شعار قسم ميدان

بعد تصدره لإيرادات السينما المصرية.. هل فيلم "122" مثير حقا؟

midan - رئيسية فيلم 122

يحتل فيلم "122" صدارة إيرادات السينما المصرية في الفترة الأخيرة، معتمدا على أشكال متنوعة من الدعاية يبدو أنها آتت أُكلها، لينجح الفيلم في تخطي حاجز ستة ملايين جنيه في خمسة أيام فقط من العرض، كثيرون اعتبروا السر الرئيسي وراء إقبال الجمهور على الفيلم، حتى مع وجود الآراء النقدية السلبية لنقاد عدة، هو الحملة الدعائية الذكية والمبتكرة التي قادها صُنّاعه.

 

كيف روّج صناع فيلم "122" لأنفسهم؟

وصل فيلم "122" إلى دور العرض أخيرا مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، الفيلم كان قد تأجل موعد عرضه أكثر من مرة، ما اعتبره البعض إحدى طرق الترويج للفيلم بإثارة حماس الجمهور وفضوله. علّق منتج الفيلم سيف عريبي على الأمر على صفحته على إنستغرام: "لقد حرصنا ومنذ اللحظة الأولى من بدء مشروع فيلم 122 على أن نقدم كل الإمكانيات المتاحة من أجل الخروج بالنتيجة الأفضل لعمل سينمائي يرتقي لمستوى تطلعات الجمهور، وكون فيلم 122 هو أول فيلم مصري يُعرض بتقنية الـ 4DX، لذا يجب أن تكون جميع عمليات ما بعد الإنتاج مُنفذة بالشكل الأمثل والأفضل، وبعد أن رأينا أن جدول الإنجاز بالشكل الذي نطمح إليه يتعارض مع موسم العيد آثرنا عدم النزول بمستوى أقل وأن نعطي العمل حقه"، ويبدو أن عريبي نجح في تشويق الجمهور، ومنحهم أسبابا إضافية للإقبال على الفيلم، طالما تعلّق التأخير بالحرص على جودته.

 

الدعاية المكثفة لم تتوقف، لجأ فيها صناع العمل لطريقة يبدو أنها ستصبح شائعة في الترويج للأعمال السينمائية في الفترة القادمة، ألا وهي استخدام صفحات ومجموعات فيسبوك المتخصصة في السينما والتي يتابعها أعداد كبيرة، مجموعة "سكرين ميكس" مثلا، وهي واحدة من أكبر التجمعات السينمائية على فيسبوك، دشن القائمون عليها حملات دعائية مدفوعة للفيلم، ارتكزت على وجود فريق عالمي مشرف على تنفيذ العمل، الجدير بالذكر أن عدد المتابعين لهذه الصفحة وحدها يقرب من ستة ملايين متابع، والأهم أن كون الصفحة متخصصة في السينما يعني أن متابعيها هم الجمهور المستهدف بالفعل، بالإضافة إلى دعاية أخرى قامت بها أكبر صفحة ساركازم يتجاوز عدد متابعيها حاجز ١٤ مليونا.

   

undefined

   

أحد العوامل المهمة في الترويج للفيلم كان عدد النجوم الكبير الذي ظهر على الملصق الدعائي للفيلم، وفي الإعلان التشويقي للفيلم، لكن الجمهور سيُفاجأ عند المشاهدة أن أغلب هؤلاء النجوم ليسوا أكثر من ضيوف شرف، وسيقتصر ظهورهم على مشاهد قليلة جدا، ما اعتبره الناقد محمود مهدي في مراجعته المصورة عن الفيلم خداعا، وأضاف: "أعتقد أن من حق المشاهد أن يعرف أن الفيلم من بطولة أحمد داوود وأمينة خليل وطارق لطفي فقط، وأن باقي النجوم مجرد ضيوف شرف"؛ قد تختلف أو تتفق مع هذه الطريقة في الترويج، لكنها في النهاية نجحت في جذب الجمهور بالفعل.

 

فيلم الإثارة ومعضلة التمصير

بقيت السينما المصرية لفترة طويلة حبيسة أنواع سينمائية محددة، غلب عليها في بداياتها الطابع الغنائي والاستعراضي، بينما ظلت الكوميديا حاضرة طوال الوقت، لكن في الفترة الأخيرة برزت أفلام الأكشن بوضوح، سواء على مستوى الكم أو الإيرادات، لكن نوع "الإثارة" الذي ينتمي إليه فيلم "122" هو نوع لم يعتد الجمهور رؤيته في السينما المصرية، وهذه كانت إحدى النقاط التي اعتمد عليها صُنّاعه في الترويج لعملهم.

 

لكن ما فات صناع العمل هنا بوضوح هو أن المشاهد غير معتاد على رؤية أفلام إثارة مصرية، لكنه معتاد على مشاهدة النوع نفسه من خلال السينما الأميركية، ما يعني أنه سيفلت من المقارنة مع الأفلام المصرية، لكنه سيقف في مواجهة أكثر صعوبة مع السينما الأميركية، يرى الناقد أحمد شوقي أن أفضل الحلول في مواجهة مأزق كهذا هو تمصير الفيلم، أي إضافة طابع مصري عليه، فيشعر الجمهور أن الأماكن والشخصيات التي يراها مألوفة، لكن سؤال التمصير دائما ما يرتبط بالأفلام المصرية المقتبسة عن هوليوود "remake movies" وهي حالة شبيهة جدا بنوع الإثارة الذي انتمى له فيلم "122".

 

اللافت في الأمر أن صُنّاع العمل وعلى الأخص المؤلف صلاح الجهيني كان على دراية بهذه المعضلة، لكنه فضّل الالتفاف حولها دون التعامل معها بجدية، فحتى يهرب من سؤال التمصير، قرر أن الفيلم يدور في مصر لكنه في عالم جديد يختلف عما نألفه، يطلق على الطريق الذي يستقله البطل اسم "الطريق الجديد"، والمستشفى التي تدور فيها أغلب الأحداث "مستشفى تحت التأسيس"، وهو نوع من تجهيل المكان عوضا عن رسم ملامحه بواقعية وجدية أكبر، ما اعتبره الناقد أحمد شوقي تأسيسا خاطئا: "يقع صناع "122" في فخ قرار تأسيسي خاطئ هو تجريد عالم الحكاية الرئيسية للفيلم من كل ما يربطه بالبلد الذي تدور الأحداث فيه".

 

     

كثرة المصادفات، استسهال لا ينطلي على أحد

تمتاز أفلام الإثارة بترابط الأحداث ومنطقيتها، كل حدث يؤدي إلى الذي يليه بشكل منطقي وسلس وبلا ثغرات في البناء الدرامي، الإثارة تقوم على شحذ الأدرينالين في عقل المتلقي، وهو معيار نجاح الأفلام التي تنتمي لتلك النوعية، أن يشعر المتفرج بما أراده المخرج تحديدا، عندما يريده أن يخاف أو يطمئن أو يقلق أو يفزع، وهو الأمر الذي لن يحدث أبدا إن لم تكن كل التفاصيل بالغة الدقة والمنطقية، المُشاهد هنا يختبر ذكاءه، لذا لن يستسلم بسهولة، ولن يندمج مع الأحداث إن أدرك الطريقة التي يتلاعب بها المخرج بعقله، لأن إدراكه للأمر يجعله غير جيد بما يكفي، لا سيما وإن كان قد دفع مالا مقابل ذلك. أسهل طرق التلاعب تلك هي المصادفة، أن تكون الأحداث المحورية في الفيلم غير قائمة على تتابع ذكي سلس وتسلسل منطقي للأحداث، إنما مصادفة لولاها لما حدث الأمر بتلك الطريقة، وهو الأمر الذي يحدث في فيلم "١٢٢" ليس لمرة واحدة بل لعدة مرات.

 
تلتقط كاميرا المخرج من زاوية علوية السيارة التي يقودها نصر/أحمد داود وأمنية/أمينة خليل، نرى الطريق خاليا تماما من السيارات ووسط صحراء واسعة، أطلق صُنّاع العمل عليه اسم "الطريق الجديد"، بعد لحظات فقط من رؤيتنا للطريق الخالي تماما ذي الاتجاه الواحد، نُفاجأ بسيارة تصدم نصر من اليسار، من أين أتت؟ حتى يُعفيك المخرج من إجابة سؤال كهذا، يلتقط المشهد كله بلقطة مقربة تمنحك أقل قدر من التفاصيل، لكن هذه الحيلة لم تكن كافية لتغيير قناعتنا بأن ما حدث كان محض عبث، وهذا العبث هو ما سيقوم عليه الفيلم بأكمله، لأن هذه الحادثة هي التي ستأخذ الأبطال لمستشفى الحياة، حيث تدور باقي أحداث الفيلم.

 

في المشهد التالي نرى أمنية وقد تعرضت لعدة إصابات بينما يغطي المارة وجه نصر بالكارتون في إشارة لمفارقته للحياة، لكن ورغم مرور ٤ ساعات على وجود جثة نصر ممدة إلى جوار طبيب من المفترض أنه تخرج في كلية الطب، فإنه لا يكتشف أنه على قيد الحياة، هذه المصادفة نادرة الحدوث حجة ركيكة للغاية، وهي ما ستنسج الصراع الرئيسي في الفيلم. عندما يبدأ الطبيب في تشريح ما يفترض أنه جثة نصر، يسقط رمش في عينه، هذه المصادفة تمنح البطل الذي كان فاقدا للوعي لمدة أربع ساعات فرصة للهرب. ثم لدينا الممرضة التي تُدعى رجاء، والتي تظهر في أولى لقطات الفيلم ثم تغيب عن الصورة تماما لتعود للظهور قرب نهاية الفيلم غير عالمة بما حدث داخل الحيز المكاني نفسه الذي تكون موجودة فيه، يحدث في تلك الفترة مطاردات وعراك وطلقات نارية، لكن أيًّا من ذلك لا يصل إلى مسامعها.

 

بناء الفيلم.. دراما لا محل لها من الإعراب

يبدأ الفيلم بلقطة فلاش فورورد لإثارة ذهن المتلقي وتحفيزه على المتابعة، نرى فيها أحمد داود/نصر وملامح الهلع والخوف تعلو وجهه، ويبدو واضحا أنه مطارد من خطر ما لا نعرفه، بداية جيدة لإثارة انتباه المتفرج، لكن ما الذي يحدث بعد ذلك؟ نصف ساعة من الدراما الشاعرية المحببه للقلب عن علاقة رومانسية تجمع بطلة تعاني من مشاكل في السمع بحبيبها الذي لا يعبأ بكونها من ذوي الاحتياجات الخاصة.

   

الممثل أحمد داود في كواليس تصوير فيلم 122 (مواقع التواصل)
الممثل أحمد داود في كواليس تصوير فيلم 122 (مواقع التواصل)

   

دراما جيدة تصلح لفيلم رومانسي أو دراما اجتماعية، لكنها تأتي في فيلم قامت دعايته الرئيسية على كونه أهم فيلم "إثارة" مصري؛ هي إذًا بلا توظيف حقيقي وبعيدة تماما عن موضوع الفيلم الرئيسي، نرى مثلا نصر وهو يعمل في محل لبيع الأحذية، ونرى أمنية وهي تعمل في محل تجميل، ثم نراهما يتحدثان عبر الفيديو، ثم نرى لقطات لأمنية في منزلها، ثم لقاءين لهما معا، نتعمق في قصة الحب بينهما والعوائق المادية التي تحول دون إتمام زواجهما، كلّها تفاصيل لا محل لها من الإعراب، ويمكن الاستغناء عنها.

 

تستمر التفاصيل، يلجأ نصر للاتجار في المخدرات للحصول على المال السريع للزواج من أمنية التي أصبحت حُبلى، كل هذه التعقيدات الضاغطة والمحفزة لبطلي العمل تصلح لفيلم دراما اجتماعية، لكن ليس لها أي علاقة بموضوع الفيلم الرئيسي، سوى تفصيلة واحدة هي كون أمنية حُبلى، وهو الحافز الذي سيدفعهما للمقاومة من أجل الحفاظ على حياتهما فيما بعد، أما باقي التفاصيل والوقت المهدر فهو ببساطة بناء سيئ جدا لما يُفترض أنه فيلم إثارة، صحيح أن هذا التوريط العاطفي للمشاهد في حياة نصر وأمنية مهم لكنه يحدث في وقت أطول من اللازم، لا سيما وأن المؤلف من الناحية الأخرى لم يعطنا أي لمحات عن ماضي أو دوافع دكتور نبيل، فيبدو أقرب للشرير السطحي، لا يفهم الجمهور دوافعه أو يعرف أي شيء عن ماضيه.

الخطأ الذي ارتكبه المخرج في بداية الفيلم من تأخير الدخول في موضوعه يعود ويكرره في النهاية، يحاول المخرج تصعيد الإثارة في نصف الساعة الأخيرة من عمر الفيلم، لكن عوضا عن أن يفعل ذلك من خلال الأحداث وتصاعدها فإنه يلجأ للتعدد الذرّي، والذروة هي اللحظة الأكثر إثارة في عمر الفيلم، ننتقل بعدها إلى الهدوء النسبي في الأحداث وصولا للنهاية، لكن ما يحدث هنا أن المخرج يكرر الذروة لثلاث مرات، كل مرة نعتقد أن العقدة تم حلها، ثم تتعقد الأمور مجددا، لماذا تُعتبر هذه الطريقة نقيصة في بناء الفيلم؟ لأنه في المرة الأولى سيُفاجأ المشاهد، في الثانية قد يتفاجأ، أما في الثالثة سيكون الأمر متوقعا ومملا، وهو أشبه بنكتة قديمة "ضربته بالقلم ٣ مرات على سهوة".

المصدر : الجزيرة