شعار قسم ميدان

معمار القدس.. تاريخ يربك التهويد ويغضبه

midan - القدس
تبقى القضايا حية طالما بقيت حضارتها أو ذكرى حضارتها في أذهان أهلها، وتندثر إذا اندثر بنيانها، وهجرها سكانها. وقد سجل التاريخ مدنا كانت تبهر الرحالة بعمارتها وجمالها، ثم انزوت في ثنايا التاريخ، عاجزة عن منح البشرية مثل ما كان في مقدورها إبان فترة حيويتها وتألقها.

 

أما القدس فقد بقيت حية في أذهان أهلها وأذهان العالم العربي والإسلامي كله، رغم ما مر بها من أحداث جسام؛ فهي المكان الذي نبعت فيه البركة من مسجدها الاقصى حتى فاضت على ما حوله؛ فمنحها الله البركة ليُري البشر آياته العظمى على مر التاريخ، ولتكون مدينة القدس شاهدة على تاريخ الإنسان منذ فجر التاريخ. فرغم تغير الأزمان تبقى القدس حية بتراثها المعماري الذي يحمل عبق التاريخ، والحفاظ على هذا التراث المعماري يشكل التحدي الأكبر أمام أهل هذه المدينة المقدسة؛ التي يريد الاحتلال محو تاريخها وطمس تراثها ومقدساتها.

 

فقد شهدت المدن العربية بفلسطين المحتلة وفي القدس -خلال الآونة الأخيرة- حملة شرسة من محاولات "التهويد" لكل ما يتعلق بالتراث والعمارة والتاريخ العربي والإسلامي. فبدءا من محاولات تهويد أسماء الأماكن؛ من خلال عبرنة الأسماء، وحذف المصلطحات؛ مرورا بمحاولات تغيير معالم الأماكن الأثرية بفلسطين المحتلة والقدس؛ حتى محاولات تهويد الهوية الأصلية للمكان. فعملية التهويد الثقافي التي تمارس بشكل ممنهج من جانب الكيان الصهيوني، هي عبارة عن محاولة تفريغ الشيء المراد تهويده من مضمونه وهويته الأصلية، وإضفاء أو فرض مفاهيم وأسماء ترتبط باليهودية وما يتعلق بها من أشكال ثقافية وعبرية، وعمارة حديثة مرتبطة بالشكل الغربي الحديث للمدن، ولم تقتصر مساعي طمس الهوية على إجراءات إسرائيل، وإنما صحبتها مساعٍ إماراتية لشراء أراضٍ في القدس وتسليمها لليهود كما أكد الشيخ كمال الخطيب في مقابلة على قناة القدس قبل عامين.

  

عمارة القدس
صورة للمسجد الأقصى المبارك (الأوروبية)
صورة للمسجد الأقصى المبارك (الأوروبية)

لم تكن مدينة القدس، قبل الفتح الإسلامي سنة 16هـ/637م، إلا مدينة صغيرة تعرضت لاجتياح الفرس. ومنذ أن زار الخليفة عمر بن الخطاب هذه المدينة سنة 16هـ/637م ليستلم المدينة، ابتدأ الإعمار الإسلامي. واستمرت مظلة الخشب على الصخرة المشرفة في قمة جبل موريا، حتى عهد عبد الملك بن مروان؛ حيث أنشأ مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى. (1)

 

على أن المسجد الأقصى المذكور في الآية الكريمة هنا، لا يعني المسجد الذي أنشأه عبد الملك بن مروان لاحقاً، وإنما يعني المكان المقدس الذي يسجد فيه لله تعالى في مكان يبعد عن المسجد الحرام في مكة المكرمة مسافة محددة.

 

ويسمى هذا المكان، وهي أرض واسعة تحيط بها الأسوار بطول يصل إلى 492م من الغرب وإلى 462 م من الشرق، وعرضه في الشمال 310م وفي الجنوب 281م، وله عدد من المداخل الرمزية؛ مؤلفة من أقواس وأعمدة أطلق عليها اسم الميازين، في هذه الساحة منشآت إسلامية تعود إلى مختلف العهود الإسلامية، هي مدارس ومساجد وقباب، وأهمها قبة الصخرة والمسجد الأقصى. وكان العرب الذين يزورون القدس يتبركون بهذا الحرم، ويطلقون عليه المسجد الأقصى.

 

وقد أوضح مدير قسم السياحة والآثار في مديرية أوقاف القدس الدكتور يوسف النتشة، في تصريح صحفي، أن الحديث عن تاريخ القدس المعماري يتم بمرحلتين، أولاهما مرحلة ما قبل الاسلام؛ حيث كان للمدينة تطور معماري عريق استمرارا للتراث المعماري الإنساني خاصة في الفترة الرومانية، فيما جاءت فترة ما بين عام 70 م وحتى سنة 638 م بدون أي مشروع معماري له قيمة في منطقة المسجد الأقصى، وحتى الفتح "العمري" لمدينة القدس؛ حيث انطلقت بعده سلسلة متواصلة من الإعمارات الأموية والعباسية والأيوبية والمملوكية والعثمانية؛ وصولا الى العهد الأردني. (2)

 

فبينما يعبر التراث المعماري في القاهرة عن العهد الفاطمي والمملوكي، ويعبر التراث المعماري في العراق عن العصر العباسي، وفي دمشق عن العصر الأموي؛ يعبر التراث المعماري بالقدس عن جميع تلك الحقب التاريخية فالمعمار القدسي هو بمثابة كنز ثمين لا يجب على المسلمين التفريط به؛ لأنه أكبر معبّر عن تاريخهم وحضارتهم ومقدساتهم.. (3)

 

الهوية المعمارية للقدس
 (بكسلز)
 (بكسلز)

عندما صدر قرار منظمة اليونسكو بتسجيل مدينة القدس في سجلات الممتلكات الثقافية، اعتمدت على ملف واسع تضمن الأماكن والمنشآت الأثرية والتاريخية العربية والإسلامية، والتي ما زالت قائمة في أنحاء المدينة، ولم يكن من بينها أي مبنى يهودي. وكان هذا القرار اعترافاً دولياً بالهوية العربية لهذه المدينة. (4)

 

وهذه الهوية العربية بالقدس تظهر في ملامح خاصة كانت تتميز بها المدينة الإسلامية في العصور الوسطى؛ حيث تعتبر مدينة القدس القديمة مثالا حيا على تلك الملامح الإسلامية التي تعتبر أن للدين علاقة أساسية في تخطيط المدينة، فيشكل المسجد المركز الرئيس للوحدة التخطيطية للمدينة، ويتفرع منه نسيج المدينة المعماري. وعليه كان المسجد الأقصى هو البؤرة الرئيسة في تخطيط مدينة القدس. كذلك تتميز مدينة القدس بالتجانس مع البيئة ضمن روحانية واحدة.

 

وتتميز طرق المدينة القديمة بأنها رفيعة ومخصصة للمارة دون السيارات، وبعضها مسقوف بالعقود الحجرية الجميلة التي يرجع تاريخها إلى العصور الإسلامية المتوسطة، والبعض الآخر غير مسقوف. كما أنشئت المدارس والخانات والأربطة والزوايا والمساكن وسبل الماء على جانبي الطرق، وتحمل العقود الحجرية فوقها أبنية حجرية تطل على الطريق بنوافذها ومشربياتها الصغيرة الخشبية. (5)

 

في مدينة القدس؛ ارتبطت المباني الإسلامية بالذكريات الدينية التي تعود إلى العهود السابقة للإسلام

فهذا الأسلوب (باستعمال الطرق الرفيعة) يوفر الظلال المريحة للمارة، ويخفف من حرارة الجو، ويمنع سقوط أشعة الشمس المباشرة على المارة، وخصوصا في أيام الصيف؛ كما أن الطرق المخصصة للأسواق التجارية مفتوحة بعضها على بعض؛ لتسهيل الاتصال من سوق إلى آخر، أما الحارات السكنية فينتهي بعضها إِلَى نهايات مسدودة لتوفر للحارة الواحدة الشعور بالاستقلالية، وكانت لمداخلها في السابق بوابات تقفل ليلا للمحافظة على أمن الحارة.

 

وبإمكان الإنسان أن يسير في جميع طرقات القدس القديمة في وقت قصير، وأن يقضي جميع احتياجاته سيرا على الأقدام دون تعب أو ملل، وذلك راجع إلى فلسفة تخطيط المدينة، واتباع ملامح العمارة الإسلامية بها، وإلى الروحانية التي تتمتع بها البيئة والأجواء المحيطة. حيث حافظت العمارة الإسلامية على البعد الإنساني في مبانيها شكلاً وفكراً ومضموناً، كما أنها وفرت للإنسان الإحساس الفعلي بالأمن والسكينة والسلام، والفصل بين حياة وصخب الشارع في الخارج المحيط، وبين الحياة العائلية في الداخل، وتوفير الخصوصية والتمتع بفراغ المساحات، واستعملت الفنون للتهيئة لبيئة إنسانية يتفاعل فيها الإنسان حسياً ونفسياً مع محيطه. (6)

 

كما ربطت العمارة الإسلامية بين الإنسان وبين ذاكرته الرمزية؛ فمن طبيعة الإنسان أن يربط الأحداث التاريخية وذكرياته الخاصة بالرموز مثل الأبنية والأماكن والعلامات المعمارية والفنون، وهذا يمكن أن يُشاهد بوضوح في مدينة القدس؛ حيث ارتبطت المباني الإسلامية بالذكريات الدينية التي تعود إلى العهود السابقة للإسلام، وإلى الأنبياء السابقين للرسول الكريم. وما أسماء إبراهيم ويوسف وموسى التي توجد بأسماء المباني الأثرية إلا دلالة على ارتباط هذه المباني بتسميات دينية.

 

لكن برغم قرار منظمة اليونسكو بتسجيل مدينة القدس بسجلات الممتلكات الثقافية، يأتي تصريح رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس ليشكك في التزام السلطات الصهيونية بهذا القرار؛ حيث استبعد الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الاقصى، التزام الاحتلال بقرار منظمة اليونسكو المتعلق بأن المسجد الأقصى تراث إسلامي وليس يهوديا، قائلًا: "لم نعهد من سلطات الاحتلال الالتزام بأي قرارات أو اتفاقيات دولية". وأضاف عكرمة في تصريحات صحفية "أن قرار اليونسكو صفعة قوية وصريحة للاحتلال  وأن اليهود لا علاقة لهم بهذا المسجد المبارك".(7)

 

التهويد والصراع على الهوية من خلال العمارة
اتسمت سياسة العمارة الإسرائيلية بوضع مخطط للتحكم بالأرض الفلسطينية وفق منهج يفرض منطقه واقعاً لا فكاك منه، وعلى نحو يخلق لنفسه كياناً لا يمكن تجاهله.
اتسمت سياسة العمارة الإسرائيلية بوضع مخطط للتحكم بالأرض الفلسطينية وفق منهج يفرض منطقه واقعاً لا فكاك منه، وعلى نحو يخلق لنفسه كياناً لا يمكن تجاهله.


"البيوت تُقْتَلُ كما يُقتل سكانها، وتُقْتَلُ ذاكرة الأشياء!"
(محمود درويش)

تركزت محاولات السلطات الصهيونية -في الآونة الاخيرة- على تهويد هوية المكان، ليس فقط من خلال تغيير اسمه العربي، وفرض اسم عبراني عليه، لكن من خلال تشويه ملامحه المعمارية التاريخية الأصلية، وتأتي تلك المحاولات بعدما فشلت حملات التنقيب عن الحفريات اليهودية التي بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي، فكانت نتائجها مخيبة للآمال الصهيونية، فتعترف الإسرائيلية "مريام روزن إيليون" أن ما نراه من آثار معمارية ضمن الأسوار في القدس القديمة يعود إلى العهود الإسلامية، ويمثل جميع العهود التي تعاقبت على القدس بعد الإسلام، الأمر الذي أكدته نتائج الحفريات التي قامت بها العالمة البريطانية "كينيون" منذ عام 1960 في جنوب الحرم، وفي بساتين الأرمن، وقرب بوابة دمشق، وفي منطقة المرستان بحثا عن الهيكل، فأدت إلى اكتشاف آثار ثلاثة قصور ومسجد، أعلن الإسرائيليان "مازار" و"بن دوف" أنها تعود إلى عصر مروان بن عبد الملك، واستمرت قائمة خلال العهود العباسية الفاطمية ثم أصيبت بزلزال عام 1034م‚.(8)

 

ومع الفشل في إحراز أي اكتشاف يؤكد التاريخ اليهودي في القدس (وبالتالي أحقية إسرائيل بالأرض العربية الفلسطينية) بدأت السياسة الإسرائيلية تنحو نحو فرض وجودها على الأرض بمنطق العمارة ذاته الذي اكتشفت تأثيره بنفسها حين أسقطت بقيةٌ من حجارةِ قصورٍ عربيةٍ قديمة كل ادعاءاتها بوجود تاريخي لها في فلسطين؛ حيث انطلق معماريوها في خدمة هذا التوجه الاستيطاني على نحو بدت فيه العمارة الإسرائيلية وآلة العدوان العسكري الإسرائيلي وجهين لعملة واحدة. ‏

 

اتسمت سياسة العمارة الإسرائيلية بوضع مخطط للتحكم بالأرض الفلسطينية وفق منهج يفرض منطقه واقعاً لا فكاك منه، وعلى نحو يخلق لنفسه كياناً لا يمكن تجاهله، فكل ما هو موضع نزاع يصبح على الأرض بحكم هذه السياسة واقعاً على الجميع التعايش معه، رغم أنه مخالف ما أعتاد عليه السكان الأصليون، ويرفضون تدخله في حياتهم اليومية وسطوه عليها بهذا الشكل، أو الانطلاق منه نحو اتفاق -في الغالب- لن يكون عادلاً، فهو هنا يدخل في جدل دائري يسير في حلقة مفرغة.

 

وكانت المستوطنات التعبير الأمثل عن هذه السياسة، فقد كانت المستوطنات -كما يقول المعماري "إيال وايزمان" أحد مؤلفي كتاب "احتلال مدني.. سياسات العمارة الإسرائيلية"-ƒ تشتغل كمجموعة شبكية متواصلة محصنة، تهدف إلى دفع الحدود الإسرائيلية إلى الأمام، فقد كانت الحدود بين فلسطين المحتلة والكيان الصهيوني في البداية حدود مرنة، ثم تم ترسيم الحدود باعتماد أماكن وجود المستوطنات، وكانت الفكرة هي دفع هذه المستوطنات إلى أبعد ما يمكن، وهذا يعني أن المستوطنات كانت تقوم بوظيفتين في آن معاً، وظيفة مدنية وثانية عسكرية. ‏(9)

 

حيث تظهر الوظيفة العسكرية لعمارة المستوطنات بوضوح؛ من خلال دورها في تقطيع أوصال الأرض الفلسطينية على نحو تصير فيه القرى والمدن الفلسطينية في ما يشبه معازل وكانتونات يخضع محيطها للسيطرة الأمنية الصهيونية، وهذا المحيط هو غالبا ما يكون طريقا نحو مستوطنة ما، وبذلك يكون الوجود الأمني فيه مبرراً ضمن سياسة الأمر الواقع التي تحكم منطق السلطة الصهيونية، فيذكر كتاب "إيال وايزمان" وشريكه "رافي سيغال" عبر حوار أجري مع مصمم مستوطنة (معاليه أدوميم) على مشارف القدس؛ وهي واحدة من أكبر المستوطنات الإسرائيلية، منهج الاختيار المتبع لمواقع هذه المستوطنات والذي يعتمد على مرتكزين اثنين: سرعة نمو المستوطنة من جهة، وقدرتها على السيطرة على المناطق المجاورة من جهة أخرى، وكان يراد من هذه المستوطنة -كما ذكر الكتاب- السيطرة على الطريق الذي يؤدي من القدس إلى أريحا وباتجاه عمان. وهكذا يتم اختيار مواقع المستوطنات دون النظر إلى المعايير العمرانية والمعمارية المتبعة في اختيار مواقع المدن عادة. (10)

 

تهويد القدس وعبرنة اللغة
تتابعت بشكل متسارع المجهودات الإسرائيلية لتهويد هوية مدينة القدس وفرض الطابع اليهودي عليها
تتابعت بشكل متسارع المجهودات الإسرائيلية لتهويد هوية مدينة القدس وفرض الطابع اليهودي عليها

على صعيد آخر تتابعت بشكل متسارع المجهودات الإسرائيلية لتهويد هوية مدينة القدس وفرض الطابع اليهودي عليها، ففي العام الماضي كشفت منظمة "عير عميم" الحقوقية الإسرائيلية عن خطة سرية لحكومة "نتانياهو" تهدف إلى محاصرة البلدة القديمة وتحويلها إلى "مملكة توراتية" بالتعاون مع جمعيات استطيانية؛ حيث من المتوقع إنشاء تسع حدائق وطنية تاريخية تمجد التاريخ اليهودي ما يؤدي إلى تغيير حاد في طابع المدينة الحالي. (11)

 

وتنسجم هذه الخطة مع خطة أخرى كانت أقرتها الحكومة الإسرائيلية عام 2007 وتحمل رقم 11555، وترمي إلى محاصرة الحوض التاريخي للقدس القديمة، وفرض الهيمنة الإسرائيلية اليهودية عليها، وسط عمليات تغيير هوية المنطقة وإقصاء السكان الفلسطينيين منه.

 

وقد وضح المفكر اليهودي "موشيه مينوحين" في كتابه "انحطاط اليهودية في عصرنا" ذلك؛ حيث أشار فيه لضرورة تطهير ما سماه بأرض الآباء من أي هوية أخرى، وفرض الهوية العبرانية عليها؛ فبدأت التعدّيات على المسميات التاريخية للأماكن والمنشآت خدمة للمشروع الصهيوني، عبر فرض تسميات عبرانية يهودية من التوراة على أسماء المعالم والأماكن التاريخية الفلسطينية، أو عبر إقحام روايات تاريخية توارتية يتم إلصاقها بمعالم المكان. (12).

 

وكانت محاولات إسرائيل في هذا المجال مبكرة للغاية؛ ففي عام 1967 تقدم "المؤتمر الدولي لتوحيد المصطلحات الجغرافية" المنعقد في جنيف بمذكرة تضمنت محاولاتها لإحلال أسماء عبرية محل الأسماء العربية الأصلية للمواقع العربية في فلسطين، كما ركز المسئولون في وسائل الدعاية الصهيونية المقروءة والمسموعة والمرئية على استخدام الأسماء العبرية الجديدة للمواقع والأماكن في البلاد الفلسطينية؛ مثل الضفة والقطاع وخاصة في القدس، وعدم استخدام الأسماء العربية. وتم تجديد الأوامر بين حين وآخر.. ومنها مثلاً التعليمات التي أصدرها مدير عام هيئة البث "آرييه ماكل" بهذا الخصوص في سبتمبر 1990، وعلى سبيل المثال يجب أن يقال قرية "هشيلوح" وليس قرية سلوان. (13)

 

صورة القدس بين الماضي والحاضر
يحتوي كتاب
يحتوي كتاب "القدس من خلال الصور في الماضي والحاضر" على 114 صورة قديمة لمواقع مقدسية مع 114 صورة حديثة للمواقع نفسها الآن، بعد التغيرات التي طرأت عليها خلال المئة سنة الأخيرة.
 
صدر عن مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول، والذي يتبع مؤسسة التعاون الإسلامي، كتاب ضخم بعنوان: "القدس من خلال الصور في الماضي والحاضر". واحتوى المجلد على 114 صورة قديمة لمواقع مقدسية مع 114 صورة حديثة للمواقع نفسها الآن؛ بعد التغيرات التي طرأت عليها خلال المئة سنة الأخيرة، وبالتحديد بعد الاحتلال الإنجليزي عام 1917 والاحتلال الإسرائيلي عام 1967.

 

ونظراً لأننا في عصر الصورة، حيث يمكن أن تغني الصورة المعبّرة عن كتاب، ينجذب المرء إلى كل صورة قديمة بالأبيض والأسود ليقارنها مع الصورة الملونة التي لا تجمّل -دائماً- الواقع؛ بل تصدم القارئ لاكتشافه ما تغيّر في القدس خلال المئة سنة الأخيرة، وخصوصاً بعد أن ضمّت إسرائيل القدس إليها، وسعت بكل الوسائل إلى تغيير معالمها. (14) ومن بعض الأمثلة التي جاءت في الكتاب:

 

حي المغاربة وحائط البراق: يقع حي المغاربة وحائط البُراق في الجهة الغربية الجنوبية لسور المسجد الأقصى؛ حيث أنشأهُما صلاح الدين الأيوبي في عام 1197.

صورة قديمة يظهر فيها المسجد الأقصى (ترك برس)
صورة قديمة يظهر فيها المسجد الأقصى (ترك برس)

يُشكل حائط البراق الجزء الجنوبي من السور الغربي للمسجد الأقصى بطول 47 مترًا وارتفاع 17 مترًا، ويضم 25 مدماكًا من الحجارة السفلية الضخمة، ويبلغ عمق الحائط المدفون تحت سطح الأرض حوالي 10 أمتار.(15)

يُطلق اليهود على هذا الحائط اسم "حائط المبكى"، ولم يكُن الحائط مقدّسًا عند اليهود قبل حوالي 300 سنة. وتشكّلت أمام هذا الحائط حارة وحي عُرِف بحي المغاربة، الذين وفدوا مع صلاح الدين ورابطوا وسكنوا في هذا الحي.

 

تطوّر حي المغاربة بشكل ملحوظ في نهاية الفترة الأيّوبية، وتم بناء عدد من المساكن، وزاويتين، ومسجد، وأوقفت عليه أوقاف عديدة أشهرها وقف قرية عين كارم بأكملها، ثم هُدِم الحي في 7 حزيران /يونيو 1967، وهُناك مخطّطات إسرائيلية تنفذ حاليًا في الموقع.

 

مئذنة المحكمة العثمانية
تقع مئذنة باب المحكمة، أو مئذنة باب السلسلة، فوق الرواق الغربي للمسجد الأقصى المبارك بالقرب من باب السلسلة، بناها الأمير سيف الدين تنكز الناصري عام 1329م. وهي مئذنة مربعة الشكل على قاعدة مربعة، وتعلوها شرفة مسقوفة تقوم على أعمدة حجرية، ويُصعد إليها عن طريق المدرسة الأشرفية من خلال سلم حجري مكون من ثمانين درجة.
من أرشيف السلطان عبد الحميد الثاني (ترك برس)
من أرشيف السلطان عبد الحميد الثاني (ترك برس)

خضعت المئذنة للعديد من الترميمات، وخاصة في الفترة العثمانية؛ حيث تمت كسوة قبتها بالرصاص، وأطلق عليها في الفترة العثمانية اسم "مئذنة المحكمة" لكونها قريبة من المدرسة التنكزية، والتي استخدمت كمحكمة شرعية في زمن العثمانيين. وفي عام 1922 قام المجلس الإسلامي الأعلى بترميمها على إثر الزلزال الذي ضرب المدينة، ومن المعلوم أن هذه المئذنة تطل بشكل مباشر على ساحة حائط البراق، ولذلك تمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلية المسلمين اليوم من الصعود إليها.
 

عمارة المجلس الإسلامي الأعلى
استولت حكومة الاحتلال على المبنى عام 1936 وحولته إلى مقر حكومي، ثم استولت عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وصنّفته ضمن
استولت حكومة الاحتلال على المبنى عام 1936 وحولته إلى مقر حكومي، ثم استولت عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وصنّفته ضمن "أملاك الغائبين". 

على مقربة من باب الخليل، وبمحاذاة كبرى مقابر القدس وأشهرها "مقبرة مأمن الله"، تقع عمارة المجلس الإسلامي الأعلى، أو "فندق بالاس"، أو فندق المفتي. بنيت هذه العمارة الفخمة عام 1929 بمبادرة من المجلس الإسلامي الأعلى بقيادة الحاج أمين الحسيني.

الرواية الشهيرة تقول إن الحسيني أراد بناء فندق عصري بملامح معمارية إسلامية في محاولة لمنافسة المشاريع المعمارية المتصاعدة للحركة الصهيونية أيام الانتداب البريطاني، وكنوع من المنافسة لفندق "الملك داوود" الذي بني باستثمار مصري يهودي في شارع قريب منه. (16)

وقد استولت حكومة الاحتلال على المبنى عام 1936 وحولته إلى مقر حكومي، ثم استولت عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وصنّفته ضمن "أملاك الغائبين". ولفترة طويلة شغلته وزارة التشغيل والتجارة الإسرائيلية، ثم باعته سلطات الاحتلال لمجموعة فنادق "هيلتون" العالمية التي قامت بإعادة بنائه من الداخل، مبقيةً على واجهته الفاخرة كما هي. اليوم، يعتبر الفندق واسمه الحالي "فندق وولدوف استوريا" من أفخم الفنادق الإسرائيلية؛ حسب تصنيف الاحتلال.

 

دور الإمارات في تهويد القدس
بيكسلز
بيكسلز

كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن تورط دولة عربية في مشروع صهيوني، يعمل على تهويد مدينة القدس والبلدة القديمة فيها؛ عبر شراء منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم العقارية فيها، ونقل ملكيتها إلى مستوطنين صهاينة؛ بالتعاون مع شخصيات فلسطينية نافذة.

 

ونشرت الصحيفة تقريرا مفصلا حول المخطط الجديد، مدعوما بالصور والمستندات، والخرائط الجغرافية والديموغرافية، تثبت كلها التواطؤ العربي الصهيوني في تنفيذ هذا المخطط؛ حيث تقوم شركات تابعة لهذه الدولة بشراء العقارات والمنازل من الفلسطينيين، وتحويل ملكيتها إلى المستوطنين الصهاينة.

 

ورأى كاتب التقرير أن ما يحدث من شراء بيوت السكان وتهجيرهم عن القدس؛ هو نكبة شبيهة بنكبة فلسطين، مضيفا: "من المضحك المبكي أن إحدى الخطوات العربية لـ"تعزيز" صمود أهل القدس هي تسهيل ومساعدة سماسرة أو شخصيات فلسطينية ناشطة على شراء عقارات من مقدسيين، تحت عنوان أن شراءها من الذين باتوا لا يستطيعون العيش في البلدة القديمة، مثلا، سيساهم في الصمود أمام التوسع الاستيطاني، وعلى حين غرة تباع لجمعيات إسرائيلية في وقت مناسب، فيستيقظ أهل الحيّ على وجود المستوطنين بينهم؛ بدعوى أنهم صاروا ملاكا قانونيين؛ تماما كما حدث مع نحو ثلاثين شقة، في وادي حلوة في سلوان، قبل قرابة عامين، أو مثل ما يحدث في حالات بيع مباشرة، بعدما بات الأمر سهلا ولا أحد يلاحق أو يحاسب". (17)

 

وكما بيينّا في بداية التقرير فإن الشيخ كمال الخطيب، وهو نائب "شيخ الأقصى"، رائد صلاح، أكد في مقابلة تلفازية مع قناة "القدس" قبل عامين، أن أشخاصا تابعين لدولة الإمارات"خدعوا أصحاب المنازل، وأخبروهم بأن المشترين مستثمرون عرب يريدون إعمار المدينة المقدسة؛ ليكتشف المقدسيون -فيما بعد- أن المنازل بيعت لمستوطنين صهاينة، وأن الأشخاص التابعين للإمارات استُخدموا لخداع الفلسطينيين الذين يرفضون بشكل قاطع بيع منازلهم للإسرائيليين". (18)

 

ووفقا لتقديرات التحقيق، فإنه إذا استمر تسريب البيوت إلى المستوطنين، خلال الخمس سنوات القادمة، عبر البيع المباشر (بأموال إسرائيلية) أو الوسطاء (بأموال عربية)، ستتحول أجزاء كبيرة من البلدة القديمة إلى مناطق يهودية السكن، ما يعني تهويد محيط الأقصى أولا، كخطوة أمر واقع لتهويد المسجد ثانيا.

المصدر : الجزيرة