شعار قسم ميدان

لحن الثورة.. أغاني الألتراس كحرب للذاكرة ضد النسيان

midan - انفوجراف
اضغط للاستماع
    

"منذ بداية تأسيسنا، كانت لدينا أفكار واضحة حول وجود السياسة داخل الملعب، وهو ما لا يمكن تجنبه، لأن كل رجل وعضو في الألتراس لديه مُثُله وقناعاته التي يؤمن بها، والتي يستطيع التعبير عنها بحرية في هذه التجمعات"1

 (أحد مشجعي الألتراس الإيطاليين)

    

في المسلسل التسعيني ذائع الصيت "أرابيسك" يسأل حسن أرابيسك الأستاذ وفائي (رمز الوعي والثقافة في المسلسل):

*أنا فاكر من زمان كنت إنت قضيت مدة طويلة في بعثة، ولما كنت بسأل أبويا كان يقولّي ربنا يرد غيبته.

– الله يرحمك يا حاج فتح الله يا نعماني، مرضيش يقولك ربنا يفك سجنه.

* إيه، يفك سجنه! هو انت يا أستاذ كنت في السجن؟

– في المعتقل، والناس الطيبين اللي زي والدك وأهل الشارع مكانوش بيقدروا يفرّقوا بين السجن والمعتقل، وعشان كانوا بيحبوني أوي؛ أشاعوا في الحتة إن أنا طلعت بعثة تبع الحكومة ومخدوش بالهم إن مفيش بعثة بتقعد سبع سنين.

* سبع سنين في المعتقل ليه، كانت جريمتك إيه بالظبط؟

– نقدر نبسّطها ونقول خلاف في وجهات النظر حول حب الوطن، كنت بحب مصر بطريقة غير اللي هما كانوا بيحبوها بيها، ولأنهم هما اللي كانوا بيحكموا؛ شافوا إن طريقتهم بس هي المعتمدة، وأي طريقة غيرها تعتبر جريمة ولازم أصحابها يُعزَلوا علشان ما يعدوش غيرهم، منطق برضو!"

   

يعكس وصف الأستاذ وفائي في الحوار السابق منطق تعامل الدولة المصرية مع أي محاولة للتعبير عن الاختلاف معها، حيث احتكرت السلطة الأدوات التي يمكن من خلالها فرض المعاني في المجتمع، باعتباره السردية الكبرى التي يجب أن يعتنقها المجتمع ويصدّقها، فالسلطة تمتلك الأبنية والمؤسسات -القمعية وغير القمعية- التي تُمكّنها من القيام بهذه العملية2. لذلك سعت الدولة دائما لخنق أي محاولة تسعى للتجمع والانتماء والتعبير خارج نطاقات سيطرتها.
 
وفقا لما سبق، يمكن اعتبار مجموعات الألتراس نموذجا واضحا على الانتماء الذي يخرج عن سيطرة الدولة، بالتالي فإنه يستدعي عداءها، ولم تكن أزمة جماهير الأهلي الأخيرة -التي وقعت في بداية مارس/آذار 2018- مع الشرطة حين هتفت الجماهير للحرية في ملعب مبارة الأهلي وفريق مونانا الغابوني، والاعتقالات الواسعة التي طالت شباب الألتراس بعدها إلا تأكيدا على حالة الخوف والعداء تجاه الألتراس، كما تعكس أغنيات الألتراس هذه العلاقة مع الدولة، والتي تؤرّخ لسنوات عاشتها هذه المجموعات كجزء من الحالة السياسية والاجتماعية في مصر، فمن هم الألتراس؟ وماذا تخبرنا أغنياتهم وأهازيجهم؟

  

undefined    

من هم الأتراس؟

"عضو الألتراس ليس له اسم، يعرفه فقط الأصدقاء الحميمون. لا يظهر وجهه، فهو في معظم الأحيان مغطى الرأس، وهناك وشاح يغطي فمه. الألتراس لا يرتدي ملابس تشبه الآخرين ولا يجاري الموضة. عندما يمشي في الشوارع وعلى الرغم من عدم وجود أي شعار أو علامة تبرزه فإنه يمكن التعرف عليه. يهاجم فقط إذا هوجم، ويساعد عند الحاجة، إنه لا يتوقف أبدا عن أن يكون فرد ألتراس حتى وإن نزع وشاحه وعاد إلى منزله، إنه يخوض معركته كل يوم"3.

 

الألتراس كلمة لاتينية الأصل وتعني "الشيء الفائق أو الزائد عن الحد"، وتُطلق هذه الكلمة على مجموعات من مشجعي الأندية الرياضية التي تُعرف بولائها وحبها الشديد الذي يصل إلى حدِّ التطرف في تشجيع فرقها، كما أنها تتميز بالتنظيم الشديد4.

 

صفوف متراصة لا تُميّز فيها الوجوه، تتفاعل بشكل جماعي مع كل ما يحدث في الملعب، تغني أهازيج معدة سلفا، تارة ترفع لافتات تشجيع، وتارات أخرى تعبر عما تؤمن به، تهيّج حماس الجماهير واللاعبين، ولكنها تُسبّب الغضب أحيانا بسبب الممارسات التي يرى البعض أنها عنيفة أو غير لائقة.

 

ورغم ما يبدو للآخرين بتصور الألتراس كشباب تائهين، يقضون أوقات فراغهم في الالتفاف حول لعبة، فإن شباب الألتراس يرون أنهم يؤمنون بفكرة تُضفي على حياتهم معنى، وتستحق البذل من أجلها. نجد هذا في أغنية "اخوات في الدم ليوم الدين"، والتي تعكس رؤية الألتراس لانتمائهم وإصرارهم عليه:

  

   

وفي أغنية "جرب تدخل الاستاد" الخاصة بمجموعة ألتراس الأهلي، نراهم يتغنون بقدراتهم التشجيعية الحماسية، ولكنهم يتغنون أيضا بكلمات مثل: "عقلية.. نضال.. حماس.. كلمات أغلى من الماس.. تعرف بيها الأهلاوي وسط الناس"، حديثهم الدائم حول الفكرة، والمعنى، والنضال، والحرية يثير التساؤل عما يحمله نشوء هذه المجموعات في مصر وفي ذلك الوقت تحديدا من أسباب ومعانٍ، وعما عبّرت عنه أغانيهم فيما بعد من أحداث.

 

   

بداية الحكاية..

"إن عينيك لا تستطيع أن تُخطئ عضو الألتراس سواء داخل أو خارج الملعب. إنه فخور بطبيعته، مدرك لأهميته بين بقية أقرانه الذين يحترمونه لقدراته وإمكانياته، يمشي مرفوع الرأس، لا يتكلم كثيرا، ولا يكون له أصدقاء حميمون من مشجعي الفرق المنافسة"5

(محمد جمال بشير، أحد قادة مجموعات الألتراس) 

  

بالرغم من أن الألتراس فكرة عالمية اُختلف في مكان نشأتها فإنه من الراجح أن بداياتها كانت في أميركا الجنوبية، ومن ثم انتقلت إلى جنوب أوروبا ومنه إلى باقي أنحاء العالم ومن ضمنها شمال أفريقيا،6 فرغم كونها فكرة عالمية فإن نشأتها وبروزها في مصر لا يمكن فصله عن السياق الاجتماعي والسياسي التي نشأت فيه هذه المجموعات. فقد نشأت في عشر السنوات الأخيرة من حكم مبارك والتي شهدت تحولات عدّة في علاقة السلطة بالشارع، وشهدت ميلاد حركات جديدة على الحياة في مصر، مثل حركة كفاية وحركة 6 إبريل والحركات العمالية المستقلة7.

 

وقد نشأت كذلك في فترة ترسخ فيها الإحساس بالاغتراب وفقدان الأمل، وذلك نتيجة لسوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية وانسداد أفق الحركة والتغيير، وتضييق المجال العام بهدف منع أي تحرك غير مواتٍ لهوى السلطة، الأمر الذي أفقد الكثير من الشباب أي إحساس بالانتماء إلى الدولة أو حتى المجتمع، وكان لا بد لهؤلاء من إيجاد متنفس وكيان يمكن أن يُشبع حالة الانتماء لديهم8.

 

يظهر هذا في كلمات أغانيهم مثل أغنية "أسلوب حياة" والتي تقول:

"كانت بالنسبالي الدنيا.. متكونة من سلطة ومال

يا ادهس خلق الله برجلي.. يا اسرق وابقا رجل أعمال

…………

بعد العتمة وبعد الشدة.. كان لا بد من طريق

ياخد بإيدي وبإرادتي وأعرف فيه معنى الصديق

………..

2007 كانت بدايتنا.. وحياتنا بقى ليها معنى

في كل مكان بنروح وراه.. وماحدش يقدر يمنعنا

بين تضحية وانتماء.. شيلنا الزمالك في عينينا"

   

   

ورغم تعمد السلطة في السنوات السابقة للثورة استخدام كرة القدم كأداة إلهاء عن الفساد المستشري في الدولة المصرية، فإن الألتراس أكّدوا باستمرار أن مجموعاتهم ليست مُشَاركة في هذا الإلهاء، إنما هي جزء من الحرب على الفساد ومقاومته9، متمثلا في الكرة الحديثة التي تحولت إلى وسيلة مراكمة للربح بدلا من المتعة، وفساد الإعلام الذي يغير الحقائق ويضلل الجماهير، توثق هذه المعاني أغنية "الكورة للجماهير" من إنتاج ألتراس الزمالك:

   

  

هذه المشاعر التي مثّلتها مجموعات الألتراس لأفرادها، والتي انعكست في التزامهم التام بها، والقدرة العالية على التنظيم والحركة الجماعية، جعلت السلطات تنظر إليهم بعين الريبة وتحاول التضييق عليهم داخل الملعب وخارجه10، فبدأت العداوة الكبيرة بينهم وبين الشرطة المصرية عصا الدولة القمعية، التي سُلّطت عليهم وقتها كما كانت تُسَلّط على أي محاولة للخروج عن طاعة الدولة.

 

"كل رجال الشرطة أوغاد" .. (All Cops Are Bastards" (A.C.A.B"
 

"الأمر والطاعة؛ هنا يكمن الشرط الأساسي لوجود السلطة، الشرط الكافي الذي من دونه لا تقوم للسلطة قائمة. هذا الجوهر هو الأمر (Command)"

(برتراند دي جوفينيل)

  

بالإضافة إلى عداء مجموعات الألتراس في العالم كله لمنظومة الكرة الحديثة ووسائل الإعلام باعتبارهم أدوات تضليل، فإن هناك عداء معلنا بينهم وبين رجال الشرطة11 الذين يمثلون العائق الرئيس من إطلاق العنان لتشجيعهم. غير أن العداء في مصر لم يكن فقط لهذه الأسباب، لكنه كان امتدادا للوضع السياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى المساحات التي امتدت لتتفاعل مع القضايا العامة، وقد تجسّد ذلك في المداخلات التشجيعية لكل من ألتراس الزمالك والأهلي المعادية للكيان الصهيوني، والتي أعدّوا لها في ذكرى الانتفاضة الفلسطينية عام 2009 قبل أن تُلقي الشرطة القبض على قادة المجموعات لمنعهم من أدائها يوم المباراة، لتُمثّل هذه الحادثة ذروة خوف الدولة وهاجسها الأمني من الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الروابط خارج ملاعب الكرة12. ووثّق هذا العداء بين الشرطة والألتراس أغانٍ مشهورة لهم مثل: "كان دايما فاشل"، وهو هتاف مشهور منذ سنوات ما قبل الثورة، وقد رُدّد كثيرا أيضا خلال أحداث الثورة المصرية.

   

   

كذلك الحال مع أغنية "غراب 2" من إنتاج ألتراس النادي الأهلي والتي مَثّلت تأكيدا على هذا العداء المستمر بين الشرطة المصرية والألتراس وكل معارض أو مخالف لنهج السلطة، كما انتهجت وأكّدت على مبدأ السخرية والاستهزاء من رجال الشرطة وضحالة تعليمهم ومستواهم الثقافي، والذي كان دائما مثارا لحفيظة أفراد الأمن في التعامل مع الألتراس.

   

   

امتزج هذا التناقض في منظومة صراع، بين أجهزة تسعى لفرض هيبة الدولة عبر القبضة الأمنية، وجماعات شبابية ترى في فوضويتها مصدر قوتها وإلهامها. لذلك، كان لا بد أن يقع الصدام بين الطرفين.
 
لم يغب الإعلام الرياضي عن المشهد، حيث لعب دورا سلبيا ساهم في تأجيج حالة التوتر والاحتقان المتبادل بين الشباب والسُّلطة؛ إذ اتخذت وسائل الإعلام الرياضية منذ البدء موقفا معاديا للألتراس، وتعاملت معهم باعتبارهم مجموعة من الفوضويين ومثيري الشغب13. هذا العداء الذي كان في انتظار سبب للانفجار، وفرصة لانتقام أعضاء الألتراس لأنفسهم كما كان باقي الشعب في انتظار الفرصة للانتقام والخلاص من كمّ التسلط والظلم الذي كان واقعا عليهم من السلطة عموما ومن الشرطة خصوصا.

 

"حرب بين الخير والشر.. وخلاص مافيش سكوت"

"نداء إلى جميع أنصار الضعفاء والمقهورين دون حقوق في هذا العالم. أنا أسعى فقط للعدالة"14

(جرافيتي مكتوب كتحدٍّ للسلطة)

   

كانت الثورة في تونس هي شرارة الإلهام والأمل التي انتقلت منها تجاه الشرق، حيث مصر، ثم إلى باقي البلدان العربية، وقد التقط ألتراس نادي الاتحاد هذه الشرارة في مباراة لكرة السلة قبل أيام قليلة من اندلاع الثورة حيث ارتفع صوت الجماهير بالهتاف "تونس.. تونس.. تونس" في إشارة إلى الثورة التونسية التي سبقت المصرية، وكوسيلة لتحذير الداخلية من أن مصيرها سيكون كذلك في ظل العنف الذي تنتهجه ضد الجماعات والتنظيمات المختلفة، فقد اشتبكت معهم الشرطة في وقتها15. وعلى الرغم من أن مجموعات الألتراس أكّدت أنها لن تشارك بشكل جماعي في مظاهرات الخامس والعشرين من يناير وستترك الحرية لأعضائها في المشاركة، فإن نجاح التظاهرات ونموها دفع جماهير الشعب المصري بأفراده وجماعاته إلى المشاركة الفاعلة في أحداثها التالية.

  

في ظل هذا التصعيد الشعبي، لعب الألتراس دورا مهما جدا في المظاهرات منذ جمعة الغضب وما بعدها من الوقائع المهمة التي كان فيها اشتباكات مع الداخلية المصرية، وذلك بسبب خبرة مجموعات الألتراس السابقة في الاشتباك مع الشرطة، وقدرتها التنظيمية العالية خلال هذه الاشتباكات16، حتى إن الفضل في منع اختراق الشرطة والبلطجية لميدان التحرير في موقعة الجمل يعود إلى مجموعات الألتراس ثم إلى أفراد جماعة الإخوان المسلمين، لأنهما الجماعتان الوحيدتان المتمتعان بالقدرات التنظيمية، مع امتلاك الألتراس مزية الخبرة السابقة في الاشتباك العنيف مع قوات الأمن المصرية. وتوثق بعض أغنيات الألتراس هذه المشاركة في أيام الثورة، وتؤكد على مطلبها الأهم ألا وهو الحرية، مثل أغنية "قولناها زمان للمستبد":

   

   

وتحكي أغنية "حكاية ثورة" حكاية الثورة المصرية برواية ألتراس نادي الزمالك ومشاركتهم فيها، بداية مما قبل الثورة، ثم أيامها الأولى وأحداثها المتتالية، كالتنحي وتولي المجلس العسكري الحكم، ثم أحداث محمد محمود وغيرها، ملخصة بذلك فترة مهمة من تاريخ مصر.

   

   

أحداث الثورة أخرجت المواطن المصري من مساحة الخضوع للاستبداد نحو مساحة المشاركة والفاعلية، وكما امتدت التحولات الثورية وسرت في أوساط عامة الشعب، فقد تحولت بدورها مجموعات الألتراس من الفاعلية الرياضية تجاه الفاعلية السياسية، حيث أتاحت الثورة فرصة كبرى لبروزهم كقوة شبابية واحتجاجية مؤثِّرة في الشارع، وتزايَدَ دور هذه الروابط بحيث صار حاضرا في الإشكالات الاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد، إذ لم يعد اهتمامها أو نشاطها مقتصرا على تشجيع الفرق الرياضية فحسب17. ولعل هذا التحول قد راكم العداء مع مكونات السلطة في مصر ليقود العلاقة بين الألتراس وأرباب السلطة نحو مساحة دفع الأثمان.

   

القتل.. انتقام السلطة من الشباب

"لما قال يسقط فسادكو.. واجهتوا صوته بالسلاح

لما قال عاش الزمالك.. رد عليه رصاص السفاح"

(من أغنية لألتراس الزمالك في رثاء أحد أفرادها الذي قتلته الشرطة المصرية)

   

في السادس عشر من شهر مايو/أيار 2015 أصدرت محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة حكما بحظر أنشطة روابط الألتراس على مستوى الجمهورية واعتبارها جماعات إرهابية18، لتلحق الروابط بمن سبقها من الجماعات والحركات المصرية الأخرى التي صنفتها الدولة بكونها إرهابية، عقب الانقلاب على كل مكتسبات ثورة يناير. رُفعت الدعوى هذه المرة ضد الألتراس، عبر مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، ليكون هذا تمثّلا شديد الوضوح على عداء الدولة بكل مكوناتها للألتراس ولغيرهم من الخارجين عن عباءة السلطة.

  

اشتعل العداء بين ألتراس الزمالك ورئيس النادي19 والشرطة المصرية ووصل مداه باتهامها إياهم بتدبير واقعة ملعب الدفاع الجوي، والذي راح ضحيتها 20 من مشجعي الزمالك في فبراير/شباط من عام 2015، والذين قتلوا اختناقا في ممر حديدي وضعته الشرطة بزعم تنظيم الدخول للملعب، لتغلقه عليهم لاحقا مع وابل من الخراطيش والقنابل المسيلة للدموع. وخلّد الألتراس القصة والاتهامات في أغنية "افتح بنموت":

   

  

لم يتوقف العداء بين مرتضى والشرطة من جهة والألتراس من الجهة الأخرى، فقد طالت يد الشرطة أفراد الألتراس بالاعتقالات والمحاكمات الملفقة واتهمتهم فيها بقتل زملائهم، وفي معرض ضرب الأمثلة، فإن سيد مشاغب أحد قادة مجموعة ألتراس الزمالك نموذج واضح على هذا الظلم20، حيث اعتُقل أكثر من مرة بتحريض من مرتضى، وبرّأته المحكمة في المرة الأولى ثم حكمت عليه في الثانية بالسجن لسبع سنوات.

 
لم تكن هذه الحوادث شاذة في الحالة المصرية، بل سبقها قتل جماهير الزمالك في مذبحة بورسعيد الشهيرة والتي راح ضحيتها 74 من مشجعي الأهلي في فبراير/شباط أيضا ولكن من عام 2012، وقد طالت الاتهامات وقتها كل الأجهزة الأمنية من الشرطة وجيشها من البلطجية والمخابرات، والمجلس العسكري الذي كان يحكم مصر في تلك الفترة، وخُلّدت هذه الحادثة الأليمة في أغنية "حكايتنا" لألتراس الأهلي:

  

   

منهج القتل الذي استمرت السلطة المصرية في اتباعه منذ أحداث الثورة، مرورا بأحداث محمد محمود، وما تلاها من قمع وقتل للألتراس، ثم الانقلاب على مكتسبات الثورة، وقتل الناس المتكرر في أحداث متعددة انتهاء بالقتل الجماعي في رابعة والنهضة، ثم أحداث ملعب الدفاع الجوي بحق الألتراس أيضا، كل ذلك لم يكن إلا استمرارا لنهج العنف الذي اختارته الدولة لسحق أي محاولة للتغيير. ووسط كل هذه الجلبة من التشجيع للكرة والاشتباك مع السلطة والقتل والقمع، كان الألتراس يفاجئ الجميع دوما برؤيته الأوسع لقضايا الأمة، ليؤكد على أن الثورة المصرية جزء من كل، جزء من حراك عربي كبير يسعى للتغيير والتحرر من براثن القمع.

   

من ملاعب الكرة.. عين لا تغيب عن قضايا الأمة

علم فلسطين الذي لا يغادر المدرجات حين تملؤها مجموعة ألتراس الزمالك دعما لقضية فلسطين، في إشارة إلى عدم نسيان حق الأشقاء الفلسطينيين في أرضهم21، هو ترسيخ لحالة من الانتماء الحي في نفوس هؤلاء الشباب يجسده ترنمهم بكلمات مثل: "الانتفاضة للتالتة يمين قضية" في أغنية "حرب نهاية الزمان" والتي تتحدث عن القضية الفلسطينية وإيمان الألتراس بالمقاومة لاسترداد الحق:

  

  

بالإضافة إلى الكثير من المواقف التي تُرسّخ فكرة إيمان الألتراس ووعيهم بقضية فلسطين مثل مشاركتهم في محاصرة السفارة الإسرائيلية بالقاهرة للمطالبة بإغلاقها وطرد السفير، ذلك الحصار الجماهيري عقب الثورة الذي واجهته الشرطة بالاعتداء، لتصيب وتعتقل عددا من أفراد الألتراس22، وكذلك مشاركتهم في فعاليات مسيرة العودة الكبرى في 2011، ومواقفهم وهتافاتهم المتكررة من أجل فلسطين. ليست فلسطين الحاضر الوحيد من قضايا الأمة، فالثورات العربية وأمل النهوض بالعالم العربي والإسلامي، ورغبة استعادة القوة والسبق الحضاري كانت كلها حاضرة في أغنية "عربي ثوري" من إنتاج ألتراس الزمالك أيضا:

  

   

هذا الإيمان وذلك الأمل في التحرر اللذان كانا حاضرين في أغاني ألتراس، كما كان أيضا في أذهان ونفوس كل من شارك في الثورة المصرية والثورات العربية كافة، أمل التحرر الذي كُسر حاليا في نفوس الجميع، والذي بدأت الجماهير في فقده تدريجيا، فهل ماتت الفكرة وانقضى الأمل؟

  

الحرية للمدرج.. الحرية للجماهير

"الحرية للمعتقلين، الحرية للجماهير، الحرية لمصر كلها!" هي الشعارات التي يراها الألتراس معبّرا حقيقيا عن الوضع السياسي والاجتماعي الحالي في مصر، فمصادرة الحريات والآراء ومحاولة إخضاع الجميع لطوع الدولة، لا يخرج عنها محاولة السلطة المستمرة لتدجين أداء الألتراس وتطويعه ليكون جزءا من مجتمع خاضع بالكلية لاستبداد السلطة، في حين يستمر الألتراس في المقاومة، مدافعين عن أنفسهم كفكرة وكقيمة مقاومة هدفها الحرية، هذه الحرية التي يطالبون بها في أغنيتهم "مشجع مش نزيل" والتي يبشرون فيها ببقاء الفكرة واستمرار من يناضل خلفها:

   

  

هذا النضال الذي تجلى في اللحظات الفريدة، تلك التي خرجت فيها مجموعات الألتراس من مجالها الخاص لتحتك بالمجال السياسي، والتي كانت لحظات جمعية تحقق حولها إجماع وطني تجاه الموقف والهدف، وبدا كأوضح ما يكون في الدفاع عن حقوقهم، والتي يعتبرونها خطوطا حمراء لا يستطيعون الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال، فهي كما يقولون "حقوق إخوتنا وأصحابنا"23. هذا النضال الذي وَلّد صراعا مع السلطة لم تُحسم نهايته بعد، ولكن الأمر المؤكد فيه أن محاولات السلطة في مصر نحو إخضاع المجتمع إخضاعا تاما، دون توقع أي مقاومة تُذكر من جانب المجتمع هو أمر مستحيل -أو على الأقل مستبعد- الحدوث كما يثبته سلوك المقاومة الحالي وإن كان هامشيا24.

     

undefined