شعار قسم ميدان

كيف تفوز بالأوسكار؟ أسرار تجهلها عن أهم الجوائز السينمائية

midan - Oscars
إنها الليلة الأهم في السنة، تتأبط مارثا ذراع زميلها بريان ويخطوان بتؤدة على السجادة الحمراء، ترتدي مارثا فستان أحمر طويل من تصميم إحدى دور الأزياء العالمية، بينما يلبس بريان بذة سوداء أنيقة. يهم أحد المصورين في التقاط صورة للثنائي، فيقفان بثقة تخفي ما يشعران به من توتر؛ فحتى لو تكرر الأمر كل عام، يظلان غير معتادين على الأضواء. يعي مارثا وبريان تمامًا أن الاهتمام غير مُسلط عليهما بشكل شخصي، فمن عساه يترك كل نجوم هوليوود المجتمعين بالساحة الخارجية لمسرح دولبي ويركز على شخصين غير مشهورين بالمرة؟ لكن حتى أولئك النجوم يختلسون النظر بين حين وآخر لحقيبتي مارثا وبريان. فما تحويه تلك الحقيبتين ليس مجرد مُتعلقات شخصية، بل المظاريف التي تخبئ بداخلها أسامي الفائزين بجوائز الأوسكار. ومارثا وبريان ليسوا نجمين بالطبع، بل موظفين بشركة PwC للحسابات. (1)

    

منذ حوالي ثمانين عامًا، وشركة PwC مسئولة بشكل كامل على عملية التصويت؛ فحتى الجائزة السينمائية الأهم في العالم لا تخلو كواليسها من الحسابات. قد يظن البعض أن دور المعادلات الحسابية في الأوسكار يبدأ وينتهي عند فرز الأصوات، لكن ما يعرفه الجميع ولا يفصح عنه أحد هو أن الحسابات الدقيقة في الأوسكار تصل لكل شيء تقريبًا، بداية من نوعية الأفلام المُرَجح أن تلقى إعجاب أعضاء الأكاديمية وجنس الممثلين المشاركين فيها، وحتى قيمة المبلغ الذي تدفعه الأستديوهات في الترويج لها في موسم الجوائز. يشبه هذا الأمر كله معادلة حسابية معقدة بعض الشيء، فلو أردت معرفة المتغيرات والتعويض بالقيم التي سترفع احتمالاتك في أن تربح أوسكارًا، ماذا عساك تفعل؟

      

مارثا رويز وبريان كولينان محاسبي شركة PwC
مارثا رويز وبريان كولينان محاسبي شركة PwC
    
الخطوط العامة

هنالك قواعد عامة يجب على أي فيلم مُقدَم اتباعها، كأن لا تقل مُدة الفيلم عن أربعين دقيقة وأن يتم عرضه سبعة أيام على الأقل بلوس أنجلوس قبل بداية الترشيحات. لكن يبقى الاستيفاء بتلك الشروط أمرًا سهلًا، فما سيحدد بحق فُرص أي فيلم في الانتهاء يومًا ما بحقيبة ممثلي شركة PwC في ليلة الأوسكار هو أعضاء الأكاديمية. (2)

   

والأكاديمية اسم مُختصَر يُقصد به "أكاديمية فنون وعلوم الصور المُتحركة"، تم تأسيسها بالولايات المُتحدة عام 1927 بهدف رعاية مصالح العاملين في الأفلام ويبلغ عدد أعضائها اليوم حوالي سبعة آلاف عضو من العاملين في مختلف أقسام السينما. (3) يُصوّت أعضاء كل قسم على الجائزة المرتبطة بهم، فيعطي المخرجين أصواتهم مثلًا لجائزة أفضل مخرج والمصورين لجائزة أفضل تصوير وهكذا، ويشترك أعضاء الأكاديمية كلهم في التصويت على جائزة أفضل فيلم.

    

وتتم عملية التصويت بعدها كالآتي: يكتب كُل عضو الأفلام التي نالت اختياره في بطاقات الاقتراع، على أن يكون عدد تلك الأفلام خمسة بالضبط-باستثناء جائزة أفضل فيلم فيتراوح العدد المسموح اختياره بين خمسة وعشرة أفلام. وبعد الانتهاء من التصويت، يأتي دور شركة الحسابات، فيقوم اثنين من ممثليها بإحصاء الأصوات يدويًا بدون أي تدخل من الحواسيب، وحتى ليلة الاحتفال، يبقى هما الاثنان فقط من يعرفان النتيجة النهائية والتي سيحملان ما آلت إليه في مظاريف مُغلقة يتم فتحها فقط لحظة الإعلان عن الفائز فوق خشبة مسرح دولبي.(4) لكن، وسط العدد الضخم الذي تنتجه هوليوود كل عام من أفلام -وصل الرقم لـ732 فيلمًا في سنة 2016 وحدها(5)– كيف تضمن حقًا أن يشاهد أعضاء الأكاديمية فيلمك من الأساس؟

   

حملة انتخابات الأوسكار

لكي تضمن أن يُلاحظ فيلمك من قبل أعضاء الأكاديمية، يحتاج الأمر إلى العديد من التكتيكات والخطط في إطار حملة موسعة يقودها الأستديو المنتج للفيلم، وعليك الاستعداد جيدًا، فحملات ترشيحات الأوسكار لا تقل ضراوة كثيرًا عن حملات الانتخابات الرئاسية. وعن أهمية حملات الأوسكار يقول ستو زيكران عضو الأكاديمية: " إذا كان هناك حقًا سر عميق حول الأكاديمية يجهله العامة أو يفشلون في تقديره، سيكون أن أعضاء الأكاديمية كغيرهم من الأشخاص يمتلكون وظائف نهارية، وليس لديهم سوى وقت محدود لمشاهدة الأفلام. ولهذا، يصوتون دون مشاهدة كل المعروض. تستطيع الحملات أن تصنع فارقًا هنا، فأنا أعطي الأولوية لمشاهدة الأفلام التي أسمع عنها.(6)

      

undefined

  

ولهذا، يبذل المنتجون قصارى جهدهم للتأكد أن أعضاء الأكاديمية سيسمعون عن أفلامهم. يظهر هذا واضحًا في التوقيت الذي يختارونه لإطلاق الأفلام، والذي غالبًا ما يقع بين شهري نوفمبر وديسمبر قُبيل الأوسكار بفترة قصيرة، وبهذا، يمكنهم ضمان أن الأفلام ستبقى عالقة في ذهن الأعضاء مُستغلين ما يُسمى في علم النفس بـ"تأثير قرب الوقت" Recency Effect.(7)

   

لكن تأخير موعد إطلاق الأفلام لآخر وقت ممكن وحده لا يكفي، فينفق المنتجون أموال طائلة في الإعلان عن أفلامهم خلال وسائط موجهة في الأساس لأعضاء الأكاديمية. فتتكثف الإعلانات داخل صحفيتي "هوليوود ريبورتر" و"فارييتي" المعروفتان في الأوساط السينمائية، ليصل سعر الإعلان الواحد داخل فارييتي أثناء موسم الأوسكار إلى خمسة وسبعين ألف دولار ($75,000). وزيادة في ضمان أن الأعضاء المعنيين سيشاهدون الأفلام، تبعثها شركات الإنتاج لهم في أسطوانات مخصصة، ما يكلفها حوالي ثلاثمئة ألف دولارًا ($300,000) عن الفيلم الواحد.(8)

     

لكن جهود الحملات لا تتوقف فقط على المنتجين، فيلعب الممثلون والمخرج وباقي فريق العمل بها دورًا كبيرًا؛ حيث تتكثف الفعاليات التي تجمع بأوساط هوليوود معًا قبيل الأوسكار، وهنا، تكمن فرصة كبيرة أمام أعضاء فريق العمل للترويج لفيلمهم والحديث عنه أمام أعضاء الأكاديمية.

   

سوزان ساندرسون تطرح رأيها في حملات الأوسكار

   

ويقول ستو زيكران عن هذا: الحملة الشخصية أهم بالنسبة إلى كثيرًا من الإعلانات أو أي مقابلات تليفزيونية قد يجريها الفنانون. فخلالها، يمكنك مثلًا أن تحظى بفرصة الجلوس على مائدة واحدة مع المخرج وسؤاله عن فيلمه. وبتلك الطريقة، يجلس عضو الأكاديمية وجهًا لوجه أمام الأشخاص الذين يأملون في الحصول على الجائزة".(9) ولذلك الظهور المكثف للفنانين أيضًا تكلفة كبيرة تترجم في تذاكر الطيران الباهظة التي تقوم الاستديوهات بدفعها، والتي تشكل ثاني أكبر كلفة في الحملة مباشرة بعد الإعلانات. أما عن التكلفة الإجمالية للحملة، فوفقًا لمجلة فاريتي، تتراوح ما بين ثلاثة وعشرة ملايين دولار للفيلم (10). وقد فتح هذا أبواب واسعة من الانتقاد على فكرة الحملات من بابها.

    

فإمكانية إنفاق مبالغ طائلة للدعاية للفيلم وزيادة فُرصه في الربح لا تتوافر سوى للإستديوهات الكبيرة، ما يمثل عائقًا أمام الاستديوهات الصغيرة وصُناع الأفلام المُستقلة، ويطيح بمفهوم تكافؤ الفرص؛ فقد تعكس ترشيحات الأوسكار هكذا مدى سطوة المنتجين واستطاعتهم التوغل في أوساط هوليوود لتدعيم أفلامهم بعيدًا عن أي معايير فنية. وعن هذا تقول الممثلة الكبيرة سوزان ساندرسون: "إن وجودك في فيلم به شخص مستعد أن يدفع ملايين الدولارات للترويج له في حملة لهو شيء اعتباطي للغاية"(11). لكن الأمر كثيرًا ما يصل لدرجات أسوأ من هذا بكثير.

   

فبجانب حملات ترويج فيلم الاستديو، ء تنشأ أحيانًا حملات أخرى هدفها الوحيد هو تشويه الفيلم المنافس أو القائمين عليه بأي ثمن للتأثير على قرار الأكاديمية، وقد اشتهر المُنتج المتهم بقضايا التحرش والاغتصاب مؤخرًا هارفي واينستين بهذا لسنوات طويلة. ففي العام الذي ترشح فيه فيلم "عقل جميل" Beautiful Mind  لجائزة أفضل فيلم، ترشح معه أيضًا فيلم "في غرفة النوم" الذي أنتجه استوديو ميراماكس، المملوك لوينستاين حينها. وبما أن فيلم "عقل جميل" كان يروي قصة حياة العالم جون ناش، فقد قاد واينستين حملة شرسة لتشويه صورة ناش واتهامه بالمثلية الجنسية ومعاداة السامية في عام كان من المعروف فيه تمثيل اليهود نسبة كبيرة من المصوتين. وقد وصفت الصحف ما حدث ذلك العام بأنه: "حملة تشويه غير مسبوقة الحقارة في تاريخ الأوسكار".(12)

      

  

وفي العام الماضي، شهد الممثل كايسي أفليك حملة مماثلة؛ فعند ترشحه لجائزة أفضل ممثل عن فيلم "مانشستر على البحر"، عادت للصعود إلى السطح قضية تحرشه بممثلتين وذلك بالرغم من مرور ست سنوات كاملة على تلك الواقعة وانتهائها بالصلح. (13) لكن، وبالرغم من الدور الكبير الذي تلعبه الحملة في وصل فيلمك من عدمه للأوسكار، فلا يمكنها في النهاية التنبؤ بالنتيجة بشكل كامل؛ وهنا، يأتي دور إحصاءات علم الاجتماع.

     

علم الاجتماع وراء الأوسكار

أجرى أستاذي علم الاجتماع جابريل روسمان من جامعة لوس أنجلوس ونيكول إسبرازا من جامعة هارفارد بحثًا مشتركًا حول الخصائص التي تزيد من احتمالية فوز فيلم أو فنان ما بالأوسكار، وكانت المفاجأة في الصِغر النسبي للدور الذي تلعبه النواحي الفنية بهذا الصدد بجانب اعتبارات أخرى لا علاقة لها بالفن. وعن هذا يقول روسمان: "تتحدد احتمالية فوز فنان ما بالأوسكار قبل حتى أن يبدأ التصوير، فتعود للحظة شراء السيناريو وتوقيع العقود مع الممثل والمخرجين. إنه من المفاجئ حقًا كم المُتغيرات التي تلعب دورًا في نيّل ترشح بعيدًا عن موهبة الفنان".

     

وأول هذه الاعتبارات هي نوع الفيلم. فطبقًا للدراسة، والتي تناولت كل الأفلام المؤهلة للفوز بالأوسكار منذ عام 1927 وحتى 2005، تزيد احتمالية نيّل الممثل لترشيح تسعة أضعاف في حال تأديته في فيلم درامي عن لو أدى في فيلم كوميدي. وقد علّق روسمان عن هذا قائلًا: "لطالما خيّم شعور ما على صناعة الترفيه حول تفضيل عملية الترشيح للأفلام الدرامية، لكني لا أعتقد أن أحدًا كان مدركًا لمدى تأثير هذا". أما ثاني الاعتبارات تأثيرًا فقد كان عدد الأفلام المُنتَج في العام، فعند الترشُح في سنة أُنتَج فيها عدد قليل من الأفلام، تزيد حينها نسبة الفوز لقلة حدّة المنافسة.

      

أغنية الحمقى الذين يحلمون

  

وقد كان العامل الثالث المُتحكم في عملية الترشيحات الأكثر غرابة. فوفقًا للدراسة، تعلو احتمالية ترشح النساء في الأوسكار عن الرجال، وذلك يعود ببساطة لقلة أعداد النساء العاملات في التمثيل مقارنة بأعداد الرجال، مع احتفاظهن بعدد مماثل من الجوائز – جائزتين لأفضل ممثل في دور رئيسي ومساعد وجائزتين لأفضل ممثلة في دور رئيسي ومساعد أيضًا. (14)

    

وهكذا، لم تترك سطوة الأرقام شيئًا دون السيطرة عليه، فحتى وصول فيلم ما للجائزة السينمائية الأهم في العالم يبدو كلعبة دقيقة من الحسابات والمعادلات البعيدة تمامًا عن الفن. فالعالم ليس حقًا مكان مناسب "الحمقى الذين يحلمون" كما أطلق المخرج داميان شازيل على الفنانين في فيلمه "لا لا لاند"، بل ساحة قتال تلعب فيها الدقة والمراوغة الدور الأكبر. وعليك ألا تنسى: من يوصلك لتمثال الأوسكار في النهاية ليس سوى اثنين من الموظفين في شركة محاسبة.