شعار قسم ميدان

هل يستمتع الآخرون بحياتهم أكثر منك؟

midan - رئيسية ما بعرف

بدون وعي كبير، ينفق الجميع كثيرا من الوقت في مقارنة أنفسهم بالآخرين، ووفقا لنظرية المقارنة الاجتماعية، ينبع الكثير من شعورنا بقيمتنا الذاتية وهويتنا الشخصية من نظرتنا لأشخاص آخرين نعرفهم.  قد يكون هؤلاء الأشخاص هم أصدقاؤنا والجيران أو حتى أفراد الأسرة، بل وقد يكونون مشاهير لم نلتقيهم يوما ولكنهم صنعوا إنجازات تمنينا لوكنا نحن من حققناها.

    

ولسوء الحظ، قد يؤدي هذا النوع من المقارنة إلى الشعور باليأس إذا اعتبرنا أننا أقل من المعيار أو المعدل الذي حدده لنا هؤلاء الأشخاص. ويمكن لشعور اليأس ذلك أن يساهم في تشكيل نظرتنا إلى حياتنا المهنية، وإنجازاتنا ومظهرنا الشخصي، وكل جوانب حياتنا الشخصية تقريبا. وليس الأمر بالمفاجأة إذا وجدنا أن المقارنة الاجتماعية تشعرنا بالنقص وعدم الرضا عن حياتنا، فننظر بعيد الأسى لعدد المناسبات أو التجمعات الاجتماعية التي نحضرها، وعدد الأشخاص الذين نعرفهم، وما إلى ذلك، وذلك ما يمكن أن نسميه "السيرة الذاتية الاجتماعية" ، التي لا تبدو أبدًا -لأسباب متنوعة- مذهلة مثل الحياة الاجتماعية للآخرين. كما أن ذلك الشعور يرتبط أيضاً بـ "الخوف من التفويت" وهو الاعتقاد المستمر بأن شيئاً مثيراً يحدث في مكان آخر، ونحن نفوته.

   

undefined

    
وجدت الدراسات باستمرار أدلة لهذا التأثير، ففي السنوات الأخيرة، ركزت الكثير من هذا الأبحاث على تأثير منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وانستغرام. وبما أن الترويج الذاتي هو الهدف الرئيسي لهذه المنصات، فإننا غالباً ما نجد انفسنا محاصرين بصور ومقاطع فيديو خاصة بأولئك المتحمسين الذين يحضرون الفعاليات الاجتماعية أو الأحداث الكبرى التي يمكن أن تجعل حياتنا تبدو باهتة بالمقارنة بحياتهم. ولذا نجد أن العديد من مستخدمي فيسبوك يقولون إنهم أصبحوا مكتئبين بمرور الوقت.

 

ما مدى انتشار هذا الشعور بالتشاؤم الاجتماعي؟ وماذا يمكننا أن نفعل حيال ذلك الأمر؟

حاول مقال جديد نُشر مؤخراً في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي الإجابة عن هذه الأسئلة، بالإضافة إلى استكشاف العمليات التي تسهم في تشكيل أحكامنا الاجتماعية. حيث أجرى الباحث  سيباستيان ديري من جامعة كورنيل وفريق من الباحثين 11 دراسة لمعرفة كيفية تقييم الناس لحياتهم الاجتماعية مقارنة بما كانوا يعتقدونه عن حياة الآخرين. استخدمت هذه الدراسات مجموعة متنوعة من المناهج البحثية لدراسة مجموعات مختلفة من السكان، بما في ذلك الاستطلاعات عبر الإنترنت، ومسوحات ميدانية باستجواب أشخاص في مراكز التسوق المحلية، ومقابلات مع الطلاب الجامعيين.

 
ورغم اختلاف طرق ومناهج البحث، يبدو أن الاتجاه العام هو ذاته، فبغض النظر عن كيفية قياس المقارنة الاجتماعية، كان المشاركون يميلون إلى اعتبار حياتهم الاجتماعية سيئة نسبياً مقارنة بغيرهم. وسواء سئلوا عن حجم شبكاتهم الاجتماعية، أو عدد الحفلات التي حضروها، أو عدد المرات التي تناولوا فيها العشاء خارجا؛ رأى المشاركون دائما أن الآخرين يتمتعون بحياتهم أكثر منهم. كما أنهم يميلون إلى اعتبار الآخرين أكثر شعبية، فضلا عن كونهم جزء من "المجموعة المقربة" التي استبعدوا هم منها.

 
وفقا لديري والباحثين المساعدين، يبدو أن هذا الشعور بالتشاؤم مبني على عيب مستمر في كيفية حكمنا على حياتنا الاجتماعية؛ فلسوء الحظ عندما نبحث عقليًا عن أمثلة لأشخاص اجتماعيين، فإننا نميل إلى التركيز على الأشخاص الاجتماعيين غير العاديين أو فائقي النشاط والتفاعل، وهم الذين مِن المرجح أن نسمع عنهم، سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو المحادثات مع الآخرين، وبطبيعة الحال ستبدو حياتنا الاجتماعية باهتة أكثر بالمقارنة مع حياتهم.
  
ويعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي أحد الأسباب البديهية الأخرى لهذا التشاؤم الاجتماعي. فمن المؤكد أن باستخدامنا لها  سنكون أكثر عرضة للشعور بأننا غارقين بصور الآخرين ومنشوراتهم ومقاطع الفيديو التي ينشرونها وهم يمارسون أنشطة ممتعة وهم ما يؤدي إلى الشعور بالوحدة أو عدم الرضا.وبطبيعة الحال لا ينشر الناس صور "سيلفي" لأنفسهم جالسين أمام التلفاز أو يأكلون وجبة عشاء بسيط في المنزل. وإذا كنت تشك في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي العظيم على نظرتك لحياتك الاجتماعية، فضع في اعتبارك  دراسة أجريت عام 2015 في معهد أبحاث السعادة وجدت أن الأشخاص الذين طلب منهم عشوائياً ترك  الفيسبوك لمدة أسبوع واحد فقط أفادوا بأنهم شعروا بوحدة أقل وسعادة أكبر بحياتهم الاجتماعية.

    undefined

    
لا يقتصر الأمر على وسائل التواصل بلا شك، فبالنسبة للأشخاص الانطوائيين بطبيعتهم، من الصعب عدم ملاحظة أن الأشخاص المنفتحين والاجتماعيين من حولهم  يتمتعون بأوقات أفضل. وهذا الاعتقاد بأن شخص ما في مكان ما ، يقضي وقتا ممتعا تفوته أنت، سيحمل تأثيرا سلبيا على ثقتك بذاتك.
 

كيف نتغلب على الشعور بالتشاؤم؟

لنتغلب عن شعورنا بالتشاؤم والاكتئاب نتيجة مقارنة حياتنا بحياة الآخرين الممتعة علينا اختيار قدوة اجتماعية أكثر ملائمة لنا، أي في الدوائر المحيطة، وكذلك ربما نحتاج إلى إعادة تقييم معنى الحياة الاجتماعية الثرية. فرغم أن الآخرين قد يملكون عدد أصدقاء أكبر على فيسبوك أو يحضرون فعاليات اجتماعية أكثر، فلا يعني ذلك بالضرورة أن حياتهم الاجتماعية تحمل معنى أكبر أو ذات مغزى. وبمعنى آخر، فإننا نحتاج إلى النظر إلى جودة علاقاتنا لا كثرتها. وقد يساعدنا ذلك على اختيار أناس أكثر ملائمة لنقارن أنفسنا بهم، بدلا من أولئك الغرباء الذين يحيون حياة مختلفة تماما عن حياتنا.

 
وفي النهاية، كما يشير ديري وزملاؤه الباحثين في استنتاج دراستهم، إن الاعتقاد المستمر بأن الآخرين يستمتعون بحياتهم أكثر منا هو في الغالب مجرد وهم نصنعه نحن لأنفسنا. والتحرر من هذا الوهم ليس سهلا إلا أنه يستحق أن نبذل الجهد الكبير لتحقيقه.

——————————————————–

ترجمة (الزهراء جمعة)

هذا التقرير مترجم عن: Psychology Today ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان