شعار قسم ميدان

آل باتشينو.. أفلام عظيمة برع فيها الدون كورليوني

midan - al patcino
"لقد ركلت الكرة، وقدمت لهم ما قدمته"، إنه ألفريدو چيمس باتشينو، الاستثنائي الذي قدّم كل ما هو استثنائي في تاريخه الدرامي الطويل والحافل في هوليوود، وساعد في إعادة تشكيل الصورة النمطية للنجم السينمائي.
 

كانت هذه المسيرة تطبيقًا عمليًا للواقع والحياة التي عاشها الفتى الأمريكي ذو الأصول الإيطالية التي قدمت من أرض صِقلية، والذي لم يكن ليُقدِّم إلا كل ما هو استثنائي ومستغرَب عن عموم التيار السينمائي آنذاك، مهما كانت فداحة ضريبة هذا المُستغرَب على صيته وذيوعه كمُمثِّل، أو على الجانب المادي للفيلم.

 

يُقال عن آل باتشينو، أنه نجح في إحياء العديد من الشخصيات السينمائية على الشاشة التي كانت لتموت لو قام بتمثيلها من هو غيره. كما قال هو أيضًا: "من السهل خداع العين لكن من الصعب خداع القلب" ، ويبدو أن هذا ما شكّل شخصية باتشينو الهوليوودية، وجعله حتى الآن ذائع الصيت في أوساط أجيالٍ لم تكن قد وُلِدت أصلًا في ذروة نشاطه الفني. 

  

في هذا المقال يتم إلقاء الضوء على بعض أفضل وأغرب الأدوار التي قدمها الممثل الأسطوري آل باتشينو، محللًا أهم ملامح هذه الأعمال، ويستعرض آراء الجمهور وبعض النقاد في أبرزها.

     undefined

       

عندما تقدم آل باتشينو للعب دور مايكل كورليوني الرئيسي في فيلم الأب الروحي أو العراب (The Godfather)، تردد الاستوديو في قبوله، حسبما يُروى في أنحاء هوليوود. ليس فقط لأنه كان مجهولًا نسبيًا (أرادت بارامونت وارين بيتي، أو روبرت ريدفورد، أو ريان أونيل)، بل لأن باتشينو كان بعيدًا جدًا عن الصورة النمطية للنجم السينمائي. كان الممثل المنهجي الشاب قصير القامة، جاحظ العينين، الانفعالي قد ترك انطباعًا جيدًا في برودواي، وفي فيلم The Panic in Needle Park؛ الذي قام بدور البطولة فيه عام 1971، وقدم فيه شخصية مدمن الهيروين، ما لفت انتباه فرانسيس فورد كوبولا.

   

لكن المنتجين لم يكونوا مهتمين بـآل باتشينو إذ كان مظهره شديد الغرابة، وبدا هزيل البنية. لكن كوبولا أصر على اختياره، وقال في وقتٍ لاحق: "ذكاؤه هو ما لفت انتباهي في البداية؛ هذه الميزة الجذابة المذهلة، هذه الروح المتقدة". وبمناسبة مرور ما يقرب من 50 عامًا على بدء باتشينو مسيرته المهنية في هوليوود، احتفت سينما كواد (Quad) في نيويورك بهذه الرحلة من خلال عرض لصولاته وجولاته، وتطوره من ممثل شاب موهوب إلى نجم من الطراز الأول، ثم إلى أسطورة خارقة للعادة.

 

إن مسيرة باتشينو السينمائية مرآة رائعة للنمو والتدهور الذي شهدته صناعة السينما من السبعينيات فصاعدًا، حيث نشأ الاتجاه السائد من الأعمال السينمائية التجارية من حركة هوليوود الجديدة الحرة، ثم تحول إلى شيءٍ أوسع وأكثر تركيزًا على الأعمال التي تحقق أرباحًا هائلة. كان باتشينو نجمًا لامعًا يضمن تحقيق الأرباح، ولا يزال يعمل باستمرار حتى في سن 77، باستعراض رحلته الفنية الغنية خلال فترات صعود وهبوط السينما الأمريكية، إليكم أبرز محطاتها:

        

العراب – The Godfather 1972

استثمر باتشينو نجاحه في دور زعيم المافيا مايكل كورليوني في الجزء الثاني من فيلم  "العراب" في عام 1974، لكن أداؤه الرائع في الجزء الأول قلَّ أن تجد له مثيلًا في تاريخ هوليوود. تحوُل مايكل من الإنسان المثالي الذي قاتل في الحرب العالمية الثانية إلى رجل العصابات القاسي؛ هو الجوهر المعنوي لقصة كوبولا البوليسية، وهو التحول الذي أداه باتشينو ببراعة من خلال عدم إظهار الغضب، أو القيام بأي شيء يجعل هذا التغيير واضحًا. بدلًا من ذلك، يجعل تطور شخصيته يدور حول السيطرة. يهيمن مايكل على كل غرفة يتكلم فيها عن طريق التحدث قليلًا جدًا، ويستخدم كل كلمة وأمر كأنه سلاح.

  

  

لقد كان أداءًا مذهلًا- كان يبدو ملائكيًا وبشريًا في آنٍ واحد، ولكنه أداء لم ينجح باتشينو في تكراره مرة أخرى، خارج سلسلة العراب. بهذا الدور، ساعد باتشينو في تغيير الصورة النمطية المألوفة للبطل السينمائي في هوليوود إلى صورة أكثر قتامةً وأكثر عمقًا، مميزًا نفسه عن النجوم الذين سبقهم لأداء هذا الدور. كان باتشينو، مثله مثل نظرائه روبرت دي نيرو، وداستين هوفمان؛ اللذان ينتميان إلى أسلوب التمثيل المنهجي، نوعًا مختلفًا تمامًا من النجوم، وسرعان ما بنى شخصيته القوية عبر أفلام مثل فيلم Serpico لسيدني لوميت (1973)، وScarecrow لجيري شاتزبرغ (1973)، ثم ثبت أقدامه بدوره في الجزء الثاني من Godfather.

  
عصر يوم قائظ – Dog Day Afternoon 1975

لو اعتبرنا أن أداء باتشينو في  فيلم العراب لا يزال الأشهر على الإطلاق (عند عرضه، كان الفيلم الأكثر ربحًا في التاريخ، مزيحًا "ذهب مع الريح" عن عرشه)، فإن أداءه في فيلم عصر يوم قائظ،الذي لعب فيه دور سارق مصرف هاوٍ، كان أفضل أداء مشابه لشخصية "باتشينو" نفسه، بعصبيته ونوبات الصراخ المجنون. كانت مواجهة "أتيكا" (المرتجلة) هي مثال على مقدار النجاح الذي سيحققه باتشينو في سنواته التالية. تطورت الشخصية تدريجيًا وصولًا إلى هذا الانفجار الغاضب، وتصاعدت مخاوف سوني ورتزيك حتى وصلت إلى مرحلة الغضب والبارانويا. إنه يريد أن يطلع الجمهور على عيوب شخصيته، مدركًا أن ذلك سيساعد على جعل كل مفاجأةٍ في القصة تبدو طبيعية. باتشينو، الذي لم يكن معروفًا في عام 1971، رُشِح لجائزة أوسكار للمرة الرابعة عن فيلم عصر يوم قائظ، ضاربًا مثلًا على  مسيرة لا مثيل لها في تاريخ مهنة التمثيل في هوليوود.

   

undefined

  

بوبي ديرفيلد – Bobby Deerfield 1977

بعد ذلك، توقف باتشينو عن العمل لمدة عامين، قبل أن يتعاون مع مخرج كبير آخر هو سيدني بولاك، في دراما رومانسية في عالم السباقات، مع مارتي كيلر، التي كان مرتبطًا بها في ذلك الوقت. إلا أنه كان فشلًأ ذريعًا، عمل باهت بشكلٍ غريب، لم يكن له في الواقع أي علاقة بالسباقات، وقد سخر منه النقاد على نطاق واسع، مشبيهنه بنسخةٍ رديئةٍ من السينما الأوروبية المعاصرة. المثير للاهتمام أن الشخصية الرئيسية في الفيلم مثلت إحدى المرات القليلة التي يقترب فيها الممثل من قوة دور مايكل كورليوني، وإن كان  بشكلٍ مخفف. علق باتشينو مؤخرًا على الفيلم، "لم يكن الدور مجرد شخصية قُدمت إليك، بل كان به لمحة شخصية، لقد رأيت شيئاً كُشف عنه في هذه الشخصية، وهو أمر بسيط، كنت أمر به في حياتي في ذلك الوقت".

     

  
المبحرة – Cruising 1980

ظهر فيلم بوبي ديرفيلد في نفس السنة التي اجتاحت فيها أفلام حرب النجوم هوليوود، تمهيدًا لبدء زمن الأفلام ذات الأرباح الهائلة (ما يسمى ب blockbusters). أصبح ظهور باتشينو، الذي كان مُجِدًا في العمل في سنواته المبكرة، على شاشة السينما نادرًا، وحصل على ترشيح واحد فقط لجوائز الأوسكار في الثمانينيات (عن دور محامي الدفاع الغاضب في فيلم والعدالة للجميع لنورمان جوسن). ربما كانت بعض الأفلام، ولا سيما فيلم المبحرة لوليام فريدكن، قد حازت على إعجابه فقط لاختلافها عن الأفلام التي يقبل عليها الجمهور العادي. هنا كان باتشينو يتحدى الأنماط السائدة، بينما كانت هوليوود تميل باتجاه أفلام الخيال العلمي والحركة.

    

  

يدور فيلم المبحرة في قالبٍ دراميّ حول شرطي متخفي يتسلل إلى عالم المثليين في نيويورك في مطاردةٍ لقاتل متسلسل. الفيلم صريح بصورةٍ صادمة، وغبي جدًا في بعض الأحيان. انتقده النشطاء المثليون أثناء الإنتاج واتُهِم بعد عرضه على نطاقٍ واسع بكراهية المثليين. قال باتشينو إن هذا الفيلم علمه أن يهتم أكثر بفهم الأدوار التي يختارها. وأضاف للصحيفة فيلدج فويس هذا العام: "عليك أن تعرف ما تمثله، وما تفعله، وكيف يؤثر على العالم من حولك. عليك أن تعرف القليل عن هذه الأشياء". في إعادة المشاهدة، يبدو الفيلم أخرق أكثر من كونه خبيثًا، وهو نظرة خارجية إلى عالم يبدو أن حتى فريدكين لم يفهمه. لكن باتشينو يبدو كالتائه إلى حد ما في الفيلم، حيث يقدم الفيلم فقط تلميحات قليلة عن توجهاته الشخصية وتغير حالته العقلية (هناك نهاية ملتوية تلمح بشكلٍ مربك أن باتشينو ربما كان هو القاتل).

 

الوجه ذو الندبة – سكارفيس – Scarface 1983

امتازت حقبة الثمانينيات بالهدوء بالنسبة لآل باتشينو؛ (فقد شارك في بطولة خمسة أفلام فقط، بما في ذلك فيلمي المبحرة Cruising، والثورة Revolution اللذان لم يلقيا نجاحًا باهرًا)، إلا أنه شارك في تلك الفترة في بطولة فيلم الوجه ذو الندبة، ملحمة رجل العصابات الأسطورية من إخراج براين دي بالما، الذي استمر في جذب الإعجاب باعتباره أحد أفضل الأفلام الكلاسيكية لأجيالٍ متتابعة من طلاب الجامعات والمراهقين المنتشين. ربما يبدو أنني أقلل من مميزات الفيلم، لكن الكاتب الكوميدي جون مولاني سخر من قبل من فكرة أن يقول شخصٌ ما إن أفلامه المفضلة هي "العراب"، و"سكارفيس"، كما لو كان الاثنان متشابهين ولو من بعيد في نفس مستوى الجودة، "حقًا؟ حسنًا، الأطعمة المفضلة لدي هي سرطان البحر … وحلوى سكيتلز. إنهما متساويان في نظري!".

 

يُعد الفيلم الذي تدور أحداثه حول قصة صعود رجل عصابات كوبي إلى السلطة، ثم سقطوه من على حافة الهاوية، مُتعة حقيقية ينبغي مشاهدتها، لكنه يمثل كذلك بداية واضحة لمرحلة "حلوى السكيتلز" في مسيرة آل باتشينو المهنية، المرحلة التي لم يكن أي من خيارات الأدوار المطروحة  فيها خارج نطاق المعقول، وكذلك كان الصراخ أمام عدسات الكاميرا أمرًا طبيعيًا تقريبًا.  فهو يُجسد شخصية آل باتشينو المشهورة والناجحة التي اعتاد الكثير من المشاهدين الأصغر سنًا عليها. قال آل باتشينو: "أعتقد أنني قُمت بتمثيل تلك الشخصية لأنني أرى نفسي أحيانًا أشبه برجلٍ يغني بصوتٍ عال". وأضاف: "ويحتاج هذا الرجل إلى غناء تلك النغمات العالية من حينٍ لآخر. حتى لو كانت نغمات خاطئة. لذلك في بعض الأحيان تبدو وكأنها نشاز؛ رأيت تلك الشخصية وكأنها أكبر من الحياة. لم أرها كشخصية ثلاثية الأبعاد".

   

undefined

  

بحر الحب – Sea of Love 1989

بعد توقف دام أربع سنوات عن التمثيل السينمائي، عاد آل باتشينو مرةً أخرى إلى النجومية في فيلم الإثارة للمخرج هارولد بيكر، فقد لعب دور شرطي يطارد قاتلًا متسلسلًا يجد الضحايا من خلال الإعلانات الشخصية في الصحف. أصبح آل باتشينو مُفلسًا وقال إنه بحاجة إلى المال، لكنه كان مولعًا بالقصة التي كتبها الروائي، ريتشارد برايس، الأمر الذي جذبه إلى هذا المشروع بالتحديد. لقد كنت مولعًا دائمًا بفيلم بحر الحب كذلك. وعلى الرغم من أنه فيلم بسيط تدور أحداثه في مدينة نيويورك، فإنه يمنحك شعورًا حقيقيًا لما بدا عليه الجانب الغربي الشمالي في منطقة مانهاتن، بمدينة نيويورك، في حقبة الثمانينيات من القرن العشرين، وهو حي ما زال يتأرجح بين رُقي مستواه، وخطورة الحي في كل ركن منه. لحسن الحظ، لا يلعب  آل باتشينو دورًا معقدًا خلال عودته الكبيرة إلى الشاشة، إذ يقوم بأداء شخصية المحقق، فرانك كيلر الساحرة، التي تتسم بالفوضوية العابثة، وهو بطلٌ مثير يُمكن أن يوصف بأنه شخصية من النوع الصلب. وهو النمط الذي مهد الطريق لأفلامه، التي صدرت في حقبة التسعينيات، المكتظة بالأفلام التجارية ذات الميزانيات المنخفضة مثل فيلم ديك تريسي Dick Tracy الذي صدر عام 1990، وفيلم طريق كارليتو Carlito’s Way، الذي صدر عام 1993، وفيلم قاعة المدينة City Hall الذي صدر عام 1996، وفيلم محامي الشيطان The Devil’s Advocate، الذي صدر عام 1997.

    

undefined

  

قبعة غلين روس – Glengarry Glen Ross 1992

يُمكن القول بإن فيلم طريق كارليتو Carlito’s Way يعتبر أفضل أداء لآل باتشينو في فترة التسعينيات، لأنه يعتبر تطورًا طبيعيًا لأدوار أبطال العصابات التي أداها خلال العقود السابقة، التي تحولت إلى شخصية مُتهالكة نتيجة للتجاوزات في تلك الحقبة. لكنني مولع بدوره كممثل مساعد في فيلم قبعة غلين روس، الذي استوحاه المخرج، جيمس فولي، عن مسرحية للكاتب المسرحي ديفيد ماميت، وقد رُشِّح آل باتشينو لجائزة الأوسكار لدوره في هذا الفيلم، الذي قام فيه بأداء شخصية رجل المبيعات المتقاعد ريكي روما: ومن الجدير بالذكر إنه احدى المرات القليلة التي يُمكن أن ترى فيها آل باتشينو يتباهى بشخصيته الجذابة البارزة. فاز آل باتشينو أخيرًا بجائزة الأوسكار، ولكن عن فيلمٍ آخر صدر في عام 1992، وهو فيلم عطر امرأة Scent of a Woman، الذي يمثل ذروة قدراته التمثيلية. على الرغم من أن ذلك الأداء كان صارخًا تمامًا أمام الكاميرا بشكل مثير للإحراج منذ الدقيقة الأولى، إلا أن دوره في فيلم قبعة غلين روس، كان مشهودًا، وأكثر خفة.

    

   
حرارة – Heat 1995

إذا كنت أريد الاحتفاء بأفضل أدوار آل باتشينو، هذا هو المكان الذي أتوجه إليه – ملحمة الجريمة الرائعة للمخرج مايكل مان، تدور أحداث الفيلم حول قصة مطاردة بين رجال الشرطة واللصوص التي تشبه معركة بين الآلهة السماوية. اشتعلت الضجة التي سبقت صدور الفيلم حول الجمع بين بطلي أفلام السبعينات البارزين، وهما آل باتشينو، (الذي قام بأداء دور المحقق فينسنت هانا من شرطة لوس أنجلوس)، وروبرت دي نيرو (الذي قام بأداء دور نيل ماكولي، اللص المشهور المحترف)، لكن بالطبع، فإنهما لا يظهران معًا سوى في مشهد رئيسي واحد فقط، في محادثة بينما يتناولان القهوة، والتي يظهران فيها كندين لبعضهما. ظهرت شخصية دي نيرو في فيلم حرارة بشكل هادئ وبارد، في حين لعب باتشينو شخصيته كما لو كان دائمًا يتعاطى كمية كبيرة من الكوكايين. ولكنه أحد تلك الأفلام التي يتمكن فيها مغني النغمات المرتفعة من الوصل إليها بالفعل، ولا يكتفي بمحاولة فعل ذلك. تتميز أفلام المخرج مان بجودةٍ متناسقة وتناغم، ولذا فإن أداء باتشينو المميز مناسب لها تمامًا.

     

    
دوني براسكو Donnie Brasco 1997

على الرغم من أن العديد من أفلامه في تلك الفترة، بما في ذلك فيلم المطلع The Insider، وفرص أيام الأحد Any Given Sunday؛ (كلاهما أُنتِج في عام 1999)، تظهر آل باتشينو في دور المدير الذي يلقي بالأوامر في وجوه زملائه، فإن فيلم دوني براسكو للمخرج مايك نيويل، لا ينال القدر المستحق في قائمة أفلام آل باتشينو. قام آل باتشينو بأداء دور ينجامين روجيرو، المعروف باسم ليفتي، وهو جندي في إحدى عصابات المافيا، وأحد أفراد الإدارة الوسطى كذلك، وفي محاولةٍ منه لكي ينال إعجاب رؤسائه، يقدم لهم لص المجوهرات دوني براسكو (جوني ديب).  إلا أن ما لا يعلمه ليفتي، فهو أن دوني في الواقع عميل سري لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، وعلى الرغم من أن ديب هو بطل الفيلم الرئيسي، إلا أن آل باتشينو يضفي على فيلم دوني براسكو شعورًا حزينًا بمرور الوقت، ويظهر تفوق النجوم الأصغر سنًا على أمثاله من الممثلين القدامى.

   

undefined

  

الأرق Insomnia 2002

لا يزال ذلك الشعور المأساوي بمرور الوقت  قائمًا في الفيلم البوليسي الرائع للمخرج كريستوفر نولان، والذي يبدو وكأنه يتبع شخصية آل باتشينو في فيلم حرارة Heat، ولكن بعد مضي عقود على أفضل أيامه كضابط شرطة. يذهب المحقق ويل دورمر الذي تلاشى بريقه، إلى ألاسكا للتحقيق في جريمة قتل غير عادية، وقد أطلق النار على شريكه بطريق الخطأ، ثم ينغمس في لعبة مطاردة عقلية مع القاتل (الذي قام بأداء دوره النجم الراحل روبن ويليامز). يُعد هذا الدور من أكثر أعمال آل باتشينو جرأةً وتجردًا التي قام بتمثيلها في العقد الأول من هذا القرن، فقد أدي شخصية تزداد إرهاقًا بصورة تدريجية في منطقة شمال ألاسكا التي لا تغيب عنها الشمس. (تم تصوير الفيلم خلال فصل الصيف، فعندما تشرق الشمس في 10 من شهر مايو/ أيار لا تغرب إلا بعد ثلاثة أشهر تقريبًا)، حتى يصل إلى مرحلة أن كل ما يتمناه هو أن ينام. يُمثل الفيلم الأداء النادر الذي ساعد آل باتشينو في تعزيز نجوميته المتلاشية، مستخدمًا ما تبقى من شهرته، ومُقرًا بأنه حيله كانت توشك على النفاذ.

  

undefined

   

الملائكة في أمريكا Angels in America 2003

في القرن الحادي والعشرين، قدم آل باتشينو العديد من عروضه التي لا تنسى على شاشة التلفزيون، كل ذلك على شبكة تلفزيون إتش بي أو HBO، وغالبًا ما قام بأداء أدوار الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الأمريكي الحديث مثل الطبيب جاك كيفوركيان، ومنتج الألبومات الموسيقية، فيل سبيكتور، ولاعب كرة القدم الأمريكية السابق جو باترنو (في فيلم Paterno للمخرج باري ليفنسون، الذي صدر في الـ 7 من شهر أبريل/ نيسان الجاري). وحتى الآن كان أفضل أداء له في المسلسل القصير الذي حمل عنوان الملائكة في أمريكا للمخرج مايك نيكولز، عن رواية الكاتب المسرحي توني كوشنر، فقد لعب دور المحامي روي كوهن. وعلى الرغم من أن هذا الدور لا يتسق مع قدر آل باتشينو، إلا أن الحوارات الفردية في شخصية كوهن في هذه المسرحية، التي تتلألأ بذكاء للتعبير عن الهوية الأمريكية الهائجة، كان موضوعًا مثاليًا لإثارة شغف آل باتشينو.

    

    
جاك وجيل – Jack and Jill 2011

وعلى الطرف المقابل، هناك الأداء الذي لعبه آل باتشينو في فيلم جاك وجيل، الذي جاء مختلفًا بالكلية عن مسلسل الملائكة في أمريكا، إذ لعب دور مساعد بصفته هو نفسه في فيلم المخرج دينيس دوجان، المتني لفئة الكوميدا العائلية المليئة بالعبث، والتي يلعب فيها آدم ساندلر، دور جاك، وهو مدير تنفيذي هادئ في شركة دعاية في لوس أنجلوس، وفي نفس الوقت يقوم بأداء شخصية جيل، شقيقته التوأم، وهي سيدة يهودية متبجحة من مقاطعة ذا برونكس في مدينة نيويورك. يقع آل باتشينو في حب جيل ويحاول إغوائها بأساليب تزداد وقاحة، وأخيرًا يرتدي ملابس مثل دون كيشوت ويغني أغنية "الحلم المستحيل" من فيلم رجل لا مانشا الذي صدر عام 1972. هناك أيضًا مشهد يغني فيه بطريقة الراب أغنية إعلانية لسلسلة محلات القهوة العالمية، دانكن دونتس. يعامل الفيلم آل باتشينو بإجلال، لكن الممثل لا يخشى استخدام الهيبة الخاصة به كأنها مزحة.

 

لقد حافظ آل باتشينو على إحساس مذهل بالذات، خلال مختلف فترات حياته المهنية، بطريقةٍ غير شائعة لأمثاله من النجوم، ويظهر ذلك في أبهى صورة خلال المقابلات العميقة التي استعاد فيها الماضي، التي أجراها بالتعاون مع شركة إنتاج كواد Quad. لا يزال آل باتشينو متمتعًا بتلك الشخصية غير المعتادة، تمامًا كما كان عندما بدأ العمل في مجال صناعة السينما، ولم يشعر أبداً بالخجل من التعبير عن مخاوفه من خلال أدائه التمثيلي. وبالرغم من تحول صناعة السينما في هوليوود الجديدة إلى نهج أكثر تقليدية يعتمد على العلاقة بين النجم السينمائي واستوديوهات التصوير، أو على النجم الأوحد والاستوديوهات التي تتحكم في صناعة الأفلام، حافظ آل باتشينو على استقلاليته وواصل العمل على مشاريع جديدة مليئة بالتحديات. في هذا العام، في الواقع، سيتعاون مع المخرج مارتن سكورسيزي لأول مرة، في مسلسل جديد بعنوان الرجل الأيرلندي The Irishman، سيعرض على شبكة نيتفليكس. وقد ينتظرنا عصر جديد جريء آخر من روائع آل باتشينو.

  

   

———————————————-

  

مترجم عن (ذا أتلانتك)