شعار قسم ميدان

هوس السيطرة.. لهذه الأسباب تصارع آل سعود وآل نهيان على أرض عُمان

ميدان - واحة البريمي

يحكي لنا مؤرخ نجد عثمان بن بشر عن الهزيمة الثقيلة التي مُني بها السعوديون من حاكم أبوظبي سعيد بن طحنون آل نهيان سنة 1848م في أثناء صراع الفريقين على الاستيلاء على واحات البريمي أنه قال: "أغار المسلمون (السعوديون) فنهض عليهم ابن طحنون (شيخ أبوظبي) ومن معه من أهل عُمان (الإمارات) وحصل قِتال شديد، فانهزم المسلمون (السعوديون) هزيمة شنيعة، وقُتل منهم رجال، وهلَك منهم رجال ظمأ، وقصدوا مكتوم في بلده دبي المعروفة"

(ابن بشر في تاريخه "عنوان المجد في تاريخ نجد")

   

منذ قيام الدولة السعودية الأولى على يد محمـد بن سعود وتوسعات ابنه عبد العزيز وأحفاده في الدولة السعودية الثانية، وضع السعوديون نصب أعينهم السيطرة على المناطق الجنوبية الشرقية من الخليج العربي، فتلك المناطق طالما لعبت أدوارا اقتصادية مهمة بأساطيلها ومواردها البحرية وعلى رأسها تجارة اللؤلؤ "بترول ذلك العصر" فضلا عن الزكاة والإتاوات التي كانت تمد خزانة آل سعود بأموال هذه المشيخات والقبائل.

 

لذا بحث السعوديون عن منطقة إستراتيجية تكون قاعدة عسكرية لمد نفوذهم إلى مناطق إمارات الساحل العُماني (الإمارات العربية)، وإلى عُمان الداخل وعُمان الساحل ومسقط، وكانت واحة البُريمي هي قلعتهم الإستراتيجية، وجنتهم وسط الرمال القاحلة، وملاذهم الآمن، ومنطلق هجماتهم وغاراتهم.

  

البريمي.. يد السعوديين في عمان والإمارات

تقع واحة البريمي المنقسمة الآن بين عُمان (البريمي) وأبو ظبي (العين) إلى الشرق من إمارة أبوظبي، وشمال شرقي سلطنة عُمان، ويحدها من الشرق جبال الحجاز، ومن الجنوب جبال حفيت التي يصل ارتفاعها إلى 1500 متر فوق سطح البحر، ومن الجنوب الغربي الربع الخالي والسعودية، ومن الشمال مساعيد، وتعتبر واحة البريمي الموقع الوحيد الآهل في دائرة قطرها 100كم، وهي البوابة المؤدية إلى صحراء الربع الخالي وإلى الإمارات وعُمان، وقد كثرت في الواحة الأفلاج والآبار المائية العذبة التي بفضلها ازدهرت، وأصبحت مركزا مهما من مراكز الزراعة في تلك المنطقة.

 undefined

   

كانت يد الدولة السعودية الأولى قد وصلت إلى البُريمي سنة 1795م على يد القائد العسكري إبراهيم بن عفيصان، وبعد ذلك توالى السعوديون إرسال حملاتهم العسكرية بقيادة سالم بن بلال الحرق سنة 1800م، وأخرى سنة 1803م، وفي كل حملة من هذه الحملات كانت قبائل تلك المناطق تدين بالخضوع للسعوديين تارة بالقوة الناعمة من خلال مشايخ الدعوة الوهابية، وتارة بالقوة العسكرية المسلحة، فانضمت إليهم قبائل بني ياس والنعيم وبني قتب والقواسم، وبداية من سنة 1809م أرسل السعوديون قائدهم العسكري الأشهر مطلق بن محمـد المطيري الذي وصلت غاراته إلى مسقط عاصمة عُمان، وظل رجل السعوديين هنالك حتى وفاته سنة 1813م، ثم ما لبثت السيادة السعودية أن انهارت بعد سقوط دولتهم الأولى على يد المصريين سنة 1818م[1].

 

حين سقطت الدولة السعودية الأولى أسرع العُمانيون لإعادة السيطرة على واحة البريمي، فقد جلبت عليهم هذه المنطقة بؤسا ودماء وخسائر فادحة بسبب تدخل السعوديين في بلدهم، وتعزيزهم للانقسام الحاصل بين الأسرة البوسعيدية حينذاك، فضلا عن انقسام العُمانيين على أنفسهم من خلال الحلفين الغافري والهنائي المتنازعين مذهبيا وسياسيا. لكن ما إن عاد تركي بن عبد الله ليلملم شتات الدولة السعودية الثانية، إلا وأسرع بإرسال قائده العسكري عمر بن عُفيصان أميرا على البريمي، ومعه رجل دين لنشر التعاليم الوهابية وهو محمـد بن عبد العزيز العوسجي قاضيا ومعلما سنة 1828م، وظلت الواحات تقع ضمن السيادة السعودية بقوة السيف[2].

 

حين ارتقى فيصل بن تركي للمرة الأولى ما بين 1834 إلى 1838م لم يضع في حسبانه التوغل في عمان من خلال واحة البريمي كما دأب أسلافه؛ ذلك لأن الحملة المصرية الجديدة كانت تُهدد عرشه، وبالفعل أُخذ أسيرا إلى القاهرة في نهاية المطاف، وأقام المصريون مكانه خالد بن سعود آل سعود الأمير الموالي لهم سنة 1838م. كان خالد مواليا للمصريين، متبعا لسياستهم، معترفا بسيادتهم، لكنه أرسل على الفور أميرا ورجلا عسكريا هو سعد ابن الأمير مطلق المطيري الرجل الأشهر الذي أخضع تلك المناطق للحكم السعودي في الدولة الأولى، وحين وصل سعد إلى هنالك سنة 1839م أرسل معه خطابا شديد اللهجة، ينم عن مقدار التكبر، والنظرة السعودية لحُكام عُمان وعلى رأسهم ثويني بن سعيد بن سلطان آل بوسعيد، يطلب منهم بكل صلف تقديم المساعدة والتعاون مع أميره الجديد، وقد جاء في رسالته التي لا تزال محفوظة في أرشيف دار الكُتب المصرية بالقاهرة أن يتعاملوا:

 

"بالممشا الطيب مع طارفتنا سعد ابن مطلق … والمراد طارفتنا سعد واصل إلى طرفكم على حاله الأوله وعلى حال أبوه إلِّي هو عليها مع أبوي الله يرحمه، فيصير عندكم معلوم أنا مقلّطينه (معيّنينه) في عُمان كافة على البر والبحر، والمطلوب منكم السمع والطاعة كذلك من قبل الشي الذي عاونتوه به على وقت فيصل على الغزو والقصور، لا تقصرونه عنه من قِبل زاد وخرج وزهبه"[3].

 

غزوات السعوديين من البريمي

undefined

  

على أن قبائل واحات البريمي لم تقبل بعودة السعوديين مرة أخرى وإن كانوا تحت ستار السيادة المصرية هذه المرة، وأرسلوا إلى المقيم البريطاني في الخليج آنذاك الكابتن هينيل يطلبون منه المعونة ضد سعد بن مطلق، وقد رد هينيل على هذا الطلب بأن شجعهم على المحافظة على استقلالهم، ووعدهم بأن يمدهم بالأسلحة والذخائر إن تعرّضوا لأذى[4]. تمكن فيصل من العودة لحكم الرياض ودولته الواسعة في عام 1843م، وكان هدفه بعد استقرار الأوضاع الداخلية أن يُعيد الكَرّة بتأكيد السيادة السعودية لا على عُمان والبريمي فقط، وإنما على إمارات الساحل من رأس الخيمة إلى أبوظبي والبحرين وقطر فضلا عن الأحساء، لذا خرج من الرياض إلى الهفوف في الأحساء سنة 1844م، وهنالك وفد عليه رؤساء القبائل وعلى رأسهم شيوخ ساحل عُمان (الإمارات العربية) للسلام والبيعة وتقديم الطاعة[5].

         

وبالفعل أرسل الأمير فيصل قائده سعد المطيري والشيخ ناصر بن علي العريني قاضيا وشيخا، ومعهما مجموعة من المقاتلين بلغ عددهم سبعمئة جندي، وحين وصل سعد المطيري أرسل إلى سلطان مسقط وكان ثويني بن سعيد هو النائب عن والده سعيد بن سلطان الذي كان في زنجبار حينذاك، طلب منه دفع مبلغ عشرين ألف روبية عن مسقط وخمسة آلاف عن إقليم صُحار، وحين جاءت هذه الرسالة إلى ثويني أرسل يستشير والده في زنجبار[6]. كان تأخير ثويني في الرد على سعد المطيري انتظارا لرأي والده سببا في هجوم سعد المطيري على الداخل العُماني، متبعا في ذلك سيرة والده مطلق المطيري الذي أصابت حملاته عمان بالمصائب والدماء، يقول صاحب "الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين":

 

"تولى سعد بن مطلق المطيري على البريمي من قِبل أولاد سعود فرحّب به أهلها، وخضع له أهل الظاهرة وحشد أقواما مضى بهم إلى بهلا، ثم أغار على الحجريين وقتل ونهب، ورجع إلى البريمي ومنها إلى أزكى ثم عاد إلى البريمي وبنى حصنها"[7].

 

ويشير العديد من المؤرخين إلى أن السبب الرئيسي لإغارة سعد بن مطلق كان انتقاما من الحجريين سكان شرقية عمان الذين قتلوا والده مطلق بن محمـد المطيري سنة 1813م وأخذا بثأره، وبسبب هذا الهجوم الجديد على عُمان، وعدم رغبة الإنجليز في دعم العمانيين، فقد تم التوصل سنة 1845م إلى قيام حاكم صحار حمود بن عزّان بدفع مبلغ خمسة آلاف ريال فرنسي، وقيام ثويني بن سعيد آل بوسعيد بدفع مبلغ ألفي ريال فرنسي للقائد على سبيل الهدية[8].

 

أبو ظبي.. إمارة حانقة على آل سعود! 

undefined

  

ما بين عامي 1845م إلى 1848م ضعفت قبضة آل سعود على واحة البريمي، لعزل سعد بن مطلق الذي أبدى قسوة شديدة تجاه القبائل المحلية، وانفراده بالقرارات دون الرجوع للرياض، فضلا عن انشغال فيصل بن تركي بمواجهة الشريف محمد بن عون الذي أراد أن يُعيد السلطة لخالد آل سعود الموالي للمصريين والعثمانيين، وقد دانت لهم كامل بلاد القصيم، ثم في نهاية المطاف تم الصلح بين الجانبين على دفع الرياض مبلغ عشرة آلاف ريال فرنسي لخزانة الشريف في الحجاز[9].

  

وبسبب هذه الأحداث، وحنقا على السعوديين الذين كانوا يتوسعون على حساب مناطقهم القريبة كانت أبوظبي من قبل لا سيما في أوقات ضعف السعوديين تترقب الفرصة للاستيلاء على هذه الواحة الإستراتيجية التي تمكن من خلالها آل سعود من مد أيديهم إلى إمارات ساحل عمان وعُمان على السواء، بل ورد في "دليل الخليج" أن خليفة بن شخبوط شيخ أبوظبي سنة 1839م كان مرحبا بالدخول المصري الثاني في الجزيرة العربية، والذي أدى إلى اعتقال فيصل بن تركي، وتقلص نفوذ السعوديين وتبعيتهم لمحمد علي باشا والي مصر[10].

 

لذلك ففي العام نفسه استغل حاكم أبوظبي هذه الحالة من الضعف في الواحة، وقام بنفسه على رأس حملة ضد قبائل بني النعيم أكبر قبائل واحات البريمي، لكن رجال النعيم رغم ضعف موقفهم أمام حاكم أبوظبي قد ثبتوا له، واستطاعوا أن يُرغموه على طلب الصلح، وحينذاك أرسل المقيم السياسي البريطاني في الخليج إلى شيخ أبوظبي خليفة بن شخبوط آل نهيان يطلب منه أن يسوي أموره مع النعيم ويسترضيهم خلال مهلة حدّدها بثلاثة أشهر، وإلا فستعتبره الحكومة البريطانية عدوّا لها، وتُلزمه بدفع مبلغ 1000 جنيه كتعويض لبني النعيم، لذا أسرع خليفة إلى استرضائهم، والتصالح معهم[11].

  

وبقي شيوخ أبو ظبي يتربصون بالسعوديين كالذئاب، يعلنون الود للسعوديين في الظاهر، لكن في الباطن يتحرقون حقدا وغيظا على هذه الدولة التي تمكّنت من اختراق أراضي أبو ظبي والوصول إلى البريمي والاستيلاء عليها. وحين عادت حالة الضعف إلى دول آل سعود، وما ترتب عليها من ضعف قبضتهم على البريمي وخروج سعد بن مطلق إلى نجد مؤقتا، قرر شيخ أبو ظبي الجديد آنذاك سعيد بن طحنون التحالف مع حاكم صحار الذي أرسل ابنه على رأس حملة عسكرية، فضلا عن انضمام شيخي قبيلتي النعيم والظواهر إلى مهاجمة الحامية السعودية في البريمي والاستيلاء على قلاع السعوديين، وأعلن شيخ أبوظبي في 16 يونيو/حزيران 1848م تبعية واحات البريمي إلى أبوظبي[12].

  

آل نهيان يهزمون السعوديين!

undefined

  

كان هذا الإعلان من جانب حاكم أبو ظبي سعيد بن طحنون سببا في حنق الشيوخ الذين اشتركوا معه في الحملة العسكرية؛ فلم يكن ثمة اتفاق سابق بينهم على أن تتبع البُريمي إمارة أبو ظبي؛ لذلك انفض الجميع عنه، بل وأقاموا حلفا مشتركا ضده، في المقابل وصلت أنباء احتلال شيخ أبوظبي للبريمي إلى أسماع الملك فيصل الأول في الرياض، فبادر بإرسال حملة عسكرية بقيادة سعد المطيري، فلما علم حاكم أبو ظبي ذلك ترصدت قواته لمجيء السعوديين عند منطقة العانكة، وهو موضع ماء يقع على الطريق بين أبوظبي ومدينة العين الآن، وانتظرت مقدم سعد المطيري.

  

في المقابل أرسل شيخ القواسم في الشارقة سلطان بن صقر، وشيخ دبي مكتوم في دعم مجيء سعد المطيري وقوات السعوديين؛ فقد علموا أن احتلال شيخ أبو ظبي للبريمي يهدد توازن القوى في ساحل الإمارات المتصالح، وفي هذا يقول ابن بشر في تاريخه: "لما علم رؤساء عُمان مكتوم وسلطان بن صقر، وكانوا أهل صدق مع المسلمين (يقصد السعوديين والوهابيين)، كتبوا إلى المطيري يدعونه يأتي إليهم وينذرونه عدوه وذكروا له يسلك طريقا يحصل له الأمن معه ولا وافقهم، وأرسل عيونه أمامه"[13]. ورغم هذه الاستعدادات تمكن حاكم أبو ظبي من إيقاع هزيمة فادحة بالقوات السعودية القادمة لاستعادة البريمي، يقول ابن بشر:

 

"فانهزم المسلمون (السعوديون) هزيمة شنيعة، وقُتل منهم رجال وهلك منهم رجال ظمأ، وقصدوا مكتوم في بلده دبي فأكرمهم وشجّعهم، وأقاموا عنده ثلاثة أيام، وقصدوا الشارقة بلد ابن صقر"

    

لم يرض التحالف السعودي بقيادة سعد المطيري مع شيخ دبي وشيخ الشارقة بهذه الهزيمة من ابن طحنون حاكم أبو ظبي، لذا جمع الثلاثة شتات أمرهم وكوّنوا حلفا عسكريا مشتركا لتأديب أبو ظبي والقضاء على قوة شيخها التي تهدد توازن القوى في إمارات ساحل عُمان (الإمارات العربية)، واتفقوا على المسير إلى البريمي للقضاء على حامية أبو ظبي بها. يقول ابن ابشر: "ثم سارت جنود المسلمين (التحالف السعودي مع دبي والشارقة) في تلك الناحية وأخذوا القصور من أيدي ابن طحنون وأتباعه، وأخذوا منهم جميع ما أخذوه من المسلمين (السعوديين) في وقعة الهزيمة، وسموا هذه الوقعة العانكة باسم الموضع الذي صارت فيه"[14]. في تلك الأثناء تدخل شريف مكة محمد بن عون للتصالح بين القوى المتناحرة، وبالفعل قبل الجميع الصلح على عقد اتفاق تم بموجبه إعادة حصون البريمي إلى السعوديين واعتبار ما جرى في طي النسيان، وذلك في العام التالي سنة 1849م[15].

     

 لم يهدأ لحاكم أبو ظبي بال، فطالما تغيظ من الوجود السعودي على حدود إمارة أبو ظبي، وطالما تطلع إلى البريمي التي تجعله زعيما قويا على إمارات ساحل عُمان المتصالح
 لم يهدأ لحاكم أبو ظبي بال، فطالما تغيظ من الوجود السعودي على حدود إمارة أبو ظبي، وطالما تطلع إلى البريمي التي تجعله زعيما قويا على إمارات ساحل عُمان المتصالح
    

لكن لم تمض عدة أشهر على هذا الاتفاق إلا وعاد حاكم أبوظبي سعيد بن طحنون عنه، ودخل هذه المرة في تحالف مع سلطان مسقط عُمان ثويني بن سعيد آل بوسعيد الذي رفض استمرار دفع الزكاة أو الإتاوة التي فرضها السعوديون على سلطنته، وتطور هذا التحالف إلى مهاجمة الحامية السعودية المرابطة في البريمي سنة 1850م، وتأكيدا لقوة هذا التحالف قررا الاستعانة بحاكم صُحار حمّود بن عزّان البوسعيدي الفرع الآخر من عائلة البوسعيد المتحالف مع النعيم، وكانوا بدورهم متحالفين مع السعوديين، لذا رفض حمود تهديد مصالح السعوديين في البريمي، ومن ثم فشل التحالف كلية، واضطر حاكم مسقط ثويني بن سعيد إلى العود إلى مسقط[16].

 

 لم يهدأ لحاكم أبو ظبي بال، فطالما تغيظ من الوجود السعودي على حدود إمارة أبو ظبي، وطالما تطلع إلى البريمي التي تجعله زعيما قويا على إمارات ساحل عُمان المتصالح (الإمارات العربية)؛ لذا كرر المحاولة من جديد على واحة البريمي في جمادى الأولى 1266هـ/مارس/آذار 1850م في حملة تضم أربعمئة رجل انضموا إليه من قبائل بني ياس والمناصير، حيث قامت تلك الحملة بأعمال تخريبية بجوار الواحة، وألحقوا الضرر بمزارعها، كما كرّر هجومه مرة أخرى بمساعدة من سلطان بن صقر القاسمي شيخ رأس الخيمة الذي تخلى بصورة مفاجئة عن تحالفه مع السعوديين، واتجها إلى البريمي فكان حصارا فاشلا، ثم أعاد سعيد بن طحنون الكَرّة مرة أخرى واستطاع في نوفمبر/تشرين الثاني الاستيلاء على البريمي، واضطرت الحامية السعودية إلى الهرب تجاه الرياض[17].

 

مما نلاحظه أن أبوظبي طالما لعبت على انشغال السعوديين بمشاكلهم الأخرى في نجد، والتي منعتهم من التقدم ودعم مركزهم في منطقة عُمان الداخلي وساحل إمارات عُمان، وأيضا فإن واحة البريمي كانت بالنسبة لعمان شريانا رئيسيا يمد قلبها في مسقط بالأمن إن نعمت الواحة بالأمن والهدوء، وبالاضطرابات والقلاقل والفتن إن سيطر عليها السعوديون، لكن المشكلة التي طالما لازمت عُمان في تلك الأوقات انقسام الأسرة الحاكمة من آل بوسعيد على نفسها بين مسقط وصحار فضلا عن المناطق الداخلية سياسيا، ومذهبيا بين الهنائيين المؤيدين للأئمة الإباضيين، والغافريين المؤيدين للوجود السعودي في المنطقة.

   

أبو ظبي تركع!

على أي حال، كان انفصال شيخ القواسم سلطان بن صقر القاسمي حاكم رأس الخيمة عن تحالفه مع السعوديين، وهو الذي كان لوقت طويل رجلهم الأهم، وعمودهم الأقوى في تلك المنطقة، وانضمامه إلى شيخ أبوظبي قد أغضب الأمير فيصل من سياسة نائبه على البريمي سعد بن مطلق المطيري فقرر عزله، وفي العام التالي من سيطرة أبوظبي على البريمي قرر فيصل الخروج على رأس حملة عسكرية بنفسه لتأديب أبوظبي، وذلك سنة 1851م، لكن فيصل مرّ على قطر التي كانت تتبع البحرين في أجزاء منها، فطلبوا دعم ابن طحنون الذي لبى الأمر للتضييق على السعوديين.

    undefined

  

لم يُجدِ التحالف بين البحرين وأبو ظبي ضد السعوديين، ورأى سعيد بن طحنون قوة فيصل الكبيرة، فقدم عليه، وتوسط أمير الأحساء أحمد السديري في الصلح بين الرجلين، ثم استتبع ذلك بصلح بين السعوديين والبحرين، وبهذا الصلح انسحبت أبو ظبي من البريمي. لكن فيصل لم يرض بمجرد هذا الصلح، إذ قرر أن يتجه ابنه وولي عهده عبد الله بن فيصل على رأس حملة عسكرية قوامها ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف من الهجّانة إلى البريمي لتأكيد السيادة السعودية على المنطقة، يرافقه أمير الأحساء أحمد السديري، وأرسل السعوديون رسائلهم إلى شيوخ الساحل العُماني في رأس الخيمة وأبو ظبي ودبي وغيرها، فضلا عن قيس بن عزان البوسعيدي ابن حاكم صحار من الفرع المتنازع مع سلطان مسقط ثويني من البوسعيديين، طالبين منهم الاجتماع في البريمي، وعند وصول عبد الله أكّد على سيادة السعوديين ببناء قصر جديد هو قصر الخندق، وهنالك التقى الجميع سنة 1853م معلنين فروض الطاعة والولاء للأمير السعودي[18].

 

العُمانيون يكسبون الجولة!

تمكن السعوديون بقيادة عبد الله نائبا عن والده فيصل بن تركي آل سعود مع ثويني بن سعيد البوسعيدي من الوصول إلى تسوية عُرفت باتفاقية سنة 1853م، تم الاتفاق فيها على قيام مسقط بدفع مبلغ اثني عشر ألف ريال فرنسي سنويا، فضلا عن قيامها بدفع خمسمئة كيس من المواد الغذائية، ودفع خمسة براميل من البارود، وعشرة صناديق من الرصاص سنويا، بل ودفع الإتاوات السابقة التي كانت مسقط قد توقفت عن دفعها وبلغت 60 ألف ريال، كما توصل الجانبان إلى ترسيم للحدود، تم بمقتضاه استيلاء السعوديين على عُمان الداخلية وإبقاء سلطنة مسقط على شريط ساحلي يبدأ جنوبا من مدينة بهلا إلى مدينة جعلان على ساحل بحر العرب[19].

 

وهكذا رسّخ السعوديون من وجودهم السياسي والعسكري متخذين من قاعدتهم الإستراتيجية في البريمي قوة ضاربة لإخضاع كل هذه المشيخات المتصارعة، لكن وفاة فيصل آل سعود في نهاية سنة 1865م، وبداية الصراع الداخلي بين أبنائه، قد أدى إلى تفرد وكيل الوهابيين في البريمي تركي بن أحمد السديري بقرارت فردية كانت لها عواقبها على الوجود السعودي بالكلية. فقد أقحم نفسه في خلاف داخلي بين القواسم ما بين رأس الخيمة والشارقة، وفي أبريل/نيسان سنة 1869م أمعن في هذا التدخل، فأصيب إصابة أودت بحياته في مشاجرة حدثت خلال ذلك الصراع، كما قُتل عدد من أنصاره في الاشتباك نفسه وانسحب الباقون منهم، وبعدها بشهر واحد فقط انتهز حاكم مسقط آنذاك عزّان بن قيس البوسعيدي هذه الفرصة، فقام على رأس حملة عسكرية عُمانية لإزاحة التسلط الوهابي السعودي الذي جثم على صدور العُمانيين لعقود، ونجح بالفعل بطردهم من البريمي التي عادت من جديد إلى يد العُمانيين مرة أخرى بعد دماء وكد[20].

 

لكن قصة البريمي لم تنته عند هذا الحد، فقد ظل لُعاب آل سعود في الرياض في دولتهم الثالثة بقيادة عبد العزيز آل سعود، وآل نهيان في أبو ظبي يسيل نحو البريمي حتى في القرن التالي، قرن اكتشاف النفط، وكانت البريمي حينذاك ساحة معركة جديد!

المصدر : الجزيرة