شعار قسم ميدان

كفرناحوم.. هل يصل الفقراء والبؤساء إلى الأوسكار؟

ميدان - كفر ناحوم الذي اختصر المسافة بين الوثائقي والسينما هل يصل للأوسكار؟

لو كنت قاضياً في محكمة وأمامك طفل في السنة الثانية عشرة من عمره اعترف بمحاولة قتل، وأراد أن يقاضي أهله، في صالح من ستحكم؟ هكذا تعرفنا على زين بطل فيلم "كفرناحوم." طفل ضحى بسلامته لينقذ أخته القاصرة من زواج بالإكراه. و"كفرناحوم " قرية توارتية حدث فيها خراب ومعجزات، والمفردة في الأدب الفرنسي تعني "الجحيم والمعاناة" حسب نادين لبكي في ردها عن استفسار أحد الحكام في مهرجان أجيال السينمائي (في الدوحة، قطر) حول معنى المفردة أما لماذا "كفرناحوم" كعنوان،  فالفيلم يجيب.  

  

نادين لبكي (مواقع التواصل)
نادين لبكي (مواقع التواصل)
     
ما حققه الفيلم
رشح الفيلم الذي هو من إخراج لبكي لأوسكار (٢٠١٩) لأفضل فيلم أجنبي. وفي مهرجان "كان" في فرنسا، فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم. ويعد "كان" واحداً من أهم مهرجانات السينما في العالم. وعمت الزغاريد القاعة عند إعلان فوزه. لقد كانت أول مرة تفوز صانعة أفلام عربية بهذه الجائزة. كما جرى ترشيح الفيلم ل "غولدن غلوب." قالت  لبكي لحكام أجيال، الذين كنت أحدهم،  إنها لم تطلب من الممثلين غير المحترفين الذين عملت معهم أن يمثلوا. "لم أطلب منهم to act (أن يمثلوا) بل طلبت منهم  to react (أن يتفاعلوا)".  

كانت لبكي تسألهم ماذا ستكون ردة فعلهم في هذا الموقف وتلتقط تفاعلهم: "قلت لهم أن يكونوا على طبيعتهم". ويتجلى هذا في حركة الكاميرا غير المعتادة التي كانت مثار سؤال لأحد  حكام أجيال. وكان ردّ لبكي بأنه لزم أن تكون الحركة هكذا كي تلتقط كل تفاعلهم. وقد تم تصوير ٥٠٠ ساعة ليصلوا إلى نسخة فيلم من ١٢ ساعة ثم أصبح بعد اختيار اللقطات فيلم طويل من ١٢٠ دقيقة.   
 

يبدأ الفيلم بمشهد يقول فيه زين: "بدي قاضي أهلي." القاضي يسأل زين: "لماذا تريد أن تقاضي أهلك؟"  فيجيب: "لأنهم خلفوني". فقد جلبوه لهذه الدنيا هو وإخوته وهم لا يستطيعون توفير حياة كريمة لهم، كما قرروا تزويج أخته القاصرة. في أحد المشاهد الشديدة العاطفية تقول أم زين (سعاد) بحرقه للمحامية نادين (التي مثلت دورها لبكي): "إنت ما بتعرفي شو يعني تخلطي مي وسكر تتشربي إبنك". وكان النص ارتجالا من الممثلة التي عاشت الفقر الشديد طوال حياتها.

"هناك الأطفال بيموتوا موتة ربهم". من العبارات المؤثرة في الفيلم، والتي لم يكتبها روائي،  تلك التي وصفت فيها  الطفلة اللاجئة السورية في لبنان لزين سبب رغبتها في اللجوء لبلد أوروبي، استشعر الحكام  تلك الواقعية في الفيلم إلى درجة أن بعضنا  لم يتمالك نفسه من البكاء. ونهض كل حكام أجيال عند دخول لبكي وزوجها الموسيقار خالد مزنر القاعة تقديراً للفيلم. وقد حاز الفيلم على جائزة الفيلم الطويل لفئة بدر (أي الحكام من ١٨-٢١).  وبحسب ياسمين أبو غزالة (أحد الحكام): "لأول وهلة ظننت أنه فيلم وثائقي لشدة واقعية التمثيل، ثم اكتشفت في فقرة الأسئلة أن الممثلين عاشوا بالفعل مهمشين بل غير موجودين وبعضهم ليس لديهم حتى أوراق ثبوتية. وما جذبني هو نقل الفيلم المعاناة اليومية لأفراد مختلفين من المجتمع بطريقة قصصية مدهشة".

وما إن جلسنا حتى بدأت الأسئلة تنهال على لبكي ومزنر، سأل أحد الحكام لبكي: "ما الذي دفعك قدماً لإنتاج هذا الفيلم متحدية الصعوبات المالية و"اللوجستية"؟" وكان رد لبكي هو: "شعرت بمسؤولية نقل معاناة هؤلاء الأطفال المهمشين وقصصهم للعالم وأتذكر عندما نظرت لصورة الطفل إيلان الملقى على الشاطئ، وتساءلت لو تمكن من الكلام ماذا كان سيقول لنا؟" وتحدثت لبكي عن ما وصفته ب"المعجزات" التي حدثت معهم خلال التصوير، وقالت: "أكبر معجزة كانت حصول زين على أوراق ثبوتية وتمكنه من السفر إلى النرويج وأصبح عنده بيت ويذهب إلى المدرسة لأول مرة منذ سنوات". وهو ربما سبب عدم تمكن زين من القدوم لمهرجان أجيال مع أنه كثيراً ما يأتي الممثلون أو أبطال الفيلم الوثائقي كمجيء بطلات الفيلم الوثائقي "ملاعب الحرية" " اللواتي لاقاهن الحكام بنفس حماس ملاقاتهم لبكي، وهي وجه معروف لدى الحكام خصوصاً  الذين شاهدوا أفلامها كفيلمها "سكر بنات" (الذي كانت بطلته) و"هلأ لوين". 

        undefined

   

تمتاز أفلام لبكي بواقعيتها، وفي كفرناحوم خصوصيةً حافظت على واقعية -فلم ترد خلق صورة مجملة- وأنتجته هي وزوجها مزنر، الذي أنجز الموسيقى التصويرية للفيلم، الذي استغرق لبكي ثلاث سنوات من البحث. وكانت تكتب السيناريو وتجري بحثاً على أرض الواقع لترى قصص ناس في مناطق فقيرة جداً، وجهد البحث دائماً ما يثري أي عمل فني وقد تجلى ذلك في واقعية الفيلم. لم تغير اسم بطل الفيلم فبقي اسمه زين كلا الزينين عاشوا معاناة قاسية ولم يحصلوا على أبسط حقوقهم. "فزين الرفيع" لاجئ سوري لا يحمل أوراق ثبوتية، بحسب لبكي وزين في الفيلم هو طفل مضطهد في السنة الثانية عشرة من عمره تعرض لأسوأ أشكال المعاناة واضطر للهرب باحثاً عن حياة أقل سوءاً حيث يحتمي بالخادمة رحيل التي هي الأخرى تهرب وإبنها الرضيع من واقع صعب. سأل الحكام الكثير من الأسئلة عن وضع الممثلين الآن وكيف حياتهم، وبحسب لبكي، "جميعهم في وضع أحسن". ونرى صورهم على صفحة الفيلم على "الإنستجرام" الآن مبتهجين في المهرجانات السينمائية التي يدعون إليها.

لم تكف فقرة الأسئلة والأجوبة القصيرة -التي تعطى للحكام عند انتهاء أي فيلم لإشباع فضولهم وزيادة ثقافتهم الفنية- بل كان هناك لقاء أطول مع لبكي أجابت فيه على المزيد من التساؤلات حول كفرناحوم وعنها مخرجة. 
  

بتسليط لبكي الضوء على المعاناة وإضاءة ولو بقعة صغيرة من
بتسليط لبكي الضوء على المعاناة وإضاءة ولو بقعة صغيرة من "كفرناحوم" فقد صنعت فرقاً،  وأوصلت صوت فئات من المهمشين للعالم
  

"هل شكك أحد في قدراتك الإخراجية لكونك امرأة؟" سئلت من أحد حكام أجيال ،  وكانت إجابة لبكي: "لا أحد يستطيع أن يشكك بقدراتك إذا عندك ثقة بنفسك، أنا كنت دائماً أظهر واثقة من نفسي…" ولنعرف أكثر عن الموسيقى في أفلام لبكي وفيلم كفرناحوم بالتحديد قابلنا مزنر كجزء من "جلسات أجيال الحوارية" (التي أيضاً استقبلت "الكاليغرافيتي" (الذي يرسم بالخط العربي لوحات على الجدران) المبدع إل سيد وكايلاش ساتيارثي الحائز على جائزة نوبل للسلام).

 
افتتح مدير الحوار أحمد شهاب الدين في المسرح الممتلئ بالحماس والحكام من كل الأعمار (حيث تجمع الجلسات الحوارية كل الفئات)."كما نعرف السينما والموسيقى زوجان لا يفترقان." فعلق مزنر مازحاً "تقصدني أنا ونادين".  مزنر وضح  دور الموسيقى في السينما وبشكل عام كونه موسيقاراً: "استخدمت الموسيقى بداية لتغطية النشاز الذي يصدره جهاز العرض." كانت المقدمة موجزة لكنه أسهب  في التكلم عن صعوبة اختيار الموسيقى لفيلم كفرناحوم، فقد كانت لبكي ترفض القطع الموسيقية التي اعتقد أنها ستناسب الفيلم بشكل كبير، حتى عزف مقطوعة على نمط الموسيقى التوراتية وأعجبت لبكي بشدة. وقد كانت مناسبة لاسم الفيلم ومحتواه، بحسب مزنر. وقد أضافت موسيقى الفيلم قوة له، كما أصوات الخلفية التي كانت واضحة كصوت السيارات في الشارع وصوت كلام المارة كما في الأفلام الوثائقية. 

  

undefined

      
أثبت الفيلم أن المعجزات قد تحصل في أكثر البقاع بؤساً، وبتسليط لبكي الضوء على المعاناة وإضاءة ولو بقعة صغيرة من "كفرناحوم" فقد صنعت فرقاً، وأوصلت صوت فئات من المهمشين للعالم. يعد الفيلم إنجازاً فنياً جذاباً قد يحصد الأوسكار وإنجازاً إنسانياً حصد قلوب الجماهير.

المصدر : الجزيرة