شعار قسم ميدان

أنا ميريل ستريب.. أنا كل هذه الوجوه

ميدان - ميريل ستريب
"أعطوني 3 ثوان لأقول ذلك، وظيفة الممثل الوحيدة هي الدخول إلى حياة أشخاص مختلفين عنّا، وأن أترككم تشعرون بطبيعة هذا الفعل. وكان هناك الكثير والكثير من الأداءات القوية خلال هذا العام وحققت ذلك. أعمال حبست الأنفاس"

(جزء من خطاب ميريل ستريب في حفل الجولدن جلوب عام 2017)

    

بدا الحديث عن ميريل ستريب اليوم ضرورة، لأسباب لا تتعلق بموهبتها فقط، ولكن يبدو أن الكون تآمر عليها الأشهر الماضية، منذ بدأت تصوير فيلمها "THE POST" مع توم هانكس، وإخراج ستيفن سبيلبيرج، لما فيه من انتقاد لتصريحات ترامب ضد وسائل الإعلام، ليتهمها بخداع الناس ونشر الأكاذيب، من خلال أحداث الفيلم الحقيقية التي تدور في عام 1971 بصحيفة "واشنطن بوست" ومعركتها لنشر معلومات خطيرة، حول حرب فيتنام، بعد تكتم حكومي امتد لأربع فترات رئاسية للولايات المتحدة، في تلميح غير مباشر للتوجهات الحالية في المشهد السياسي الأمريكي، ولخطط ترامب في القضاء على حرية الصحافة.

    

ميريل: سأكون ممثلة؟ لا أعتقد
ترشحت ميريل ستريب لجائزة الأوسكار 21 مرة وهو الرقم القياسي بين الممثلين والممثلات، ونالت ستريب منهم 3 مرات عام 1979، 1982، 2011، كما ترشحت لجائزة جولدن جلوب 29 مرة كأعلى مرات ترشيح لممثل في تاريخ الجائزة، وفازت منهم بـ 8 مرات.، وطبقت نظرية أن الحياة تأتي بما لا نتخيله، فلم تكن ميريل تحلم في صغرها بأن تصبح ممثلة، فكانت تفضل العمل بالترجمة لدى الأمم المتحدة، ومساعدة البشر على فهم بعضهم البعض. ولكن بعض الشباب يتوقون للعمل بالتمثيل لما تضفيه الكاميرا على الممثل من صفات النجوم الحقيقية، فهو لامع وجذاب وصعب المنال، أما هي فتحب في التمثيل قدرتها على عيش حياة شخص آخر كأنه هي، وفهم ما يجعله طيبًا وما يدفعه لاستخدام شره، مع الكثير من الأشياء الأخرى التي تكرهها بسبب كونها مشهورة. فكانت أمها تقول لها: "سيمد لك الرجال ذراعهم اليمنى للسير على السجادة الحمراء، فاستمتعي بذلك".

       

     

تحكي ميريل أنها أضاعت الكثير من الوقت في صغرها تفكر في وزن جسدها إن زاد أو نقص. ولكن إذا عادت بها الأيام لقالت لنفسها الصغيرة أن المظهر هو صورة مرئية فقط عمن نكون. فالفستان والحقيبة لن يساعدوها في الحصول على دور، لذا فهي لا تبالغ فيما تضع على جسدها. وإن لم تنكر أن المجتمع حقيقة يقيمنا على أساس مظهرك، وبخاصة في مجال التمثيل، إلا أنها في جانب آخر تطمئن إلى حقيقة موهبتها، فالممثل يقدم حياة شخص آخر، ويعيش مختلف المواقف والأزمات، وروح الممثل هذه هي فقط التي يجب الانتباه لها أولًا، وهو ما سيغني قاعدتنا الثقافية ويزيد المنافسة نزاهة. (3)

     

أسرتي.. أنا الحقيقية
كان اهتمام ميريل ستريب بعملها مختلفًا، فلم يكن في صدارة أولوياتها في الحياة، فتعتبر ميريل أن طبيعة عملها بالتمثيل كانت فرصة لقضاء وقتًا أطول مع أولادها الأربعة، حتى لو كانت لا تعلم أين ستسافر غدًا، أو أي مهمة ستقوم بها، إلا أنه سمح لها بقضاء وقتًا أكثر معهم، ما كان لن يحدث لو كانت موظفة مطالبة بحضور يومي ومكان عمل، وإجازة إسبوعين في أغسطس، وأسبوع في أعياد الكريسماس، وهو ما يزعجها التفكير فيه حقًا، ووقتئذ لن يكن ليتسنى لها إنجاب أربعة أطفال.
     
undefined

    

لا تتخذ ميريل ستريب قراراتها في حياتها المهنية غالبًا -وإن لم يكن دومًا- على أساس المعايير الجمالية للفيلم والشخصية، بل تقرر بناءًا على مدى اقتراب مكان التصوير من منزلها، وهل سيتم التصوير خلال أجازة أبناءها، مما يمنعها من قضاءها معهم. وتقول أنه يمكنها تقديم كافة أنواع التنازلات في عملها من أجل الحفاظ على هذا الركن الوحيد بحياتها الذي يمنحها وجوده قيمة، فتياتها وابنها وزوجها، فحتى لو كان لكل منهم ما يشغله بشدة، إلا أنهم قريبون، وأنه رغمًا عن تحديها وعملها بجد، إلا أنها لا ترفع يدها أبدًا عن عجلة قيادة أمور المنزل.(3)

    

ميريل: أنا نسوية نوعًا ما
تحدثت ميريل ستريب في كونها نسوية أو لا، وقالت أن كلمة "نسوية" في مجتمعنا الذكوري تقابل بالتضييق والاستنكار، باعتبارها ممثلة لعدائية المرأة للرجل، ولكن ميريل ترى أنه يجب على الرجل الوقوف إلى جانب نصف المجتمع في صراعاته وليس الوقوف موقف العدو. وتحكي ميريل عن تورطها النفسي الكامل كإمرأة تجسد شخصية مارجريت تاتشر، وتأثرها بالشخصية، حتى تم سؤالها في مقابلة بعد الفيلم إن كانت اختارته لكونها نسوية، فردت: "أنا إنسانية، وأسعى خلف حقوق الجنسين، حتى يفهم الرجل أن عليه الوقوف في صف النسوية، ليس ضدها، وأن تحقيق أهدافها يدعم حقه".

     

ترى ميريل ستريب أن السينما صناعة يسيطر عليها الرجال، وهو ما يثير حنقها، فمن الصعب أن تكون الأنثى هي الفاعل، فالمؤثرون في صناعة السينما هم -بأغلبية ساحقة- من الرجال؛ نقاد، لجنة تحكيم جوائز الأوسكار، أصحاب رأس المال؛ فإذا سيطرت النساء على صناعة السينما ستكون أفلامنا أكثر حميمية وماسة للقلوب أكثر من اليوم، ولكن تشغل النساء 17% فقط في مجال عملها، أو أقل، ما يجعل الرجل يصنع القرار في كل مرحلة، ويقرر نوع الأفلام التي نشاهدها، فقد أصدر الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية عام 2015 تقريرًا جاء فيه ما بدر من الأعمال السينمائية الأمريكية من تحيزًا جنسيًا، وأوجب ضرورة التحقيق في انتهاكها للحريات المدنية المشرعة. وأبرز التقرير على وجه الخصوص عدم وجود مديرات على مستوى الإنتاج في هوليوود، على الرغم من توفرهن في مجال تدريس السينما في الجامعات وظهور محترفات ناشئات في كل مهرجان سينمائي دولي، بل وتفوقهن على الرجال في أفضل مقياس للإبداع السينمائي، وهو جائزة الأوسكار، فمازالت ميريل ستريب -ولسنوات- أعلى نجوم العالم ترشحًا للجائزة، ويأتي منافسها جاك نيكلسون بعدها بفارق 9 مرات.

    

اعترفت ميريل أنه رغم ذكورية هوليوود إلا أنها إلى حد ما مازال يجذب انتباهها عدد من الأعمال الفنية، فهي بلغت 67 عامًا، فغالبًا حققت كل ما تريد، كما أنهم -الرجال- يطورون في الصناعة بجد، فهناك مشاريع فنية رائعة لم تكن تتنبأ بها من 10 سنوات. فقد فازت ميريل بثالث جائزة أوسكار لها عام 2011 عن تمثيلها دور مارجريت تاتشر، أول رئيسة وزراء في بريطانيا، وجسدت أسطورة بانخورست، الاسم المرتبط بالنضال من أجل حق المرأة في الانتخاب في أوائل القرن العشرين، عندما شرعت بريطانيا حق الانتخاب لبعض النساء لأول مرة عام 1918، ثم تساوت شروط حق تصويت المرأة بالرجل في عام 1928. والفيلم بريطاني من إخراج سارة غافرون، وتم عرضه في مهرجان لندن السينمائي. واستغلت ميريل شهرتها بهذه النوعية من الأفلام، بأن أحاطت نفسها برجال من الحكومة وبذل الجهد معهم لتعزيز قضايا النساء الأخريات.(1)

    

ميريل: .. وسياسية أحيانًا
استخدمت ميريل شهرتها العالمية، وقيمتها من أهمية الأفلام التي تقدمها، وسياستها الخاصة ليس فقط لتكثف نشاطها النسوي على الشاشة، بل لتخرج للساحة العامة، فأرسلت لكل عضو من أعضاء الكونجرس الأمريكي خطاب في عام 2015، تؤيد فيه مقترح تعديل الدستور الأمريكي فيما يخص رفع حقوق المرأة لتتساوى مع الرجل، وهو التعديل الذي لم يتم حتى الآن.
       
undefined

     

وينص التعديل المقترح على ما يلي: "تحفظ الولايات المتحدة كافة حقوق مواطنيها على أساس من المساواة دون تفرقة على أساس الجنس بموجب القانون". وحثت ميريل أعضاء الكونجرس على إقرار تعديل قوانين المساواة في الحقوق بين الجنسين والمكتوب عام 1920، وتم عرضه على الكونجرس عام 1972 وصدق عليه 35 عضو فقط. أي أقل من الرقم المطلوب ليصبح البند دستوريًا وهو 38 صوت، ورفضته الولايات الجنوبية المحافظة، بعد فترة قصيرة من إقرار حق المرأة في التصويت في الانتخابات، ولم تتم مناقشة التعديل ثانية.

     

وكتبت ميريل ستريب رسالة نشرتها وكالة أنباء الأسوشيتد برس: " أكتب إليكم لأطلب منكم الوقوف على قدم المساواة -لأمك أو ابنتك أو أختك أو زوجتك أو نفسك- عن طريق الدعم الفعال لتعديل القانون وضمان المساواة في الحقوق (…) يتمنى جيل معاصر بأكمله من الفتيات والنسوة ضمان المساواة في الأجور، وحمايتهن من الاعتداء الجنسي، ومساواتهم في الدستور بالرجل". وأرفقت ميريل مع خطابها نسخة من كتاب لجيسيكا نيويرث "المساواة تعني المساواة" والذي تدعو فيه لإعطاء المرأة حقها الدستوري بالتساوي مع الرجل.(4)، (5)

 

ميريل: حقًا لم أكن أعرف
بعد فضح هارفي وينشتاين المنتج الهوليووي واتهامه بالتحرش الجنسي بعدد من الممثلات، أعلنت حركة يمينية مسؤوليتها عن ملصقات في لوس أنجلوس، بها صورة ميريل ستريب وهارفي وينشتاين، وعلى عينيها علامة حمراء مكتوب عليها "كانت تعرف"، واتهامها بالتكتم على تحرشه الجنسي بالممثلات، بسبب رغبة الحركة في الانتقام من ميريل ستريب لانتقادها دونالد ترامب في فيلمها الأخير مع توم هانكس.  
    
undefined

    

وتقدم "سابو" جندي أمريكي سابق ويميني، لصحيفة الجارديان باعتراف أنه من ألصق هذا الاتهام بها، ونشر الملصقات بالقرب من منزل ميريل وبالقرب من نقابة الممثلين الأمريكيين، واستوديوهات التصوير، وشركات الإنتاج، ووصف الديموقراطيين بأنهم الأعداء الجدد، يقتاتون من أعمال فنية تحريضية ضد الدولة ورئيس الدولة. ويقول "سابو"، والذي يستخدم اسمًا مستعارًا، أنه لا يعلم تمامًا إن كانت ميريل ستريب قد مكنت هارفي لعقود من استغلال الفنانات جنسيًا، ولكنه متأكد بنسبة 100% من أن أي شخص يعمل بصناعة الأفلام يعلم جيدًا بتصرفات هارفي، وربما على الأقل كانت هي تساعده في اصطياد ضحية جديدة كل مرة.

     

    

وجاءت حملة الملصقات بعد أسبوع اشتعلت فيه هوليوود بعد كشف المتحرشون جنسيًا في الوسط الفني، إلا أن ميريل ستريب التزمت الصمت، ما كان دافعًا للممثلة روز ماكجوان، والتي اتهمت هارفي باغتصابها، حتى كتبت تغريدة حذفتها بعد ذلك تدعو فيها الممثلات لارتداء اللون الأسود في حفل توزيع جوائز جولدن جلوب تضامنًا مع ضحايا التحرش الجنسي، وكتبت عن ميريل ستريب وموقفها السلبي، وعملها مع "الوحش الأكبر"، واتهمتها بالنفاق.

    

نفت ميريل ستريب تمامًا علمها باعتداءات هارفي الجنسية، والتي أعلنت عنها صحيفة نيويورك تايمز في أكتوبر الماضي، وفي بيان لها أعربت عن ألمها من هجوم روز ماكجوان، وقالت: "أريد أن أخبرها بأنني لم أكن أعرف بجرائم وينشتاين، في التسعينات عندما اعتدى عليكِ، أو بعدها عندما هاجم أخريات. لم يكن صمتي متعمدًا، أنا فقط لم أكن أعرف، أنا ضد كافة أشكال الاعتداء، وأن تتعرض الممثلات الشابات له، ولكنني لم أكن أعرف بأن هذا يحدث من حولي".

   

دفعت كلمات ميريل ستريب الكثير للدفاع عنها، وأنه لا يجب معاقبتها على الأفعال المشينة لرجل آخر. وفي نفس الوقت الذي كانت الاتهامات تتهاوى على رأس هارفي أدانت مريل ستريب المنتج المتهم، ووصفت الادعاءات ضده بأنها "مرعبة" و"غير مبررة"، وأن من صرحن بأفعاله بطلات، وأوضحت أن هارفي كان يتعامل معها باحترام خلال علاقتهم المهنية، وليس هناك شك في مساعدته لها وتأييده لعملها السينمائي في العشرين عامًا الماضية، لكنه لا يلزمها بتبرير سلوكه السيء، في بيان .قدمته ستريب لموقع هافينجتون بوست للدفاع عن نفسها.(6)، (7)

    

هذا وإن تبدو لنا ميريل ستريب كمرأة حديدية، موهبة تسير دون رداء مميز، ممثلة عظيمة، إلا أنها لم تجد حرجًا في الإعلان عن وجوهها الأخرى، أم وربطة عقد أسرتها، وحقوقية، ونسوية، وتستخدم شهرتها لتحقيق أهداف سياسية بطريقة صحيحة وخيرة، وبالنهاية فربما أظهرت معظم أفلامها الجزء الرقيق الحقيقي من ماري لوي ستريب.

المصدر : الجزيرة