شعار قسم ميدان

العجرفة ليست بهذا السوء.. قد تكون ردة فعل منطقية

midan - lady
مقدمة الترجمة

لا تحب الكذابين، أو من يحملون الأحقاد للانتقام لاحقا، وهذا أمر طبيعي إذ يمكن تبريره أخلاقيا، ولكن، ماذا عن العجرفة؟ ما الضرر الذي يقع عليك إن تعرضت لها؟ وهل من حجة أخلاقية فعلية لكراهية الأشخاص المتعجرفين؟ يتناول هذا المقال الحجج الفلسفية والأخلاقية والعاطفية -أحيانًا- التي تدفعنا لكراهية هذه الصفة.

    

نص التقرير

في إحدى اللقطات الشهيرة من المسلسل التلفزيوني سينفيلد Seinfeld. يدور حوار بين إلين وسائق تاكسي:

تقول إلين "أنا أكره العجرفة. ألا تكره العجرفة أيضًا؟"

فيجيبها سائق التاكسي "العجرفة ليست صفة حميدة".

    

في مقالة نشرت عام 2014 في صحيفة الغارديان بعنوان "متعجرف: الإهانة الأكثر سُمية على الإطلاق؟" رأى مارك هوبر أن "لا توجد الكثير من الأوصاف الأكثر إهانة من صفة العجرفة في بريطانيا الحديثة اليوم". وصرح الصحفي في شبكة كولومبيا للبث -سي بي إس – الأمريكية، ويل راهن في أعقاب فوز دونالد ترمب الانتخابي في عام 2016، أن "من أهم أعراض الفشل الأخلاقي والفكري العظيم للصحافة الحديثة هي العجرفة غير المحتملة". ولكن ما هي العجرفة؟ ومل الذي يجده الناس مُنفرًا بالضبط حيالها؟ وهل تعتبر بالفعل فشلًا أخلاقيًا رهيبًا، يستحق أن يوصف بأنه "غير محتمل"؟
     

   

ما هي العجرفة؟

أفضل طريقة للحصول على فكرة أولية حول مفهوم مثل العجرفة هو تقديم بعض الأمثلة الملموسة، وفيما يلي نستعرض معًا أربعة أمثلة:

– عندما يقول شخص ذو دخل مرتفع للغاية "أحصل على راتب مناسب بالفعل، ولكنني أحب أن أعتقد أنني عملت بجد لأنال ذلك، وأنني أستحقه بكل تأكيد. وكقاعدة عامة، أعتقد أنه من الإنصاف افتراض أن الأجور تعكس الجدارة ".
– عندما يتحدث أحد الوالدين الذين التحق أبناؤهم ببعض الجامعات المرموقة، إلى والد أحد الأبناء الآخرين الذين التحقوا بكلية أقل انتقائية، "من الجيد معرفة أن أبناءنا سوف يتعلمون على يد خبراء حقيقيين في هذا المجال، وأن زملاءهم سيكونون على نفس المستوى الفكري".
– عندما لا يستطيع المُراهن الذي فاز بمبلغ 500 دولار في أحد السباقات بعدما راهن على خيار أقل تفضيلًا أن يكف عن الابتسام المتكلف في أوجه أصدقائه الحزينة الذين خسروا بعدما راهنوا على الخيار المفضل.
– عندما يتباهى زوجان بعاداتهما الصحية والبيئية التي تتسم بالمسؤولية في تناول الطعام.

   

تختلف العجرفة عن الغرور. عادةً ما يبدي الأشخاص المغرورون الشعور بالأهمية والتفوق مع القليل من الدهاء والكياسة: فهم يتصرفون بتكبر، ويتعصبون لأفكارهم، كما أنهم يتجاهلون الآخرين. تتقاسم العجرفة مع الغرور قدرًا كبيرًا من الشعور بالرضا عن النفس، والشعور بنوع من التفوق على الآخرين، لكنها تتجلى عادةً بهدوء وبشكلٍ غير مباشر، بدون تهور. وعلى سبيل المثال، الملاكم الشهير محمد علي، الذي أطلق على نفسه اسم "الأعظم"، كان متأكدًا من تفوقه النوعي كملاكم، وعلى الرغم من أنه كان يُدعى بالكثير من الصفات مثل، متكبر، ومتبجح، ومزعج، ولكن لا أذكر أن أي شخص وصفه بأنه متعجرف. ولا حاجة للعجرفة أن تنطوي على ازدراء الآخرين. عندما عزم ويل راهن على وصف وسائل الإعلام الليبرالية بأنها "متعجرفة ولا تطاق"، فإنه لا يصف العجرفة في الواقع.

    

بل ما يصفه، وما يراه غير مرغوب فيه، ليس الشعور بالرضا عن النفس الذي يشعر به الليبراليين المقتنعين بأنهم على حق في قضايا مثل تغير المناخ، أو حقوق المثليين. بل الاحتقار والازدراء الذي يبدونه تجاه مؤيدي ترمب الذين يرفضونهم باعتبارهم عنصريين، ومتحيزين جنسيًا، وجهلة، ومتخلفين. فمن الممكن، بطبيعة الحال، أن يكون المرء متعجرفًا ومتكبرًا، أو متعجرفًا ومُحتقرًا. ولكن من قبيل الخطأ الفادح أن نفترض أن العجرفة تنطوي بالضرورة على هذه الصفات. يُمكن وصف المُراهن الفائز الموصوف أعلاه بأنه مُتعجرف، لكنه لا يحتاج إلى إظهار التكبر أو الشعور بالازدراء تجاه من هم أقل حظًا.

      

undefined

  

لماذا يعتبر الناس العجرفة صفة غير لائقة؟

لا يُمكن القول بإن الشعور بالرضا عن النفس والشعور بالتفوق على الآخرين في بعض النواحي في حد ذاتهما صفات غير لائقة. في الواقع، قد تكون هذه الصفات غالبًا لا مفر منها بالنسبة لمعظمنا. على سبيل الافتراض، كان أينشتاين راضيًا تمامًا عن نفسه، عندما علم أن عمليات الرصد التي تمت خلال الكسوف الذي حدث في عام 1919 قد برهنت نظريته النسبية العامة. عادةً ما يشعر البشر الفانون الطبيعيّون بالرضا عن النفس والتفوق على الآخرين عندما يفوزون مثًلا في لعبة الكلمات، أو عند الحصول على ترقية، أو جائزة، أو عندما تثبت صحة آرائهم في بعض الأمور التافهة المتنازع عليها. وليس من حق شخص أن يذمنا لمجرد شعورنا بهذه المشاعر.

       

ومع ذلك، من الواضح أن "العجرفة" مصطلح ازدرائي. إذًا لماذا يعتبر الناس العجرفة صفة غير لائقة؟ من الصعب بشكل مدهش إيجاد إجابة قاطعة على هذا السؤال. يُمكن للمرء أن يعتقد أن العجرفة صفةً لا تطاق خصوصًا عندما تكون غير مبررة. وقد يتبادر إلى الذهن المثال الذي يتحدث عن سليل عائلة عريقة ولد وفي فمه ملعقة من الذهب ويعتقد أنه أفضل ثلاثة أضعاف من الأشخاص العاديين. ولكن هل قلة المُبررات هي الأمر الذي دفعنا إلى مناقشة هذا الأمر؟ انظر إلى ذلك الشخص المتعجرف غريب الأطوار الذي يبتسم ساخرًا آسفًا على عدم قدرتنا على إدراك أن نهاية العالم أصبحت وشيكة. هو أيضًا، مخدوع. ولكن على الأرجح سنبادله الشفقة بدلًا من النظر إليه باستياء أخلاقي. في الواقع، إذا كنا صادقين مع أنفسنا، قد يكون من الصعب القبول بالعجرفة المبررة مقارنة بذلك النوع المستند إلى الخداع الذاتي والوهم. لأنه في الحالة الأخيرة، لدينا العزاء، أو على الأقل الأمل، بأن التاريخ أو الواقع سوف يثبت صحة آرائنا لنا في نهاية المطاف ويفجر ​​فقاعة المتعجرف.

   

قد تكون العجرفة أكثر عرضة للانتقاد عندما تكون مبررة من قِبل التصور المعرفي ولكن غير لائقة أخلاقيًا، وبتجنب استخدام اللغة والمفاهيم المعقدة، يُمكن القول بأنه عندما تنطوي العجرفة على مواقف مثل "كنت أنا على حق وكنت أنت مخطئًا والآن لقد قضي عليك!". تُبرز الأمثلة التافهة على هذه المواقف خلال التفاعلات المعتادة التي تحدث داخل كل منزل ("لقد أخبرتك بأنك كبير في السن لممارسة مثل هذا النوع من الرقص"). ولكن قد يبدو الأمر مقيتًا إذا عانى ذلك الشخص سيئ الحظ بشدة، (فعلى سبيل المثال عندما يقول شخص "لقد أقلعت عن التدخين، وهو لم يفعل ذلك، الآن، لقد أصيب بسرطان الرئة وأنا أجري نصف ماراثون."). ومع ذلك، أود أن أقول إنه في مثل هذه الحالات، ليست العجرفة التي تستحق الشجب، بل الافتقار إلى التعاطف، الذي يساعد أي شخص صحي أخلاقيًا، أن يسيطر على نزعته ليكون متعجرفًا.

    

إن العجرفة تنطوي على الرضا الذاتي إلى جانب بعض الشعور بالتفوق على الآخرين.
إن العجرفة تنطوي على الرضا الذاتي إلى جانب بعض الشعور بالتفوق على الآخرين.
   

إن العجرفة كما أشرنا تنطوي على الرضا الذاتي إلى جانب بعض الشعور بالتفوق على الآخرين. ربما يصاحب ذلك بعض المشاعر الأخرى، أو يعززها بكل تأكيد، كحب الظهور الزائد، وعدم التواضع، وانعدام الرغبة في النقد الذاتي. وهنا نقترب من الأرضية الأخلاقية المألوفة. يقول توماس الأكويني، إن الغرور هو الخطيئة الأساسية، بل هو أسوأ الخطايا، وهو أصل كل الخطايا الأخرى، وهو ما اقتفى أثره عدد كبير من علماء اللاهوت. وعلى الرغم من التناقض والبون الشاسع بين العجرفة والتواضع، إلا أنهها بدون شك بعيد كل البعد عن الغرور والفخر المفرط. (وقد نلاحظ بشكل عابر أنه من الصعب تصور شكل من أشكال العجرفة الأكثر تطرفًا من أولئك المتدينين الذين تراهم مقتنعين تمامًا أنهم من بين القلة المباركة، بينما الجميع ملعونون).

    

هناك سبب آخر يدفعنا للاعتراض على العجرفة، وهو أننا ببساطة لا نحب أن يكون هناك شخص آخر متفوق علينا، أو يشعر بأنه أعلى مكانة منا. وهو أمر منطقي. ربما يكون له أساسه التطوري. ولكن يجب أن نلاحظ أنها ليست حجة أخلاقية في مواجهة العجرفة، إنها مجرد تفصيل لحقيقة نفسية. فالحجة الأخلاقية المصاحبة للاعتراض تأخذ في الحسبان أن العجرفة غير مقبولة لأنها تورث الآخرين شعورًا بالدنو، وهذا الشعور بالدنو في حد ذاته تجربة كريهة. إنها حجة نفعية بالأساس (فالنفعية تتبنى قيمة سلبية تبنى عليها الاستياء)، ولكن قد يكون لها بعض الأهمية في هذا الصدد -على الرغم من ذلك، أظن أن معظم الناس سوف ينكرون بالفعل أن مواجهة العجرفة تثير مشاعر الدونية لديهم.

     

يمكن أن يقول أحدهم إن الشخص المتعجرف يقدم لنا ببساطة مشهدًا سيئًا، وأنا أميل إلى الاعتقاد بأن هذا هو الأقرب إلى ما يجده معظمنا غير مقبول في العجرفة. إننا ببساطة لا نحب تلك الابتسامة المتكلفة للتعبير عن الرضا الذاتي، ولا نحب ذلك التكلف في الاحتفاء بالنفس في الكلام، ولا نحب العجب بالنفس البادي في لغة الجسد. ولكن هذا أقرب إلى الاعتراض الجمالي منه إلى النقد الأخلاقي، فهو أشبه بالامتعاض من أصحاب الملابس الغريبة الفضفاضة المخصصة للصيد المصنوعة من نسيج تويد، بدلًا من النقد الاخلاقي لإطلاق النار على الطيور.

     

undefined

  

ونلاحظ من خلال ما سبق، مدى ضعف الاحتجاجات والاعتراضات على العجرفة. فحتى إن كانت العجرفة غير مبررة، فهي عادة ما تقترن ببعض الغرور المُنتقد، وتثير قليل من مشاعر العجز، متسببة في إزعاج مشاعرنا، إنه أشبه بأن تكون مجرمًا لا تمتلك سلاحًا، فلن تستطيع التسبب لأحدهم بضرر بالغ. يمكن لأي شخص أن يذهب أبعد من ذلك بالطبع. فما الذي سيقال عني إذا كنت مُستاءً، أو حتى غاضبًا، من مجرد شخص يستمتع بسلوك غير ضار نسبيًا يُسمى بالعجرفة؟ ألم أكن لأصبح إنسانًا أفضل إذا لم يزعجني ذلك، كما كان بوسعي أن أكون أكثر سعادةً وإثارةً للإعجاب إذا كنت خاليًا من الضغينة؟ بالتأكيد سيكون من الأفضل أن تكون ذلك الشخص الذي يستمد سروره من سعادة الآخرين طالما أن هذه المتعة لا تأتي على حساب الآخرين.
     

هل العجرفة مقيتة بالفعل؟

مثل هذه الأفكار تقود بطبيعة الحال إلى سؤال هام: هل العجرفة بهذا القدر من السوء لدرجة "غير محتملة" -وهي الصفة التي عادةً ما يوصف بها ممارسوها-؟ بشكل عام، وبغض النظر عن أي شيء، لا تسبب العجرفة ضررًا حقيقيًا لمن يتعرضون لها. كما أن الأشخاص المتعجرفين غير ممنوعين من تحقيق السعادة بسبب عجرفتهم. بل على العكس من ذلك، تتطلب السعادة بكل تأكيد قدر من الرضا الذاتي. أما الأشخاص من نوعية وودي آلين، الذي تجده دائم الشعور بالأسف على أنه ليس شخصًا آخر، شخص مثل ذلك، تجده دائم السخط على حياته.

   

تخيل ذلك، هناك العديد من الضيوف في حفلة عيد ميلاد ابنتك الجميلة الأول، بينهم اثنا عشر جنية طيبة، وصلن إلى الحفل يحملن الهدايا. وفجأة، تظهر الجنية الثالثة عشر، باديًا على وجهها الغضب لأنها لم تُدعَ إلى الحفل، منزلةً اللعنات على ابنتك. وتقول بصوت مرتفع "ربما ستصبح فتاةً جميلة، ولكن عندما تبلغ الخامسة عشر، سوف تؤخذ إصبعها على المغزل، وتصبح شريرة". لقد أصابك الفزع، فأن يتحول طفل أحدهم إلى شرير، هو أسوأ مصير يُمكن تصوره، بل حتى أسوأ من موته. ولكن الجنية الثانية عشر، والتي لم تكن قد قدمت هديتها بعد، تتقدم نحوك وتقول "أنا لا أستطيع إبطال مفعول اللعنة تمامًا، لكنني أستطيع تعديلها. لن تصبح ابنتك شريرة، لكنها سوف تكتسب صفة خلقية سيئةً تلازمها طوال حياتها. ويجب عليك أن تختار هذه الصفة من بين القائمة التالية: القسوة، أو الوحشية، أو الخيانة، أو النفاق، أو الجبن، أو البخل، أو اللؤم، أو التعصب، أو الجشع، أو الطمع، أو الكسل، أو الفسوق، أو النهم، أو العجرفة".

    

من الذي لن يختار العجرفة كأقل الصفات بشاعة، وأكثرها قابلية للاحتمال من بين هذه الصفات الشريرة؟

أنا لا أدافع عن العجرفة. ربما تمثل هذه الصفة نقيصة ثانوية، لكنها بدون شك صفة غير مرغوب بها. ينبغي علينا أن نفرق بين الأفعال والمشاعر. يمكننا أن نبذل الجهد حتى لا نُظهر صفة العجرفة في كلامنا وأفعالنا، ولكن من الأصعب تجنب شعور بالعجرفة في بعض المواقف، تمامًا مثل صعوبة عدم الشعور بالحسد أو الغيرة. ومع ذلك، يمكن لمشاعرنا أن تُطوع مع مرور الوقت. فأولئك الذين نجحوا في التخلص من العجرفة، عليهم أن يفخروا بأنفسهم.

———————————————————————————————-

   

مترجم عن (فلوسفي ناو)