شعار قسم ميدان

بين "المدمر" و"ماتريكس".. كيف تنبأت السينما بالذكاء الاصطناعي؟

midan - the matrix movie

في أواخر (يوليو/تموز) من عام 2017 اندلعت حرب تصريحات صغيرة بين اثنين من ممثلي أكبر أقطاب التقنيـة في العالم: مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك، وإيلون ماسك مؤسس شركة "تسلا" التقنية ذات الاختراعات الرائدة. السبب كان خلافهما الحاد بخصوص "الذكاء الاصطناعي" الذي تطوّره الشركات التقنية بوتيرة متسارعة باعتباره "الشيء الكبير القادم" الذي ستشهده البشرية هذا القرن.

 

من ناحية، يعتبـر إيلون ماسك أن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى كارثة حقيقية قد تجعـل الآلات هي التي تسيطر على الأرض وتستعبد الإنسان، وهو طبعا تصوّر يبدو سينمائيا خياليا قليلا، يتماشى مع المزاج العام الذي يؤكد أن الآلة ستسود الأرض، وأنها ستكون سببًا في اندثار الإنسان.

 

من ناحية أخرى، يرى زوكربيرغ أن مخاوف ماسك مُبالغ فيها، خصوصا أن شركـاته -إيلون ماسك- مثل "تسلا" و"سبيس إكس" وغيرها هي أكثر الشركات التقنية دعما للذكاء الاصطناعي والقيادة الذكية وتعزيز الواقع الافتراضي، ويرى أنه من الضروري أن تتخذ البشرية إجراءات واسعة تجاه الذكاء الاصطناعي وتطويعـه لخدمة البشرية وإحداث نقلة كبـرى في الحياة على الأرض خصوصا على الأصعدة الطبية والترفيهية. (1)

 

يأتي هذا الجدل على خلفية تطوير فيسبوك لبرنامج -أو لعبـة على الأحرى- يقوم فيها جهازان مزوّدان بذكاء اصطناعي بإجراء محادثة تفاوضية بدت في مجملها عادية، لكن في مرحلة متقدمة من المحادثة بدا أن الجهازين قاما بتطوير لغـة جديدة للتفاوض فيما بينهما، هي في ظاهـرها لغة إنجليزية لكنها مؤلفة من تكرار لعدد من الكلمات، ما اعتبـره البعض محاولة من الروبوتات لمراوغة سيطرة الإنسان عليها. (2)

 

بشكل عام، كان وما زال الذكاء الاصطناعي قضية مجهولة ومخيفة في الوقت نفسه -مثل أي شيء جديد بالنسبة للإنسان- غالبا ستتضح معالمها بشكل أكبر سواء للمدافعين أو المهاجمين. في الحالتين، دورنا هنا أن نستعرض مجموعة من أهم الأفلام والمحاضرات التي تناولت الذكـاء الاصطناعي من زوايا مختلفة، ربما تتطابق إحداها -أو جميعها- مع مفاهيم الذكاء الاصطناعي الذي سوف نشهده في المستقبل الذي بات قريبا.

 

هِـيَ.. قصـة حب ملتهبة بين إنسان ونظام تشغيل
 
نسمع عن قصص حب مختلفة، بدءا من روميو وجوليت وقيس وليلى، مرورا بقصص حب الإنسـان للحيـوان من ناحية الوفاء والألفة، وليس انتهاء بحب الإنسـان للجمادات أيضا مثل المنزل والقمـر والمدن. لكن أن نسمع عن قصة حب بين إنسـان و"نظـام تشغيل" فحتما هذه تعتبر إضافة جديدة في رحلة الإنسـان العاطفية العجيبة التي يبدو أنها قد تحدث في المستقبل القريب.

 

فيلم "هي" (Her) يعتبر حالة فريدة في تقديم نموذج غير مسبوق لقصة درامية محبوكة بشكل جديد تماما على شاشات السينما، عندما جسّد قصـة وقوع ثيـودور -رجل مهووس بالتقنية، حياته بائسة بشكل عام- في حب سامنثـا. سامنثا ليست فتاة جميلة قابلها ثيـودور في إحدى المطاعم أو المقـاهي، وليست زميلته في العمل، وإنما الصوت المؤنّث لنظـام تشغيل حديث تم إصداره باسم "أو إس 1" (OS 1) مزوّد بآلية ذكـاء اصطنـاعي متقدمة للغاية تجعـل سامنثـا تبدو كأكثـر البشر حرارة وألفة وعاطفة ومودّة.

 

فيلم "هي" (Her) من إنتاج عام 2013، ومن بطولة خواكين فينيكس والنجمة سكارليت جوهانسون التي شاركت طوال الفيلم بصوتها فقط. حاز الفيلم على مراجعات نقدية إيجابية للغاية من الجمهور والنقّاد بتقييم يزيد عن ثماني درجات في موقع "آي إم دي بي" (IMDB) و"الطماطم الفاسدة"، وترشح الفيلم إلى خمس جوائز أوسكار فاز منها بجائزة واحدة، فضـلا عن ترشحه لعشرات الجوائز الأخرى في مهرجانات السينما العالمية.

 

الفيلم الذي حقق إيرادات قدّرت بثمانية وأربعين مليونا -أي ضعف ميزانية تمويله تقريبا- يعتبر واحدا من أبرز الأفلام التي تم إنتاجها مؤخرا التي تناقش الذكاء الاصطناعي من منظور رومانسي درامي حياتي بحت، ويقدم نموذجا تحذيريا إلى حد ما من إمكـانية تغلغل الذكاء الاصطناعي في أهم العناصر التي تميّز الإنسـان، وهو عنصر الجانب العاطفي البحت.

 

المدمّــر.. الآلات تتصـارع على إبادة البشر
 
ربما لا توجد سلسلة أفلام تصوّر مستقبلا كئيبا تتفوّق فيه الآلات على البشر وتحكم الأرض أكثر من سلسلة "المدمّر" (The Terminator)، حيث الآلة وصلت إلى مرحلة من الذكاء الذي جعلها تستطيع الخروج عن سيطـرة البشر والدخـول في معارك شاملة تسعى فيه إلى إبادة الجنس البشري بالكامل.

 

تتناول سلسلة "المدمّر" التي بدأ إنتاجها في مطلع الثمانينيات حبكـة خيال علمي فريدة تجمع ما بين الذكاء الاصطناعي من ناحية والسفر عبر الزمن من ناحية أخرى، حيث تمثّل كل منهما الأفكـار الأساسية التي قامت عليها هذه السلسلة.

 

جون كـونر هو البطل المستقبلي الذي يستطيـع أن يحقق انتصارات البشر ضد الآلات، الأمـر الذي يجعـل الآلات ترسل إنسانا آليا "سايبـورغ" (Cyborg) عبر الزمن إلى الماضي بهدف قتــل جون كــونر وهو ما زال صبيا، ومن ثمّ يظهــر إنسان آلي آخر أرسله البشر من المستقبـل يتولّى الدفاع عن حيـاة كـونر في الماضي ليضمـن بقاءه حتى يتسلّم راية الحرب ضد الآلات في المستقبل.

 

بدأت سلسلة "المدمّر" في عام 1984 ببطولة الممثل الأميركي النمساوي الشهير أرنولد شوارزينيجر، ثم تبعه الجزء الثاني "المدمر: يوم الحساب" الذي صدر في عام 1991، ثم الجزء الثالث "المدمّر: صعـود الآلة" في عام 2004، فتبعه الجزء الرابع "المدمّر: الخـلاص" في عام 2009، ثم الجزء الخامس والأخير -حتى الآن- الذي صدر في عام 2015 باسم "المدمر: جينيسيس".

 

السلسلة تعتبر من أكثر أفلام الخيال العلمي إثارة في أحداثها بشكل عام، واعتبرت أساس ثورة الخيال العلمي في الثمانينيات والتسعينيات، حيث حققت الخماسية إيرادات إجمالية تقدر بـ 3 مليارات دولار، وتعتبر من أكثـر سلاسل الأفلام إيرادا بالتوازي مع سلاسل الأفلام الشهيـرة الأخرى مثل "الحديقة الجوراسية" و"قراصنة الكاريبي".

 

إكس ماشينا.. ذكاء اصطناعي يسعى إلى الحرية
  
عندما ذهب المُبرمج المتألق في عمله إلى رحلة لزيارة منزل الرئيس التنفيذي لواحدة من أكبر شركات البرمجيات التي تطوّر الذكاء الاصطناعي في العالم فوجئ أنه تم بالفعل تصنيـع روبوت متطوّر بذكاء اصطناعي متميز قادر على مطابقة انفعالات البشر، تم إطلاق اسم "آفا" (Ava) على الروبوت الذي تم صنـاعة وجـه امرأة له مع ترك بقيـة جسده بشكل آلي.

 

يبدأ المبرمج الزائر في دراسة الروبوت الأنثوي عن كثب، لتنشأ بينهما عـلاقة عاطفيـة حقيقيـة ناتجة عن الانفعالات الحقيقية تماما التي يقدّمها الروبوت في معاملاته مع البشر. تتطوّر العـلاقة ليتضح أن الروبوت الرقيق كان يستغـل مشاعر المُبرمج للهـروب من محبسـه وبدء حيـاته الشخصية بعيدا عن احتجـاز صانعيـه له.

 

فيلم "إكس ماشينا" (Ex Machina) هو فيلم بريطاني من إنتاج عام 2015، ورغم ميزانيته الصغيـرة نسبيا (15 مليون دولار) فإن الفيلم استطاع أن يحقق نجاحا كبيرا في أوساط الجماهير والنقاد، وترشح إلى عدد كبير من الجوائز من بينها الأوسكار، وتم ترشيحه من ضمن أفضل 10 أفلام مستقلة تم إنتاجها في هذا العام.

 

يركز الفيلم على واحدة من أخطـر الأمور التي يخشاها العلماء والمبرمجون، وهو إمكـانية أن تطوّر الروبوتات من خلال منظومة الذكاء الاصطناعي مجموعة من المشاعر والانفعالات التلقائية التي يميل البشر إلى تصديقها والتعامل معها بشكل عفوي تلقائي، ثم يتضح في النهاية أنها مشاعر مخادعة يعتمد عليها الذكـاء الاصطناعي للآلات لتحقيق رغبـاتها الخاصة، والسعي نحو التحرر من سلطة الإنسـان.

 

الفيلم يعتبر واحدا من أهم الأفلام التي ناقشت هذه الفكـرة بشكل مركّـز وسلس وبعيد تماما عن التعقيـد من ناحية، أو المبالغة من ناحية أخرى، وإن ظل الأمر كله تحت بند الخيال العلمي، حتى الآن على الأقل!

 

عندما يصبح الكمبيوتر أكثر ذكاءً منا.. ماذا سيحدث؟
 
يبدو أن الشق الأول من السؤال سوف يحدث لا محالة، وسوف يأتي اليوم الذي تشهد فيه البشرية صناعة أجهزة حاسوبية توازي الذكاء البشري إن لم تتفوّق عليه. في إحصـائية تم توزيعها على عدد كبير من المبرمجين العاملين في مجال الذكـاء الاصطناعي توقّع أغلبهم أن الآلات ستكون على قدر من الذكـاء يساوي 50% من الذكاء البشري بحلول عام 2040 من القرن الحالي.

 

في هذه المحاضـرة من "تيد" التي شاهدها أكثر من مليوني ونصف مشاهد لا تبدو الأمور مبشّرة بتاتا، ويقرر المبرمج المخضرم والمتخصص في الذكـاء الاصطناعي نيك بوستـروم أن وتيرة أبحاث الذكاء الاصطناعي متسارعة للغاية، وأن كل الإشارات تقول إن الذكـاء الاصطناعي سيحل محل الإنسـان في الكثير من أنشطة الحياة، ربما يؤدي في فترة من الفترات إلى إحداث ثورة صناعية وتقنية أخرى، ولكن في مراحل لاحقة قد يكون ضـررها أكبر مما هو متصوّر. فهل ستساعدنا الآلات الذكية في الحفاظ على إنسانيتنا وقيمنا، أم سيكون لها قيمها الخاصة؟

 

والسؤال الأكثر خطورة: هل وجود آلات ذات ذكـاء أكبر من ذكاء الإنسان يعني أن الانسان ما زال هو سيد الكوكب، أم أن طبيعة الحياة على الأرض تجبر أن يكون الأكثر ذكاء هو السيد، وبالتالي نحن بصدد عبودية الإنسـان للآلة بدلا من العكس؟ هذه الأسئلة وغيرها يطرحها نيك بوستروم الذي يؤكد في محاضرته الشيّقة أنه لا يدعو إلى وقف أبحاث الذكـاء الاصطناعي بقدر ما يدعو إلى تكثيف تجارب الذكـاء الاصطناعي في الأوساط الافتراضية لمراقبـة مستوى تطوّرها عن بُعد، وما يمكن لنا كبشـر أن نؤمّن به أنفسنـا في مواجهـة "تمرّد" آلي محتمـل في مرحلة من المستقبل الذي قد لا يكون بعيدا عنا جدا.

 

تفوق.. صراع دموي بين صانعي الذكاء الاصطناعي ومعارضيه
 
رغم أن فيلم "تفوّق" (Transcendence) الذي تم إنتاجه في عام 2014 بميـزانية كبيـرة قدّرت بـ 100 مليون دولار وتمت الاستعانة فيه بالثلاثي المخضـرم جوني ديب ومورغان فريمان برفقة البريطانية المميزة ريبيكا هول فإنه لم يحقق نجاحا جماهيريا كبيرا في شباك التذاكـر أو النقاد والجمهور بشكل عام، بإيرادات بلغت 103 مليون دولار تكاد تغطي نفقـة الفيلم.

 

الفيلم -رغم كل ما سبق- يعتبر واحدا من أهم وأبرز الأفلام التي سلّطت الضوء على الذكـاء الاصطناعي بشكل كبير، حيث يبـرز قصـة أحد العلماء المهووسين بتطويـر الذكاء الاصطناعي الذي يصطدم مع إحدى المنظمات المدنية المتطرّفة التي تحاصـر أبحاث الذكاء الاصطناعي وتعتبر أنه كارثة على البشرية تؤدي في النهاية إلى تصفيته جسديا وقتله، ما يجعل زميلته تقوم باستخدام أبحاثه المعقّدة في عالم الذكاء الاصطناعي بإعادة تحميل محتويات عقله بعد وفاته إلى شبكـة افتراضيـة قام هو بصنـاعتها قبل موته، ما يجعله يعـود مرة أخرى -بشكل ما- إلى الحياة، ويستمر في متابعة أبحاثه الخطيـرة وهو في هيئته الافتـراضية الكاملة.

 

الفيلم يركّز بشكل كامل على مخاوف المنظمات التقنية من صعود الذكاء الاصطناعي من ناحية، ومن ناحية أخرى جمـوح العلماء وجنونهم الذي يدفعهم لاستمرار أبحاثهم بغض النظـر عن نتائجها على البشرية، فقط لمجرد الوصول إلى نتائج مثيرة ترضي طموحهم العلمي، وهو الأمر الذي يجعلك في حيـرة في التفرقة بين الجاني والضحية في أحداث الفيلم.

 

ثلاثيـة الماتريكس.. صراع مصيري في شبكة افتراضية
 
ربما فيلم "ماتريكس" هو أكثر فيلم غني عن التعريف في هذه القائمة بسبب شهـرته الهائلة -خصوصا الجزء الأول الذي صدر في عام 1999- من ناحية، وبسبب تعقيده الشديد من ناحية أخرى الذي جعل الكثيـرين يستمتعون بالمؤثرات البصرية للفيلم وأحداثه الهائلة دون أن يهتموا بتفاصيل وسياق القصة نفسها المليئة بالرموز لدرجة أن الكثير من معتنقي نظـرية المؤامرة اعتبروا هذا الفيلم تحديدا يضم إشارات ماسونية غامضة.

 

القصة الأساسية للفيلم تبدأ عندما يعثر المبرمج وقرصان الإنترنت توماس على شبكة افتراضيـة تسمّى الماتريكس، يجد نفسه متورّطا في أحداث غير متوقعة داخل هذه الشبكة التي يتضح أنها من صنع آلات حاسوبية ذات ذكاء اصطناعي فائق تعمل على استخدام البشـر كمصـادر للطاقة الخاصة بها بعد أن دمّـر البشر مصادر طاقتها الأصلية (الشمس) في المستقبل. وتدور أحداث الفيلم على أساس الصراع بين البشر من ناحية وبين الواقع الافتراضي فائق الذكـاء الذي يشترك فيه الآلات والحواسيب الذكية والبرمجيات من ناحية أخرى.

 

تم إنتاج ثلاثة أفلام لسلسلة الماتريكس، وقدّرت أرباحها في عام 2016 بحوالي 3 مليارات دولار، ما يجعلها من أكثر سلاسل الأفلام شهـرة وجذبا للإيرادات. كما حققت الثلاثيـة تقييما نقديا إيجابيا كبيرا إلى جانب الكثير من القراءات والمراجعات الجانبيـة بسبب الرموز الدينية والفلسفية العميقة التي يشملها الفيلم في تفاصيله والتي تحمل طابعا دينيا واضحا يستدعي للأذهان فورا أدبيـات نهاية الزمـان الواردة في الكتب المقدّسة، وهو أمر يبدو أنه كان مقصودا من الأخوين وتشـاويسكي اللذين اعتادا على صنـاعة أفلام مليئة بالرموز على هذا النمط.

 

بشكل عام؛ الفيلم بثـلاثيته ربما هو أكثر الأفلام التي تناولت الذكاء الاصطناعي والحوسبة الذكية بشكل متضمّن لكثير من المعاني المقلقة، حيث قامت بتضخيم الفكـرة بشكل كبير يتناسب مع طبيعـة الدراما البشرية المعتادة في انتظـار المخلّص، ودمج الحالة الافتراضية الحاسوبية بالكامل في أدبيـات تاريخية طويلة لها دلالات عميقة. بمعنى آخر، ربما هو أكثر أفلام هذه القائمة كآبة وقلقا من المستقبل، وإن كان مستوى الإثارة والأكشن والخيال فيه نجح في مداراة هذا المعنى معظم الفيلم.

 

الذكـاء الاصطناعي "A.I".. قد يكون الأثر الوحيد الذي يبقى
 
في أواخر القرن الثاني والعشرين تواجـه الأرض احتباسا حراريا وصل إلى ذروته أدّى إلى مسح العديد من المدن العالمية الأساسية الكبرى مثل أمستردام والبندقية ونيويورك، ومع ذلك، وصلت حركة التقدم البشري إلى تطوّر غير مسبوق، حيث أصبح إنتاج الآلات الشبيهة بالبشر أمرا شائعا، وأصبحت الآلات لديها القدرة على التعبيرات العاطفية والتذكّـر والتفكير مثل الإنسان العادي تماما.

 

تقرر إحدى العائلات تبنّي طفل روبوتي صغير لقضاء الحياة معهم ويصبح كابنهم تماما، وتتوالى الأحداث حتى ينتهي الأمر ببدء عصـر جليدي قاس على الأرض يؤدي إلى اندثار الحياة تماما على الكوكب، فقط يظـل الروبوت الصغير قابعا تحت الثلوج سنوات طويلة حتى تستخرجه مخلوقات فضائية وتعيد تشغيله وتعديله لتتعرّف على مستوى الحضارة التي كانت تعيش على هذا الكوكب منذ زمن بعيد.

 

فيلم "الذكاء الاصطناعي" (A.I Artificial Intelligence) هو فيلم من إنتاج عام 2001، من إخراج الممثل الأميـركي المخضـرم ستيفن سبيلبيـرغ. حقق الفيلم شهـرة كبيرة وتقييما نقديا إيجابيا للغاية انعكس على إيراداته الضخمة التي تجاوزت حاجز 230 مليون دولار مقابل ميزانية إنتاج كبيـرة قدرت بـ 100 مليون، واحتل الفيلم مكانا من ضمن قائمة البي بي سي لأفضـل الأفلام التي تم إنتـاجها بدءا من الألفية الجديدة حتى الآن.

 

الفيلم يتعامل مع الذكـاء الاصطناعي بطريقة مختلفة تماما، حيث يقدّمه باعتبار أنه جزء نابع من البشرية ويعيش معاناتها كاملة، بل وربما يكون هو الأثر الوحيد الذي يمكن أن يظـل شاهدا على تطور الحضارة البشرية في مرحلة ما من مراحل اندثارها في المستقبل. معالجة مختلفة للذكـاء الاصطناعي يقف في مصلحة الإنسـان ويتعاطف معه ويعيش معه آلامه وأحزانه، وليس كمصـدر خطر يهدد البشرية.

 

لا تخافوا من الذكاء الاصطناعي الخارق
 
الخوف من الذكاء الاصطناعي له ما يبرره قطعا، وهو ما يتفق معه العالم والفيلسوف غرادي بوش. يقرر بوش أن التقنية الجديدة دائما تولّد نوعا جديدا من القلق، وكان هذا دائما ما يحدث على مسار البشرية، حتى اختراع المذياع والتلفزيون أثارا قلق الناس وشكوكهم لفتـرة طويلة، شبكـة الإنترنت أثارت قلقا واسعا أيضا لفتـرة من الفترات.

 

ببساطة، يقــرر غرادي بوش: الإنسان عدو ما يجهله، والذكاء الاصطناعي هو أكثر ما يجهله الإنسان العامّي حاليا، وبالتالي هو أكثر ما يثير قلقه من التقنية التي تصل إلى حد المعاداة. ولكن هذا القلق بالفعل غيـر مبرر، وليس من الطبيعي أبدا أن نخاف كبشر من تطوير ذكـاء اصطناعي قوي لا يمتلك أي مشاعـر.

 

في محاضـرته على مسرح "تيد" التي حققت مشاهدات تقترب من المليون ونصف في الموقع الرسمي للمنصّة، يناقش بوش أقصى مخاوفنا من الذكاء الاصطناعي ويستعرضها كاملة في أسلوب مشوّق، ثم يركز على تفتيت هذه المخاوف بشكل منطقي علمي ممنهج، ويؤكد معنى غائبا لدى الكثيرين أن البشر لن يقوموا ببرمجـة الحواسيب الذكيـة فقط، وإنما سيقومون بتعليمها أيضا لتأخذ من قيمنا ومشاعرنا وتتبع هذه القيم -التي سيتم زرعها بها بعناية-، لخلق ذكـاء اصطناعي متماهٍ مع الطبيعة الإنسانية، والأهم: ذكاء اصطنـاعي في حاجة دائما للبشر لكي يتم التحكم فيه، وليس ذكـاء اصطناعيا مُطلقا له الحرية بالتصرّف.

 

بشكل عام هذه المحاضرة يمكن أن تسمّيها: النظر إلى النصف الممتلئ من الكوب فيما يخص تطوير ذكـاء اصطناعي يساعد البشريّة ويحسّن منها، بل وربما يساهم في حمـايتها كذلك.

 

أنا والروبوت.. عالم الجريمة بين الآليين
 
في عام 2035 -وهو ليس تاريخا بعيدا عنا جدا لو تأمّلته- تعمل الروبوتـات ذات الطباع البشرية في خدمة المجتمعات، خصوصا في المجالات الأمنية، وتتصدى الروبوتات للجرائم، وتتدخل سريعا في عمليات الإنقاذ والإسعاف وعمليات البحث عن المفقـودين، الأمر الذي يجعل الحيـاة أكثر هدوءا وتماسكا، خصوصا مع تمييز هذه الروبوتات طوال الوقت، وتحديدهم بأنماط شكلية معينة، وربطهم بنظـام حاسوبي يمنع حدوث أي ثورة سببها الذكاء الاصطناعي المزوّدين به.

 

هنا، يكتشف المحقق الذي يلعب دوره الممثل المبدع ويل سميث حدوث جريمة بين الآليين قام بها أحدهم، وعندما يكتشف المحقق أسباب ودوافع هذه الجريمة يتضح وجود مخطط أكبر بكثير من مجرّد جريمة آلية، وأن الآليين لديهم نيات لا يمكن وصفها بالحسنة تجاه البشر.

 

فيلم "أنا والروبوت" (I, Robot) فيلم شهير من إنتاج عام 2004، حقق تقييما نقديا إيجابيا ممتازا بين الجمهور والنقاد، وانعكس على إيراداته التي اقتربت من 350 مليون دولار مقابل ميزانية إنتاج كبيرة قدرها 120 مليونا. يسلط الفيلم الضوء على الذكـاء الاصطناعي والأنماط السلوكية للآليين بشكل مختلف، حيث يظهـرهم بأن لديهم مشاعر من الخير والشر قريبة من المشاعر الإنسانية، وأن المجتمع الآلي المزوّد بالذكاء الاصطناعي له نفس خطايا ومشكلات المجتمع البشري.

 

أخيرا، لا يمكن حصـر كافة الأفلام التي تناقش الذكاء الاصطناعي كمحور أساسي في الفيلم، فضلا عن عشرات الأفلام الأخرى التي تستخدم فكـرة الذكاء الاصطناعي بشكل جانبي، لكن يمكن اعتبار هذه الأفلام والمحاضرات مدخلا ممتازا يوضّح شكل المستقبل على خلفية الصراع الخفي الدائر بين شركات التقنيـة الكبرى في السنوات الأخيرة، ما بين جموح وقلق، طموح وخوف، تأكيدات بأمان التطبيق ورعب من خروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة.

المصدر : الجزيرة