شعار قسم ميدان

"حكاية لوحة" موناليزا الشمال.. فتاة قرط اللؤلؤ المحتشمة

ميدان - فيرمير لوحة فن فتاة

تعد لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" التي رسمها الفنان الهولندي "يوهانس فيرمير" تقريبا عام 1665 واحدة من أشهر اللوحات في تاريخ الفن، عندما أعيد اكتشافها أطلق عليها النقاد "موناليزا الشمال" فهي لا تقل جاذبية وغموض عن الموناليزا، وهي أيضا أكثر موضوعات فيرمير غموضا لكنها تشترك مثل جميع أعماله في صفتي الجاذبية والسكون المميزتان لأعمال فيرمير، لكنها لا تسرد قصة هادئة مثل الكثير من أعماله.

 

في الكثير من الأحيان تعود الشهرة الواسعة لبعض الأعمال الفنية لاستخدامها كرمز محوري في أفلام حققت جماهيرية كبيرة أو أن يكتب عن العمل الفني روايات أو أعمال أدبية، وهذا ما حدث مع هذه اللوحة، في عام 1999 كتبت "تريسي شيفيلير" رواية مستوحاة من اللوحة وتحمل نفس الاسم وكانت هذه الرواية مصدر الهام لفيلم ومسرحية يحملان نفس الاسم أيضا، الفيلم من إنتاج 2003 ومن بطولة سكارليت جوهانسون التي قامت بدور الفتاة ذات القرط اللؤلؤي وحصلت عن هذا الدور على عدة جوائز منها الجولدن جلوب والبافتا لأفضل ممثلة.

 

 إعلان الفيلم

عندما ننظر للوحة يخطر لنا "هل تسير الفتاة نحونا أم بعيدا عنا، لا يمكننا أن نجزم"، من نظرتها وفمها الصغير المفتوح ننتبه لأنها على وشك قول شيء ما لكن شيء ما جعلها تتوقف، انها تفكر، هل هي مترددة؟ لا ندري، في ذلك الوقت، كان الفن الهولندي يتميز بخاصيته التعبيرية المثالية والتي تعكس التعبيرات والحالات النفسية الداخلية، لذا يرى الكثيرون أن هذه اللوحة تصور موضوعا سيكلوجيا داخليا أكثر من أي شيء آخر.

 

في معظم أعمال فيرمير يجد المشاهد نفسه متفرجا يقف أمام مشهد داخلي في أحد البيوت على مسافة تفصله عن المشهد الذي في اللوحة، لكن في لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" اللوحة تخاطب المتفرج مباشرة، يصطدم المشاهد بنظرتها الثابتة المتجهة بهدوء نحوه، المركزة جدا بسبب الخلفية الداكنة جدا التي تقف الفتاة أمامها، مما يمنحنها شعور بأنها ذات بعد ثلاثي، يقول ليوناردو دافنشي "كلما كانت خلفية الصورة غامقة أكثر، كلما بدا التفاوت والوضوح في الألوان المتعلقة بالشيء المرسوم أفضل وأهم"، وهذا ما استخدمه فيرمير في هذه اللوحة.

 

عكس ما هو شائع في ذلك الوقت بأن البورتيرهات ترسم للملوك والنبلاء والشخصيات الدينية فقط، رسم فيرمير هذا البورتريه لفتاة عادية غير معروفة، ربما فن فيرمير بالكامل منحاز للأشخاص العاديين والأِشياء العادية اليومية، ويقال أن هذه اللوحة لم يكن اسمها "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي"، بل كان يطلق عليها اسمين "الشابة ذات غطاء الرأس" و"قرط الإذن".
 

undefined


من الأشياء الملفتة في اللوحة بشكل مثير هو غطاء رأس الفتاة الأزرق أو العمامة الشرقية التي ترتديها الذي يخرج منه خمارا أصفر، تتكرر في لوحات فيرمير أغطية الرأس التي ترتديها النساء، والتي كانت منتشرة في أوروبا في ذلك الوقت بسبب الحروب التي كانت بين أوروبا والدولة العثمانية، لقد كان الأوربيون ينظرون إلى الأتراك أعدائهم  نظرة انبهار وإجلال، وتأثروا بمظهرهم وبطرقة حياتهم حتى أن المفارش التي رسمها فيرمير في العديد من لوحاته هي مفارش من تصاميم تركية، خلال الحرب ضد الأتراك ثبت أن أساليب الحياة واللباس الخاصة بالأعداء كانت أشياء موضع افتتان شديد.

 

ومن الملاحظ في كل اللوحات التي وصلتنا منه أنه لم يستخدم النموذج العاري كعادة فناني عصر النهضة في ذلك الوقت لكي يبرهن على مهارته، بالرغم من أن النموذج العاري لم يكن مستهجنا أصلا، ترى الناقدة الفنية لورينا روكسانا ماروني أنه "رجل يحب في الأنثى الاحتجاب والوقار ولا يجعل منها سلعة جسدية رخيصة ليظهر حرفيته العالية وفنه بل على العكس، لقد أثبت أنه أكثر مهارة من معاصريه حين طرق باب الحشمة والوقار الذي يعد أصعب من النموذج غير المتحفظ".

 

وبالرغم من ذلك كان فيرمير قادرا على رسم النموذج العاري بسهولة شديدة فتظهر في بعض لوحاته لوحات أخرى معلقة على الحائظ مثل لوحته فتاة واقفة بجانب الهاربيسكود التي ظهر بها كيوبيد إله الحب عاريا وفي يده سهمه الشهير.

 

فيرمير، فتاة قوطعت أثناء عزفها (1660-1661) (مواقع التواصل)
فيرمير، فتاة قوطعت أثناء عزفها (1660-1661) (مواقع التواصل)

 

أما قرط اللؤلؤ الذي سميت اللوحة به، فيدور حوله الكثير من الآراء، يرى البعض أنه أول ما يلفت النظر في اللوحة، لكن الحقيقة أن شفتا الفتاة الفاغرتان وفمها الجميل أيضا قد يلفت نظر البعض قبل قرط اللؤلؤ، لكن البعض يفسرون قرط اللؤلؤ بقصة النبي إسحاق الذي أرسل إلى العفيفة ريبيكا قرطا من اللؤلؤ تعبيرا عن المحبة، ومنه يرون أن القرط هنا ما هو إلا دلالة على عفة الفتاة وطهارها، وبحسب الدارسين، فإن القرط يؤكد أيضا على البعد الشرقي لهذه اللوحة، فاللؤلؤة بهذا الحجم الكبير من الصعب أن نجدها عند الفتيات الأوربيات.

 

الكثير من مؤرخي الفن حاولوا تخمين من تكون هذه الفتاة، واختلفت الآراء كثيرا هل هي فتاة ثرية كما يظهر من ثيابها والقرط، أم أنها خادمة بسيطة كانت تعمل في منزل فيرمير، أم أنها عشيقته، أم أنها مجرد عارضة أزياء استخدمها لكي يرسم لوحته هذه بدون أن يكون هناك أي بعد فرداني على اللوحة، الكثير من القصص المختلفة تروى ولكن ما يهم المشاهد هي اللوحة نفسها، جمالها وقدرة فيرمير الساحرة في رسم لوحة تعكس لحظة داخلية معبرة كالتي نراها على وجه والتفاتة الفتاة.

يقال أن كل الفنانين التشكليين الذين جاؤوا بعد فيرمير حلموا بأن يكونوا فيرمير، ذلك الفنان الذي خلق خطا فنيا خاصا به وحده، يميزه الغموض والمهارة الشديدة في رسم الضوء، وفي كتاب "خمسون سرا سحريا" يقدم سلفادور دالي الفنان السريالي الشهير تصنيفه لأعظم الفنانين وفيه يتفوق فيرمير على رفائيل وفيلاسكيز ودافنشي، يمكنكم مشاهدة أعمال أخرى له من هنا.

المصدر : الجزيرة