شعار قسم ميدان

فيليبس الأبيض.. الأبطال الخارقون في حلتهم الجديدة

midan - Captain Phillips
الفيلم مأخوذ عن أحداث حقيقية وقعت في حياة ريتشارد فيليبس الضابط البحري المتقاعد والذي -للمصادفة- كان قبطان السفينة التجارية "ميرسك ألاباما" التي أبحرت من ميناء صلالة بعُمان في طريقها للسواحل الكينية عام 2009؛ في الوقت الذي انتشرت فيه عمليات القرصنة بالقرب من تلك السواحل، وفور اقتراب السفينة من الشواطئ الصومالية تم استهدافها من قبل القراصنة واقتحامها بالفعل بعد فشل طاقمها غير المُسلّح أو المُدرّب على مواجهة ذلك النوع من الهجوم مما أدى لاحتجاز الطاقم قبل أن تنجح القوات الخاصة في البحرية الأميركية في قتل القراصنة واستعادة السيطرة على السفينة الأميركية وعودة جميع أفراد طاقمها.

السوبر هيرو الأبيض


تناولت السينما الأميركية بكثرة موضوع السوبر هيرو والأبطال الخارقين الموجودين دائما في الجوار لإنقاذ المدينة، وفقا لطبيعة هؤلاء الأبطال فإما أنهم قد وصلوا الأرض من كوكب آخر، أو أنهم تلقوا تدريبات قاسية وتنشئة خاصة منذ الصغر. الأمر مختلف هذه المرة فريتشارد فيليبس قائد سفينة الشحن الأميركية -والذي لم تتم الإشارة لكونه ضابطا سابقا بالقوات البحرية في أحداث الفيلم- هو البطل الذي يقوم بالدفاع ببسالة عن المركبة وباستخدام الأغراض العادية والمتهالكة عليها كمضخات المياه لا بفعل قوة خارقة، قبل أن ينجح القراصنة في اقتحامها ثم يقوم فيليبس بشجاعة في الدفاع عن أفراد الطاقم، بل والتضحية بنفسه باحتجازه كرهينة في مقابل إنقاذهم.

"لو تأملت قليلا لاكتشفت أن الفيلم ينفخ فى الحكاية لتحويل فيليبس إلى نموذج للرجل المتحضر الذي يقول لزوجته أندريا فى بداية الفيلم: إن الإنسان يجب أن يكون قويا لمواجهة مصاعب الحياة، وهو الذي ينجح أيضا في سحب زورق القراصنة بحيلة بسيطة للغاية؛ حيث يزعم أنه على اتصال بسفينة حربية وأنها قادمة لإنقاذه"(1)، لقد اكتشف فيليبس أن القراصنة يستخدمون أجهزة اللاسلكي للتنصت على السفن، هنا يعود فيليبس لاستغلال المعرفة مرة أخرى، المعرفة التي تؤكد أفضلية الرجل الأبيض وتفوقه، وقدرته الدائمة على توظيف المعرفة لصالحه.

هذه المرة لا يُقدَّمُ البطل بوصفه مُحارباً يمتلك قدرات قتالية فائقة وعضلات مفتولة، بل قائد مركبة عجوز ترك زوجةً قَلِقَة وأبناءً ينتظرون عودته، لكنه ذكيٌّ وشجاع ويمتلك الحكمة والإنسانية التى تجعله يتعاطف حتى مع مختطفيه، بل إنه كان يمارس قَدَرَهُ في إنقاذ الإنسانية حيث -وفقاً للفيلم- كانت سفينة الشحن الأميركية تحمل معونات إغاثية طبية وغذائية للفقراء في كينيا. لم يكن فيليبس أكثر من مواطن أميركي عادي قد تُصادفُهُ أثناء عبور الإشارة لكنه يحمل جينات الرجل الأبيض، لذا لم يكن في حاجةٍ لارتداء قناع.

بين فيليبس وموسى.. الأنا والآخر مرة أخرى

"أميركا بالأساس هي الحلم"

(مارتن لوثر كينغ)

تبدأ أحداث الفيلم -التي تقع أغلبها على الساحل الصومالي- من مدينة فيرمونت حيث يعيش فيليبس، ورغم أن المشاهد التي صُوّرت خارج السفينة قليلة جدا فإنه لم يكن من الممكن الاستغناء عنها لأنها تحمل دلالات مهمة من وجهة نظر المخرج غرينغراس، حيث يشير إلى حياة فيليبس الخاصة والقلق المسيطر على زوجته، ويخوض نقاشا حول مستقبل الأسرة وكيف تغيرت الحياة وأصبحت صعبة وسريعة وخاضعة لمعايير السوق.

    undefined

"فإذا أردتَ الاستمرار في الحياة فعليك أن تكون قويا بما يكفي"، ذلك ما قاله فيليبس الذي يمتلك بالفعل ما يستحق القتال لأجله (زوجة مُحِبَّة وأطفالٌ ينتظرهم مستقبلٌ غامض)، تنتقل الكاميرا مباشرة لمدينة إيل الصومالية لنجد أنفسنا وسط البادية حيث تختفي أشجار فيرمونت وكل أشكال الحضارة والعمران، حيث الصوماليون يعيشون في العراء ويأكل الجوع والفقر أجسادهم النحيلة.

في وجهة نظر غرينغراس؛ الفقر ليس سببا كافيا لاتجاه الصوماليين لأعمال القرصنة، بل السلطة القبلية وتحكُّم مجموعة من زعماء القبائل وجشعهم في كسب الأموال. حيث يحضر مجموعة من أتباع زعيم القبيلة في سيارات الدفع الرباعي الفارهة وأشخاص بأجساد رياضية تبدو عليهم الصحة -على عكس أولئك الصوماليين الآخرين الذين تكاد أجسادهم تختفي- ويمتلكون كذلك أجهزة رادارات متطورة، ولأنهم مسلحون؛ يقومون بإجبارهم على أعمال القرصنة التي يذهب أغلب عائدها إلى جيوب شيوخ القبائل.

رغم بدائية القراصنة وغوغائيتهم كما تم تصويرهم بالفيلم وعدم قدرتهم حتى على الاتفاق معا فإنهم على دراية جيدة بما يفعلونه، وبالأخص قائدهم عبد الوالي موسى، فإنه يتمتع بذكاء فطري واضح وقدرة على إدارة المفاوضات والضغط النفسي على طاقم السفينة، وينجح فيليبس في إقناعه بالتراجع عن قرار قتل أحد أفراد طاقمه -عليك أن تلاحظ أن هذا حدث فقط بعد تبادلهم حوارا عقلانيا-.

نلحظ طوال أحداث الفيلم ثباتا انفعاليا لفيليبس (الأبيض) يُخفي به قلقه الداخلي، ورغم أنه رهينة محتجزة تحت تهديد السلاح فإن مختطفيه الغوغائيين أكثر توترا منه وحتى أكثر خوفا رغم أنهم -نظريا- أكثر قوة حتى إن قائدهم يُعلن أكثر من مرة أنه يحب أميركا، بينما يُصرُّ فيليبس دائما على التصريح بأنه يفهمه جيدا، "إن مشهد الكابتن فيليبس وهو يقول للآخر بأنه يفهمه هو -بشكل ما- استمرار للخطاب الغربي تجاه نفسه حيال الشرق، فالغربي يقول لنفسه إنه يفهم الشرق، وإن ما يحتاجه هذا الشرق هو الحرية، هو منفتِح ليتحاور مع الشرق حول الشرق، وليس حول نفسه هو، فيما الآخر منغلق لا يريد أن يتبادل حوار المتفاهمِين"(2)

undefined

"- أحد الخاطفين: أيها الأيرلندي هذه ضريبة، والأمر كله متعلق بالمال، تأتي لمياهنا عليك أن تدفع مقابل ذلك.
– فيليبس: لقد كنا في المياه الدولية -مياهكم دولية-، وكنا نحمل الطعام للأشخاص الذين يتضورون جوعا في أفريقيا .
– أحد الخاطفين: سفنكم تأتي إلى مياهنا لاصطياد الأسماك، كل الأسماك، ماذا يبقى لنا لنصطاده؟!

(حوار مقتبس من أحد مشاهد الفيلم)

الحوار كان خيارا أول لفيليبس في تعامله مع تلك الأزمة، لكن في النهاية البحرية الأميركية اضطرت -كما هو الحال دائما- لإنهاء الحوار بالقوة.

في الواقع عندما عاد ريتشارد فيليبس إلى موطنه لم يُلاقَ بذلك الترحاب الذي يليق بمغامرته المفاجئة ودوره البطولي فيها -حتى إنه صرح في أحد اللقاءات الدعائية للفيلم أنه لم يكن على تلك الدرجة التي تم تصويره بها-، وعلى العكس من ذلك لاحقته دعاوى قضائية من قِبل زملائه بالسفينة زعما منهم أنه عرّض حياتهم للخطر بتجاهله التعليمات بعدم الاقتراب من الساحل الصومالي.

"يمكن أن نقول إن فيلم كابتن فيليبس يتجاوز كثيرا فكرة الإعداد الدرامي لوقائع حقيقية، لكي يقول بوضوح إن العالم الأول بتقدمه وتحضره ما زال قادرا على قيادة البشرية، الصراع في الفيلم ليس كما يبدو بين قبطان سفينة الشحن الأميركية "ميرسك ألاباما" ومجموعة من القراصنة الهواة، بل صراع بين العالم الأول والعالم الرابع".(3)

المصدر : الجزيرة