شعار قسم ميدان

دخلوا هوليوود فسيطروا عليها.. كيف احتل المكسيكيون جوائز الأوسكار؟

ميدان - المكسيك
"مَن منح ابن العاهرة هذا الغرين كارد؟" لا يبدو هذا سؤالا يصلح لأن يطرحه رجل محترم أمام أكثر من 65 مليون متابع حول العالم،(1) ولكن شون بن فعلها.(2) فتح المظروف المغلق، وصمت لثوان بدت ثقيلة على الحضور الذي ينتظر-بنفاد صبر- الجائزة الأثقل والتي ستحدد أفضل فيلم في حفل الأوسكار عام 2015. "فيلم بيردمان…" يكمل بن إعلانه. تدق الطبول ويصعد الرجل الذي حصل قبل دقائق على أوسكار أفضل مخرج (وأفضل سيناريو أصلي كذلك) أليخاندرو غونزاليز إيناريتو على خشبة المسرح.

   

"إلهي يطلبون مني أنا الكلام لأنني أسوأ من يتكلّم الإنجليزية بينهم" قال المكسيكي ذو الشعر الطويل قبل أن يلقي دعابة عن إمكانية قيام الأكاديمية بسنّ قوانين تمنع حضور المهاجرين إليها في العام المقبل. لم يدر أحد أن إيناريتو سيسرق الجائزة مرة أخرى في العام التالي عن فيلم "العائد" (The Revenant)، وأنه في عام لاحق، سيفصح الرئيس الجديد للولايات المتحدة دونالد ترامب عن نيته بناء جدار على طول الخط الفاصل بين بلاده وبلاد إيناريتو.

    

قبل ذلك اليوم بنحو 90 عاما كان مكسيكي آخر يضع أولى خطواته داخل هوليوود، ممثلا ومُخرجا حمل اسم اميليو فرنانديز وحمَلته أقدامه للتعرف على المنتج متروجولدوين ماير. كل ما يهم في هوليوود هو العلاقات، وهذا المكسيكي كان من نصيبه أن تلقي به علاقاته أمام فرصة نادرة. كان على فرنانديز أن يُصمّم شكل جائزة الأوسكار بعد أن كلّفه ماير بذلك. (3)

   

منتصبا كالفارس وممسكا بسيفه الذهبي بهيبة لا تخطئها العين(4) كان الفنان التشكيلي جورج ستانلي صاحب الفضل في تحويل رسومات فرنانديز إلى حقيقة. بقي تمثال الأوسكار وشعار الأكاديمية على حاله تلك حتى يومنا هذا وكأنّ التاريخ يداعب نفسه.. مكسيكي يستلم جائزة صممها مكسيكي على أرض أميركية لم يعد كلاهما مرحّب به عليها.

     

من اليمين: دل تورو، إيناريتو وكوارون
من اليمين: دل تورو، إيناريتو وكوارون
   
الاحتلال المكسيكي لجوائز الأوسكار

منذ ظهرت "السينما المكسيكية الجديدة" مطلع التسعينيات، أثبت روّادها أمثال كارلوس كاريرا وأليخاندرو غونزاليز إيناريتو و غييرمو دل تورو وألفونسو كوارون أن الإمساك بنجوم السماء بيد، والعمل باليد الأخرى، ليس أمرا مستحيلا. رجال لم يكفهم مجدُ مواطنهم أنتوني كوين، الذي خلّد اسم المكسيك كأوّل ممثل مكسيكي ينال نفس الجائزة (التمثيل المساعد) مرتين في تاريخه، في عامي 1952 و 1956.

   

يحتل دل تورو اليوم عناوين الأخبار الفنية كلها. المكسيكي الذي ضمن فوزه قبل الحفل بأشهر، حاصدا أهم الجوائز العالمية. تكريمات لم تدع معها مجالا لطول التخمين؛ دل تورو هو نجم هذا العام بلا منازع وإن حصل وفعلها هذا المكسيكي العاشق للوحوش فإن رقما قياسيا سيُضاف لسجل المكسيك الفني، لأن جائزة الإخراج حينها ستكون من نصيب المكسيك للمرة الرابعة خلال السنوات الخمس الأخيرة.

    

ايمانويل لوبزكي أثناء تصوير
ايمانويل لوبزكي أثناء تصوير "العائد"
   

كان نجم نجوم المكسيك، المصوّر السينمائي ايمانويل لوبزكي، قد حفر اسمه منذ عام 2014 حين نال أوسكار أفضل إنجاز في السينماتوغرافيا لثلاثة أعوام على التوالي وصولا إلى 2016. هذا المكسيكي الأوفر حظا في العالم كما يصف نفسه(5) صار الأوّل تاريخيا ليحقق هذا الإنجاز مع مخرجين مختلفين في أفلام "ذي ريفينانت" (2015) و"بيردمان" (2014) و"غرافيتي" (2013).(6)

    

اعتاد لوبزكي العمل مع مخرجين مشهورين مثل مايكل مان، جويل وإيثان كوين، ومايك نيكولز. إلى جانب صديقيه إيناريتو وكوارون، كما تعاون أيضا مع تيرنس مالك. يبدو لوبزكي الخيار الأمثل لأي مخرج يفكّر في اختطاف أوسكار جديدة، بنمطه البصري الفريد، عدساته الواسعة وإضاءته المميزة (حيث يعتمد على الضوء الطبيعي بنسبة كبيرة) والتزامه بالطبيعة كمصدر إلهام رئيسي.

    

  

ثورة في خليج المكسيك

في مقالة له بعنوان "كيف دخلت السينما المكسيكية عصرها الذهبي الثاني" يستعرض الناقد السينمائي كارلوس أغيلار موجزا لتاريخ صناعة السينما في المكسيك، البلد الذي يفخر بتاريخ طويل من النجاح السينمائي منذ الثلاثينيات والخمسينيات حين سجّلت أرقاما عالية في معدلات الإنتاج. ولكن بالنظر إلى عام 2000 وفي الوقت الذي نال فيه إيناريتو أول ترشيح لجائزة الأوسكار كانت المكسيك قد أنتجت 28 فيلما فقط في العام ذاته، أي أقل من خُمس إنتاجها في خمسينيات القرن الماضي.(7)

   

يعزو أغيلار اندفاع عدد كبير من المخرجين إلى العمل في الولايات المتحدة إلى قلّة الدعم الموجه إلى قطاع السينما في المكسيك. كان هذا على وشك التغير عندما "حدث شيء غير عادي في المكسيك حين بدأت التيارات الابداعية مرة أخرى بجعل المشهد السينمائي في البلاد واحدة من أهم الظواهر الثقافية في أميركا اللاتينية".

   

تشجّع عدد من المخرجين لإنتاج أفلام تجارية تستهدف الإشادة المهرجاناتية والربح التجاري."كان النمو مذهلا لدرجة غريبة حتى وصل عدد الأفلام المنتجة في المكسيك عام 2014 إلى 130 فيلما"، وهو رقم كبير يتصدر قوائم الدول الكبرى في العالم. بدأت هذه الثورة بالهيمنة على السوق الناطق بالإسبانية على طرفي الحدود (37 مليونا منهم في الولايات المتحدة) ما أدى إلى نجاح منقطع النظير في شباك التذاكر داخل الولايات المتحدة.

    

على جانب آخر فإن صانعي الأفلام الأقل شهرة في المكسيك وجدوا نجاحا خاصا بهم على أكثر من جبهة مختلفة مستلهمين النمط الأوروبي في أفلامهم ما ضمن حضورهم المنتظم في المهرجانات العالمية الكبرى مثل أفلام كارلوس ريغاداس الذي نال جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان لعامين على التوالي (2012-2013).

      

   

ثورة من نوع آخر كانت على لسان الممثل المكسيكي  غايل غارسيا، في حفل توزيع جوائز الأوسكار الماضي الـ89، في لحظة سياسية بامتياز بدا فيها أن الحفل على وشك التحول إلى مظاهرة ضد ترامب المنتخب للتو، فقال "الكثير من الفاعلين السينمائيين هم بالأساس مهاجرون، نحن نسافر إلى جميع أنحاء العالم لنبني القصص والحياة التي لا يمكن تقسيمها.. كمسيكي ولاتيني وكمُهاجر وإنسان.. أقف ضدّ كل أيّ شكل من أشكال الجدران التي تنوي فصلنا عن بعضنا البعض".

    

لن يختلف الجو المشحون هذا العام في حفل توزيع جوائز الأوسكار عن سابقه، ولكن قد يخفت التوجه السياسي ليحل محله التوجه النسوي الذي بدأ التحضير على مستوى أصغر في حفل "غولدن غلوب" في يناير الماضي، ومع نيل فيلم "شكل الماء" (The Shape of Water) نصيب الأسد من الترشيحات وصلت إلى 13 ترشيحا، فإنه من غير المستبعد أن يلقى الفيلم إشادة ثمينة وهو الذي صنعه دل تورو بذكاء كبير مركزا قصته على علاقة حب بين فتاة ووحش أمازوني، لم ينس معها دل تورو أن يرسل رسائله السياسية كما هو معتاد، عندما خصص مشهدا لإدانة التعصب يمدح فيه المثليين والسود ويوجه لهم تحيته. يمكن القول إن المكسيك بانتظار هدية ثمينة جديدة لم يعد يفصلنا عنها سوى أيام.

       

undefined