شعار قسم ميدان

كابتن مارفل.. هل المرأة الخارقة هي المثل الأعلى للنساء؟

ميدان - كابتن مارفل

بعد أن اعترض طريقهم حادث سير في نهاية فيلم "المنتقمون: نهاية اللعبة" (Avengers: Infinity War) تحولت "ماريا هيل" إلى رماد، وفي اللحظات الأخيرة، وقبل أن يتحول "نيك فيوري" إلى رماد أيضا، أجرى فيوري اتصالا أخيرا طلبا للنجدة من أحد الأبطال الخارقين، ومن بينهم جميعا اختار "كابتن مارفل" لتأتي لإنقاذهما. في عالم مارفل السينمائي لا نعرف الكثير عن هذه المرأة الخارقة، لكن هذه المكالمة جعلتنا في ترقب لنعرفها أكثر عن كثب، ولنطرح سؤالا: من هي كابتن مارفل؟ تلك المرأة التي تنتمي إلى نبلاء إمبراطورية كري (kree empire)*.

  

أعلنت مارفل صدور فيلم "كابتن مارفل" (Captain Marvel) يوم 8 مارس/آذار من هذا العام، والذي يبدو أنه وعن قصد يتوافق مع اليوم العالمي للمرأة؛ حيث يُمثّل الفيلم تمهيدا لتعريف الجمهور بتلك المرأة التي ستنضم لفريق المنتقمين (Avengers)، لأنها بضربة واحدة بقبضة يدها تستطيع أن تقضي على ثانوس، العدو الأول للمنتقمين.

    

   

في البدء كانت رجلا

خلق "ستان لي" و"جين كولان" شخصية كابتن مار-فل (Captain Mar-Vell) القادم من الفضاء من أجل مراقبة البشرية في الفترة الزمنية التي تزايد فيها سعي البشر للسفر إلى الفضاء، مار-فل قوي، يستطيع الطيران مثل سوبرمان في عالم "DC" مما جعله شديد الجاذبية للنساء خاصة، وبالتحديد "كارول دانفريز"[1].

  

بعد سنوات قضتها في خدمة السلاح الجوي الأميركي تم تعيين "كارول" مديرة للأمن في وكالة ناسا للملاحة الجوية والفضاء، وفي ذات يوم تعرضت كارول لجهاز غريب تسبب انفجاره في اندماج هيكلها الوراثي مع الكابتن والتر ويلسون (مار-فيل) ومنحها حمضه النووي جزءا من طاقته الخارقة، وتحولت بذلك من امرأة عادية إلى "السيدة مارفل" التي نعرفها كواحدة من الأبطال الخارقين في عالم مارفل[2]، تسعى هذه القصة لتذكيرنا بأصل الخلق وحواء التي جاءت من ضلع آدم، وفي إسقاط يشير إلى أن المرأة دائما ما تستمد الحياة والقوة من الرجل حتى لو كانت امرأة خارقة. كان 1968 هو عام التعارف الأول في عالم كوميكس مارفل بين الجمهور وبين مس مارفل (Ms. Marvel) التي انضمت لاحقا عام 1979 إلى فريق المنتقمين (Avengers)[3]. على مدار تاريخها في عالم الكوميكس كانت شخصية كارول/كابتن مارفل من وحي إلهام عدد من النساء المؤثرات، فمن هن؟

  

undefined

    

تزامنا مع الحركة النسوية

في ديسمبر/كانون الأول عام 1971 صدر العدد الأول من مجلة مس (.MS)، وهي مجلة نسوية أميركية انطلقت مع الموجة النسوية الثانية لتحرير المرأة في الولايات المتحدة[4]، يَذكر العالم هذه الحركة النسوية[5]، وربما يذكر أيضا جلوريا شتينيم المتحدثة الرسمية باسم الحركة، والملهمة الأولى لخلق شخصية كارول التي حملت اسم مس مارفل (MS. Marvel) في إشارة إلى عنوان مجلة جلوريا، وبالتدريج نُشرت قصص مصورة تظهر فيها كارول صحافية في مجلة بعنوان "مجلة المرأة" وتشبه في ملابسها العادية ملابس جلوريا، وترفض نشر مقالات معينة في المجلة حول الجمال والحميات الغذائية وغيرها من أمور نمطية ترفضها النسويات[6].

 

كان التفكير في مظهر مس مارفل مثيرا للتساؤلات، لكنه في النهاية جاء من نظرة ذكورية للغاية، فكانت كارول في أول ظهور لها امرأة شقراء ترتدي زيًّا شبيها لسوبرمان، لكنه قصير وضيق، ويكشف بوضوح مفاتنها وسيقانها العارية التي تتصدر بهما أغلفة مارفل كوميكس، وهو ما يضعنا من جديد أمام الصورة النمطية التي يجب أن تكون عليها المرأة، حتى لو كانت بطلة ذات قوى خارقة، فإن هذا لا يمنعها من أن تكون مثيرة أيضا، لا لشيء، عدا إرضاء للذكور من القراء، وتماشيا مع القيمة التسويقية للعُري.  

 

undefined 

  

في عام 2012 عادت كابتن مارفل من جديد في عالم الكوميكس على يد الكاتبة النسوية "كيلي سو ديكونيك" والتي اعادت إحياء كابتن مارفل في السنوات الأخيرة، وقالت عنها: "أكثر ما يميز شخصية كارول أنها مثلنا تماما، متصدعة من الداخل لكنها تسعى بجدية لتُخرج أحسن ما فيها"[7]، وفي عام 2018 في العدد الرابع من كوميك "حياة كابتن مارفل،4" تم سرد قصة جديدة لأصل القوة الخارقة لكارول، لا التي عرفناها في السابق، بل تبدلت تلك النظرة الذكورية، لنصبح أمام سبب آخر يشير إلى أن قواها الخارقة كانت موجودة بداخلها، وأن كارول لم تكن امرأة عادية، بل إن والدتها من الكري وهو ما يعني أن كارول بالأساس امرأة خارقة، لكن حادثة الانفجار السابقة تلك ليست المسبب الرئيس في قواها، بل إنها أبرزت وهجها من جديد وأصبحت ما هي عليه الآن، كابتن مارفل. 

 

"لقد غيّرت كارول دانفريز حياتي"

(بري لارسون)

 

ما سرّ قوتها؟

undefined

 

ينتمي فيلم "كابتن مارفل" إلى فئة أفلام النشأة (Origin) التي تهدف إلى تعريفنا بالشخصية الرئيسة فقط وجذور قصتها وسبب قواها الخارقة، وبسبب فيلم "المنتقمون" (Avengers) الأخير زاد تلهفنا لنعرف من هي كابتن مارفل تلك، وما سر قوتها الخارقة؟ لكن الفيلم المصنوع خصيصا لها جاء مضطربا قليلا في وضع أصل قواها الخارقة نصب أعيننا، عرفنا عنها أنها تعيش بين عالمين، عالم إنساني طبيعي وعالم الكري، وعند وجودها في واحد منهما تنسى تماما هويتها الأخرى، يبدو أن هذا الأمر هو نقطة الضعف التي تطارد كارول/كابتن مارفل، لكنه من جهة أخرى يعكس جانبا من جوانب قوتها، والذي يكمن في بحثها عن هويتها، فنحن دون ذاكرتنا لن نستطيع أن نعرف أنفسنا حقا، وهو ما يضع كابتن مارفل أمام قوة جديدة ربما لم نعتد عليها في عالم الأبطال الخارقين، فبجانب ما تملكه من قوة فإن ما يجعل شخصيتها أكثر بطولية هو نفسها، وسعيها لمعرفة حقيقة ما هي عليه [8].

   

"إن ما يجعل الشخصية الدرامية قوية ليس بالضرورة قوتها الجسدية فحسب"

(مارغريت ستوهل)

  

قدّم فيلم "كابتن مارفل" شخصية كارول بالصورة نفسها التي اعتدنا عليها في الكوميكس، فهي امرأة شديدة الخشونة، ومتجهمة طوال الوقت، لا تبتسم، ولا تتشارك بخفة مع الأحداث، هي أيضا شقراء، لكنها في الفيلم ترتدي زيًّا ساترا لكامل جسدها بعكس الكوميكس.

  undefined   

في واحد من مشاهد الفيلم تقف كابتن مارفل في الشارع، ليقترب منها شخص يقود دراجته البخارية ويبدأ في مغازلتها والإطراء على ملابسها الخارقة، تنظر له باستخفاف ثم تتجاهله، هذا السلوك العابر يعكس تماما تلك النظرة الذكورية التي تختزنها كارول في جسدها، فهي رغم أنها بطلة خارقة فإن هذا لا يمنعها من التعرض لمضايقات الرجال، لأنها قبل أي شيء امرأة.

 

"الفيلم عن النساء اللاتي يكسرن أغلالهن"

(ماثيو ليكونا)[9]

  

على مدار الفيلم تتعرض كابتن مارفل لجملة واحدة لا تتغير: "لا تتركي مشاعرك تؤثر على أحكامك"، وهي لا تستمع لهذه الجملة إلا لأنها امرأة فقط، في إشارة متكررة إلى أن مشاعر المرأة دائما ما تغلبها، وهو ما تفسره لاحقا أحداث الفيلم، حيث إنها وضعت ثقتها الكاملة في الأشخاص الخاطئين، ومن ظنّتهم أصدقاء لم يكونوا أصدقاء بالفعل. هناك دائما تلميح إلى أن كابتن مارفل لا تملك أحكاما صائبة على الأغلب لأنها امرأة، وهو ما لم نره من قبل في أي من شخصيات مارفل، أي أن يكون البطل الخارق مضطربا بشأن مشاعره تجاه الآخرين، لكنها في النهاية تتغلب على الأمر بفضل قوتها وتعود من جديد للسير على الطريق الصحيح.

 

تقنية الـ CGI

undefined

 

لأن أحداث الفيلم تدور في التسعينيات، فليس من المنطقي أن يكون "نيك فيوري" ما زال يحتفظ بملامحه نفسها عندما نعود بالزمن إلى الوراء، وهذا ما حققته التقنية التي استخدمها صناع الفيلم "Anti-Aging CGI" التي تحوّل ملامح الوجه إلى الشباب، عندما يطل عليك صموئيل جاكسون بوجهه في الفيلم ستصيبك الدهشة حتما، وهو ما لم يكشف بالكامل في الملصق الدعائي للفيلم لتتحقق للمشاهد تلك المتعة عند المشاهدة. اعتمدت التقنية بالأساس على انتزاع تعبيرات وجه معينة من أفلام سابقة لجاكسون ومزجها بالتعبيرات التي قام بأدائها في الفيلم ثم مطابقتهما على وجهه[10]، وهذه التقنية تعكس ذكاء من صنّاع الفيلم وحيلة مبتكرة على الأرجح ستستخدمها مارفل في أفلام النشأة مستقبلا، لكن من جانب رسم الشخصية كان نيك فيوري مجرد ظل صغير بجوار كابتن مارفل، لا لشيء سوى لتعظيم دورها وقوتها في مقابل أدوار الرجال معها في الفيلم. لكن في النهاية، ورغم براعة الجانب التقني، لم يكن فيلم كابتن مارفل بالقوة التي ينتظرها الجمهور.

 

في واحد من مشاهد النهاية، تقف الفتاة الصغيرة مونيكا وتتطلع إلى كابتن مارفل بشغف ومحبة، رافعة رأسها إليها كأنها مثلها الأعلى الذي تنشد، تلك النظرة تكشف لنا كل شيء، وكل ما يريد الفيلم أن يخبرنا به، لكن دعونا نتساءل: ماذا لو جاء الفيلم بعيدا عن تلك النظرة؟ لو تجاهل أنها امرأة وكان التركيز فقط على قوتها الخارقة وما ستبنيه من ثقة مع الجمهور منتظرا انضمامها إلى فريق المنتقمين، هل كان الفيلم سينجح حينها في الرسالة التي يريد؟ أم أن تلك النظرة النسوية هي المبتغى الوحيد؟

—————————————————————

هوامش:

*إمبراطورية فضائية في عالم مارفل، متقدمون جدا في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ويتميزون بمستوى عالٍ من القوة البدنية.

المصدر : الجزيرة