شعار قسم ميدان

"قف ضد الكرة الحديثة".. مواقع التواصل الاجتماعي وحركات الاحتجاج

midan - football

يدور جدل في علم الاجتماع مؤخرًا؛ حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي المتزايد على النسيج الاجتماعي والحركات الاحتجاجية على وجه الخصوص. يضع أحد جانبي هذا السجال وسائل التواصل الاجتماعي كأهم العوامل التي ساهمت في الحشد لأحداث مثل "الربيع العربي"، و"احتلال وول ستريت"، و"بوديموس".

ويحتل عالم الاجتماع الإسباني "مانويل كاستليس" مركز الصدارة بين المدافعين عن هذا الاتجاه؛ بزعمه أن هذه المنصات قد أنتجت "أنواعا جديدة من الحركات الاجتماعية" بلا قيادة، ولا قضية رئيسة، على عكس الأنواع التقليدية التي تتطلب من المجموعات تجمهرات دورية للاتفاق على الأهداف، وتجديد الهويات المشتركة. كما يرى "كاستليس" أن هذه المنصات الإلكترونية تفعل الصلات بين جماعات غير مرتبطة في الأصل؛ مما يزيدها قدرة على الحشد وعلى صياغة الإصلاحات.

 

لكن النظريات التي تجعل وسائل التواصل الاجتماعي حجر الأساس في فهم حركات الاحتجاج المعاصرة تواجه عددًا من الانتقادات. مثلا، إن مزاعم ظهور أنواع جديدة من المشاركة السياسية والمدنية تميل إلى الغموض عند التطرق إلى الكيفية التي تتواصل بها الحركات الإلكترونية مع الأنظمة السياسية الحالية والمؤسسات المشاركة في رسم السياسات. كما يتهم "كاستليس" بتعمد التمويه عند تطرقه إلى طبيعة سير العمل الداخلي، والتخطيط اللازم لهذه الحركات، وهو نقد يستلزم توضيح البدائل التي يفترض بهذه الحركات استحداثها بدلًا من المهام القيادية والعمليات التنظيمية التي تحتاجها الحركات التقليدية -ذات القيادة- لتحديد المطالب والسعي إلى إحداث التغيير.

 

لقد أجريت دراسة عن حركة "قف ضد الكرة الحديثة" (StandAMF) من أجل تقييم مزاعم "كاستليس" وآراء النقاد حول فاعلية الحركات التي تعتمد على شبكة الإنترنت؛ إلى جانب تحديد العمليات التي تعتمد عليها هذه الحركات لإحداث تغيير في النسيج الاجتماعي الأكبر؛ ولفهم كيفية استخدام هذه المنصات للحشد والتنظيم وإدارة الحركات الاحتجاجية. أما عن StandAMF فهي -باختصار- شبكة من مشجعي الكرة الإنجليز الذين يحتجون على عملية التسويق الهادفة إلى توليد طرق أكثر ربحًا وأسهل في الإدارة لـ"استهلاك" الرياضة.

undefined


تم إجراء أربع أنشطة مترابطة؛ لجمع المعلومات ما بين ديسمبر ٢٠١٢ ومارس ٢٠١٦، وتم الرصد في مناطق مثل ملاعب كرة، ومقابلات غير رسمية، ومناسبات عامة تقيمها أو تدعمها StandAMF. وشمل ذلك أعمال احتجاج صريحة، وجلسات تخطيط وتنظيم وراء الكواليس. كما أجريت مقابلات مكثفة مع ٤٨ مشجعا تجمعهم صلات مختلفة بـStandAMF، وحوت هذه المقابلات شهادات حول تأسيس StandAMF، ومعلومات شخصية تدعم الطبيعة الديموغرافية لأعضاء الحركة، وحرص كثير من المشاركين على عرض تذكارات ذات صلة، مثل الصور، والدعايات، والتذاكر.

إضافة إلى ذلك، تم تجميع محتوى من منشورات StandAMF على منصات التواصل سمح بتتبع وتحليل العمل الاجتماعي والمؤسسي الذي أثر على الحركة. وأخيرا، تم جمع عينات من الصحف ولقاءات الراديو والمدونات وغيرها المتعلقة بـStandAMF أو بالاعتراضات على "الكرة الحديثة". وتمت مراعاة الموازنة في كل ذلك بين البيانات الإلكترونية والمادية /الفيزيائية. تم تطبيق إطار "كاستليس" التحليلي على البحث المعني بحركة StandAMF وتم تعميم ملاحظات "كاستليس" ومساهماته في فهم أثر منصات التواصل الاجتماعي على الحركات الاحتجاجية من ناحية قدرتها على إحداث تغيير.

 

لا شك أن StandAMF تحقق نجاحًا في مواجهة المنطق المؤسساتي الحالي؛ لكنها لا تفعل ذلك بتجاوز المؤسسات التي أيدت هذا المنطق كما يزعم "كاستليس"؛ بل تدين بالكثير من هذه النجاحات إلى قنوات الاتصال المقامة مع وسائل الإعلام الرئيسة، والأحزاب السياسية، والحركات الاجتماعية التقليدية والهيئات الاعتبارية المحتج عليها. إضافة إلى ما وجدناه من اعتماد StandAMF على قادة يستخدمون رأس المال الاجتماعي ومهارات التواصل؛ لإدراج أهداف بديلة في النظم الاجتماعية والسياسية والمؤسساتية القائمة.
 

يعرف "كاستليس" الحركات الاجتماعية بأنها "نوع معين من التنظيم للممارسات الاجتماعية، يتعارض منطقه مع المنطق الاجتماعي المهيمن مؤسسيا". وفي أعقاب توسع هائل في المشاركة في هذه المنصات، يفترض "كاستليس" أن الحركات تحشد مستثمرة وحدة أنشئت من قبل خلال التدفق الحر للمعلومات والاستجابات العاطفية المشتركة في وسائل التواصل الاجتماعي. تساعدنا هذه المباديء في فهم ظهور StandAMF: منصات إلكترونية توفر مجالات اتصال أفقية جماهيرية، تتجاوز العداوات القديمة التي أبقت عليها وسائل الإعلام التقليدية والأندية. بدلًا من ذلك، تقدم اهتمامات ثقافية مشتركة، مثل النقاشات في الأزياء والموسيقى، مما يساهم في التغلب على الاختلافات، ويفتح فضاء للحوار والنقد المستقل، يتشارك فيه المشجعون غضبهم؛ مما يتسلل إلى "الكرة الحديثة".

 undefined

كذلك توضح الحالة التي أمامنا أن رفض الاستقرار على مطالب فكرية معينة في هذه المنصات يوفر مزيدا من قوى التوحيد. فبدون هوية صارمة، وتسلسل قيادي هرمي، أو أهداف منصوص عليها، يصبح من اليسير على عديد من الجماعات العثور على رابطة تربطهم بـStandAMF. إن هذه الخصائص مجتمعة تدعم زعم "كاستليس" ظهور أنواع جديدة من الحركات الاجتماعية. ومع ذلك، بالرغم من تيسير هذه المنصات التوحيد بين مجموعات غير متصلة مسبقًا في شبكات لا مركزية من النقط المستقلة، فإن "كاستليس" لا يوضح الكيفية التي يمكن من خلالها إحداث تغيير في مواجهة منظمات تشكل النسيج المجتمعي الأوسع.

 

وتوضح الدراسة هذه المشكلة؛ حيث تبين أن StandAMF تعزز التحالفات مع وسائل الإعلام الرئيسة والأحزاب السياسية؛ لنشر منطقها التعويضي. ومع توقع "كاستليس" مزيدا من الحضور لهذه الاحتجاجات في الفضاء العام، كما في احتجاجات لندن، نجد أن عملية التجسيم هذه تصل إلى استنساخ شعارات StandAMF وصورها؛ مما يوفر اتصالًا أسهل بالإعلام. ذلك قد يؤثر على البنية الهيكلية للفرص برفع الوعي العام، والتعاطف السياسي، وينزع -في نهاية المطاف- الشرعية من المجموعات التي تستهدفهم الاحتجاجات، وهي الأندية والدوري الممتاز، وقد قدم كل منهما تنازلات للمحتجين بالفعل.

 

لكن مع استكشافنا هذه الحالات، نجد أننا نشكك في فكرة عدم احتياج هذه الحركات لقيادة رسمية، أو مركز تحكم. ونشكك في تأكيد "كاستليس" على أن العدوى الشعورية مسئولة عن جذب اهتمام الناس بالحركات. ونكتشف مواقف يتولى فيها "زعيم غير رسمي" مهام تواصل عديدة. ومع أن هذه الوظائف غير رسمية، فإن محرري المجلات المتخصصة ومديري المنتديات يتولون تنظيم وتيسير المساحات على شبكة الإنترنت؛ لتوحيد الجماعات المؤيدة المتباينة، كما تتولى النقاشات والاحتجاجات المادية والمفاوضات مع المؤسسات المستهدفة. إن هذه كفاءات حيوية، خاصة وأن تحقيق الجذب الإعلامي أمر غير مضمون بالنسبة إلى الحركات الاجتماعية.

 

ومع استحضار هذه النقطة، نواصل الحديث عن القيادة غير الرسمية، ونلمح إلى أن الأفراد الذين يتولون هذه المهام هم هؤلاء الذين يمتلكون رأس مال اجتماعي ومعرفي ضروري لتوحيد المجموعات داخل الحركة نفسها، والتواصل مع أصحاب المصالح خارج الحركة. ويجسد رأس المال المعرفي هذا أعضاء في StandAMF مثل "بيل بيس" و"سيب وايت". وهما -بوصفهما محررين سابقين للمجلات المتخصصة- توفر لهما خبرتهما تصميم الإطارات الاحتجاجية التي قد تحوز القبول في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرئيسة. بالضبط كما تمكن "كيفن مايلس" بوصفه قائدا سابقا لـ"الاتحاد الفيدرالي لأنصار كرة القدم" من استثمار رأس المال الاجتماعي لعقد مفاوضات مع الدوري الممتاز.

أن هذا النوع من التحالفات يتحدى المنطق المؤسساتي، باستهداف مؤسسات سوق صغيرة الحجم في سياق سياسات الرياضة، والاستهلاك، ونمط الحياة.
أن هذا النوع من التحالفات يتحدى المنطق المؤسساتي، باستهداف مؤسسات سوق صغيرة الحجم في سياق سياسات الرياضة، والاستهلاك، ونمط الحياة.

إن وجود قادة غير رسميين لا يدحض دعاوى "كاستليس" عن أن الحركات التي لا مركز لها قوية بحكم صعوبة إدارتها، أو استمالتها. بل تقترح الدراسة أن مجرد الظهور بمظهر الحركة منزوعة القيادة هو أمر كاف. فعندما أرادت الشرطة إشراك الأفراد الأكثر شبهًا بالقادة في احتجاجات ٢٠١٣ لأسباب تتعلق بإدارة الحشد، أكد هؤلاء الأفراد أن تأثيرهم محدود. ونحن نرى ازدواجية قوية في هذه الحادثة: بدون مركز واضح، أو قيادة رسمية، من الصعب إدارة أو استمالة الحركة، أو توقع مكان الاحتجاج القادم، أو المشاركين فيه، أو القضية التي سيعالجها.!

 

ورغم لا مركزية هذه الحركات، نقترح بقاء هذه العقد التنظيمية المركزية كإمكانات كامنة، وهي نقطة تحتاج عناية أكبر مما يقدمها "كاستليس". وكما اقترحت أبحاث من قبل، نرى أن مزيدا من الدراسة للحركات الاحتجاجية قد يسفر عن أفكار هامة. ونحن بمراقبتنا StandAMF عبر ثلاث سنوات، شهدنا نقاط كمون للحركة في الفضاء الأفقي لمنصات التواصل الاجتماعي، ونقاط أخرى تقدم فيها أفراد ومجموعات معينة للقيام بنقل أطر احتجاجية ومناقشة أهداف محددة مع منظمات ذات نفوذ.

 

أخيرا، نشير إلى أن مجموعات مثل StandAMF قد تصير أكثر شيوعًا عن السابق. وإلى جانب الاحتجاجات التي تستهدف كيانات كبيرة ومؤسسات رأسمالية متأخرة، من النوع الذي يهتم به "كاستليس"، فإن الدراسة توضح -بالبيانات- أن هذا النوع من التحالفات يتحدى المنطق المؤسساتي؛ باستهداف مؤسسات سوق صغيرة الحجم في سياق سياسات الرياضة، والاستهلاك، ونمط الحياة. وهذه النتائج تؤكد أن نشوء وتطور الحركات الاحتجاجية المعاصرة القائمة على الإنترنت تشكل اهتمامًا مستمرًا لعلم الاجتماع العام، وتلح على إجراء مزيد من الدراسات لتوضيح هذه القضية التي تتقاطع فيها السياسة، والإعلام، والاستهلاك، إلى جانب دراسات رقمية-سوسيولوجية؛ لتزاوج الواقعين الإلكتروني والمدني.

المقال مترجم عن: http://soc.sagepub.
المصدر : الجزيرة