شعار قسم ميدان

من المسجد إلى الجامع.. قراءة في عبقرية المكان

MIDAN - MOSQUE


عادة ما تُمثل المعابد والأماكن المقدسة، الصياغة العمرانية والمكانية للرؤى الفلسفية الدينية التي تحكم حركة ونشاط الإنسان في الأرض، وتصوغ رؤيته للكون والإله والإنسان، في محاولة لتلبية آماله وطموحاته ووجدانه ووجدنات الجماعة البشرية ككل. ومن هنا لا يمكننا فهم طبائع العمران والبناء، بمعزلٍ عن الرؤى التي أسستها، والوظائف التي انطوت عليها، وكأن العمارة كتلٌ حجرية مصمتة لا روح فيها. وإلى هذا أشار الأستاذ فرج عبّو بقوله: (الفن ذو نزعة حدسية عميقة، ظاهرها العقل والمنطق، وباطنها الذوق والمعرفة بالجمال)1

 

وفي إطار حديثنا عن المساجد، يمكن أن تكون عبارة أوليغ غرابار التي يستشهد بها غارودي؛ حجر الزاوية لهذا الترابط الحميم بين الأديان والعمران إذ أنّ المسجد هو (نقل بصري لرؤية العقيدة الإسلامية الكونية)2

يجدر بنا معرفة أن المسجد لفظة آرامية تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، تستعمل للدلالة على كل موضع يتعبد فيه
يجدر بنا معرفة أن المسجد لفظة آرامية تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، تستعمل للدلالة على كل موضع يتعبد فيه

بيد أنّ هذا التلازم بين العمران والعقيدة يحتاج إلى إعمال الفكر، وتقليب النظر، ولا يتأتى إلا بأن (ننفذ إلى روح المكان لنستكشف عبقريته الذاتية التي تحدد شخصيته الكامنة) كما يرى جمال حمدان3 وإلى هذا يدعونا روجيه غارودي (علينا أن نتعلم استنطاق المساجد كما نتعلم تحليل القصائد)4

 

بين المسجد والجامع
لقد أصبحت الكلمتان (الجامع والمسجد) مترادفتين. وهما تؤديان في أذهان الناس اليوم نفس المعنى. مع أنّ أولاهما يقصد بها إطلاق القول على عمومه والثانية يراد بها تخصيصه. ذلك أنّ كلّ جامعٍ هو في نفس الوقت مسجد، وليس كل مسجدٍ جامعًا.5 وعليه، فليس الجامع مجرّد مكان لنمط من التعبد يميزنا عن سوانا، فربما ليس الجامع مسجدًا إلا عرضًا، فكل حضارات الشرق قد عرفت مثل هذه الأمكنة لتأمين علاقة تعبدية يومية مع الآلهة. وهنا يجدر بنا معرفة أن المسجد لفظة آرامية تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، تستعمل للدلالة على كل موضع يتعبد فيه. لذلك لا عجب أن القرآن يأخذ المسجد في سورة الكهف في معنى البنيان أو القبر الذي يبنى حول الأموات، كما يميز في سورة التوبة بين مسجد ضرار ومسجد أسس على تقوى.6 إذن المسجد ليس اختراعًا إسلاميًا،7 في حين أن الجامع هو أخطر حدث ثقافي في تاريخ العرب. وأعظم اجتراحٍ فلسفيٍ صاغه الفكر الإسلامي ليصير المقام الذي دخل العرب من بابه إلى فن الكلي.8

 

جعل أتباع النبي صلى الله عليه وسلم من مساجدهم مؤسسات عامة يزاولون داخل جدرانها شؤون حياتهم ويخططون تحت أروقتها، للنهوض بمستوى شعوبهم والحفاظ على كيانهم.

وفن الكلي، هو شرط في تأسيس الوجود الإنساني والحضاري؛ إذ ليس بمجرد الاستجابة إلى الحاجات البيلوجية، ووجود إطار جغرافي حاوٍ لجموع البشر تتأسس الجماعات، فلا بد من "حمولة معنى" تنظم بها رؤيتها إلى ذاتها والعالم، وإلى القيم الواجب تجسيدها في واقع العلاقات بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان. ويمكننا القول إن "فن الكلي" هو الرؤية التي تمنح المجتمع لُحمته، وتُخرجه من كونه مجرد تركيم بشري لا وشائج تقيم بنيانه وأواصره.9

 

إذن الجامع، هو توسيعٌ لدلالة معنى المسجد بوجهٍ من الوجوه، فلم يعد عمل المسجد مقتصرًا على استقبال المصلين أو المتنسكين لأداء الصلوات والفرائض. وعلى خلاف الأديان فإن الدين الإسلامي لا يشترط على المسلم أن يؤديّ صلاته في مكان معين. بل ترك له حرية أداء هذه الفريضة في أيّ مكان أدركه فيه وقتها؛ على أن يكون هذا المكان طاهرًا من الخبث والنجس وليس مأخوذًا من صاحبه غصبًا بغير حق شرعي.10 وبتعبير زيجرد هونكه (فالعالم كله مسجد كبير بنيَ لله).11

 

إن من يلقي نظرة على تاريخ المسلمين يلاحظ أنهم لم يتحجروا كغيرهم من أبناء الأديان الأخرى في نظرتهم القدسية إلى الأماكن الروحية التي شادوها لممارسة عبادتهم وطقوسهم الروحية. وهذا ما فهمه أتباع النبي محمد، فقد كانوا أكثر مرونة وتحررًا وواقعية، ذلك أنهم جعلوا من مساجدهم مؤسسات عامة يزاولون داخل جدرانها شؤون حياتهم ويخططون تحت أروقتها وإلى جانب سواريها تنظيم مجتمعهم للنهوض بمستوى شعوبهم والحفاظ على كيانهم.12

undefined

وهكذا يغدو المسجد في التصور الإسلامي "الجامع" – كما يقول غوستاف لوبون -: (مركز الحياة الحقيقي عند العرب، فالعرب يتخذون من المسجد محلًا للاجتماع والعبادة والتعليم والسكن عند الاقتضاء. وملاجئ للغرباء ومراجع للمرضى. لا للعبادة فقط كبِيَعِ النصارى. ومن توابع المساجد على العموم: حمامات وفنادق وأصابل ومشاف ومدارس وهكذا يتجلى اختلاط الحياة الدينية بالحياة المدينة عن المسلمين في مساجدهم)13

 

وليس أدلّ على ذلك من قول غارودي: "إن الجامع في الإسلام؛ حجارته نفسها تصليّ. نعم، هو مركز إشعاع لجميع فعاليات الأمة الإسلامية"14

 

وليس من قبيل الصدفة أنّ مَن تدبر القرآن الكريم، وجد حديثه عن العمارة في الأرض دائرًا بين عمارتين:

١- عمارة الأرض عمومًا ﴿عَمَرُوهَا﴾ (الروم: 9)، ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: 61)

٢- عمارة المساجد ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾(التوبة: 188)، ليلفت الانتباه إلى أن عمارة المساجد مقرونة بعمارة الأرض15

 

بهذا وذاك يمكن أن يتبين للمرء ما صنعه الإسلام في ساحة العمارة والفن، كما هو الحال فى ساحات الحياة كلها. العمل على إعادة البهجة التي طردتها الأديان، والتأكيد على الارتباط الصميم بالأرض؛ بالعالم الذي أريد له أن يكون إسلاميًا، حيث تتعاشق بألفة ومحبة قيم الآخرة والدنيا، وتنسجم وتتناغم كافة الثنائيات. وحيث تصير الحياة الفانية فرصة متألّقة للخلود، لا بالنفي والقهر والحزن والألم والقطيعة، ولكن بالفرح والاختيار، والاقتراب أكثر من أرضية العالم، وجعلها أعمق بهجة وأشدّ توحدًّا وائتمانًا.16

تتآلف مداخن المصانع بجانب مآذن الجوامع في سبيل صياغة الوجود الإنساني على هدىً من الرشاد والتوافق
تتآلف مداخن المصانع بجانب مآذن الجوامع في سبيل صياغة الوجود الإنساني على هدىً من الرشاد والتوافق

وهكذا تتآلف مداخن المصانع بجانب مآذن الجوامع في سبيل صياغة الوجود الإنساني على هدىً من الرشاد والتوافق.17؛ بحيث يمُدُ الإسلام؛ المؤمن الحق بالتفاعل الخلاق بين الأيديولوجيا والتكنولوجيا، ولذلك تجده في معركة تهذيب النفس كما تجده في معركة تكرير النفط. 18. في ضوء ما سبق يمكننا القول بأن الفرق الأساسي الذي يفترق به الجامع عن المسجد بكونه متضلعًا بأغراض ومهام تتجاوز الإطار التعبدي. وقد يُضاف إلى هذا الفرق، فرق مهمٌ آخر، وهو كون الجامع هو الذي تقام فيه صلاة يوم الجمعة، والعيدين.19

 

الوظائف العامة للمجامع
إنه مما لا شك فيه أن المسجد أنشئ في أول أمره ليكون معبدًا إسلاميًا، ولكن العبادة في الدين الإسلامي ليست قاصرة على ما تعنيه هذه الكلمة في الأديان الأخرى، لأن النبي لم يجعل دعوته قاصرة على المراسم الشكلية التي تحصر المفهوم الديني في النظريات الروحية وتعزل المسلم عن المشاركة الفعلية بين علاقته بربه وعلاقته بالمجتمع الإنساني. 20

 

ونتيجة لتداخل المفاهيم الروحية بالمفاهيم الإنسانية في الإسلام فإن المسجد أو الجامع هو في نفس الوقت مكان للتعبد الروحي وكذلك مركز للانطلاق الحضاري عند المسلمين، ولو دققنا النظر في الوقائع المادية على طول التاريخ الإسلامي نجد أن المسجد كان يضطلع بعدد كبير من المهام والوظائف، تتقاطع فيها معانٍ أربعة (المكان التعبدي، المؤتمر السياسي، المجمع العلمي، الساحة الاجتماعية) والتي يمكن تفصيلها في الوظائف التالية:

 

1- المسجد: مكان للعبادة: بالرغم من أن الإسلام أطلق للمسلم حريته في إقامة صلاته حيث يشاء، إلا أنّ أنه حرص على أن تكون الصلاة في أنسب الظروف التي تؤمن غايتها وتعطي ثماره، وهذا ممّا ينبغي أن توفره المساجد على أتم صورة وأكمل وجه.

 

2- المسجد: مركز للدولة: كان المسجد مؤسسة تابعة للدولة، أي أنه مركز سياسي، تعلن فيه الاختيارات التي يجتمع عليها الرأي وعلى منابرها تتلى المراسيم الملكية، ومن أعلاها تعلن القرارات الخطيرة المتعلقة بمصير المسلمين، ومن ثمة كانت للمسجد صلة قوية بأمير البلاد لا يصدر منه، ولا يقع فيه إلا ما يرى سيد البلاد أن فيه خيرا للعباد.

استُعمل المسجد في العهد النبوي والراشدي كسجن يُحبس فيه المجرمون، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من أحدث السجن في الإسلام
استُعمل المسجد في العهد النبوي والراشدي كسجن يُحبس فيه المجرمون، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من أحدث السجن في الإسلام

وإنّ ذكر اسم العاهل على منبر المسجد كل يوم جمعة والدعاء له بالتوفيق يدل وحده على هذه الصلة القوية التي تربط المسجد بالحاكم والحاكم بالمسجد، حتى إننا وجدنا بعض الحكام جعلوا من بيوتهم مساجد جامعة، كما فعل المكتفي العباسي في القرن الثالث الهجري، ومن هنا لا نستغرب حديث المؤرخين القدامى عن أن المسجد كان مجلسا، من المجالس التي يتداول فيها القضايا السياسية الكبرى التي يرى الإمام الأعلى عرضها على أنظار الجماهير للاستنارة برأيها حول الموضوع.21 وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ خطبة الجمعة كانت موحدةً، لا تتعدد، بحيث كره الفقهاء تعدد الخطب في المكان الواحد، وهذا الأمر بقي حد مطلع القرن العشرين، ففي دمشق كلها لم تكن تقام أكثر من خطبة جمعية واحدة، يحضرها الوالي أو الخليفة.

 

3- المسجد: مدرسة للتعليم: يمكننا القول بأنّ مساجد المسلمين، لم تكن لتخلو ي أيّ يومٍ من الأيام من حلقات العلماء والطلاب، جيلًا بعد جيل وعهدًا بعد عهد، فمنذ أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء "الصفّة" في المدينة المنورة، وجعلها مقرًا للدراسة والمناقشة، ما فتئت أروقة هذه المساجد تخرّج آلاف الأساتذة، وفي أيديهم مشاعل المعرفة، من الأزهر للقيروان، ومن الأموي للزيتونة. وقد نتج عن هذا الاتجاه ظاهرة لا تُعرف إلا فى إطار الثقافة الإسلامية وهي ما يسميه بيجوفيتش "المسجدْرسة"، وهو بناء فريد يجمع بين وظيفتي المسجد والمدرسة معا. هذا البناء المتميز هو تعبير عن تلك المسلَّمة الإسلامية لوحدة الدين والعلم أو الروح والمادة.22

 

4- المسجد: السجن الذي يحبس فيه المجرمون: واستعمل المسجد في العهد النبوي والراشدي كسجن يُحبس فيه المجرمون، ولمّا كان زمن سيدنا علي كرّم الله وجهه، أحدث السجن، وكان أوّل من أحدثه في الإسلام، ومن الملفت في الأمر أنّ سيدنا علي، سمّى سجنه: (نافع)، ودلالة الاسم كافيةٌ لتوضيح المعنى المراد، فالسجناء كائنات إنسانية تحتاج منّا العطف والرأفة أكثر مّما تحتاج التعنيف والغلظة.

 

5- مركز الإسلام ونادي المسلمين: وليس أدلّ على ذلك من جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – إياه مقرًا له لاستقبال وفود العرب.

6- المسجد: قصر العدل: وفي المسجد الجامع، كان الخليفة يجلس أيامًا معينة في الأسبوع للفصل بين الناس فيما يعرضونه عليه من القضايا والخصومات والمنازعات. وقد كانت تُسمى بعض المساحات في المساجد باسم القضاة الذي يجلسون للنظر في شكاوى الناس، كما هو حال الشباك الكمالي في المسجد الأموي، نسبة إلى القاضي كمال الدين الشهرزوري.

مساجد المسلمين، لم تكن لتخلو ي أيّ يومٍ من الأيام من حلقات العلماء والطلاب، جيلًا بعد جيل وعهدًا بعد عهد
مساجد المسلمين، لم تكن لتخلو ي أيّ يومٍ من الأيام من حلقات العلماء والطلاب، جيلًا بعد جيل وعهدًا بعد عهد


7- المسجد: الصيدلية والمستوصف: 
عندما بنى أحمد بن طولون جامعه في القاهرة رأى أن يحتاط لما قد يحدث فيه من طوارئ صحية حال اجتماع الناس، فأمر بأن يعمل فيه خزانة أدوية وعليها طبيب يتولى أمر المرضى.

8- المسجد: مجلس النواب: والمسجد هو بيت الأمة وكان يقوم بنفس المهمة التي يؤديها مجلس النواب في العصر الحديث. ويكفي أن يرسل الخليفة أو السلطان من ينادي في الناس "الصلاة جامعة" حتى يترك المسلمون ما بين أيديهم من أعمال، ويُهرعوا زرافات ووحدانًا مهطعين إلى المنادى للاجتماع في المسجد الجامع تلبية لدعوة الحاكم الذي دعاهم لما يعنيهم من شؤون السياسة والإدارة أو غير ذلك من القضايا العامة التي تتصل بحياة الجمهور.

 

9- المسجد: الحصون والقلاع: واستخدمت المساجد كحصون، يلجأ إليها المحاربون إليها وقت الحاجة، فكان المسلمون يشيدونها واسعة كبيرة تكتنفها الأسوار الضخمة التي لا تعمل فيها المعاول والمنجنيقات، وكذلك يجعلون فيها المزاغل (الشقوق العسكرية) لرمي العدو منها بسهامهم ونيرانهم كما أحاطوا بعضها ببعض الخنادق، كما هو الحال في جامع السلطان حسن في القاهرة الذي رُفع إلى علو شاهق فصار حصنًا يحتمي في المماليك لصد هجمات الأعداء.

 

10- المسجد: بيت مال المسلمين، ودار الضّرب (مصنع النقود): ونحن نجد في كتب التاريخ الإسلامي أكثر من إشارة إلى كان يسمى قديمًا بــ (قبة بيت المال) في المساجد، وفي هذه القبة كان الخلفاء يحفظون الثروة النقدية العامة التي كانت حصيلة الزكاة التي يدفعها المسلمون عن أموالهم وخراج أراضيهم والفَيء الذي يكسبونه في حروبهم، وكذلك كانت مكانًا تُسَكُّ فيه النقود كما أشار المقريزي إلى ذلك، ومن هنا جاءت ضرورة إغلاق المسجد بعد صلاة العشاء.

 

المسجد الجامع، وأزمة اليوم
وهكذا استمر المسجد الجامع في التطور والنمو جيلا بعد جيل ليؤدي مهامه في صناعة الحياة وتكوين الاجتماع البشري. ولكن بفقد المسلمين الزعامة الروحية، وتخبطهم في متاهات الجهل والترهل الحضاري، ضاعت جهود الخبرة المسلمة، فلم تستطع المراكمة على تجربتها التاريخيّة من جهة، وكذلك لم تقدر على استكمال التأسيس الحقيقيّ لمفهوم "الدولة الحديثة "، بحيث صارت المشكلة في أنّنا ورثنا الدولة السلطانية التي لم نستطع المراكمة عليها، وكذلك فشلنا في الانخراط في دولة الحداثة كما يرى المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز.
المسجد أنشئ في أول أمرة ليكون معبدًا إسلاميًا، ولكن العبادة في الدين الإسلامي ليست قاصرة على ما تعنيه هذه الكلمة في الأديان الأخرى
المسجد أنشئ في أول أمرة ليكون معبدًا إسلاميًا، ولكن العبادة في الدين الإسلامي ليست قاصرة على ما تعنيه هذه الكلمة في الأديان الأخرى

وآية ذلك أنّ مساجدنا فُرّغت من مضامينها؛ فإذا كانت المنابر بكت يومًا لفقدها ما كان يقال على ظهرها زمن النبي (صلى الله عليه وسلم)، فها هي اليوم تبكي ممّا يقال على ظهرها، ومن نفل القول أن أهل المساجد لا تربطهم ببعضهم بعض أية وشيجة، إلا التزاحم والتدافع عند أبوابه دخولًا وخروجًا، ولا يفوت التذكير بمعركة الأحذية على جنباته في صورة متناقضة بين تسوية الأقدام في المسجد وفوضى الأحذية خارجه، وخلوه من عاشق متأمل ومعتكف يتدثر بسكونه. ولا عجب أن يتزاحم عند أبوابه المتسولون المهرة الذين يعلنون هدم ما تبقى من كرامة الإنسان في صورة طبقية بين المعطي والمستجدي. ولا يكفي كم الهدر البيئي للطاقة من كهرباء وماء فيه. وكأنه صفة ملازمة له.23

 

لقد صارت مساجدنا اليوم هادمة، كئيبةً، بلا فاعلية، وصف فداحتها محمد إقبال ذات مرة قائلًا:

للشيخ في (الهند) أجيزت سجدةٌ

فحسِبَ الإســــــلام حرًّا سيّدا! 24

المصدر : الجزيرة