شعار قسم ميدان

"خير وبركة".. الكوميديا التي لا تُضحك أحدا

ميدان - خير وبركة فيلم مصري

*يحتوي التقرير على حرق لبعض أحداث الفيلم* 

 

قد تكون الجرأة والصدفة وحرّ الصيف هم من ألقى علي ربيع على خشبة المسرح(1) ليستحوذ خلال سنوات قليلة على اهتمام المتابعين وإعجاب المتفرجين. كانت ضربته الأولى، المشاركة في مشروع "مسرح مصر" مع الممثل أشرف عبد الباقي وباقة من الممثلين الشباب منهم محمد عبد الرحمن وكريم عفيفي وآخرين ممن شكّلوا نواة عدد من الأعمال التلفزيونية والسينمائيّة لاحقا.

 

كان انتقال تلك المجموعة من المسرح إلى السينما بمثابة إعلان عن ولادة جيل جديد من السينمائيين الشباب خصوصا مع إنساب أدوار البطولة إليهم بشكل كامل مثل أفلام "أوشن 14″ و"حسن وبقلظ" عام 2016. مع ذلك، فإن ما نجح على المسرح ليس بالضرورة مسوغا لتحقيق نفس النتائج على الشاشة الكبيرة. فشل العملان سينمائيا(2) كما فشلت أعمالهم في الدراما الرمضانية(3)، رغم الأرقام المعقولة التي حققاها على شباك التذاكر، فكيف حدث هذا التناقض؟ وهل نحن أمام شكل جديد من الكوميديا لم نفهمه بعد؟ أم أن هناك خللا ما فيما تقدمه هذه الأسماء التي سيكون أبرزها علي ربيع، أكثر المحظوظين من وجودهم في "مسرح مصر"؟

 

undefined

 

في "خير وبركة" يشترك كل من ربيع وعبد الرحمن في بطولة قصّة عن أخوين كما في فيلم ربيع السابق، لا تبرز الفوارق بين الشابين بوضوح فكلاهما يتصف بمحدودية الذكاء وغرابة التصرّف مما يؤهلهما للوقوع في مشكلة تلو أخرى وهي ثيمة الفيلم ككل متخذةً منهجا واضحا يمر في ثلاث خطوات: 1- وجود مشكلة، 2- محاولة حلها، 3- الوقوع في مشكلة أكبر.

 

دوافع خير وبركة واضحة؛ إرضاء والدتهم بعد أن خاب ظنها بهما فجأة؛ تأثرا بنجاح أحد أقاربهم مقابل فشل أبنائها، فيصبح إرضاء الأم هو الغاية التي لا تدرك إلا نحو نهاية الفيلم. سيكون الهدف الكبير المنصوب أمام أعينهم هو الحصول على صورة مع الفنانة هيفاء وهبي المزمع ظهورها في حفل كبير يصل سعر تذكرة حضوره إلى 500 جنيه مصري.

 

حاول مؤلف الفيلم شريف نجيب -مع جورج عزمي-، القيام بمفاجأة للجمهور حين قصّر المدة التي يستغرقها الأخوين في الحصول على المال من أجل شراء التذاكر، حيث خُيّل أن الفيلم سيكون رحلة لمحاولة توفير التذاكر بالأساس ولكن "بركة" يحل المشكلة فجأة بإخراج ألف جنيه "كان شايلهم لوقت زنقة" فينتهي هذا الفصل، مع بدء آخر تبدأ فيه كافة الشخصيات بالاجتماع بعد أن كان كل منهم يتحرك في منطقته الخاصة، فيكون اللقاء الأول مع بيومي فؤاد الذي حصل على آخر ثلاثة تذاكر للحفل بعد سطوه على باص يقل طلابا في إحدى المدارس الخاصة للأطفال.

 

يقدم الفيلم تسلية عائليّة "نقيّة" إن صح تسميتها، فالوازع الأخلاقي موجود لدى غالبية الشخصيات من تاجر المخدرات إلى اللص. مع ذلك، فإن المشاهد التي استطاعت إضحاك الجمهور معدودة على أصابع اليد الواحدة، كانت التسلية محملة بسوء تقدير كبير، سلسلة متتابعة من مشاهد في قصة لا يملك المتفرج حتى الحماسة لمعرفة نهايتها.

 

 

وبينما كان يأمل كاتب السيناريو تحقيق هدفه بتوفير فيلم كوميدي، بدا أن الجمهور يسرح في واد غير الذي يجول فيه المؤلف، فمثلا في أحد المشاهد وتعقيبا على اللغة العربية لاسطوانة استقبال المكالمات لحفل هيفاء وهبي، قال ربيع "تحس إنها متخرجة من دار العلوم في بيروت"، وهي نكتة كان من الممكن أن تكون لطيفة إن كانت في منشور على فيسبوك ولكنها لم تجد من يستقبلها أمام الشاشة الكبيرة. وهو ما يستمر في الحدوث على طول الفيلم بلا ملل.

 

كانت النكتة الكبيرة في الفيلم هو الغاية السامية لأبطاله؛ تحقيق رضى الأم عنهما ولكن باستخدام وسيلة بالغة السذاجة مثل الحصول على صورة مع هيفاء وهبي، مع ذلك فإن فانتازيا الفكرة "المقدمة من علي ربيع أصلا"(4) لم تخدمه الكتابة الجيدة للعمل في نهاية المطاف.

 

حاول ربيع تجاوز العجز السابق في فيلم "حسن وبقلظ" الذي اعتمد تماما على الكوميديا الحركيّة في خلق الضحكة، وأراد هذه المرة كوميديا تعتمد على اللغة والحوارات بين شخصيات غبية شوه وجودها "عصابة الرداء الأسود" التي شكّلت الشر المطلق في الفيلم في مواجهة البراءة ونوايا العيش ببعض الكرامة.

 

مستقبل مهدد

في هذه اللحظات من كل عام يبرز قبح الإنتاج كما لا نراه في غيرها، السبكي الذي بدأ بالاستثمار بنجوم "مسرح مصر" قد يتحول إلى معول هدم لوجودهم في حال استمر العمل بهذه الوتير المتسرعة والمفتقرة لأي جانب إبداعي يستطيع صنع كوميديا حقيقية يفهمها الجمهور ويتعامل معها دون أن يندم في كل مرة يدفع نقوده مقابل دخول أحد تلك الأفلام في قاعة السينما فقط لأنه يثق في أبطاله.

 

undefined

 

حتى اللحظة، كل ما يساعد نجوم "مسرح مصر" في عالم السينما هو جماهيريتهم القادمة معهم من أدوارهم في المسرح، يبدو علي ربيع على وجه الخصوص مقربا للغاية من معجبيه ويحاول الاحتكاك معهم في كل فرصة يراها مناسبة وهو الذي يشبه الكثيرين منهم ممن انتهى بهم المطاف يؤدون وظائف لم يدرسونها ولكن حرّكهم إليها الشغف والموهبة، لكن هل تستمر جماهيرية ربيع في إنقاذه ودرّ الأموال على شركات الإنتاج أكثر من ذلك؟(5)

 

عند النظر للجيل القديم من الكوميديين مثل أحمد حلمي ومحمد سعد ومحمد هنيدي وآخرين ممن بدأوا رحلتهم بأفلام مشتركة نجد أنهم استطاعوا تعليق الجمهور بهم وإجبارهم على حفظ مشاهدهم التي صارت تستخدم في التعليق على أي حدث، حتى بعد أن استقل من نجح منهم في فك شيفرة الجمهور بأعماله. لكننا اليوم في مقابل ذلك كله نجد أنفسنا أمام خطر حقيقي يتهدد أهم الأنواع السينمائيّة التي تضمن استمرارية السينما كمصدر للمتعة وكحقل إنتاجي لا يتوقف بدعم الجمهور له في المقام الأوّل.

المصدر : الجزيرة