شعار قسم ميدان

لماذا نرسم بلدا خياليا حينما نفقد الوطن؟

midan - lonely man
مقدمة المترجم
مادّة رائعة عن الكاتب البوهيميّ جوهانس أورزيديل الذي غادر بلده الأمّ بوهيميا إلى الولايات المتحدة إثر العنف والاحتلال النّازيّ. فهذه إطلالة على أدبه وحياته، وتوظيفها سياسيّاً في المشهد الراهن: كيف تعشق وطنك الأمّ دون شوفينيّة تكسبك رهاباً من الآخرين والبلدان الأخرى والحاجة إلى إقصائهم.

 

نص المقال
خلال الحرب العالميّة الثانية، أصبح جيلٌ من الكُتّاب الألمان الكِبار بمَن فيهم توماس مان وحنّا أرندت وهيرمن هيسه منفيين، هاربين إلى الخارج فراراً من النازيين. وفي الواقع، فإنّ الكثرين تركوا هذا "الأدب المعادي للنازيّة" محمّلين بأسلوبهم الخاصّ، والذي شكّلته كتابة المثقفين عن تحوّل ألمانيا السريع عن بُعدٍ. لكن بعد الحرب، كان لا يزال لهؤلاء الكتّاب أوطانهم التي قد يعودون إليها. وبالنسبة إلى الكاتب الألمانيّ البوهيميّ المنفيّ جوهانس أورزيديل، فقد كانت علاقته بمسقط رأسه أكثر تعقّداً بكثير: إذ تمّ تدمير منطقته بوهيميا من نواحٍ كثيرة على يد الحرب العالميّة الثانية.

كتب أورزيديل، الذي ماتَ في 1970 وقضى العقود الثلاث الأخيرة من حياته في أميركا، ذات مرّة قائلاً: "أرضي هي كتابتي" -وهي ليست فكرة مجازيّة تماماً تغلّف مسيرته الأدبيّة. وبعد فترة وجيزةٍ من الاحتلال النازيّ لتشيكوسلوفاكيا في فجر الحرب العالميّة الثانية، فرّ أورزيديل اليهوديّ من مسقط رأسه في براغ، عاصمة مملكة بوهيميا سابقاً. وعلى الرغم من أنها أصبحت جزءاً من تشيكوسلوفاكيا في عام 1918، إلّا أنّ بوهيميا منطقة متنوعة عرقيّاً ذات ماضٍ معقّد – الأمر الذي سيوجّه عمل أورزيديل لفترة طويلة بعد أن استقرّ في أميركا 1941.

 

والحال أنّه قد تمّ مؤخرا نشر خمس قصص بوهيميّة لأورزيديل باللغة الإنجليزيّة لأوّل مرّة، كما تم نشر مجموع كتابه النّاقوس الأخير. وكما هو حال كثير من أعماله، تتمركز كافّة هذه القصص -ضمنيّاً أحياناً، وصراحةً أحياناً أخرى- على سؤال واحد وهو: كيف يمكن لكاتبٍ ما أن يستخلص ويجدَ المعنى في موطنٍ لم يعد موجوداً حقّاً؟ تعكس قصص أورزيديل مشاعره حول التاريخ المعقّد لبوهيميا، فضلاً عن القوى المنتهكة للقوميّة والشيوعيّة التي حوّلت المنطقة في القرن العشرين.

 

لكنّ عمل أورزيديل يوفّر نظرة عميقة من خلال التجوّل في عقل وقلب إنسان يحاول أن يحافظ على ذاكرة أرضه ويتعامل مع الحقائق السياسيّة التي تشكلها. وكما أخبرني جيرهارد تراب، الباحث الذي يعرف أورزيديل شخصيّاً وكتبَ أول دراسة منشورة عن أعماله، أنّ الكاتب وعمله كانا "متماهيْن" حيث أراد كلاهما "استعادة الإنسانية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية". إنّ بوهيميا أورزيديل هي عالمٌ مصغّر من وعد القرن العشرين وإخفاقاته، وتُظهر روايته للقرّاء ما يمكن التقاطه من تراجيديا كهذه.

 

وُلدَ أورزيديل في براغ عام 1896 في وقت كانت لا تزال بوهيمياً فيه جزءاً من الإمبراطوريّة النمساويّة المجريّة. وتركّزت هذه الأرض ذات العديد من الإثنيّات على لغتين: الألمانيّة والتشيكيّة، ولكنّ أورزيديل انتسب إلى "البوهيميّة"، أو الاعتقاد بأنّ هويّة واحدة توجّد كثيراً من شعوب المنطقة. ولم تكن هذه فكرة رائجة: فقد تنافست القومية التشيكيّة والألمانيّة هناك منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكثيراً ما عاشت المجموعتان بمعزل عن بعضهما البعض.

وقبل نهاية الإمبراطوريّة النمساويّة المجريّة بعد الحرب العالميّة الأولى، لاقى المتحدثون بالتشيكيّة التمييزَ؛ حيث تم حرمانهم من النفوذ في الحكومة لقرون، وحاربوا من أجل أن يتمّ الاعتراف رسميّاً بلغتهم. وبعد عام ١٩١٨، عندما أصبحت المنطقة جزءاً من تشيكوسلوفاكيا المتشكّلة حديثاً، أصبح أكثر من مليونيْن من الألمان البوهيميين أجانبَ بين عشيّة وضحاها، مما قلبَ الديناميكيّة السابقة رأساً على عقب. لكن أورزيديل رفضَ هذا الانقسام التشيكيّ في مقابل الألمانيّ، ودافع عن كلّ مَن اعتُبر أقليّة آنذاك.

 

ومع ذلك، كان لبراغ نفسها حِسّا فريدا ودقيقاً بالتماسك. وقد شَبّ بيتر ديميتز، وهو أستاذ استرلينيّ فخريّ ألماني في جامعة ييل، في براغ الخياليّة لأورزيديل وعرف الكاتبَ جيداً. ووصف لي ديميتز كيف "عاشت جماعات براغ المختلفة معاً وعملت معاً وأكلت معاً وأحبّوا معاً … فقد كانت ساحرة تقريباً".

 

لقد عُرِفَ أورزيديل بالشاعر والصحافيّ في براغ أكثر من اشتهاره بكونه كاتبَ رواية (fiction writer). كان على هامش "دائرة براغ" لفرانز كافكا، وهي مجموعة من المثقفين الألمان اليهود الذين يجتمعون بانتظام لمناقشة أعمالهم. وعندما تحدث أورزيديل في نصب جنازة كافكا في عام 1924، إنّما قام بذلك، كما أخبرني عالم الأدب الألمانيّ فالنتينا سارديلي، نيابةً عن جيل الشباب من الكتّاب الألمانيين-اليهوديّين.

 

لقد أشادَ أورزيديل بكافكا على براعته الفنيّة بل زعمَ أيضاً أنّ هناك دائماً "رابطة تكافليّة"، كما صاغها سارديلي، بين كتابة المؤلّف الأخير و"براغ متعدّدة الأعراق والمضطربة في زمن كافكا". وبصرف النّظر عما حدث لبراغ الحقيقيّة، فإنّ مدينة كافكا ستستمرّ من خلال كتاباته. إنّ هذه الفكرة -أي فكرة التقاط الشعور العامّ للمكان والزمان بواسطة الاختلاق- ستصبح فكرة أساسيّة في عمل أورزيديل. ولكن على عكس كافكا، سيقبض أورزيديل على براغ هذه بأثرٍ رجعيّ.

 

قسّمَ النازيّون، في عام 1938، بوهيميا، مطالبين بجزءٍ منها لصالح ألمانيا، وفي العام الذي تلاه، لاذ أورزيديل وزوجته بالفرار. وطردت، بعد الحرب، حكومةُ تشيكوسلوفاكيا المنشأة حديثاً معظم السكّان الناطقين بالألمانيّة انتقاماً. ولم تعد بوهيميا أورزيديل بحلول منتصف القرن موجودة -لكن وقتئذٍ كان المؤلف قد استقرّ في بلدٍ جديد: ألا وهي أميركا.

منفيّاً بقوّة ومشاهِداً حَلّ موطنه من الخارج، وجَّه أورزيديل مشاعر العزلة والفقد في أعماله. وكما قال كلاوديو ماغريس، الأستاذ الفخريّ للأدب الألمانيّ الحديث في جامعة ترييستي: "قرّر أورزيديل … أن يحمل هذا الوطن متعدد الجنسيّات معه، لينعطفَ بنفسه إلى وطنه ولا يزال يستمدّ منه بإثارةٍ تخمر حياته وفنّه". وتوضّح القصص في مجموعته "النّاقوس الأخير"، التي ترجمها وجمّعها ديفيد بورنيت، كيف اشترع أورزيديل في بناء بوهيمياه باعتباره المكان الحقيقيّ الذي تمّ تحويله بصورة جذريّة.

 

ففي إحدى قصص المجموعة بعنوان "رحلات سيجلمان"، لم يغادر وكيل السفر الاعتباريّ براغ بتاتاً. لكنه قادرٌ على وصف أراض أجنبيّة بتفاصيل حيّة بها يقنع المرأة التي يغازلها أنّه مسافر جيّد. وعندما يتناقشُ الزوجان بشأن القيام برحلة إلى مدينة البندقيّة الإيطاليّة معاً، يصيرُ سيلجمان "مذعوراً باحتمال أنّ بندقيّة أحلامه… قد يكون الواقع قضى عليها وأبادها. وكما يواصل راوي القصّة "مَن مِن شأنه أن يضحّى بمدينته البندقيّة الساحرة والعليا والحقيقيّة لنسخةٍ طبيعانيّة، ونسخة زائفة يُجرى ترويجها على أنّها الحقيقة؟".

 

إنّه من الصّعب ألّا نرى موازةً بين مخاوف سيجلمان من أجل لمدينته البندقيّة الخياليّة ومخاوف أورزيديل على لبوهيمياه المُختلَقة. فأورزيديل نفسه لم يعد إلى براغ بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الخمسينيّات والستينيّات، لعله زارَ الحدود البافاريّة أو النمساويّة التشيكيّة وحدّق لأعلى في الغابات البوهيميّة. وكان بإمكانه عبور تلك الحدود بسهولة، وقد تمّت دعوته بالفعل إلى القيام بذلك مرّات عدّة. ولكن كما أخبرني بيرنيت: "كان إنتاجه الأدبيّ بأكمله قائماً على استحضار هذا العالم المفقود من بوهيميا الألمانيّة اليهوديّة التشيكيّة. … وكانت خيبة الأمل من هذا الواقع الجديد ونزع السّحر عنه [واقع الشيوعيّة التشيكيّة] أمراً كبيراً جداً ببساطةٍ. وربما كانت لكتاباته أن تتغيّر لو كانت ذكريات وطنه القديم اختطلت مع الانطباعات الجديدة".

 

ومع ذلك، فإنّ أعمال أورزيديل ليست أنشودة عاطفية إلى مكان ما ضائع. في قصة "حيث ينتهي الوادي"، حيث قرية صغيرة يقسّمها سيلٌ، يقسم هو بدوره السّكانَ إلى "المصرفيين اليساريين" و "المصرفيين اليَمِينين". وإنّ أساس هوياتهم المتعارضة طفيف بشكلٍ هزليّ ولكن يتبع صيغة القومية -وهي القوميّة نفسها التي ابتليت بوهيميا بها، وأوروبا ككلّ في وقتٍ لاحق. فعلى سبيل المثال، هناك إحدى المجموعات "تدعي أنها هي السّكان الأصليون الأكبر سنّاً" للقرية. في نهاية المطاف، مزقت كعكة الجبن المسروقة القريةَ إرباً. ثم تتحول القصة إلى وساطة شبيهةٍ بمقال عن أصول الصّراع وطبيعته الاستداميّة. فلمَ قُسِّمَ الشعبُ في البداية، لا يستطيع الراوي جواباً على ذلك. ولكن بمجرد أن كانوا، "لم يعد يمكن للسيل أن يتدفق.. كان عليه أن يكتسب معنى: هنا اليسار، وهناك اليمين!". و "لأن الحرب سرعان ما فُصلت عن أسبابها المباشرة"، يقول الراوي، "فإنّها تكتسب الحياة والزخم من تلقاء نفسها".

وكما أخبرني كلاوس يوهان، فإن أورزيديل يقدّم أرضه المفقودة "ليست على أنها أنشودة مختلفة، ولكن يقدمها مع فواصلها وصراعاتها ومشاكلها". وبالأخير في قصّة "حيث ينتهي الوادي"، فإن هناك "قوة جديدة عسكريّة من الأسفل بغموض" تجيء وتهتم قليلاً بالصراعات الصغيرة للقرويين (وفقاً لبورنيت، هذه "السلطة الجديدة" ترمز إلى الشيوعيين التشيك). ويتمّ الدفع بالسكان الأصليين من الوادي، والذي يتحول إلى الدمار. يموقع أورزيديل، في هذه القصة، بذكاءٍ مشاكل القرن العشرين الأوسع في صلب بوهيمياه الخاصّة. ويتجاوز تفاصيل أطره ليتطرّق إلى الإشكالات الفلسفيّة، الأمر الذي غالباً ما يعكس اشتباكه معها. وفي قصة عنوان المجموعة، يبدو أورزيديل مُسائلاً الأبعاد الأخلاقية لنثره: "مزّق الأمثال الملعونة"، كما يقول بطل "الناقوس الأخير". إذ "يمكنك استخدامها لتبرير القتل".

 

وبغضّ النّظر عن المآل، فإنّ اللغةَ والهويّةَ القوميّة كانتا متشابكتيْن بالنسبة إلى أورزيديل. فقد اشتبكَ، بعد أن استقرّ في أمريكا، مع ثقافة وطنه المُتبنَّى "أكثر بكثير من معظم الكتّاب المنفيين الألمان الآخرين"، كما أخبرني جوهان. وكان قد حصلَ لأورزيديل إدراكٌ وظيفيّ تماماً للإنجليزيّة. وقرأَ بصرامةٍ الكتّاب الأمريكيين -مثل رالف والدو إيمرسون، وهنري ديفيد ثورو، وناثانيل هوثورن، ووالت ويتمان- ونشر مقالات عنهم بالألمانيّة. وقد ترجمَ الشاعرةَ الأمريكيّة (H.D) إلى لغته الأمّ. بيد أنّه لم ينشر في الإنجليزيّة على نحو خلّاق.

 

والحال أنّ جزءاً من إتقان أورزيديل للألمانيّة كان ممارسةً: فقد كان مجرّد كاتب أفضل وأكثر حدسيّةً في لغته الأمّ. لكن كانت الكتابة بالألمانيّة بالنسبة إليه، كما أخبرني بورنيت، "ضرباً من ضروب الالتزام الأخلاقيّ". فقد كتبَ أورزيديل، بعد الحرب العالميّة الثانية، أنّ المؤلّفين المنفيين على شاكلته "تقع على عاتقهم مسؤوليّة الإبقاء على اللغة الألمانيّة إنسانيّة، وغير محرّفة، وأكثر أخلاقيّةً مما كان يمكن لها أن تكون على الأرض الأمّ لها، حيث نموّها العضويّ أعاقته السياسةُ وأتت به أرضاً".

 

وكان النّازيّون دقيقين للغاية بشأن لغتهم، وإلى أيّ مدى الاثنان هما ساحةٌ رائجة للدراسة الأكاديميّة. فيذهبُ فيكتور كليمبر في كتابه اللغة الكلاسيكيّة للرايخ الثالث عام 1947، إلى حدّ الادّعاء بأنّ "لغة النّازيّة" هي "أساس تربويّ" للأيديولوجيا. ولذلك فإنّ أورزيديل، على حدّ تعبيره الخاصّ، "اعتنقَ ولائه الأبديّ" للغة الألمانيّة "في أحلك الأوقات وأكثر ريبةً للألمانيّة نفسها".

لقد تصارعت ألمانيا والنمسا بعد الحرب مع تراثهما الثقافيّ واللسانيّ؛ حيث كانت المنطقة، كما وصفها بيرنيت، "مشهداً أدبيّاً اختباريّاً ومسيّساً بشدّة". ولكن أورزيديل لا يحمل أيّاً من هذه الزخرفة المعاصرة، وهي حقيقة كثيراً ما تُعزى إلى حياته في المنفى. وينظر إليه تابعاً على مواطئ غوته الأكثر تقليديّة، عملاق الأدب الألمانيّ، الذي عشقه أيّما عشق. وقال أورزيديل (عندما كان يزور مكاناً ما جديداً، فإنّ أورزيديل طالما يسأل دائماً سؤالين: "ماذا يشبه الماء ههنا؟ وما هي علاقة هذا المكان مع جوته؟"). ومع ذلك، كما أشار ديميتز، غالباً ما تنجرف قصص أورزيديل بين الخيال والمقالة -وهذا الخلط من الوسطين [أي الخيال، والمقالة -] هو في حدّ ذاته فكرة حديثة جداً. وحتّى من الناحية الشكليّة، يؤلّف أورزيديل معاً ما هو منفصلٌ عادةً.

 

إنّ الوحدةَ، رغم الصراع أو الاختلاف، هي تيمةٌ شائعة في أعمال أورزيديل. ففي نهاية "رحلات سيلجمان"، يقارن بطلُ القصّة البنية الصخريّة البوهيميّة بشلالات شتّى في كافّة أرجاء الولايات المتحدة: "فأنا في أمريكا بنهاية المطاف"، كما يقول البطل. "ولا شيء بعيد". ويعقدُ أورزيديل، مازحاً إلى حدّ ما، توازياً بين أمريكا وبوهيميا، فقد عشق كلتيهما لتعدّدهما الثقافيّ. إلّا أن المقارنةَ في حينها بالنسبة إلى قرّاء اليوم: فالنّزعة القوميّة آخذة في الصّعود في كافّة أنحاء أوروبا، وفي كثيرٍ من العالم، كرّة أخرى. ويقدّم أورزيديل -الذي يُقال إنّه صاغ مصطلح "hinternational"، الذي يعني حرفيّاً "ما وراء الأمم" رغم أنّه يُترجَم أحياناً إلى "تجاوز الأمم"- تحذيراً صارخاً ضدّ العشائريّة لأولئك الذين لديهم رغبة الاستماع والإنصات.

 

وبالطبع، هناك توتّرات بين إخلاص أورزيديل إلى موطنه ولغته المحددتين، وبين عشقه للتعدّديّة الثقافيّة. ولا تزال توتّرات الهويّة هذه قائمة في كثير من البلدان اليوم. لكن تثبت كتابته كيف يمكن للمرء اجتياز هذه التوتّرات، وكيف أنّه من الممكن عشق مكان ما -بسبب تداخلاته- دون الحاجة إلى إقصاء الآخرين منه.

 

فكما في أعماله الأدبيّة، كان أورزيديل شخصاً ترحابيّاً بشخصه. فوفقاً لديميتز، عندما كان يستقبل أورزيديل الضيوف، كان يفتح نافذة المطبخ من شقته في كوينز، التي يمكن من خلالها رؤية جزء من المحيط، ويشير إلى حكاية الشتاء لشكسبير: "بوهيميا. إنّها بلدٌ صحراويّ قُربَ البحر". وكان الماء، في موطن أورزيديل الجديد، تذكّره بعض الشيء بالشخص الذي تركه وراء ظهره. لكن في حين أنّ بوهيميا شكسبير هي اختلاقٌ كلّيّ (فهي ليست صحراويّة)، فإنّ بلد أورزيديل المتذكَّرة هي خليطٌ من الحقيقة والاستيهام الذي يشكّل الذاكرة. فكتابته تُسائل ما يعني أن تكون إنساناً وتتذكّر. وماذا يعني أن تعشق بلدك عندما تكون "الوطنويّة" المتطرّفة هي بالضبط السبب في ضياعه.

_____________________________________________________________

المقال مترجم عن الرابط التالي

المصدر : الجزيرة