شعار قسم ميدان

اعتقدوا أنها من الفضاء.. القصة المأساوية للفتاة التشيلية المشوهة

midan - body
مقدمة المترجم

غذّى العثور في تشيلي على جثة كائن ذي رأس طويل بشكل يشبه كائنات الفضاء في أفلام الخيال العلمي الشائعات حول أصله، مما دفع أحد المتمولين لشراء الجثة وتهريبها إلى أوروبا وإجراء التحاليل عليها. لكن الطريقة التي تم التعامل بها مع الجثة ونتائج البحث أثارت الغضب وأسئلة كبيرة عن العنصرية وأخلاقيات البحث، بغض النظر عن النتيجة النهائية.

   

نص التقرير

 قبل الاهتمام الجنوني بها من قِبَل وسائل الإعلام، وظهور الفيلم الوثائقي عن الكائنات الفضائية "مثلها"، وقبل أن يتم تفتيت عظامها لإجراء تحليل الحمض النووي عليها، كانت مجرد فتاة.

    

كانت صغيرة جدا عندما فارقت الحياة، فلم يبلغ حجمها أكثر من ست بوصات (نحو ١٥ سم). قد تكون ولدت ميتة أو قد تكون قد ماتت صغيرة جدا. بحسب ما ورد، عُثر على جثتها ملفوفة في قطعة قماش مربوطة بشريط أرجواني، وقد دفنت على ما يبدو قرب كنيسة في محلّة لا نوريا، وهي بلدة مهجورة في صحراء أتاكاما في شمال تشيلي.

    

في عام 2003، بحسب القصة المتداولة، عثر هاوٍ محلي في لا نوريا خلال تفتيشه المعتاد عن القطع التاريخية على جسدها حيث لاحظ الشكل المخروطي غير المعتاد لرأسها. على الفور، انتشرت صور الطفلة بشكل واسع، وسرعان ما أثارت انتباه هواة قصص المخلوقات الفضائية الذين دائما ما يبحثون عن أدلة عن وجودها. ثم قام رجل أعمال بشراء جسدها وأحضره إلى إسبانيا. وتظهر الفتاة التي سميت بـ "شبه-إنسان أتاكاما" بشكل بارز كمحور فيلم وثائقي يدعى سيريوس، الذي يدّعي، من بين أمور أخرى، الاتصال بين الكائنات الفضائية والحضارات القديمة. ويظهر على الشاشة معدّو الوثائقي وهم يقطّعون جمجمتها، ويزيلون جزءا من أضلاعها لإجراء تحليل الحمض النووي.

      

  

تم نشر نتائج تحليل الحمض النووي (DNA) الأسبوع الماضي في مجلة أبحاث الجينوم (Genome Research)، وهي مجلة مرموقة، وقام بكتابة البحث فريق من علماء الأحياء الموثوق بهم بقيادة غاري نولان من جامعة ستانفورد. لكن التعاون بين نولان وصانعي الفيلم الوثائقي حول المؤامرة الفضائية هو أمر غير معتاد، وإن شكّل فرصة لدراسة الطفرات الجينية النادرة التي يمكن أن تفسر شكل عظامها غير العادي، فضلا عن فرصة للحفاظ على بعض من كرامتها. أثبت تحليل الحمض النووي ما كان العلماء يقولونه منذ البداية: أي إن الفتاة بشرية! قد تكون قد ماتت منذ عقود استنادا إلى حالة الحمض النووي لديها. وفي المقابلات التي أجريت معه قال نولان للصحافيين إنه يعتقد أنه يجب إعادة جسدها إلى تشيلي.

    

على الرغم من أن هذه السردية العلمية قامت بتصحيح ما حدث، فإنها لم تسلم من الهجوم في مقالة افتتاحية ناقدة بشكل لاذع في Etilmercurio، وهو موقع تشيلي يُعنى بشؤون العلوم. فلقد أدانت كريستينا دورا ادور تحليل الحمض النووي الذي أجري على الفتاة على أنه غير أخلاقي نظرا للكيفية التي تم بها العثور على جسدها، وكتبت: "إذا كانت العينات قد تم الحصول عليها بطرق غير أخلاقية، فإن أي علم ناجم عنها ليس أخلاقيا، وعلى هذا النحو، لا ينبغي نشره". ثم أضافت: "هل سيكون المؤلفون راضين بالعمل على جثة طفل مدفون خلسة في بوسطن أو سانتا باربرا، أم أن أخلاقيات العمل على الأطفال من الدول الأقل نموا هي أقل تعقيدا؟".

   

ثم في يوم الأربعاء، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مجلس الآثار الوطني التشيلي سوف يحقق في ما إذا كان قد تم استخراج جثة الفتاة وبيعها بشكل غير قانوني.

   

في السابق، لم تكن أخلاقيات العمل مع الأجسام الموجودة في المقابر القديمة كثيرة التعقيد. فلقد نُهبت العديد من القطع الأثرية والمقابر في القرن التاسع عشر ونقلت محتوياتها إلى أوروبا حيث حللها باحثون وفقا لأفكارهم عن العِرق من تلك الفترة. وكانت الجثث التي لا تتطابق مع النظرة الأوروبية للإنسانية، مثل جماجم المومياوات المطولة في بيرو، تُشبّه بأجسام الحيوانات. لكن بعد أن أصبح علم الإنسان وعلم الآثار مبنيا على العلم السليم، بدأ العلماء يتعاملون بجدية مع الممارسات اللاإنسانية وغير الأخلاقية لأسلافهم.

     

undefined

  

مع ذلك، استمرت نظريات المؤامرة بالوجود. تستمر الجماجم الطويلة في بيرو في الظهور في أفلام وثائقية حول الكائنات الفضائية المزعومة، حتى بعدما شرح علماء الأنثروبولوجيا ممارسة ربط رؤوس الأطفال (لتغيير أشكالها) لدى البيروفيين قبل وصول كولومبوس. أما الفتاة في "لا نوريا" فهي ماتت قبل عقود فقط، ومن المرجح أن يكون مظهرها غير العادي غير مرتبط بتلك الممارسة. ولكن هناك سوابق حيث يتم اكتشاف أجسام غير مألوفة أوروبيا فيتم إعلانها على أنها كائنات فضائية، كما كتب كريستوفر هيني في هذه المجلة. يقول هيني، وهو مؤرخ يعنى بتاريخ أميركا اللاتينية الحديث في جامعة بنسلفانيا، إن بيع جسم الفتاة "هو نتيجة صناعة ما يسمى بعلم الكائنات الفضائية".

   

سمع نولان من جامعة ستانفورد لأول مرة عن الفتاة عندما أتته أنباء عن الفيلم الوثائقي سيريوس. لكن اختصاص نولان هو في علم المناعة، ولم يكن لديه خبرة معيّنة في دراسة الحمض النووي القديم، لكنه أخبر صحيفة نيويورك تايمز أنه اتصل بصانعي الأفلام "للتسلية". (رفض نولان إجراء مقابلات معنا، على الرغم من أنه أجاب بإيجاز على بعض الأسئلة عبر البريد الإلكتروني، فكتب في ذلك البريد الإلكتروني: "أنا لن أجري أي مقابلات أخرى فأنا تأخرت جدا في العلم "العادي" الذي أجريه في مختبري. سيكون لدينا بعض الأفكار، ولكننا لن نقدّمها ضمن مهلتكم في ضوء التزاماتنا الأخرى"). عرض نولان على معدّي الفيلم إجراء تحليل الحمض النووي مقابل وضع النتائج التي يتوصل إليها في فيلمهم الوثائقي.

   

في الوثائقي، يقول نولان حول النتائج الأولية له: "أستطيع أن أقول بيقين مطلق إنها ليست قردا. هي من البشر، أو شبيهة بالبشر، وعي أقرب إلى الإنسان من الشمبانزي. لكن عند تعداد الطفرات الجينية التي نلاحظها، ما نراه هو أكثر مما نتوقع أن يحدث خلال انقسام الخلايا المعتاد". ثم تعرج بقية النقاش على مواضيع فرعية وتقنية لدرجة قد تثير حيرة غير الخبراء. في الفيلم، يقول نولان أيضا إن الفتاة لديها كروموسوم Y، لكنه اعترف لي بأن هذا التصريح كان خاطئا نتيجة لقلة خبرته في هذا النوع من تحليل الحمض النووي (فيمكن أن تكون الطفرات الإضافية أيضا ناتجة عن تدهور نوعية الحمض النووي على مدى العقود). وبالنسبة للورقة البحثية التي نُشرت هذا الأسبوع، أحضر نولان خبراء في علم الوراثة وفي علم الباليوجينيات لإجراء تحليل الحمض النووي. وجدوا بعض الطفرات التي قد تفسر شكل وصلابة عظامها وخلصوا أنها، في الواقع، فتاة بشرية، من أصول محلية وأوروبية مختلطة.

       

لم يكن أي من مؤلفي الورقة من علماء الآثار أو علماء الأنثروبولوجيا، ولم يكن أي منهم من التشيليين. بحلول يوم الأربعاء، أصدرت جمعية علماء الآثار التشيليين والجمعية التشيلية للأنثروبولوجيا البيولوجية بيانات تندد بالبحث. ووقعت المنظمتان و11 باحثا تشيليا آخرين رسالة إلى المجلة التي نشرت الدراسة. وكتب الباحثون: "إن المجتمع العلمي في تشيلي مستاء للغاية من هذا الوضع"، مضيفين أن دراسات كهذه تشجع على نهب المواقع الأثرية.

  

      

"في صحراء أتاكاما، لسوء الحظ، غالبا ما يتم نهب المواقع الأثرية. كثير منها غير محاط بحماية ولا تدار بشكل صحيح"، كما كتب بيرناردو أريازا، عالم الأنثروبولوجيا التشيلي الذي يدرس المومياوات في صحراء أتاكاما، في رسالة بريد إلكتروني. "إنها مأساة أن الأم فقدت رضيعها، وربما نتيجة للإجهاض، ولكن أيضا من العار أن اللصوص حصلوا على الجثة وباعوها مقابل حفنة من دولارات".

   

بالنسبة لعلماء الآثار وعلماء الأنثروبولوجيا، فالسقوط الأخلاقي في التعامل مع جسد الفتاة بهذه الطريقة كان صارخا. تقول صابرينا أغاروال من جامعة كاليفورنيا في بيركلي: "أول رد فعل لي كأخصائية بيولوجيا أثرية هو أنني لم أكن سعيدة. لقد شعرت بقليل من الاشمئزاز". ثم تعدّد السقطات الأخلاقية: كيفية العثور على جثة الفتاة وبيعها، وغياب دور السكان المحليين، وعدم وجود بيان حول الأخلاق في الورقة المنشورة. تقول أغاروال: "هذا جزء من التاريخ المظلم لعلم البيولوجيا الأثرية والأنثروبولوجيا… لكنّ علماء البيولوجيا الأثرية والأنثروبولوجيا المعاصرين حساسون جدا في كيفية نظرهم إلى الرفات البشرية".

   

لم يواجه علماء الوراثة هذا النوع من المحاسبة في السابق، لكنه من شبه المؤكد أنه سيكون عليهم مواجهة مثل هذه القضايا، حيث إن دراسة الحمض النووي القديم أصبحت أداة أكثر شيوعا في الأنثروبولوجيا. في وقت متأخر من ليلة الأربعاء، مع تزايد الضغوط الخارجية، أرسلت جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو لنا بيانا نيابة عن نولان والمؤلف المشارك له، أتول بوت، نافية أن الباحثين كانوا قد فعلوا أي شيء غير مناسب. يشدد البيان على ضرورة احترام تقاليد الثقافات الأخرى في التحليلات الجينومية ويقول: "لقد ذكرنا سابقا أننا نعتقد أن بقايا الهيكل العظمي يجب أن تُعاد إلى بلد المنشأ، ومن خلال خلاصة البحث التي وجدت أن الرفات هي رفات بشرية، يدعم هذا البحث الحجة القائلة بوجوب إعادتها إلى وطنها. يضع هذا البحث النقاط على الحروف في ما كان قصة مشهورة ومثيرة لفترة طويلة، وقد تم بسبب الرغبة في جلب بعض الإنسانية إلى هذه المناقشة والكرامة للهيكل العظمي".

   

ويضيف البيان: "لم يكن الهيكل العظمي في حوزة ستانفورد أو جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو أصلا، ولم يكن لدينا أي علاقة بإزالة الهيكل العظمي من مكانه الأصلي. الحمض النووي والصور أتت من بقايا لم تكن معروفة بأنها بشرية عندما بدأ البحث، وهي لا توفر معلومات محددة عن فرد حي، كما هو معرّف في اللوائح الفيدرالية، ولا تتأهل بأبحاث تتعلق بالمواد البشرية، بتعريف المكتب الاتحادي لحماية الأبحاث البشرية. من المعروف منذ فترة طويلة أن هذا الهيكل العظمي كان مملوكا بشكل خاص في إسبانيا، ولم تكن هناك أي مزاعم حول سلوك إجرامي يتعلق بكيفية الحصول عليه".

     

كما يعكف المؤلفون أيضا على صياغة رد سينشر في مجلة أبحاث الجينوم (Genome Research).

              

undefined

    

قد توفر الدعاية الناجمة عن خلاصة تحليل الحمض النووي الزخم لإعادة رفات الفتاة إلى وطنها. لكن علماء البيولوجيا الأثرية وعلماء الأنثروبولوجيا يقولون إنهم كانوا سيجرون هذه الدراسة بشكل مختلف منذ البداية، فهم كانوا سيبدؤون الدراسة من خلال إشراك الباحثين المحليين لفهم السياق الذي ماتت فيه الفتاة. ربما كانوا سيحاولون تحديد مكان العائلة. وقد يخبرون بعض القصص عن لا نوريا وسكانها. ويقول آلان جودمان، عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية بكلية هامبشاير، بأن ما حدث كان "فرصة ضائعة".

  

فمن خلال إهمال إشراك علماء الأنثروبولوجيا والتركيز فقط على المظهر الغريب للفتاة، يقول هيني إن علماء الوراثة قد يكونون قد شجعوا أيضا لعبة هاوي الكائنات الفضائية: "لقد كان جزء من اللعبة هو الوصول إلى منصة أكبر وأكبر". فحتى دحض المزاعم حول الأصل الفضائي للفتاة يتطلب تكرارها ونشر الصور الغريبة لجسدها. حتى إنه بعد التغطية الإعلامية العالمية الواسعة للدراسة، ادعى ستيفن جرير، هاوي الكائنات الفضائية الذي يشارك في الفيلم الوثائقي سيريوس، أن أبحاث ستانفورد خاطئة! وأرسل متحدث باسمه إلى صحيفة "ذي أتلانتك" تقريرا يشكك بنتائج الدراسة، زاعما أن التقرير كتبه باحث في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا لكن دون ذكر اسمه.

   

لو كان علماء الأنثروبولوجيا ليحكوا قصة الفتاة، وما حدث لوالديها، لربما لم تكن السردية النهائية قد ركزت كثيرا على ما إذا كانت كائنا فضائيا أم لا، بل كان من شأنها أن تجعل إنسانيتها أكثر وضوحا.

  

هذا هو تماما ما قامت به دورا دور في مقالتها في Etilmercurio حيث تستحضر الحياة في شوارع لا نوريا، وهي بلدة نشأت خلال ذروة أعمال التعدين بالنترات في صحراء أتاكاما. وهي تكتب عن الحر هناك ونقص المياه ووباء السل. وتصف المقابر التي لا تزال العائلات تزورها.

  

لا يوجد الكثير من المعلومات عن الفتاة، لذلك ربما كان من المفيد تكرار بعض الأشياء التي نعرفها عنها: عندما ماتت، كانت ملفوفة بقطعة قماش عليها شريط بنفسجي ودفنت بالقرب من كنيسة -عمدا-.

————

مترجم عن (ذا أتلانتك)