شعار قسم ميدان

رحلة البحث عن الذات.. متى نكون أحرارا حقا؟

midan - رئيسية رحلة

إنها دعوة شائعة: "عش بأصالة"، لكن ما الذي تعنيه الأصالة حقا؟ كمفهوم نفسي، فإنها تعني ببساطة اعتناق جوهر شخصيتك والتصرف وفقاً لقيمك ومعتقداتك. يتخذ العديد من محللي علم النفس الاجتماعي -بمن فيهم أنا (كاتبة المقال إليزابيث سيتو)- أيضاً منهج الشخص العادي في التعريف؛ بعبارة أخرى الأصالة هي حكم ذاتي، فنحن أنفسنا -فقط ولا أحد غيرنا- نكون على دراية عند تصرفنا بشكل أصيل أو غير ذلك.

  

إذاً، هل يحكم الناس على أنفسهم بأن يكونوا أكثر أو أقل أصالة بمرور الوقت؟ أميل إلى التفكير بأن الناس يعتقدون أنهم أصبحوا ذاتهم الحقيقية مع مرور الوقت. في نهاية المطاف يود معظمنا التفكير بأننا ننمو ونتغير بطرق إيجابية. ويمكن للخطاب المستمر الذي يحض على أن نكون ‘صادقين مع أنفسنا’ أن يوحي بوجود قوة تمنعنا من التعبير بشكل كامل عن ذاتنا الحقيقية. ربما نشهد مع تقدمنا في السن المزيد من الحرية لنكون أنفسنا، وهي حرية يتم فيها التغلب على كل ما يجبرنا على الاختباء وراء واجهة ما، مما يتيح لنا أن نصبح ذاتنا الحقيقية التي نرى أنفسنا عليها أكثر وأكثر.

   undefined

   

شرعتُ وزميلتي ربيكا شليغل في بحثنا الأخير في اختبار ما إذا كان الناس يعتقدون أن إحساسهم بالأصالة يتغير على مدار حياتهم. انطلاقاً من الغريزة بأن العثور على الذات الحقيقية والتعبير عنها هو هدف شائع، نتوقع تقدماً إيجابياً للأصالة عبر الزمن؛ فيرى الناس أنفسهم على أنهم أقرب إلى ذواتهم الحقيقية بتقدمهم في العمر.

   

كما قد تحدث تغييرات في الأصالة بأشكال مختلفة، أحدها هو تقدم خطي بسيط في الأصالة التي يرى فيها الناس أنفسهم على أنهم أصبحوا ذاتهم الحقيقية بطريقة أكثر واقعية بمرور الأيام والأسابيع والشهور والسِنون والعقود. يستند ذلك إلى نزعتنا البشرية في تعزيز الذات: لدينا رغبة قوية وطبيعية للنظر إلى أنفسنا بشكل إيجابي. وبدلاً من ذلك، من الممكن أن يلمس الأشخاص تقدماً حقيقياً ثم يمرون بمرحلة من الاستقرار، هذا الذي يشير إليه الباحثون على أنه وهم "نهاية التاريخ" حيث يعتقد الناس أنهم أصبحوا أكثر أصالة في الحاضر مقارنة بالماضي وعند نقطة معينة سوف يتغيرون بنسبة أقل في المستقبل إذ سوف يصلون إلى مرحلة ذروة الصدق مع أنفسهم أو ما يسمى بـ "ذروة الأصالة" في حياتهم.

   

في دراستنا الأولى، طُلب من المشاركين الذين تم اختيارهم من إحدى الجامعات الكبيرة أن يفكروا في ذاتهم الحقيقية من خلال ربطها بثلاثة مفاهيم ذاتية مؤقتة: الذات الماضية (التي كانوا عليها عند تخرجهم من المدرسة الثانوية)، والذات الحالية (من هم الآن)، والذات المستقبلية (من سيكونون في نهاية الفصل الدراسي). ثم تم عرض تمثيلات تصويرية على كل منهم والتي تتألف من ثمانية أزواج من مخططات فن [1] التي أظهرت كمية متزايدة من التداخل بين "الذات الحقيقية" والمفاهيم الذاتية المؤقتة. وكلما زاد التداخل بين الدائرتين، كلما تضمن كل مفهوم ذاتي مؤقت نظرة الفرد الحقيقية للذات.

    undefined

    

أظهر المشاركون أنه كلما قل تداخل الذات الحقيقية مع الذات السابقة يقل ذاك التداخل أيضاً في الذات الحالية والمستقبلية. بعبارة أخرى يعتقد الناس أنهم يصبحون أكثر أصالة مع مرور الوقت وسيواصلون القيام بذلك في المستقبل. ونرى أن هذا الأمر ملحوظ بشكل خاص نظراً لأن هذه التقييمات الذاتية أجريت على مدى فترة قصيرة من الزمن في حياة الأفراد (أي من خمسة إلى ستة أشهر).

        

في دراستنا الثانية، فحصنا ما إذا كان الأفراد يشعرون مشاعر متزايدة من الأصالة على مدى العمر كله. لقد قمنا بتوظيف المشاركين من شركة Amazon Mechanical Turk من مختلف الأعمار، وطلبنا منهم التفكير في حياتهم كما لو كانت كتاباً أو رواية وتنظيم قصة حياتهم على فترات في فصول كالرواية، واستكمال مقاييس وتقدير الذات الحقيقية والأصالة لكل فصل من قصة حياتهم. بعد هذه المهمة طلبنا من المشاركين أن يتصوروا ما ستصبح عليه قصة حياتهم مستقبلاً: أي الفصول المستقبلية في قصة حياتهم، وقد أكملوا نفس مقاييس الذات الحقيقية والأصالة -التي طبقوها سابقاً- على الفصول المستقبلية أيضاً.

  

تبيّن أن الزمن مرتبط بمفاهيم أكبر عن الأصالة، كان نمط تصورات المشاركين ذا طبيعة تكعيبية مما يعني أن تصورات الأصالة زادت بشكل حاد في الفصول القليلة السابقة للفصل الحالي واستمرت في الزيادة خلال الفصول القليلة الأولى في المستقبل. على الرغم من أن هذا الاتجاه كان غير متوقع إلى حد ما، إلا أنني شخصياً أظن أن هذا يعكس فترة من الاستكشاف الذاتي حيث "يبحث الناس عن ذاتهم" وقد ينجحون في إيجاد ذاتهم. على غرار النتائج في أول دراسة قمنا بها، يميل الناس إلى الاعتقاد أنهم يقتربون من ذواتهم الحقيقية على مدار حياتهم. وتعمل الأدلة المستقاة من كلا الدراستين شرح التعزيز الذاتي للأصالة المتصورة عبر الزمن.

     undefined

    

ونظراً لأن الأصالة هي حكم ذاتي حول مدى تشابه إجراءات الحياة اليومية مع قيم ومعتقدات الذات الحقيقية، تشير هذه الدراسات إلى أن إحساسنا بالأصالة يتغير باستمرار؛ إذ لا نفكر في أنفسنا ككائنات راكدة. وعلاوة على ذلك فإن الأفراد لديهم توقعات إيجابية بأنهم يتقدمون باستمرار نحو أن يصبحوا ذاتهم الحقيقية، ويضعون قيمة هائلة على معرفة أنفسهم (من هم حقاً) والتعبير عن ذلك لدرجة أنهم يعتقدون أن ذاتهم المستقبلية ستكون نسخة أكثر أصالة من ذاتهم الحالية، وأن ذاتهم الحالية أكثر أصالة من الذات الماضية. وأخيراً، من المهم ملاحظة أن عينة الدراسة تتكون من مشاركين من الولايات المتحدة فقط. في حين يمكن النظر إلى الأصالة كمفهوم غربي فريد، إلا أن الأبحاث السابقة أظهرت أن تجربة حالة الأصالة (وعدم الأصالة) متشابهة في كل من الثقافات الغربية والشرقية، وهذا يعني أنه من المرجح أن تكون هذه المشاعر من التقدم في الأصالة والكينونة عبر الزمن هي مشاعر عالمية.

  

ستظل الأصالة كلمة رنانة لقرون قادمة، ولن يتوقف الناس أبداً عن الترويج لأهمية كون المرء أصيلاً. الاحتمال الوحيد لحدوث ذلك ربما عندما تخبرنا مراجعتنا الذاتية لكينونتنا (أو مدى أصالة ذاتنا) أخيراً أننا أقرب ما نكون إلى نظرتنا لذاتنا أي أننا نتمتع بالأصالة.

______________________________________________

هوامش:

[1] مخطط فن: و صورة تستعمل في نظرية المجموعات، لتبيين العلاقات الرياضية أو المنطقية لمجموعة من الأشياء أو المفاهيم. يعود تسميتها للفيلسوف الإنجليزي جون فن.

  

ترجمة (آلاء أبو رميلة)

هذا التقرير مترجم عن: aeon ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان

المصدر : الجزيرة