شعار قسم ميدان

هيتشكوك فيلسوفًا

ميدان هيتشكوك
يلقي مارك هيوستن نظرة إلى مقاربة روبرت ينال لفلسفة هيتشكوك الإخراجية..

روبرت ينال (Robert Yanal) هو بروفيسور في قسم  الفلسفة بجامعة واين ستات ((WSU، عن تخصص فلسفة الفن. ولأكون صريحًا تماما، فهو أيضًا أستاذي السابق. وسأترك أمر تحديد انحيازي من عدمه ضمن هذه المراجعة للقارئ نفسه.

 

كيف يمكننا تصنيف كتابه الجديد، "هيتشكوك فيلسوفًا Hitchcock as Philosopher"؟ لقد حدث ما يمكن وصفه بالانهيار الثلجي مؤخرًا في كتب فلسفة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، بحيث باتت كتب حول أفلام كالماتريكس وهاري بوتر ومسلسلات مثل بافي قاتلة مصاصي الدماء، تبعث على الضجر. وقد تدفع هذه الكتب بالمرء لأن يضع كتاب ينال ضمن فئتها.  تتجه هذه الكتب إلى استخدام الفيلم أو المسلسل التلفزيوني ذي الصلة كركيزة لمناقشة بعض المسائل الفلسفية العامة، لكنها قلّما توفر فهمًا للفيلم نفسه.  

undefined

لحسن الحظّ كتاب ينال ليس من هذه الفئة. من منظور أكاديمي لدراسات الأفلام، يُعتقد أن هيتشكوك ينتمي إلى فئة ما بعد النظرية – وهي فئة فصّلها كل من دافيد بوردويل) (David Bordwell ونويل كارول (Noel (Carol في كتابهما الصادر سنة 1996 تحت عنوان بـ " ما بعد النظرية Post-theory ".  من خلال قراءتي، ما بعد النظرية نوع من التحليل الفوضوي (بمعناه الجيد) للأفلام، حيث يتم دمج أنواع مختلفة من الانتقادات وتوظيف أدلة متنوعة في تحليل الفيلم، مع تجنب التنظير المفصّل، كما هو الأمر في "نظرية التحليل النفسي للفيلم".

ومع ذلك، تتجه أعمال ما بعد النظرية إلى الأكاديميين حصرا. إلا أن كتاب هيتشكوك فيلسوفا، لحسن الحظّ، ليس كذلك. حيث يستهدف الكتاب القارئ الذكي بشكل عام والمهتم بأسلوب جديد نسبيا في قراءة بعض الأفلام الشهيرة للمخرج. (إلى جانب الأفلام المذكورة في هذه المراجعة، كتب ينال مقالات بحثية في الكتاب عن أفلام أخرى هي: Suspicion, North by Northwest, Shadow of Doubt, Psycho, The Man who Knew Too Much, The Birds).

 

ليس من الجوهري اكتساب معرفة فلسفية لفهم المقالات البحثية في هذا الكتاب. حيث يوفر ينال للقارئ كل الخلفيات الفلسفية التي قد يحتاجها. يرتكز الكاتب على الفلاسفة الكلاسيكيين في تحليله، ويولي اهتماما خاصا لتأملات الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، إنما يلجأ أيضا إلى جرعات كبيرة من تأملات أفلاطون، وويتينجشتاين، وآخرين غيرهم. بالإضافة إلى تركيزه على القضايا الابستمولوجية (الابستمولوجيا هي دراسة المعرفة، والقضايا والمشكلات المتصلة بالمعرفة)، مع لمسة من التحليل الأخلاقي من حين لآخر.

 ولأن تركيز ينال الفلسفي هو معرفي في الأساس، فإننا سنواجه التالي: الجزء الأول يتعامل بشكل رئيسي مع الخداع، خداع الآخرين والذات (محاولة معرفة ما الذي يجري بالفعل، ومعرفة ذات المرء)؛ الجزء الثاني متصل بوفرة أو ندرة ما نعرفه عن أذهان الآخرين؛ والجزء الثالث هو ما يسميه ينال ‘ بالمعرفة الإشكالية،’ على سبيل المثال، المعرفة التي لا ينبغي على المرء اكتسابها انطلاقا من موقف أخلاقي.

 

لو اقتصر تحليل ينال لأفلامه المختارة على الفلاسفة والمسائل الذين سبق وذكرتهم، فإن كتابه لن يلقى استحسان شريحة واسعة من القراء. إنما لحسن الحظ، ليس الأمر كذلك. إذ لا يبدو للقارئ أن الكاتب ملزم بالتحليل الفلسفي في تشريح الأفلام العديدة التي تناولها الكتاب، وهذا في رأيي ما يجعل الكتاب مستثنى من فئة ما بعد النظرية. وسأناقش اثنتين من المقالات التي أدرجها في كتابه للتدليل على وجهة نظري.

بينما تقدم مقالة (Strangers on a Train) مثالا جيدًا آخر على قدرة ينال على دمج عدد من الأدوات بغية فهم فيلم ما.  يقع في معرفة هيتشكوك السينمائية ما يمكن الاعتقاد بأنه ثلاثة أمثلة واضحة على الأقل على أفلام تحمل إيحاءات للمثلية الجنسية: وهي (Rope, Rebecca, Strangers on a Train). لا يناقش ينال فيلم (Rope) لأنه حسب رأيه لا يحتوي ‘ نتائج فلسفية’ – وهو الأمر الذي أجده مربكا بعض الشيء بالنظر إلى أن المسائل الواضحة من عدمية ووجودية حاضرة في الفيلم – لكن لكل رؤيته.
 

undefined

في رأيي أن الجزء الأول من الكتاب قد ظفر بالمقالات الأدسم، من خلال بحث حول إحدى أروع أعمال هيتشكوك الفنية فيرتيجو (Vertigo) ذات الطراز الرفيع. فبعيدًا عن تحليل المسائل الواضحة من خداع للآخر والذات التي تتعلق بخطأ في تحديد الهوية، في هذا الفيلم؛ يوفر ينال مستوى إضافيا من التحليل يمنح الفيلم نكهة منعشة: نقاش عميق حول تماهي الهوس الذي يسيّر فيرتيجو مع أسطورة تريستان وإيزولدا -أسطورة تعود إلى العصور الوسطى حيث يغرم الفارس تريستان بإيزولدا بعد أن يشرب مشروبًا سحريا أعدته والدتها وزوجها- ويوفر هذا المزج فهمًا ثريًا جدًا للفيلم.

 

من الواضح أن شخصية برونو، وهو غريم البطل في فيلم Strangers on the Train))، تنبئ عن شذوذ.  ويستعرض ينال أمثلة من خلال طريقة كلام برونو المائعة في عبارة " لقد حظيت بأمسية مرهقة" –  وهي أمثلة مضحكة بقدر ما هي موضِحة. و شخصية البطل،Guy الذي يبدو أقل شذوذًا، غير أن ينال يعرض العديد من الأدلة التي تترك السؤال مفتوحًا، بما فيه كلام جاي (Guy) المائع – " إن في وسعي أن أخنقها". يقوم ينال بعمل ممتاز جدًا في تضمين وتوبيخ بعض باحثي هيتشكوك بشأن هذا، كأمثال روبن وود) (Robin Wood. وحظي فيلم ( Rebecca) أيضًا بمقال بحثية ممتازة في الكتاب، حيث يناقش ينال الميل المثلي الواضح للسيدة دانفر (Mrs. Danvers)  تجاه ريبيكا.  

 

ولا أقول هذا للتلميح بأن كل المقالات مثالية. على سبيل المثال،الفصول التي تناولت مارني وسبيلبوند كان يعوزها شيء من التطوير (ولعل مرد ذلك إلى حقيقة أن أيا من هذه الأفلام هو سيء في المقام الأول).  وقد وجدت الفصل المعنون " بـالنافذة الخلفية Rear Window" أيضا غير مقنع؛ لكن القراءة تستحق المحاولة..

 

هذه مع ذلك مجرد خفايا طفيفة. فكتاب هيتشكوك فيلسوفًا كتب بحرفية تجذب الشريحة العريضة والذكية من القراء. أسلوب الكتابة منساب بخفة: إنه يتجنب المصطلحات الأكاديمية ويحتوي فقرات فيها حصة لا بأس بها من خفة الظل والألمعية. إن كنت تبحث عن استغراق منعش في بعض أشهر أعمال هيتشكوك، فإنني أوصي بتفحص كتاب هيتشكوك فيلسوفًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 المقال مترجم عن: philosophynow.org

المصدر : الجزيرة