتى بالنسبة لي"

(جيمس وان عن ديفيد ساندبيرغ – عرض خاص لـ (Annabelle: (Creation- (أغسطس/آب) 2018)

المصدر : الجزيرة