شعار قسم ميدان

ما الذي جعلهم ينهون حياتهم؟.. أفلام تسلط الضوء على ظاهرة الانتحار

ميدان - الانتحار مسدس قتل

لم يعد خبر انتحار أحدهم خبرا مُدهشا أو استثنائيا، بل ربما أصبح من الأخبار العادية بحُكم انتشار هذه الظاهرة. فبحسب منظمة الصحة العالمية (WHO) يلقى ما يقارب 800 ألف شخص بالمتوسّط حتفه منتحرا كل عام، لدرجة تحوّله إلى ثاني أهم سبب وفاة للفئة العمـرية ما بين 15 إلى 29 عاما. وبحسب المنظّمة تزداد نسب الانتحار بشكل كبير في البلاد المنخفضة والمتوسطة الدخل، وتتنوع أساليب الانتحار ما بين الشنق وابتلاع المبيدات والأسلحة النارية باعتبارها أبرز وسائل الانتحار عالميا. (1)

هذه الظاهرة المتنامية التي تعتبر من أخطر ما يحذّر منه الأطباء النفسيون حول العالم مع تزايد معدلات الاكتئاب والأمراض النفسية من جهة، وزيادة تحديات الحياة الاقتصادية والمعيشية من ناحية أخرى، انتقلت أيضا إلى شاشة السينما التي سلّطت الضوء عليها بالعديد من الأفلام الناجحة التي تناقش زوايا مختلفة منها تجمع بين الدراما والعمق والتشويق.

  

الجســر.. المنتحـرون يمرّون من هنا
  

جسر البوابة الذهبيـة أو "الجولدن غيت بريدج" المعروف في مدينة سان فرانسيسكو يتميّـز بأمرين: الأول ضخامته الهائلة التي جعلته يعتبر من أبرز معالم المدينة، والثاني أنه منذ إنشائه في العام 1937 يعتبر الملاذ الأول للراغبين في الانتحار. منذ إنشائه وحتى العام 2012، سجّل جسر غولدن غيت نحو 1600 حالة انتحار، فمات معظمهم ونجا البعض منهم.

كان هذا الجسر تحديدا هو الدافع الذي أثار فضول المخرج إيريك ستيل لعمل فيلم وثائقي يوثّق بالصوت والصورة لمحاولات الانتحار من فوق الجسر، واستطاع على مدار عام كامل أن يجمع مادة عريضة من محاولات الانتحار بالقفز من أعلى الجسر، وقام أيضا بعمل لقاءات مع عائلات الضحايا دون أن يخبرهم أن عدسة كاميرته قامت بتصوير اللحظـات الأخيرة من انتحار أقاربهم.

فيلم "الجسر" (The Bridge) من إنتاج أميركي/بريطاني مشترك صدر في العام 2006 وحقق نجاحا كبيرا وقت عرضه، حيث قدّم العديد من المشاهد الصادمة في إطـار مادة موسّعة تسلط الضوء على ظاهرة الانتحار إلى جانب إحصائيات مخيفة قدّمها الفيلم أبرزها أن هذا الجسر يشهد حالة انتحار بمعدل كل 15 يوما تقريبا.
  

ركّز الفيلم على استعراض عدد من ضحايا الانتحار، بما فيها بعض السلوكيات الغريبة التي أظهرها المنتحرون لدرجة أن بعضهم كان يحمل معه لافتة يكتب عليها رقمه في عدّاد المنتحرين من فوق الجسر لهذا العام. كما رصد الفيلم أيضا حالة من أغرب حالات الانتحار لشاب كان يسير فوق الجسر يتحدث عبر الهاتف ضاحكا، ثم قام فجأة بوضع حاجياته على طرف الجسر، وقفز بدون أدنى تردد ليغيب في مياه المحيط إلى الأبد. هكذا وبدون أي مقدمات أو علامات تبدو أنه يعيش اكتئابا أو مشاكل أو لحظات ضعف، بل على العكس، كانت سلوكيـاته طبيعية ربما إلى درجة "مريبة"! (2، 3، 4)
  

فتـاة قوطعت.. الاكتئاب الذي يؤدي إلى الانتحار

   

سوزانا كايسن عانت في فترة مراهقتها من أزمات نفسية عنيفة أدّت بها إلى انهيار عصبي كامل قادها إلى الانتحار بعدد كبير من حبات الأسبرين. لحسن الحظ تم إنقاذها وتم نقلها إلى مصحة نفسيـة لتتحسن حالتها بعد أن بدأت في عمل علاقات متعددة مع نزيلات المصحة النفسية التي قضت فيها 18 شهرا فيها الكثير من التحسن، وفيها أيضا الكثير من المشاكل والأزمات.
 

فيلم "فتاة قوطعت" (Girl Interrupted) يحكي قصة حقيقية بناء على مذكـرات كتبتها سوزانا كايسن لفتـرة علاجها في المصحة، وتحكي في طيّاتها عن الأزمات النفسية التي قادتها إلى التفكير في الانتحار، فضلا عن قصتها في المصحة التي خرجت منها سالمة لتبدأ حياتها من جديد. الفيلم من بطولة النجمة الأميـركية "أنجلينا جولي" وأُنتج عام 1999، وحصلت فيه على جائزة أوسكار أفضل ممثلة بعد أن قدّمت أداء استثنائيا في تجسيد دور سوزانا على الشاشة.

  

الفيلم من أهم الأفلام التي تعرّضت إلى شريحة واسعة من الأزمات النفسية ومآلاتها في تفكيـر الكثير من المرضى بالانتحار، من انهيارات عصبية وشخصية سايكوباثية وضحايا العنف الجنسي والمرضى بمرض الاكئتاب الحاد والفصـام. حاز الفيلم على تقييم إيجابي واسع، وحقق نجاحا تجاريا جيدا. يحمل الفيلم رسالة في طيّاته ذكـرها أحد النقاد في صحيفة نيويورك تايمز: الفيلم يخبرك أنك من الممكن أن تترك نفسك تنقاد إلى الجنون، وفي إمكانك أيضا أن تتغلب عليه. الخيار لك. (5، 6)

هذا المساء يا أمي.. حوارات ما قبل الانتحار
undefined

   

جيسي فتاة في منتصف العمر تعيش مع والدتها الأرملة. في إحدى الليالي، أخبـرت جيسي والدتها بكل هدوء أنها تخطط للانتحار هذه الليلة. هكذا ببساطة أخبرت والدتها بهذه الحقيقة أثناء عملهما معا على ترتيب المنزل وتحضيـره بشكل اعتيادي تماما.

للوهلة الاولى بدا كل شيء مضحكا، ولكن بمرور الوقت تكتشف الأم أن ابنتها صادقة وأنها على وشك الانتحار بالفعل، فيدخلان في نقاش طويل تقوم الأم بمحاولة إثناء ابنتها عن هذا القرار، بينما تخبرها الفتـاة بالأشياء والدوافع التي تجعل من عملية انتحارها حتمية ولا رجعة فيها، وأنها لم تعد تحتمل المعاناة التي تمرّ بها يوميا من أزمات نفسية ومعيشية. عدم استقرار وظيفي، وفشل مستمر، وزواج فاشل، وابن يرتكب أفعالا غير قانونية، حيـاة كاملة من المعاناة الموجعة التي تناقشها جيسي مع والدتها المذعورة من هذا القرار.

فيلم "هذا المساء يا أمي" (Night, Mother) مأخوذ بالأساس من مسرحية شديدة الشهرة في بداية الثمانينيات، وتحولت إلى فيلم أُنتج عام 1986 من بطولة سيسي سبايسك وآن بانكـروفت. الفيلم يقدّم نقاشا عميقا يضم الكثير من الأفكـار التي دأب المنتحرون الحديث حولها قبل تنفيذ قرارهم بالانتحار، مثل الأزمات النفسية والاكتئاب والآلام المعيشية والشعور الكامل بحالة "اللا جدوى" الذي يدفعهـم إلى مرحلة إنهاء حيـاتهم بأنفسهم. (7، 8)
   

غروب محدود.. كيف تقنعه ألا يقدم على الانتحـار؟

بطلان فقط في الفيلم كله ولا يوجد أشخاص آخرون. حتى أسماء البطلين لا نعرفهما بالضبط، فقط نعرف أن أحدهما أسود البشرة ومتديّن، والآخر أبيض البشرة ومُلحد. أسود البشرة يلعب دوره المخضرم صامويل جاكسـون، وأبيض البشرة يلعب دوره المخضـرم أيضا تومي لي جونز. فيلم "The Sunset Limited" فيلم تلفزيوني أُنتج عام 2011، وتدور أحداثه بالكامل في غرفة متواضعة للغاية.

ما حدث أن الشخص الأسود قام بإنقاذ الأبيض من محاولة انتحـار تحت عجلات القطار، وأجبره أن يذهب معه إلى منزله لضمان أنه لن يكـرر انتحاره مرة أخرى. أثناء بقائهما في منزل الأسود، يدور بينهمـا نقاش واسع بخصوص الحياة والدين والفلسفة والمعاناة والآلام. الأسود دائما ينحاز للرؤية الدينية الرحيمة للأمور مهما كانت سيئة، بينما الأبيض دائما ما يتخذ الفلسفة التشاؤمية العدمية للأشياء سواء كانت جيدة أو سيئة.

الفيلم كله عبارة عن حوار في مكان صغير، ويعتبر من أكثر الأفلام التي تسلط الضوء على الدوافع الانتحـارية للأشخاص ذوي التعليم المرموق الذين وصلوا إلى مستوى مميز في حياتهم الأكاديمية والوظيفية والثقافية. بدا التركيز واضحا تماما على العدميين من هذه الطائفة تحديدا الذين يجمعون بين الفِكــر والمعاناة، الثقافة والألم، بينما يسلط الضوء على الفكــر المضـاد الذي يمثّله الإنسان المؤمن الذي يعيش راضيا مهما آلمته أحداث القدر.

حقق الفيلم مراجعات نقدية إيجابية واسعة، وهو أصلا قائم على رواية بالاسم نفسه نُشرت في العام 2006. ويبدو أن النهاية المأسـاوية -وإن بدت مفتوحة إلى حد ما- هي الأوضح في مُجريات الفيلم ومستوى تدرّج الحديث الذي ينحاز إلى رؤية المُنتحر التشاؤمية. (9، 10)

رجل ميت في الحرم الجامعي.. الأمر لا يخلو من الكوميديا أيضا

جوش وكوبر طالبان جامعيـان يعيشان حياتهما الجامعية كأبعد ما يكون عن الدراسة أو التعليم أصلا. يقضي الشابان حياتهما في العبث طوال العام، ثم يفاجأ كلاهما أن الاختبارات على الأبواب وأنه من المستحيل تقريبا أن يتجاوزا الاختبارات وأن الفشل في عامهما الجامعي أمر حتمي. ثم يعرف الاثنان بالمصادفة أن هناك قانونا سنّته الجامعة أن الطالب الذي ينتحر زميله في السكن يحصل على التقديرات النهائية في كافة المواد الدراسية كنوع من المواساة له باعتبار أنه مرّ بصدمة مُريعة بانتحار زميله، ما يجعل الجامعة تمنحه الدرجات النهائية دعما له.

تبدأ خطة جوش وكوبر العجيبة في البحث عن طالب يمرّ بأزمة اكتئاب عنيفة ويحاولان إقناعه بأن يأتي ليعيش معهما في السكن، ومن ثمّ إقناعه بالانتحار بكل الطرق الممكنة ليحصلا على أعلى الدرجات دون أن يبذلا أي مجهود. فيلم "رجل ميت في الحرم الجامعي" (Dead Man on campus) أُنتج عام 1998، ويعتبر من أفلام الكوميديا السوداء التي تتعرّض لمفهوم الانتحار ولكن بشكل مختلف يجمع ما بين الكوميديا أحيانا، وطرح القضية بشكل تحذيري في أحيان أخرى. (11، 12)

   

انتحار العذراوات.. ماذا حدث للأخوات ليسبون؟

  
مأخوذ من رواية صدرت في العام 1993 بالعنوان نفسه "انتحار العذراوات" (The Virgin Suicides)، يدور الفيلم في منتصف السبعينيات من القرن الماضي عندما يبدأ مجموعة من الأصدقاء المراهقين في التلصص على أسرة آل ليسبون التي تشهد أحداثا عجيبة. خمس فتيات مراهقات من الطبقة الوسطى يعيشون في ديترويت، تقوم أختهم الصغرى بمحاولة انتحار فاشلة، وهو ما يغيّر نمط حياة الأسرة تماما.

تبدأ بقية الفتيات في وضع أختهم الصغرى تحت المراقبة الصارمة بإشراف والديهما المتدينين اللذين يقرران فرض قواعد صارمة على المنزل. بمرور الوقت، ومع القواعد الصارمة الموضوعة على المنزل واضطراب الأخوات، تبدأ الفتيات في الشعور باكتئاب حاد وسلوكيات انعزالية كبـرى، تقود إلى أحداث درامية تعبر عن الحب والكبت والخيال والموت والذكريات والرعب، نراها جميعا من خلال أعين المراهقين المتلصصين على آل ليسبون.
 

undefined

    

الفيلم حقق مراجعات نقدية جيدة ويعتبر من أكثر الأفلام التي تفكك المزاج السوداوي الأسري الذي يقود أفراده إلى موجات اكتئابية عنيفة وشعور باللا جدوى الذي يعتبر واحدا من أهم العناصر الدافعة للانتحار. الفيلم أُنتج عام 1999، وترشّح لعدد من الجوائز حصد العديد منها. (13، (14)

المصدر : الجزيرة