شعار قسم ميدان

بخطوات بسيطة.. هكذا تزيد وعي طفلك بالتعامل مع الأموال

الاطفال والإدخار

حتى الخامسة من عمره لا يعرف الطفل من أين يأتي المال تحديدا، مع ذلك تشير أبحاث إلى أن العادات المتعلقة بالمال لدى البالغين تتشكّل عند سن السابعة، تقول إليزابيث كيلبي، أخصائية علم النفس الإكلينيكي عن المجتمع البريطاني -وهو الأمر الذي ينطبق على مجتمعات كثيرة أخرى-: "إننا لا نتحدث عن هذا الموضوع وكأنه أحد المحرمات، وخلافا لجوانب أخرى متعددة، ينقل الآباء عاداتهم نفسها إلى الأطفال"، فما الذي يمكنك أن تعلّمه لطفلك ليكون مستقلا من الناحية المالية؟

  

وفق دراسة أجرتها جامعة كامبريدج، تتشكّل عاداتنا الخاصة بالقرارات المالية عند سن السابعة، إذ نكون قادرين على فهم التخطيط للمستقبل وتأجيل الإنفاق حتى وقت لاحق وفهم كيف أن بعض القرارات لا رجعة فيها. ويؤكد الدكتور ديفيد وايتبريد، أحد المشاركين في هذه الدراسة، أن عادات الآباء تغلب على أطفالهم، ففي هذا السن المبكرة لا يُتاح للأطفال التحكم سوى بقليل من المال، ويكون للآباء السيطرة على قرارات الأطفال، وبهذا يكتسبون المهارات الأساسية منهم.

   

بين كل أربعة آباء هناك واحد فقط مقتنع بأهمية تعليم الطفل كيفية إدارة المال، يقول الدكتور سام واس، المحاضر في علم النفس التنموي بجامعة شرق لندن: "أفهم كيف أن الآباء لا يرون في تدريب الطفل على أمور البالغين مثل المال أمرا جذّابا"، ويضيف: "هناك جانب مرح في حقيقة أن الأطفال الصغار يعيشون سنواتهم الأولى بتلقائية دون قيود ومشكلات الكبار، لكن إذا كنت تريد أن تقدم لطفلك مهارة تفيده مدى الحياة، فكلما بدأت مبكرا في تعليمه إدارة الذات وأن يتغلب على رغباته كان ذلك أفضل له".(1)

     

ابدأ مبكرا.. علّمه الانتظار
 كتاب
 كتاب"احصل على حياة مالية" (مواقع التواصل)
   
ويقول بيت كولينر، مؤلف كتاب"احصل على حياة مالية"، إن الطفل في سن الثالثة يكون قادرا على تعلّم مفاهيم حول المال مثل الادخار والإنفاق، وهو يؤكد أن الفائدة التي تتحقق للطفل تتناسب مع البداية المبكرة التي نُدخل بها هذه المفاهيم إلى عقله الصغير.
  
بين الثالثة والخامسة لا يكون الطفل على وعي معقول بالأرقام ومعناها، لكن المفهوم الأبرز الذي يمكننا ترسيخه لديه هو أن يتعلم الانتظار، وكيف يؤجل الشراء وتحقيق الرغبات، بحيث يعتاد كلمة "ليس الآن"، ويتعلم ألا يحصل على شيء يريده كلما اصطحبه الوالدان إلى المتجر، يمكن أن نخبره ذات مرة أننا لسنا هنا لشراء شيء يخصّه وأن الهدف هذه المرة هو شراء الحليب مثلا أو شراء هدية لأحد الأصدقاء.(3) يقول جيرلين دانيال، نائب المدير التنفيذي للرابطة الوطنية لتعليم الأطفال في الولايات المتحدة: "إن القدرة على الانتظار أمر أساسي يجب غرسه عندما يبدأ الأطفال في فهم ما هو المال".

       undefined

  

يستطرد كولينر في كتابه، إن الطفل في هذه السن المبكرة يمكن أن يتعلّم الانتظار بالكثير من النقاش مع الوالدين في مناسبات مختلفة، فالوقوف في طابور المتجر فرصة لأن يفهم الطفل ضرورة الانتظار أحيانا ليصل إلى ما يريد. كما ينصح بأن نساعد الطفل في تقسيم ما يحصل عليه من مال إلى أحد ثلاثة أقسام: الادخار، والإنفاق، والتبرع، على أن يكون القسم الأكبر هو الادخار.

     

وينصح كولينر بأن نحدد معه هدفا للادخار مثل شراء لعبة ما، وأن نحسب مع الطفل قيمة ما ادخره كلما أضاف بعض المال فنخبره متى سيكون بإمكانه الحصول على اللعبة، ويؤكد على ألا يكون ثمنها مرتفعا لكي لا يستغرق الأمر شهورا ويجد الطفل صعوبة في الانتظار.(4)

     

الاختيار.. فالمال لن يكفي لكل شيء
     
بوصوله سن السادسة وحتى العاشرة من عمره يكون السن الأمثل لأن يتعلم الطفل كيف يختار أوجه الإنفاق، إنها اللحظة التي يدرك فيها الطفل أن المال لن يكفي لجلب كل ما يريد، وأن عليه الاختيار وتحديد الأهداف واتخاذ قرارات حكيمة. يقول كولينر إن تعليم الطفل هذه المهارة يكون من خلال الحديث معه حول القرارات التي نتخذها في المتجر على سبيل المثال، لماذا اخترنا هذا العرض على المناديل الورقية، ولما سنستغني اليوم عن العصير مثلا، ويمكن أن ندعه يقرر نوع الفاكهة الذي نشتريه في حدود ميزانية نحددها له، المهم أن نثير مع الطفل أسئلة من قبيل: هل حقا نحتاج إلى هذا؟ هل يمكن أن نستعيره؟ هل يمكن أن نجده بسعر أقل في مكان آخر؟ (3)

   

الرغبات والاحتياجات
 تقول إليزابيث كيلبي إن الحديث حول المال يجب أن يكون محور نقاش دوري مع الأسرة، وأن يتطرق الآباء على سبيل المثال عند اقتراب استلام الطفل لمكافأة ما إلى كيفية إنفاقها والقدر الذي سيوفره منها. في سن مبكرة يجب أن يكون الطفل قادرا على أن يفرّق بين ما يحتاج إليه فعلا وبين ما يرغب فيه، فهذا سيساعده كثيرا على تحديد أوجه الإنفاق، حينما يطلب الطفل لعبة ثمنها 300 جنيها على سبيل المثال، فعلينا أن نخبره مثلا كم ساعة سيكون علينا العمل لنتمكّن من الحصول على هذا المبلغ، إذ يبدأ الطفل بهذا في أن يتعلم أن يؤجل تحقيق رغباته ويدرك تكلفتها الحقيقية.
  

وتقول إليزابيث -في هذا الصدد- إن رفض طلبات الطفل بين الحين والحين ستعزز هذه القدرة، مع التأكيد على ضرورة ألا تصل رسالة إلى الطفل أننا لا نملك المال الكافي لشرائها حتى لا يتسلل إليه شعور بعدم الأمان المادي، وتؤكد أن علينا أن نوضح السبب الحقيقي: "لا أريد إنفاق أموالي على أمور مثل هذه".(2)

  

دعه يلعب ويجرّب ويتعلم من أخطائه
 إحدى الطرق المثالية للتعلم هي أن ندع للطفل الحرية في التصرف في بعض المبالغ الصغيرة ويتخذ بنفسه القرارات ويرتكب الأخطاء ويتعلم منها، وسيكون قادرا مع الوقت على اتخاذ قرارات مالية أكثر ذكاء. أحيانا تكون فرصة جيدة للتعلم أن ندع الطفل يشبع الرغبة التي يشعر بها في شراء بعض السلع ويستنتج بنفسه بعد ذلك أنه كان بالإمكان تأجيلها أو الاستغناء عنها في مقابل الادخار لأمر أهم.
      

undefined

     
الأمثلة العملية مفيدة جدا في هذا الصدد، وإحدى التجارب المهمة أن نصطحب الطفل إلى المتجر، ونمنحه مبلغا صغيرا ونحدد معه الأولويات للحصول عليها أولا ثم الانتقال لغيرها، ويمكن أن نحدد له مهمة أخرى مثل البحث في المتجر عن إحدى السلع في القائمة بأقل سعر.(2)
    

هناك الكثير من الألعاب التي تُركّز على التعرف على العملات وما يمكن شراؤه بها، مثل لعبة "Igloo Shopping" من "BBC" أو لعبة "Coins Top Marks". هناك تطبيقات مثل "RoosterMoney" و"GoHenry" تخصص للأطفال قسما منها لمتابعة إنفاقهم، وإن كان الأمر يعتمد على حصولهم على قدر من المال يستدعي المتابعة باستخدام تطبيقات. لذا فإن ما يلجأ إليه بعض الآباء من تعويض ساعات العمل الطويلة التي تضطرهم إلى الغياب عن أطفالهم بالاستجابة غير المحدودة لطلبات الأطفال وتعويضهم بالمزيد من السلع الاستهلاكية من شأنه أن يرسخ لدى الطفل هذا السلوك بالرغبة الدائمة في الاستهلاك.(5)

  

تشير الدراسات على سبيل المثال إلى أن ثلث الآباء يكذبون على أطفالهم عند محاصرتهم بأسئلة حول المال، وهذا يُعلّم الطفل مبكرا أن الكذب فيما يتعلق بالمال أمر مقبول، وينصح الخبراء بتجنب ذلك ومصارحة الطفل حين يسأل أسئلة غير مريحة بأنك لا تريد الحديث حول الأمر. تقول شارون ليختر في كتاب "أب غني، أب فقير": "إذا كنت تمر بحالة مالية سيئة، فمن المهم أن تشارك هذا القلق مع أطفالك"، وهي تؤكد أنها فرصة لجميع أفراد العائلة لتعلم مهارات جديدة معا. غير أن الخبراء ينصحون بشكل عام ألا نتجنب الحديث حول الأزمات المالية التي قد تمر بها الأسرة، إذ غالبا ما يكوّن الطفل اعتقادات بنفسه -قد تكون خاطئة تماما- إذا لم نتحدث معه حول الأمر.(2)

المصدر : الجزيرة