هل يستطيع الانطوائي أن يكون قائدا؟
قد ظل الانطباع السائد لفترة طويلة أن شخصية الانطوائي تحول دون تقلده مناصب القيادة، نظرا لعوامل كامنة، غير أن البحوث الصادرة مؤخرا تميل إلى دحض هذا الانطباع مثلما يبينه الكاتبان بيتر أوكونور وأندرو سبارك في مقال لهما على موقع ذي كونفرسيشن، خاصة من خلال دراسة استبيانية تتابع عينة من الطلاب لهذا الغرض.
غالبًا ما يعتقد الانطوائيون، وفق ما توصلت إليه بحوث صادرة مؤخرًا، أنهم لن يستمتعوا بأدوار قيادية، ولهذا السبب تَقِل فرص حصولهم على الوظائف العليا. وقد أعرب الانطوائيون الذين شملتهم دراستنا عن اعتقادهم بأنهم سيشعرون بالقلق والإزعاج في حالة توليهم مناصب القيادة.
ولمعرفة ما إذا كان شخصٌ ما انطوائيا أم لا، يتم عادة قياس ذلك، من خلال تقييم مدى إظهاره سمة شخصية يطلق عليها اسم "الانفتاح"، التي تدل على مدى سهولة تواصل هذا الشخص مع الغير وانبساط تصرفه الاجتماعي. وإذا أجرينا مقارنةً، نجد أن الانطوائي يميل إلى صفة الهدوء والتحفظ وسلبية التفاعل نسبيًا، مقارنة بالشخص المنفتح.
ليس من المستغرب أن يرتبط مستوى انطواء الشخص أو انفتاحه، بمجموعة المحاصيل الشخصية والمهنية الهامة، فعلى سبيل المثال، توصلت نتائج هذا البحث، إلى أن احتمال الأداء الجيد لدى المنفتحين في وظائف المبيعات، أكبر مقارنة بأداء الانطوائيين. ومن ناحية أخرى، يرجح تميز الانطوائيين بقدر أكبر من صفات الصدق والتواضع، وأقل مخاطرةً بصحتهم وسلامتهم.
لقد قمنا من خلال بحثنا بدراسة هذه الصفات السلوكية لدى 184 طالبًا في مجال الأعمال، واتضح بشكل جلي أن الانطوائيين يشغلون مناصب قيادية أقل من المنفتحين، ويقِل احتمال بروز، بشكل رسمي، الشخصيات الانطوائية كقادة للمنظمات، من خلال قنوات الترقية والانتقاء المعتادة. ويقِل احتمال بروزهم أيضًا بشكل غير رسمي، كقادة في مجموعات غير منظمة، بالإضافة إلى ذلك، فحتى عندما يتمكن الانطوائيون من البروز كقادة، فعادة ما يصفهم أقرانهم، بأنه لا تتوفر فيهم "سمة القيادة".
في إطار دراستنا، قمنا بقياس سمة "الانفتاح" لدى كل طالب من طلاب قطاع الأعمال، من خلال استخدام استبانة شخصية، وتابعنا سلوكهم القيادي عبر نشاط مجموعة صغيرة. وقبل الشروع في نشاط المجموعة، طلبنا أيضا من كل مشاركٍ أن يتنبأ أو "يتوقع" المشاعر التي سيحسها خلال هذا النشاط، وقدمنا للمشاركين قائمةً بالمشاعر الإيجابية والسلبية (من قبيل "سأشعر بالحماسة" أو "سأشعر بالضيق")، وأشار المشاركون إلى ما يتوقعونه من مشاعر خلال النشاط.
وتوصلنا إلى أن ما يعتقده الشخص الانطوائي، مثل ما سيشعر به في حالة وجوده في موضع قيادي، يلعب دورا قويًا في شرح سبب صراع الانطوائي للبروز كقائد، فعندما اعتقد المشاركون أنهم سيشعرون بمشاعر سلبية (أي الخوف أو القلق أو الضيق)، تحولت تلك المشاعر إلى حواجز نفسية قوية تعيق التصرف كقائد. وكان احتمال اعتقاد الانطوائيين بشعورهم بمشاعر سلبية أكبر من احتمال هذه المشاعر لدى المنفتحين.
ورأى الانطوائيون في دراستنا أيضًا أنهم سيشعرون بقدر أقل من المشاعر الإيجابية في حالة توليهم مناصب القيادة (مثل الإثارة والاهتمام)، ومع ذلك، لم تكن هذه الأفكار حول المشاعر الإيجابية، بقدر أهمية المشاعر السلبية، عندما تعلق الأمر بتقييم السلوك القيادي لدى المشاركين.
لا يعني استبعاد الانطوائي من تولي منصب القيادة، أنه لا يمكن أن يكون قائدًا ناجحًا. حتى وقت قريب، كان المنظور العلمي الشائع يميل إلى ترجيح حسن أداء المنفتحين كقادة، وأن حظه أفضل عموما من أداء الانطوائيين، خاصة وأن المنفتحين يتميزون بمجموعة من الخصائص التي تجعلهم يُظهِرون صفات القائد، وهذه الخصائص تعزِز أيضا بعض الأساليب الفعالة للقيادة (من قبيل الإلهام والكاريزمية).
وهذا أمر منطقي حدسيا أيضًا، كون المنفتحين يتمتعون عادة بشخصية معبرة ولديهم الثقة في النفس والقدرة على الإقناع، وبالتالي لا بد أن يرشحهم كل ذلك ليكونوا قادةً أفضل. غير أن هذا الانطباع تم دحضه في الآونة الأخيرة، في ظل تزايد تقدير قيمة الانطوائيين، داخل وخارج مكان العمل. في كتابها الذي عرف شهرة كبيرة، تحت عنوان Quiet (هادئ)، تركز الكاتبة سوزان كاين على نقاط القوة المتعددة لدى الانطوائيين، وبينت كيف أن العديد من هذه الخصائص تساعد الأفراد في المناصب القيادية، مثل ميزة الإصغاء والتفكير العميق.
وحددت الدراسات أيضًا الكثير من حالات القيادة التي يرجح فيها تفوق الانطوائيين على المنفتحين، حيث ذكرت إحدى هذه الدراسات، على سبيل المثال، أن الانطوائيين أكثر فعالية كقادة ضمن الفرق ذات المهام الاستشرافية، مقارنة بنظرائهم المنفتحين. وانتهت دراسة أخرى إلى أن الخصائص الانطوائية تكون سائدة لدى القادة الفعالين المعروفين باسم "القادة الخدم"، في إشارة إلى الذين يعززون الأداء الجيد لدى الآخرين من خلال التركيز على تطور ورفاهية فرقهم.
من الممكن تغيير العقلية لدى الانطوائيين، حول قدرتهم على تولي القيادة. وخلصت دراستنا إلى أن الانطوائيين والمنفتحين الذين يتوقعون مستويات منخفضة مماثلة من المشاعر السلبية في حالات القيادة يكون احتمالهم مماثلا أيضا بالنسبة للبروز كقادة. وتشير بحوث أخرى أيضا إلى أن الانطوائيين قادرون جدًا على الانخراط في سلوك "منفتح" والاستمتاع بهذا السلوك عندما يضطرون إلى القيام بذلك.
الأهم من ذلك، تشير البحوث حول ما يسمى "الانفتاح المعبر عنه" إلى أن الانطوائيين يميلون إلى المبالغة في تقدير المشاعر السلبية التي ستواجههم لدى اتباعهم سلوكا منفتحا، وفي حالة التمكن من تعليم الانطوائيين كيف يمكنهم الشعور بقدر أكثر من الثقة في النفس أو التفاؤل، فيما يتعلق بحالات القيادة، فمن المرجح جدا، تمكنهم من البروز كقادة، مثلهم مثل المنفتحين.
هناك العديد من الحالات التي يمكن أن يبرهن فيها للانطوائيين على قدرتهم على أن يكونوا قادة جيدين، وأن الانطوائيين لديهم الإمكانية فعلا للبروز كقادة في تلك الحالات، ومن ثم فالتحدي الماثل لا يكمن في دفع الانطوائيين نحو التشبه بالمنفتحين، بل في مساعدتهم ليكونوا أكثر ثقة بأنفسهم حول قدراتهم الخاصة للقيادة.
_______________________________________________________
مترجم عن: (ذا كونفرسيشن)