شعار قسم ميدان

في مديح الملل.. كيف نحول أوقات الفراغ لحافز نفسي؟

midan - boring
اضغط للاستماع

أن تحاصرك وظيفة كريهة بلا فرصة للفكاك منها هي وصفة الملل الحقيقي فعلا وهذا النوع من الملل يزعجنا جميعا بشدة وتوحي موجة الاهتمام الأخيرة لوسائل الإعلام حول موضوع الملل بأنها تجربة متكررة تزعج الناس ولا تقتصر على العمل والوظائف فقط ويحمل هذا مدلولا مثيرا عن الحياة المعاصرة.

إن أحد ملامح ثقافة اليوم هي الانتشار الواسع لتكنولوجيا الهواتف المحمول والهواتف الذكية على وجه الخصوص، جرب أن تنظر حولك في الحافلة أو في غرفة انتظار في عيادة أو في طابور انتظار، أراهنك أنك ستجد أغلبية الناس منحني الرأس ينقرون على الشاشات ويمرّرون بين المنشورات، وحتى في المنازل دائما ما تكون الهواتف بالجوار.

أن تكون قادرا على الانتقال إلى أي مكان وزمان، حقيقيا كان أم افتراضيا، وأن يكون بإمكانك الوصول إلى معلومات وترفيهات غير محدودة، أو أن تخوض محادثات بلا أي التزامات، فإن ذلك شيء خارق يحمل احتمالات إيجابية كثيرة ومع ذلك فإن عددا متزايدا من الناس الآن يشعرون أن الاتصال الدائم يضرهم، وأنهم يحتاجون إلى "تطهير رقمي".

undefined

اتبع الأمواج

أصبح اللجوء إلى الهاتف لملء الوقت أو لقتله أمرا منتشرا للغاية، وعادة نمارسها دون تفكير، ورد فعل آلي للتوقف عن ممارسة نشاط ما والمفارقة أن هذه المحاولة لتفادي السأم، ربما -كما يبدو- تؤدي في الواقع إلى نوع من عدم الرضا، مثل ذلك الذي نحسه عندما نشعر بالملل وتشرح عالمة النفس ميهالي سيكزنتميهالي تفسير هذا الأمر.

ينتج الشعور بالرضا التام عن الاستغراق الكامل الذي يحدث عندما نركز بشكل كامل على نشاط ممتع ومفتوح، نسيطر عليه ولكن يفسح المجال لقدراتنا؛ مثل تسلق الصخور أو الكتابة أو حل معادلة رياضية أو صنع قطعة أثاث ولكن إذا كانت مهاراتنا أكبر من تلك المطلوبة لإنجاز النشاط -مثل استخدام الإنترنت بغير وعي- فالملل هو النتيجة بلا شك، وبالتالي يمكن أن يكون "التصفح" الرقمي شيئا سطحيا للغاية على الصعيدين النفسي والجسدي.

في حياتنا المحمومة والمتسارعة التي نتعرض فيها للمثيرات الخارجية التي تشد الانتباه، فإن الفرصة للانسحاب لفترة من الوقت هي فرصة مهمة لإعادة شحن البطاريات العقلية. إن اللحظات التي يبدو فيها أنه "ليس هناك شيء نفعله" هي الأوقات التي يمكننا فيها التحول إلى أنفسنا، لإعادة تأسيس علاقتنا مع أنفسنا وتنميتها.

undefined

يمكننا إعادة النظر في التجارب السابقة، والتمتع بها من جديد، وربما رؤيتها في ضوء مختلف واكتساب فهم جديد، أو إعادة النظر في الخطط المستقبلية. مثل هذه الأوقات تتيح لنا فرصة أن نكون حاضرين بالكامل هنا والآن. يمكننا أن ننظر حولنا ونلاحظ تفاصيل جديدة، ونطور معرفتنا مع بيئتنا وشعورنا بالانتماء إليها، وهو أمر مهم للصحة النفسية. يمكن أن تؤدي الفترة الطويلة من الفراغ إلى اكتشاف اهتمام جديد شريطة ألا تتوسط هذه الفترة أي مشتتات.

ولكن إذا اعتدنا أن نكون مشغولين باستمرار، فإن الوقت غير المشغول والذي نقضيه بمفردنا مع أفكارنا، قد يكون من الصعب تحمله، وإذا كان الأمر كذلك، قد تساعدك هذه الاقتراحات.

حاول أن تتحدى نفسك بتعلم "السكون" بوصفه شكلا من أشكال الحياة المغامرة وأن نتطلع إلى "وقت التوقف" أو "وقت الهدوء" بدلا من الخوف من الملل أو أن تتحول إلى مهرج يمارس "التعلق بالمشكلة"، أي الانخراط الشديد مع وضع إشكالي حتى يُقدِّم حلٌّ جديدٌ نفسَه لك.

إن مجرد التسكع، أو القيام بمهام بسيطة مثل الاغتسال، أو تنظيف زهور الحدائق أو الاستلقاء على العشب والنظر إلى السماء، يمكن أن يساعد العقل على الإقلاع عن الفكر الهادف (التفكير المقيد) والتجول أينما أراد، أو أن يمارس أحلام اليقظة. وبالفعل، فإن علماء الأعصاب يفهمون الآن أن لمثل هذا النشاط العقلي ذي النطاق الحر أهمية كبيرة لوظيفة الدماغ الصحية.

فائدة الملل

في حين أن الملل يدل على عدم وجود حافز، فإن الفجوات وأوقات الفراغ قد تكون ذات قيمة شخصية كبيرة. ومن يُقدّرون ذلك تماما هم الذين يقولون إنهم لا يشعرون بالملل مطلقا؛ فهم دائما قادرون على العثور على شيء يهمهم أو يفكرون فيه أو يمكنهم أن يجدوا الرضا فيه. في مجال الأعمال الوقت من ذهب، ولكن وقتك له قيمة خاصة تعود لك أنت وتحتاج إلى أن تتعلم تقدير الوقت الخام والتمتع به كمورد ثمين.

undefined

إن النظر إلى الوقت غير المخصص باعتباره شيئا إيجابيا يشجع على تطوير الموارد الداخلية، مثل الفضول والمرح والخيال والمثابرة والقوة، والتي يمكن أن تظهر من خلالها جميع أنواع الأنشطة الممتعة والمرضية.

تحدث عدد من المحترفين المبدعين عن فوائد الملل في إبداعهم، قال كاتب الروايات البريطاني نيل غيمان إن الشعور بالملل الشديد هو أفضل طريقة للخروج بأفكار جديدة، ولأن التواصل الإلكتروني المستمر يجعل هذا الأمر صعبا فقد ألزم نفسه بفترة من انقطاع الاتصال.

في حين وجد رجل الأعمال المليونير فيليكس دينيس نفسه مستلقيا على سرير في المستشفى وكان يشعر بالملل من دون هاتفه، إنه "لا يمكنك كتابة رواية أو خطة عمل على ملصقات" كما قال، فقد حاول أن يكتب قصيدة. وتبع ذلك مجلدات عديدة تحوي شعرا من كتابته!

أما المثال الألطف هو ويني ذا بو الذي فهم الحاجة إلى ذهن شاغر وقال: "ليس الشعر والدندنات أشياء تفعلها، بل إنها أشياء تحدث لك، وكل ما يمكنك فعله هو الذهاب إلى حيث يمكنها العثور عليك". لقد تعلم المزارعون منذ زمن بعيد أن الأرض التي يُسمح لها بالراحة من وقت لآخر تزداد إنتاجيتها، ويبدو أن الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على العقل البشري، وهنا يظهر دور الملل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

رابط المقال الأصلي
ترجمة الزهراء جمعة