أفلام ملهمة تعيد بناء نظرتك للحياة
السينما صُنعت للترفيه قبل أي شيء، والفيلم السينمائي -أيا كان تصنيفه- يستهدف إثارة التسلية والترفيه لدى المشاهد، ومن ثم تمرير فكـرته في سياق من المتعة أو الانبهار، أو على الأقل سياق من اللا مـلل. بشكل عام، استقطـاع ساعة ونصف أو ساعتين من وقت أي شخص لمشاهدة سلسلة من الأحداث هو حتما ليس بالأمر الهيّن، خصوصا في زمن اعتاد فيه الناس على السرعة في كل شيء، الأمر الذي يجعـل تعبئة الفيلم بالترفيه أمرًا حتميًا.
لذلك يمكن القول إن ذروة الإبداع السينمائي تتلخص في مزيج من الترفيـه والتسلية، إلى جانب استعراض فكـرة ترسخ في ذهن المشاهد وتدفعـه في حياته الواقعيـة إلى تطوير نفسه وفكـره، بل وربما الصمود في وجه المشكـلات التي يتعرّض لها. والأفكـار لا تتغير في ليلة وضحاها، الأفكـار تُزرع في عقولنا بمرور الوقت مع توسّع حجم التجارب التي نعيشها، ومن ثمّ تخضع للتطوير أو الإحلال والتجديد، إما من خلال كتاب، أو من خلال تراكم خبرات، وأيضـا من خلال أفـلام تم صنـاعتها بعنـايـة بهدف زرع أفكـار سليمة في رأسك في سياق من المتعة والترفيه.
هنا نستعرض هذه النوعية من الأفلام تحديدا، مجموعة من الأفلام المتنوّعة كل منها له فكـرة عميقة تتسلل داخل عقل المشاهد ووعيه بشكل سلس ضمن أحداثها المحبـوكة جيدا التي تتنوّع أحيانا ما بين دراما وكوميديا وتراجيديا، تختلف التصنيفات وتبقى متعة المشاهدة الممتزجة بعمق المعنى.
الفيلم بالأساس قائم على رواية للأديب الإنجليزي الأسطوري تشارلز ديكنز بنفس العنـوان "أنشودة عيد الميلاد" (A christmass Carol) تم إصدارها في عام 1843. ورغم أنها قصة قصيرة فإنها تعتبر من أفضل روايات ديكنز على الإطلاق وأكثرها شهـرة وانتشارا بين القراء -سواء البالغين أو الأطفال- باعتبارها تقدم مجموعة من أهم دروس الحيـاة وأروعها على الإطلاق.
في ليلة عيد الميلاد الكل يحتفل إلا السيد سكـروج، وهو عجوز طاعن في السن شديد البخل مكـروه من الجميع بسبب صفـاته الحادة وبخله الشديد واحتقـاره للناس، وفي تلك الليلة يذهب إلى منزله بمفـرده ليمـرّ بحالة أقرب إلى حلم طويـل يجعله يرى الموت بعينيه، ويندم على لحظـات تفـريطه في الإحسان إلى الناس ومساعدتهم رغم أنه يمتلك الثـروة والقدرة على نشر الخير. يرى خلال تلك الرؤيا ماضيـه، وحاضـره، ومستقبــله، ويتمنى في كل لحظـة عايشها أثناء تلك الرؤيا أن يعود مرة أخرى إلى الحيــاة ليتصدّق ويكون من الصالحين. الفيـلم يعج بمعانٍ إنسـانية هائلة اكتسبها من قوة الرواية التي كتبها الأديب الإنجليزي الأشهر، ويعتبـر من أكثـر الأفـلام التي يمكـن أن تغيّــر مسار حيـاة مُشــاهدها بالكـامل إلى الأفضـل.
أسـرة متديّنة شديدة الالتزام تعيش في تكساس في منتصف الستينيات من القرن العشـرين، تمرّ الأسرة بالكثير من المحن والأزمات، منها فقـدان الابن، وآلام الأم، وتشدد الوالد في تربية أبنائه وفقا لتعاليم الدين، مع استعراض فلسفي مرن وسلس للعـلاقات بين هذه الأسرة، تفكّـر كل منهم في الله، وربط آلامهم بطبيعـة الحياة وكيفية تكـوينها من الصفـر.
الفيلم أقرب إلى الخواطر التي تمزج العلم بالدين بالفلسفة بالحيـرة، ربما هو من نوعية الأفلام التي ينبغي مشاهدتها أكثر من مرة لإدراك الفكـرة والمغزى من ورائه، رغم أنه -بشكل ما- يحكـي قصـة كل فـرد منا أثناء مشاهدته للحيـاة والوقائع من حوله، ويحاول ربطها بما هو أسمى وأعلى من الوجود البشري.
تيم يكتشف أن لديه القدرة على العودة بالزمن إلى الوراء لتغيير بعض الأحداث، موهبة ورثها من أبيه، واكتشفها وهو على أعتاب الشباب، يقـرر تيم أن يستخدم هذه الموهبة فقط من أجـل أن يحيـا حيــاة تملؤها السعادة والحب دون أن يشغل باله بتكريسها للمال أو النفـوذ، هو فقـط يسعى إلى السعـادة ولا شيء سواها.
تدور أحداث الفيلم حول هذا المحور، عندما يتزوّج تيم ويعيش تفاصيـل الزواج ومشـكلاته وآلامه يوميا، فيعمـل طوال الوقت على أن يعود بالزمن إلى الخلف ليتجنّب الأزمات، ويكثّــف لحظته بالشعور بالسعادة في الأحداث التي يحبها، ليكتشف في النهاية قانونا أساسيا للسعـادة: أن تعيش كــل حدث كأنك عشتـه من قبل سيجعـلك تتخلّص من المواقف الكريهة بدون صدمة كبيـرة، وسيجعلك تحتضن اللحظـات السعيدة وتعطيها حقها.
الفيلم رغم فكـرته الخيالية التي يقوم عليها فإنه واقعي في استعراض تجارب الحياة وأزماتها وصعـوباتها وآلام الفقــد والموت والحيـاة المتعسّـرة والخوف من المستقبل، وعنصـر العودة بالزمن إلى الوراء هو فقط للتخديم على توضيح الفكـرة ومساعدة المشاهد على استنبـاط المعنى.
شخصيتان مختلفتان تماما، كارتر هو عامل أميـركي أسود ينتمي إلى طبقة كادحة متوسّطة، قضى حياته كلها في تربية أبنائه والوفاء بالتزامات أسرته، بينما إدوارد أميـركي أبيض ثري، قضى عمـره كله في جمع المال وتأسيس الشركات وأهمل اهتمـامه بالأسرة وتربية أبنائه، يكتشف الاثنـان في ظروف مختلفة أن كلا منهمـا مصاب بمرحلة متقدمة من السرطان، وتجمعهـا غرفة واحدة في المستشفى.
يعيش كل منهمـا معا كافة أعراض المرض المؤلم حتى يعلن الطبيب أن كـليهما مر من مرحلة الشفاء وأن الموت حتمي بالنسبة لهمـا، تنهـار آمال كل منهمـا حتى يقــرران معا أن يقضيـا آخر أيـامهما في عمــل كل ما كانا يتمنــيان أن يفعــلاه في حياتهما ولم تمكّنهما الظروف بسبب الانشغال أو نقص المال.
الفيلم ينقسم إلى نصفين، الأول هو رصد لكمية كبيرة جدا من الألم والمعاناة لكل من المريضين في أزمتهما، ثم النصف الثاني الذي يجسد بشكل واضح تحدّيهما للمرض في مواجهـة الحيـاة عبر السفــر إلى كافة أقاصي الأرض، وتحقيق كل ما كانوا يتمنونه، فضـلا عن خوض نقاشات عميقة طويلة عن كافة المفاهيم، بعضها علمي وبعضها فلسفي وبعضها اجتماعي ومالي.
جاك كامبـل رجل أعمـال ناجح، منذ 13 عاما كان على موعد لرحلة إلى مدينة لندن، حاولت خطيبته أن تثنيه عنها حتى يتمكنا من الزواج وتكوين أسرة، لكن طمـوحه كان أقوى، سافر وبدأ رحلته العملية التي انتهت به مليونيرا، ورئيسا تنفيذيا لواحدة من الشركات العمـلاقة.
في ليلة الكريسماس يخلد جاك كامبل إلى النوم وحيدا بلا أسرة، ليستيقظ ليجد نفسـه فجأة في حياة مختلفة كليا، خطيبته القديمة أصبحت زوجته وأصبح لديه منها طفلان، وأن حيـاته التي يعيشها تنتمي للطبقة الوسطى، وأن شـركته لم تعد تعترف به. فجأة يجد نفسه في عالم آخر مختلف عن عالمه، ويحاول بشتى الطرق العودة إلى عالمه الأصلي الذي حقق فيه طموحاته بلا جدوى، بمرور الوقت يبدأ جاك في التآلف مع أسرته، ويهتم بزوجته وأطفاله ويشعـر بالسعادة الحقيقية التي كان يفتقدها رغم نقص المال وعدم قدرته على الحياة المرفّهة التي عاشها طويلا.
الفيلم يضـرب على وتر يعيشه كل شخص: هل السعادة في تحقيق الطموحات الكبرى فعلا أم السعادة تكمن في الرضا بحياة بسيطة هادئة عادية للغاية لا يوجد فيها سوى الأطفال والأسرة والحيـاة السويّة الهادئة؟ في الغالب يبدو نمط الحياة الأولى ذا بريق، ونمط الحيـاة الأخرى ممل ومقبض، لكن المظـاهر ليست دائما صحيحة، وما يبدو لك مملا كئيبا نمطيا قد يكون هو أساس السعادة ذاتها.
الفيلم قائم على كتاب يحكي قصـة حياة كريس غاردنر رجل الأعمـال الأميركي الذي مرّ بظروف استثنائية من الخسـارة التي أدّت إلى فقــر مُدقع الذي تزامن مع عدد كبير من المصـائب والضـربات التي طالته، وتخلي زوجته عنه، وحجز الضرائب على حسابه المصرفي وغيرها، ليضطـر كريس أن يستجمع كل طاقته للخروج من هذه المآزق، خصوصا وهو يعيــل ابنه الصغيـر.
التحق كريس بدورة تدريبية تسمح له أن يكون سمسارا لدى شركة، وهذه الدورة في نهايتها سيتم اختيار واحد فقط من ضمن عشـرات المتقدمين، وهنا محور الفيلم، حيث تظهـر الأحداث مستوى المجهود الاستثنائي الذي بذله غاردنر للحصول على هذه الوظيفة، وثباته في وجه الظـروف التي من الصعب جدا أن يجتـازها أي شخص آخر، انتهت في النهايـة بواحد من أكثـر المشاهد إبداعا بقبــوله في الوظيفة بعد شهـور طويلة من التدريب غير مدفوع الأجر، وتوفيـر حياة كريمة له ولابنه أخيـرا بعد فتــرة طويلة من الأزمات والآلام.
الفيلم يعتبـر واحدا من أفضل وأروع أيقونات التحفيـز السينمـائية التي تم إنتـاجها حتى الآن، ويعتبـر مرجعا حقيقيا لكل شخص يمرّ بأزمات في حياته ويحتاج إلى الدعم، خصـوصا أن قصتـه حقيقية تماما وأن صاحبها ما زال حيا يُرزق.
مايكل نيومان مهندس معمـاري ناجح في عمله، يحاول أن يوازن بين حياته العمليـة في شركته وبين حياته الشخصية لزوجته وأطفال، بشكل ما يكتشف جهـاز تحكم عن بعد (ريموت كونترول) من خلال شخصية غامضة تظهر له، تنبّهه أن هذا الجهاز يمكنه أن يتجـاوز كافة اللحظـات المؤلمة والمزعجة له بقفزة زمنية سريعة للأمام، ويحذره أنه لن يستطيع العودة إلى الخلف أبدا طالما استخدم الجهاز.
يبدأ نيومان في استخدام الجهاز في كل مناسبة تزعجه، خلاف مع زوجته، موعد مع أسرته، فقط يتجاوزه سريعًا محاولا التركيز على مشروعه الذي من المفتـرض أن يقدّمه. يركز الفيلم -في إطار كوميدي- على فكـرة أن الحياة كلها في التفاصيل، وأن تجاوز هذه التفاصيل التي قد تبدو تافهة يفقـد الحياة تماما من معنـاها، وسرعان ما يجد المرء نفسه في نهاية عمـره، وينتبـه أنه أضاع معظمه في الجري وراء ترقية ما أو أمل ما بدلا من أن يستمتع بالحيـاة بمعناها الحقيقي. الفيلم يعتبر في حد ذاته درسا مُلهمـا في الحياة، ومع ذلك، معالجة هذه الفكـرة شديدة الأهمية بأسلوب كوميدي جعلهـا أكثر وضوحا وتأثيرا بالدور الاستثنـائي الذي قام به آدم ساندلر.
بعد أن يتخرج من جامعة إيموري يقرر الطالب المتفوق كريستوفر بأن يتخلى عن كل شيء ويتجه إلى البرية، يرفض هدية والده الثري بسيارة فارهة، ويتبـرع بكافة مدخراته الجامعية التي تبلغ قيمتها 24 ألف دولار إلى الجمعيات الخيرية، ثم يحزم حقيبة يملؤها بالكتب وأدوات السفــر ويتوّجــه هائما على وجهه إلى أي مكان يجده أمامه، لا رفيق معه في سفـره سوى كتبه، ويلتقي خلال رحلته بالكثير من الشخصيات التي تؤثـر فيه وفي حياته، في سلسلة من الأحداث والمواقف والمشـاهد التي يحمل كل منها درسا عميقـا بالنسبة له. الفيلم يعج بالكثير من المعاني الإنسانية العميقة أقرب إلى خواطر رحلة طويلة مليئة بالأفكار والمشاهدات في كافة موضوعات الحياة، ما يجعله واحدا من أهم أيقونات السينما في العقــد الأول من الألفية الحالية.
كل فيلم من أفلام هذه القائمة يستعرض موضوعا مُغايرا عن الآخر وتصنيفا مختلفا أيضا، لكن جميعهـا يحمل من عمق الأفكـار الممتزجة بروعة المشاهد وحبكة القصـة ما يمكنـها أن تغيّــر مفاهيم كاملة راسخة في وعيـك إلى الأفضل.