شعار قسم ميدان

الثورة الجزائرية.. كيف أثرت في أفكار نيلسون مانديلا وفرانز فانون؟

بعد مرور ثمان سنوات على رحيل رجل الدولة الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، يجدر بنا تذكر كيفية تحول فكره من العنف إلى المصالحة في نهجٍ للقضاء على نظام الفصل العنصري "الأبرتهايد". في مسيرة تحوله نحو هذا النهج الجديد، زار مانديلا الجزائر، البلد الذي طور فيه المفكر الثوري فرانز فانون أفكاره عن الكفاح المسلح.

 

اشتعلت حرب ثورية ضارية في الجزائر عام 1954 بين السكان العرب الأصليين تمثلهم جبهة التحرير الوطنية الجزائرية والفرنسيين المدافعين عن المستوطنين البيض. قُدر عدد القتلى بحوالي 300 ألف وشُرد ما يقرب من 2 مليون جزائري وعاد مليون مستوطن إلى فرنسا.

 

انتهى الصراع عام 1962 بدعوة من الرئيس الفرنسي شارل ديغول لإجراء استفتاء على بقاء الجزائر جزءًا من فرنسا. وجاءت نتيجة التصويت لصالح الاستقلال بفارق كبير. كان لهذه الثورة تأثير عميق على أفكار كل من مانديلا وفرانز فانون. فقد شكلت جزءًا كبيرة من فهمهما الخاص لكل من الكولونيالية والقمع والحرية.

مانديلا في الجزائر

كان مانديلا محاربًا شرسًا لأجل الحرية في بدايات مسيرة نضال جنوب أفريقيا لأجل التحرر، وشارك في تأسيس الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الإفريقي المسمى "أوم كونتو في سيزوي" أي "رمح الأمة" في ديسمبر/كانون الأول عام 1961. آمن بأن العنف ضروري لمقاومة نظام الفصل العنصري القمعي المتوحش. وسجن في النهاية بتهمة محاولة الإطاحة بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. أدين مانديلا وسبعة من رفاقه بتهمة التخريب عام 1964.

 

زار مانديلا قوات جبهة التحرير الوطنية في المغرب في وقت مبكر من عام 1961 في خضم جولة أفريقية مخصصة لتأسيس أوم كونتو في سيوزي جناحًا مسلحًا للمؤتمر الوطني الإفريقي. وفي وقت لاحق من ذلك العام سافر إلى الجزائر؛ للمشاركة في تدريبات مشتركة بين جبهة التحرير الوطني الجزائرية  والمؤتمر الوطني الإفريقي.

 

وكانت الجزائر أول بلد يزوره مانديلا بعد إطلاق سراحه من السجن عام 1990. كانت هذه بادرة عرفان رمزية، أراد من خلالها الاعتراف بالإلهام الذي منحته إياه ثورة الشعب الشمال أفريقي والدعم الذي قدمه ضد نظام الفصل العنصري.

 

ألهمت الثورة الجزائرية مانديلا. فقد شبه في سيرته الذاتية "طريق طويل إلى الحرية"، موقفهم بأنه أقرب لوضع المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا. واجه الثوار في الجزائر حكومة تنوب عن مجتمع أبيض كبير يهيمن على معظم السكان الأصليين من غير البيض.

نيلسون منديلا يتلقى تدريبا عسكريا في الجزائر (مواقع التواصل)
نيلسون منديلا يتلقى تدريبا عسكريا في الجزائر (مواقع التواصل)

فانون في الجزائر

تركت الثورة الجزائرية بصمة واضحة وعميقة على أعمال فانون أيضًا، حيث أدرك هناك أن حقيقة الضرر الذي يحدثه القمع في المستعمر والمستعمر كلاهما. انضم فانون إلى جبهة التحرير الجزائرية وانخرط في المقاومة ضد الفرنسيين.

 

عُد فانون من قبل البعض داعية عنف بسبب الدور البارز الذي يحتله العنف في أعماله، التي يمكن اعتبارها من زاوية معينة بمثابة إعلان مبادئ. لكنه لم يمجد العنف، بل تلخصت وجهة نظره في أن العنف يصبح استجابة ضرورية لقمع  يمارسه المضطهِد دون أن يعترف بآدمية المضطهَد. هناك إشارات قليلة لنظام الفصل العنصري الأبارتهايد في كتاب فانون الشهير "معذبو الأرض"، لكنه رأى الوضع في جنوب أفريقيا مثالًا على الكفاح ضد الاستعمار. وشغلت أفكاره مساحة مهمة من أعمال المفكر الجنوب أفريقي ستيف بيكو عن "أيديولوجيا الوعي الأسود".

 

حوار بين الفكرين

لم يلتق مانديلا وفانون يومًا. وبحلول الوقت الذي زار فيه مانديلا الجزائر، كان فانون راقدًا على سرير الموت في واشنطن بالولايات المتحدة، إذا كان يعاني من سرطان الدم ووافته المنية وهو في عمر السادسة والثلاثين. لم تظهر أفكار فانون في فكر مانديلا، لكن يسهل على المرء أن يتخيل حوارًا بينهما. ستكون هناك بعض نقاط الاتفاق وبعض مساحات الاختلاف.

 

يتفق الرجلان على دور العنف كرادع رئيسي للأنظمة القمعية. هذا ما خلصت إليه أفكار مانديلا خلال زيارته للجزائر حين شدد على أهمية الكفاح المسلح. لكن فكر مانديلا عن دور العنف تغير خلال فترة سجنه التي بلغت 27 عامًا. أدرك أن العنف كان ضروريًا لمجابهة وتفكيك مؤسسات الفصل العنصري. وأن للعنف دوره في تطهير المجتمع من القمع المؤسسي والعنصرية والكراهية؛ لكنه لا يجب أن يستمر دونما نهاية. فقد فطن مانديلا أنه ما إن يتحلل نظام الفصل العنصري حتى يصبح العنف مجرد قوة مدمرة. اختار مانديلا المصالحة مع جلاديه السابقين، الأمر الذي كان له نتائج متباينة بالتبعية.

الثورة الجزائرية.. كيف أثرت في أفكار نيلسون مانديلا وفرانز فانون؟

ما الذي كان ليقوله فانون عن هذا التغيُّر في فكر مانديلا؟ كان على الأرجح لِيمتدح الاعتراف الجنوب أفريقي بضرر القمع على الجاني والضحية. وكانت لتصبح المصالحة حينها أو ما أسماه فانون الاعتراف المتبادل؛ علاجًا يحرر الجانبين من مسؤولية العنف الذي مَارساه.

 

ولرُبما ينتقد فانون مانديلا على قراره اعتناق الرأسمالية النيوليبرالية؛ التي كرست الظلم الاقتصادي على نطاق واسع.  إلا أن هناك إنجازًا رئيسيًا في تسوية مانديلا كان ليشيد به فانون: فقد حقق قراره بإشراك ممارسي القمع وضحاياه معًا في نظام ما بعد الفصل العنصري وعدًا أشبه بالبشرية الجديدة التي بشر بها فانون بعد فناء الاستعمار.

—————————————————-

ترجمة (فريق الترجمة)

هذا التقرير مترجم عن: The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان

المصدر : مواقع إلكترونية