شعار قسم ميدان

لماذا نظرتنا للتوحد خاطئة؟ محاضرات تشرح لك

midan - التوحد
نظرة الناس إلى التوحد متناقضة تماما، البعض يرى المصابين بذلك الكابوس الذي يهدد مئات الآلاف من الأسر حول العالم وينغص عيشهم ويعكر صفو حياتهم على أنهم أشخاص عاديون، لكنهم مختلفون عنا قليلا، ويجب التعامل معهم على هذا النحو، لأن العالم بطبيعة الحال في حاجة إلى جميع أنواع العقول.

    

على الجانب الآخر، يفهم البعض التوحد فهما خاطئا وينظرون إلى المصابين به نظرة دونية. انطلاقا من هذه النقطة، نحاول في هذا التقرير تقويم فهمنا للتوحد من خلال مجموعة متنوعة من المحاضرات الملهمة والمميزة التي يشاركها معنا نخبة من العلماء والباحثين والمفكرين فضلا عن مجموعة من الكتّاب والمتخصصين الذين عانى بعضهم من التوحد أو عايشوا المصابين بالتوحد لفترات طويلة، يحاولون خلالها إعادة تشكيل فهمنا للتوحد وتقويمه.

         

كارينا موريللو.. لتفهم التوحد، لا تنظر بعيدا

   

"لم يستطع إيفان الحفاظ على تواصله البصري مع الغير، لقد فقد الكلمات التي كان قد حفظها، ولم يعد يستجيب عند سماع اسمه أو عندما يُطلب منه شيء كما لو أن الكلمات أصبحت ضوضاء بالنسبة له. لم أستطع معرفة ما يعانيه أو ما يشعر به إلا بالنظر في عينيه مباشرة، لكن حتى هذا فقد انقطعت السبل إليه"

     

بهذه الكلمات التي يعتريها الأسى تصف الأرجنتينية "كارينا موريللو" خلال هذه المحاضرة التي ألقتها بمؤتمر تيد في أكتوبر/تشرين الأول 2010، كيف تم تشخيص ابنها إيفان بالتوحد منذ أكثر من 14 عاما، وهو لم يصل إلى عامه الثالث بعد، وكيف شعرت هي ووالده -زوجها- بالتيه والضياع؛ وكأن الحياة صفعتهما على وجههما صفعة مدوية في عالم ذي ثقافة محدودة لم يتوافر به الإنترنت بشكله الحالي الذي يعج بكم مهول من المعلومات.

    

تناقش كارينا مفارقة عدم معرفة معظم الناس بالتوحد أو كيفية مساعدة الأشخاص المصابين به رغم ارتفاع معدل انتشاره، ثم تستعرض كيف كانت إصابة إيفان بالتوحد دافعا ملهما لإنشاء مؤسسة برينكار "Fundación Brincar" غير الربحية التي تكرس جهودها من أجل تحسين نوعية حياة الأشخاص المصابين بالتوحد وأسرهم عن طريق تقديم خدمات الدعم والتدريب للأسر والمهنيين وبرامج التوعية المجتمعية.

    

تستكمل كارينا محاضرتها موضحة كيف استطاعت الدخول إلى العالم الذي يقبع طفلها بداخله ويغلقه على نفسه بإحكام، وكيف استطاعت فهم هذا العالم الضيق من أجل مساعدة طفلها للخروج منه. تختتم كارينا هذه المحاضرة الملهمة بكلمات غاية في البساطة لكنها عظيمة الأثر إذ تقول: لست بحاجة أن تكون خبيرا أو أن تقوم بأي عمل بطولي لتدخل عالم الشخص المصاب بالتوحد، جل ما تحتاجه حقا هو أن تتواجد بجانبه.

    

ويندي تشنغ: التوحد.. ما نعرفه وما لا نعرفه بعد

  

"لماذا؟ هو سؤال يسألني إياه الآباء دائما، لماذا أصيب ابني بالتوحد؟ وكأطباء واختصاصيين في علم الوراثة وباحثين فإننا نحاول الإجابة على هذا السؤال"

   

هذا هو التساؤل الرئيس التي تحاول أخصائية علم الوراثة "ويندي تشنغ" الإجابة عليه خلال هذه المحاضرة الثرية التي شاركتها مع جمهور مؤتمر تيد في مارس/آذار 2014. تبدأ ويندي في كشف الستار عن ذلك الاضطراب الغريب الذي يصيب طفلا واحدا على الأقل من بين كل 68 طفلا في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، ويؤدي إلى تنغيص حياة الأسر وفقدان الأطفال لقدرتهم الطبيعية على العيش والتعامل مع المجتمع بما فيه، مستندة في ذلك إلى العديد من الدراسات والبحوث.

  

تركز ويندي خلال محاضرتها التي قاربت مليونين ونصف مشاهدة على مشاركة الجمهور بما تعرفه عن التوحد وما توصلت إليه هي وفريقها البحثي من معلومات حول هذه الاضطرابات، بداية من الأسباب الأساسية المسؤولة عن الإصابة بالاضطراب وكيفية تشخيصه، مرورا بالسبب الرئيسي لزيادة حالات الإصابة بالتوحد، وليس انتهاء بكيفية التعامل مع المصابين به وسبل العلاج المتاحة، فضلا عن مشاركتها للأشياء التي لا نزال نجهلها عن هذا الاضطراب.

  

ستيف سيلبرمان.. القصة المنسيّة للتوحد

   

خلال العقود القليلة الماضية، لم يكن يتردد على مسامع أحد أن هناك مرضا ما يصيب الأطفال ويسمى بمرض التوحد. بيد أنه في عام 1975، كان يصاب بهذا المرض طفل واحد فقط من بين كل 5 آلاف طفل في الولايات المتحدة الأميركية، وإذا نظرنا إلى هذه النسبة الآن سنجد أنه يصاب طفل واحد على الأقل بمرض التوحد من بين كل 68 طفلا. لكن ما سبب هذا الارتفاع الجنوني في عدد المصابين بهذا الاضطراب؟

   

يحاول ستيف سيلبرمان، الكاتب والمحرر العلمي في مجلة "وايرد" (Wired) ومؤلف كتاب "قبائل العصبية: إرث التوحد ومستقبل التنوع العصبي" (NeuroTribes: The Legacy of Autism and the Future of Neurodiversity) خلال هذه المحاضرة التي ألقاها في مؤتمر تيد في مارس/آذار 2015، الوقوف على القصة المنسية للتوحد؛ قصة هذا الاضطراب الذي ظهر إلى العيان مرة واحدة كأنه خلق من عدم، ثم استمر في إصابة الأطفال لعقود وكأنه شبح في زي متخفّ.

     

يبدأ سيلبرمان بحكاية قصته الأولى التي ترجع أحداثها إلى عام 1943، وتتمحور حول طبيب أطفال يدعى ليو كانر قام بنشر أوراق تصف حالة 11 طفلا من ذوي حالة غريبة يبدون وكأنهم يعيشون في عوالم خاصة بهم غير مبالين بمن حولهم ولا حتى بوالديهم. يناقش سيلبرمان كيف كانت العديد من نظريات كانر خاطئة، انتهت بتفسيره حالة هؤلاء الأطفال على أنها نوع من الذهان الطفولي الناجم عن نزلات البرد وقسوة الوالدين.

    

يستعرض سيلبرمان بعد ذلك قصة جوهرية منسية عن التوحد؛ قصة ذلك الطبيب النمساوي الذي يدعى هانز أسبرجر، الذي قام بنشر ورقة في غاية الأهمية عام 1944، حول حالات بعض الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلّم في المدرسة والمصحة الداخلية التي كان يديرها في فيينا منذ عام 1930. كما يستعرض كيف تم إهمال اكتشاف أسبرجر والتغاضي عنه، بل ودفنه بمرور الوقت بدلا من الاحتفاء به والتدقيق فيه والبحث عن جذوره.

   

يحاول سيلبرمان في محاضرته التي تخطت مليونا ونصف مليون مشاهدة ذكر القصة الأصيلة لذلك الاضطراب وإرجاع الحق لصاحبه، ثم التركيز على إرشاد الناس باختلاف أجناسهم وألوانهم إلى التضافر سويا والوقوف بجانب المصابين بالتوحد. يختتم سيلبرمان محاضرته قائلا: نحن بحاجة لكل الأيادي الموجودة على سطح السفينة لتصحيح مسارها. وبما أننا نبحر نحو المستقبل المجهول، فإننا في حاجة إلى كل أشكال الذكاء البشري للعمل معا بهدف التصدي للتحديات التي نواجهها كمجتمع.

   

فيث جيغدي.. ما تعلمته من إخوتي المصابين بالتوحد

   

تشارك الكاتبة "فيث جيغدى" جمهور مؤتمر تيد هذه المحاضرة المميزة التي ألقتها في مؤتمر تيد بلندن في أبريل/نيسان 2012. تبدأ فيث محاضرتها القصيرة برواية قصة أخويها المميزين اللذين يعانيان من مرض التوحد، وتناقش كيف ينظر إليهما الناس نظرة سلبية، وكيف يتجاهلونهما ويسيؤون فهمهما اعتقادا منهم بأن عقولهما ليست متماشية مع رؤية المجتمع عن العقول الطبيعية.

   

تتطرق فيث إلى الحديث عن التوحد باعتباره واحدا من أسرع الاضطرابات نموا في العالم بأسره، وتستعرض الأعراض التي تظهر على الأشخاص المصابين بالتوحد، وكيف يتم تشخيص الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، مع التركيز على التحديات التي تواجهها الأسر التي يصاب أطفالها باضطرابات التوحد، وكيف يمكنها الدخول إلى هذا العالم الغريب الذي يعيش فيه أطفالها.

   

تختتم فيث حديثها القصير خلال هذه المحاضرة التي تجاوزت مليون مشاهدة موضحة أن الأشخاص المصابين بالتوحد هم أشخاص استثنائيون، وكونهم مختلفون عنا لا يعني بأي شكل من الأشكال أنهم على خطأ لأن كل شخص منا يمتلك شيئا مميزا بداخله. تنهي فيث محاضرتها قائلة: بكل صدق، البحث عن الطبيعية في عقول الأشخاص هي عبارة عن إهدار كبير للإمكانيات، لأن الفرصة للتقدم والتغيير تموت في تلك اللحظة التي نسعى فيها لنكون نسخة ثانية من شخص ما.

   

تمبل غراندين.. العالم بحاجة إلى جميع أنواع العقول

   

ألقت "تمبل غراندين"، خبيرة السلوك الحيواني التي تم تشخيصها بالتوحد في طفولتها هذه المحاضرة في فبراير/شباط 2010. تناقش تمبل خلال محاضرتها التي تخطت حاجز 4.5 مليون مشاهدة ماهية اضطرابات التوحد وتكشف كيفية تشخيصها بهذه الاضطرابات، مع التركيز على التطرق إلى الفوارق بين كيفية عمل عقل الشخص العادي وعقل الشخص المصاب بالتوحد.

 

تشارك تمبل الجمهور قدرتها على التفكير من خلال الصور على نقيض الأشخاص العاديين، ثم تستعرض كيف ساهمت طريقة تفكيرها المميزة في مساعدتها على الابتكار وحل المشكلات التي من الممكن أن يفشل الأشخاص العاديون في حلها؛ مثل تلك التحسينات التي أدخلتها على أنظمة معالجة وذبح الحيوانات في المسالخ وأدت إلى تقليل كمية الخوف والألم التي تعاني منها الحيوانات في ساعاتها الأخيرة.

  

في نهاية حديثها الشيق، تركز تمبل على متلازمة أسبرجر وصفات الأشخاص المصابين بها وطريقة تفكيرهم، ثم تسلط الضوء على الفكرة ذاتها التي تناولتها جميع المحاضرات السابقة وهي أن العالم في حاجة إلى الناس جميعا حتى الذين يعانون من اضطرابات عقليه باختلاف عقولهم وطريقة تفكيرهم، فيحتاج التوحديين الذين يفكرون بالصور مثلما يحتاج الأشخاص العاديين الذين يفكرون بالكلمات أو اللغة.  

  

ألكس جينروس.. كيف تعلمتُ أن أصل حياتي الداخلية بمتلازمة أسبرجر

  

تسلّط "ألكس جينروس"، الباحثة في علم الأحياء والمصابة بمتلازمة أسبرجر خلال هذه المحاضرة التي ألقتها في مؤتمر تيد في يونيو/حزيران 2015، -تسلط- الضوء على اضطرابات التوحد مع التركيز على متلازمة أسبرجر التي تعاني منها. تصف ألكس كيفية عمل عقلها واعتماده في التفكير على الصور بدلا من الكلمات، وتوضح قدرة عقلها على التركيز المفرط في الأشياء التي تفضلها.

  

تناقش ألكس مدى صعوبة الحياة للأشخاص المصابين بمتلازمة أسبرجر، وتستعرض كيف كان اضطرابها سببا في عدم رغبة أحد بتوظيفها نظرا لافتقارها للمهارات الاجتماعية. تتطرق ألكس بعد ذلك إلى معاناتها من أجل التكيف الاجتماعي مع الأصدقاء والناس من حولها، وتناقش كيف استمرت في التدريب لسنوات حتى تستطيع مشاركة أفكارها مع هذا العالم لتتحول من شخصية خجولة معقدة إلى شخصية جريئة لاذعة.

  

في نهاية هذه المحاضرة التي تخطت حاجز مليون ونصف مشاهدة، تشارك ألكس قصتها ورؤيتها حول إيجاد أدوات يمكن استغلالها لمساعدة الكثيرين من أولئك التوحديين في توصيل أفكارهم العظيمة للعالم، وتختتم حديثها مشددة على أهمية بناء بيئات اجتماعية قادرة على احتواء جميع أنواع العقول باختلاف تعقيداتها وكيفية عملها، لأن العالم في أمس الحاجة لكل العقول.