خان شيخون.. مدينة سورية مأهولة منذ العصر البيزنطي

خان شيخون (الفرنسية)

مدينة تعاقبت عليها حضارات عديدة، وهي مأهولة منذ العصر البيزنطي دون انقطاع، ولها مكانة مهمة لوجودها على مفترق طرق رئيسية، والتحقت بالثورة السورية منذ عامها الأول، وشهدت ثاني أكبر مجزرة بالأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا في سوريا حين قصفتها قوات النظام السوري بغاز السارين عام 2017.

الموقع والجغرافيا

تتبع مدينة خان شيخون لمنطقة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، وتتبع إداريا لمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، وتبعد مسافة 35 كيلومترا عن مدينة حماة و100 كلم عن مدينة حلب و70 كيلومترا عن مدينة إدلب.

وتكتسي المدينة أهمية إستراتيجية، فهي نقطة وصل بين ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، كما أنها تقع على الطريق الدولي بين حلب ودمشق.

التسمية

وردت عدة روايات متشابهة في تسمية المدينة تشير جميعها إلى أن الاسم يعود إلى فترة الدولة العثمانية، حيث أقيم في المدينة خان (فندق) للاستراحة من الأسفار، وذكرت روايات أن اسم الخان كان "خان الشيخ" ثم تطورت مع الوقت لتصبح "خان شيخون"، فيما تشير روايات أخرى إلى أن من أمر ببناء الخان هو الأمير "سيف الدين شيخو العمري"، وقيل أيضا إن اسمه "شيخون العمري"، فحملت المنطقة اسمه وأصبحت "خان شيخون".

استقبلت خان شيخون كثيرا من النازحين خلال الثورة السورية قبل سيطرة النظام عليها عام 2019 (الفرنسية)

السكان

بلغ عدد سكان المدينة إلى غاية العام 2011 -قبيل اندلاع الثورة السورية– ما يقارب 53 ألفا، وتضاعف خلال الثورة السورية بسبب موجات النزوح التي عاشها السكان، إلا أن كثيرا من سكانها ومن نازحيها غادروها نتيجة القصف الذي تعرضت له.

المناخ

مناخ مدينة خان شيخون دافئ ومعتدل، ويهطل المطر في معظم فصل الشتاء، مع مطر قليل نسبيا في الصيف، ويبلغ متوسط الحرارة السنوية في المدينة 17.6 درجة مئوية، ومتوسط هطول المطر سنويا 379 ملم.

الاقتصاد

يعتمد سكان خان شيخون على التجارة والزراعة في معيشتهم، وتوجد في المدينة تجارة للسيارات والحبوب وزراعة الزيتون والفستق الحلبي والقمح والبطاطا.

المعالم

تشتهر خان شيخون بتلها الأثري الذي يعتبر الأكبر والأشهر في المنطقة، وقد نقبت بعثة آثار فرنسية في هذا التل في خمسينيات القرن العشرين وأكدت أنه يعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد.

يوجد التل على أرض مرصوفة، ويحتوي على العديد من الأبنية والأنفاق التي يصل طولها أحيانا إلى أكثر من ألف متر.

تشتهر خان شيخون بخانها الأثري وجامع التكية الذي بُني في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (الفرنسية)

كما تضم المدينة الخان الأثري الموجود وسطها، والذي يعود إلى مئات السنين، وعلى مقربة منه جامع التكية والقصر اللذين بناهما أبو الهدى الصيادي، وزير السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.

وغير بعيد عن خان شيخون، تقع قرية كفر طاب غربا بثلاثة كيلومترات، وكانت مملكة قبل آلاف السنين.

التاريخ

تشير الآثار الموجودة في المدينة إلى أنها كانت آهلة بالسكان في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وقد تعاقبت عليها حضارات متنوعة مرت من بلاد الشام.

وسُكنت المدينة في العهد البيزنطي وبقيت آهلة بالسكان منذ ذلك الحين دون انقطاع.

وفي عهد الدولة العثمانية كانت نقطة لاستراحة المسافرين لموقعها على تقاطع الطرق، وأقيم فيها خان للاستراحة ومنه اكتسبت اسمها، وقد بنى فيها السلطان عبد الحميد مسجد التكية على شاكلة مساجد التكية في بقية المحافظات.

الثورة السورية

تعد خان شيخون من المدن الأولى التي انضمت للثورة السورية، فقد شهدت مظاهرات منذ العام الأول للثورة، وتعرّضت لحملات عسكرية أدت إلى اعتقال عشرات من شبابها.

ومع تكرار الاعتداءات على المظاهرات وقمعها حمل بعض أبنائها السلاح دفاعا عن المدنيين.

Signs show the directions to Syrian cities at the entrance of Khan Sheikhun in the northern Idlib province on August 24, 2019, a day after regime forces announced the total control of the city. Regime forces massed today in northwest Syria, a monitor said, in an apparent bid to press an offensive against jihadists and allied rebels that has heightened tensions with neighbouring Turkey. (Photo by Maher AL MOUNES / AFP)
تبعد خان شيخون مسافة 100 كلم عن مدينة حلب و70 كيلومترا عن مدينة إدلب(الفرنسية)

اجتاحت قوات النظام المدينة في يوليو/تموز 2012، مدعومة بالمدرعات وبغطاء من الطائرات الحربية، فانسحب منها مقاتلو الجيش السوري الحر، وسيطر عليها الجيش السوري لتأمين طريق دمشق حلب والطرق الأخرى المؤدية إلى ريف حماة الشمالي وسهل الغاب، لا سيما طرق نقل قواته باتجاه معسكر الحامدية ووادي الضيف قرب معرة النعمان.

عادت الفصائل المسلحة لمهاجمة حواجز النظام في المدينة ومحيطها في فبراير/شباط 2014، وشهدت المدينة معارك شديدة حتى تمكنت الفصائل من السيطرة عليها من جديد، وعاد إليها كثير من أبنائها النازحين منها، إضافة إلى نازحين آخرين من ريف حماة الشمالي الذي تصاعدت فيه المواجهات في تلك الفترة.

قصف طيران النظام خان شيخون في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بالقنابل العنقودية والفسفورية. وفي نهاية فبراير/شباط 2017 بدأ النظام حملة عسكرية على ريف حماة الشمالي، وريف إدلب الجنوبي، وتعرضت المناطق لقصف يومي بالطائرات والمدافع، ولم يسلم المدنيون من الاستهداف والقصف.

وفي صباح يوم 4 أبريل/نيسان 2017 تعرضت المدينة لمجزرة بالسلاح الكيميائي بعد أن قصفتها قوات النظام بغاز السارين، الذي أدى إلى مقتل نحو 91 مدنيا منهم 32 طفلا و23 سيدة قضوا خنقا بالغازات السامة، إضافة إلى 520 إصابة أخرى. وفق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن المجزرة.

وغاز السارين السام هو أحد غازات الأعصاب الصناعية، وقد استعمل منذ العام 1938 في ألمانيا لقتل الحشرات، وهو مشابه لمجموعة من مضادات الحشرات المعروفة بالعضوية الفوسفاتية.

وفي أغسطس/آب 2019 شنت قوات النظام عملية عسكرية على المدينة بالتعاون مع القوات الروسية ومجموعات مسلحة موالية لإيران، مدعومة بقصف جوي وبري، ودارت معارك عنيف مع الفصائل المسلحة، وانتهت بسيطرة النظام على المدينة.

رموز المدينة

تتميز خان شيخون بنظام العائلات مثل عائلة آل النجم، وآل ديوب، وآل حلاوة، وعابد، وبسيريني، والقطيني، والمواس، واليوسف، والسرماني، والخطاب، وهي مدينة الشاعر والأديب أبو الهدى الصيادي.

وقد لمع من خان شيخون عدد من السياسيين والمثقفين، وقدمت المدينة على مر الأيام شخصيات مهمة على الساحات العلمية والإدارية والعسكرية، منهم:

أبو الهدى الصيادي

ولد محمد بن حسن وادي الصيادي الراعي في مدينة خان شيخون عام 1849، ونشأ إلى جانب والده الدرويش المتصوف على الطريقة الرفاعية. عيّن نقيبا لأشراف جسر الشغور وأصبح نائبا عنها، ثم نقيبا لأشراف حلب، ومنحه السلطان عبد العزيز الأول منصب نقيب أشراف سوريا وديار بكر وبغداد والبصرة.

سيطرت قوات النظام على المدينة عام 2019 بالتعاون مع القوات الروسية ومجموعات مسلحة موالية لإيران (الفرنسية)

وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني مُنح الصيادي لقب "الحرمين" وهو من أعلى ال ألقاب والمراتب في هيئة العلماء، وبعد سفره إلى إسطنبول منحه السلطان لقب "شيخ مشايخ" المدينة ثم "قاضي عسكر الأناضول"، وأصبح مستشارا للسلطان وملازما له. وبعد خلع السلطان اعتقل الصيادي وهو شيخ كبير وعُذب ثم نفي إلى جزيرة الأميرات حيث مات هناك بعد عدة أيام فقط من نفيه.

ماجد القطيني

ولد ماجد عبد القادر القطيني عام 1917 في مدينة خان شيخون، ودرس فيها وفي مدينة حماة. واستلم إدارة بلدية المدينة منذ عام 1950 إلى عام 1975، وكان له دور في تنظيم المدينة وترتيب أمورها، وعُرف بتواضعه ومحبته لسكان المدينة ومساعدتهم.

نور الدين نجم

ولد نور الدين نجم في مدينة خان شيخون عام 1917، لأسرة من أسر الفلاحين في المدينة.

انتُخب ممثلا للفلاحين في مجلس النواب عام 1954، وكان من الداعمين للوحدة بين مصر وسوريا. عُرف بمساعدة الفقراء وحل النزاعات بين الناس، وتوفي سنة 1997.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية