شعار قسم ميدان

هل يمكن لآلة أن تعزف الموسيقى أفضل من البشر؟

ميدان - موسيقى آلات موسيقية فرقة
في سبتمبر من العام الماضي، أطلقت معامل شركة سوني البحثية أولى ثمار مشروعها لخوارزميات الذكاء الاصطناعي، والذي أطلقت عليه اسم "آلات التدفق". لم تأت هذه النتائج على هيئة تطبيق للهواتف الذكية أو برنامج كومبيوتر أو حتى تكنولوجيا جديدة كما قد نتوقع؛ بل جاءت على هيئة أغنية تمت كتابة ألحانها بالكامل من قبل برنامج ذكاء اصطناعي(1)
  
  أغنية "سيارة أبي" التي تم تألف موسيقاها من قبل برنامج ذكاء اصطناعي
 

على موقعها الإلكتروني، أوضحت الشركة أن أغنية "سيارة أبي" (Daddy’s Car) قد تمت كنتاج لإشراف المؤلف الموسيقيّ "بينويه كاريه" على عمل البرنامج، وذلك عن طريق تحديد النمط الموسيقيّ الذي سيحاكيه البرنامج والقيام بكتابة الكلمات للمنتج النهائي. اختار بينويه نمط "البيتلز" (Beatles) لأغنية "سيارة أبي" (2). جاء هذا بعد بضعة أشهر من إطلاق غوغل لمشروعها "ماجينتا" (Magenta)، الذي يهدف لتطوير خوارزميات تستطيع إنتاج الموسيقى والفن، كما صرحت على موقعها (3). بعدها، قامت غوغل بالفعل بنشر أولى مقطوعات "ماجينتا" 

 

 

أول مقطوعة لمشروع ماجينتا

 

لم يكن مشروعا سوني وغوغل البحثيان أول محاولة لإنتاج فن عن طريق الآلة، وقطعاً لن تكون الأخيرة. أما الآن، ونحن نقف على أعتاب حقبة يُجمع العلماء أنها ستكون حقبة "الذكاء الاصطناعي" بلا منازع؛ فعلينا أن نقف ونسأل أنفسنا: ما الكيفية التي تمكّن الآلة من التفكير؟

 

كيف تفكر الآلة؟

لا تستطيع الآلة "التفكير" بالمعنى التقليدي للكلمة، ويظل الموضوع محل خلاف كبير بين العلماء والفلاسفة على السواء إذا ما كان يمكننا إطلاق لفظ "تفكير" على العمليات الحسابية المعقدة التي تقوم بها. كل ما نحن متأكدون منه هو أنه عن طريق استخدام تقنيات خاصة نستطيع تدريب الآلة على القيام بمهام كثيرة كنا نختص بها البشر فقط منذ فترة ليست بالبعيدة.

 

يعد التفكير في إمكانات الآلة الإبداعية قديما قدم الحاسوب نفسه؛ حيث توقعت
يعد التفكير في إمكانات الآلة الإبداعية قديما قدم الحاسوب نفسه؛ حيث توقعت "آدا لوفلايس" -أول مبرمجة- أنه سيكون بإمكان الحاسوب في المستقبل تأليف موسيقاه الخاصة

 

إحدى هذه التقنيات التي استخدمتها غوغل وسوني هي تقنية "الخلايا العصبية الصناعية". تعمل تقنية "الخلايا العصبية الصناعية" بكل بساطة عن طريق محاكاة الخلايا العصبية في مخ الإنسان؛ حيث يقوم العلماء بتغذيتها بالموسيقى المراد منها محاكاتها -أغاني البيتلز في حالة "سيارة أبي"- لـ"تتدرب" عليها باستخدام تقنيات "تعليم الآلة"، وتقدر في النهاية على إنتاج موسيقى مشابهة لتلك التي تدربت عليها.

 

يعد التفكير في إمكانات الآلة الإبداعية قديما قدم الحاسوب نفسه؛ حيث توقعت "آدا لوفلايس" -أول مبرمجة- أنه سيكون بإمكان الحاسوب في المستقبل تأليف موسيقاه الخاصة والتي لن تقل تعقيداً عن موسيقى الإنسان. كان هذا في أواخر القرن التاسع عشر (4). وقد بدأ -بالفعل- في القرن العشرين ما تنبأت به لوفلايس يتحقق.

 

في عاما 1957 تحديداً، استطاع "ليغارد هيلر" و"لينارد إزاكسون" برمجة حاسوب جامعة إلينوي ليقوم بتأليف الموسيقى. نجح الحاسوب بالفعل في تأليف مقطوعة للآلات الوترية أسماها العالمان "جناح إلياك" (The Illiac Suite) (5).

 

 أول موسيقى تقوم آلة بتأليفها

 

حقق الموسيقيّ دافيد كوب قفزة أخرى في هذا المجال عن طريق اختراع "إيمي" (Emmy)، ببساطة هي برنامج يستطيع محاكاة أسلوب أي مؤلف موسيقيّ والتأليف على غرارها. يقول كوب إن الأمر بدأ عام 1980 عندما كان في وسط تأليف أوبرا وعجز عن استكمالها. ليقترح عليه صديق حينها كتابة برنامج يساعده في ذلك وهنا ولدت "إيمي" (6)

 
  "إيمي" تعزف مقطوعة على غرار فيفالدي
 

لم يعد السؤال -إذن- حول ما إذا كانت الآلة قادرة على إنتاج فن؛ لأنها برهنت بالفعل على قدرتها. يبقي السؤال الآن: هل يمكننا اعتبار ما تنتجه الآلة فناً؟

 

هل "تبدع" الآلة؟

لطالما عرفنا الفن كوليد لتجربة الإنسان الحياتية وصراعاته النفسية، وكانعكاس لظروف مجتمع ما في إحدى الفترات التاريخية. على هذا الضوء، أخذنا نفسر الأعمال الفنية المختلفة، فنحن لا نستطيع مثلاً فصل الإلياذة والأوديسة عن سياقهما الاجتماعي والتاريخي والنظر إليهما بمعزل عنه، وقطعاً لا نستطيع فهم أو تقدير الفن الفرعوني أو الإغريقي دون أن نمتلك خلفية ما عن الثقافة التي جاء ليعبر عنها.

 

لم يتفق العلماء ولا الفنانون عن إذا ما كان يمكن تسمية ما تنتجه الآلة فناً أو لا، فالبعض يرى أن الفنان الحقيقي هنا هو العالِم الذي برمج الآلة
لم يتفق العلماء ولا الفنانون عن إذا ما كان يمكن تسمية ما تنتجه الآلة فناً أو لا، فالبعض يرى أن الفنان الحقيقي هنا هو العالِم الذي برمج الآلة
 

جاءت الثورات التقنية في العصر الحديث كهزة عنيفة تكاد تضرب بكل هذا عرض الحائط. فقد أرتنا كيف لآلات لا تمتلك وعياً خاصاً بها ولا سياقا نفسيا أو تاريخيا أن تحاكي قدراتنا على الإبداع وتخلق فناً؛ لكن، هل يمكننا حقاً إطلاق لقب "فن" على ما تنتجه الآلة وإن تشابه مع ما ينتجه البشر؟

 

لم يتفق العلماء ولا الفنانون على إجابة واحدة لهذا السؤال. فـ"آيدا لوفلايس" مثلاً -التي تنبأت بمقدرة الحاسوب على صنع الموسيقى- ترى أنه في حالة إنتاج الآلة لفن، فالفنان الحقيقي هنا هو العالِم الذي برمج الآلة وليس الآلة نفسها(7). كما يرى الفنان "مارك ميلوف" أن الأمر لا يعدو كونه "حيلة تكنولوجية"، و"محاولة من العلماء لتحويل الفن لشيء يمكن قياسه".(8)

 

أما "فياميته جندي" من شركة "سوني" فلها قول مختلف؛ حيث ترى أن أهم شيء هو إنتاج موسيقى جميلة دون إلقاء بال لكيف يتم هذا. تقول "أعتقد أنه سيكون علينا اتخاذ المنتج النهائي أساسا لإقناع الجمهور، بغض النظر عن أي اعتبارات فلسفية أخرى."

المصدر : الجزيرة