شعار قسم ميدان

فخ التسويق.. هكذا يجعلونك تشتري ما لا تحتاجه

ميدان - تسوق شاء إنفاق بطاقة

ما بين 40٪ و80٪ من المشتريات تتم بشكل غرائزي، وفي غالب الأحيان يُوجَّه اللوم في ذلك إلى المُسوِّقين؛ ولكن رغم الأساليب الملتوية للتلاعب بآراء المتسوِّقين وخداعهم، فإنهم عادة ما يملِكون الحكمة والتبصر لاختيار طريقة تصرّفهم. إن ما يثير قلقا أكبر هو أن ما يناهز نسبة 95٪ من قراراتنا اليوميّة قد تُحدّدها عمليات غريزيّة غيرُ واعية، وكثيرا ما يجهل المستهلكون التأثيراتِ الاجتماعيّةَ والحالاتِ النفسيّةَ التي تجعلهم مُتسوِّقين قابلين للتأثيرات الخارجيّة. في الواقع، يتوهّم معظم الناس أنهم محصَّنون من الوقوع في فخّ أساليب التسويق، ويعتبرون أنفسَهم متسوِّقين متمرِّسين على نحو خاص.

 

بوسعك تجنّب الإفراط في الإنفاق من خلال زيادة الوعي بالعوامل المؤثّرة في سلوكيّات التسوّق. في ما يلي نسلّط الضوء على ستّة عوامل قد تؤدِّي إلى الإفراط في الإنفاق، ونضيف إليها بعض النصائح حول كيفية التصدي لها.

 

الضغط الاجتماعي

البشر بطبيعتهم معرَّضين جدا للضغوط الاجتماعية. إن السلوكيّات التعاونيّة والتنافسيّة، التي ضَمِنت بقاءَنا كنوع على هذا الكوكب، تدفعنا أيضا إلى إنفاق أكثر مما نحتاج إليه. على سبيل المثال، يجبرنا العُرف الاجتماعي للتعامل بالمِثل على تبادُل الهدايا والأعمال الحسنة في عطلة عيد الميلاد. تغذّي المنافسة أيضا زيادةَ الاستهلاك: فالمبيعات تعزز الشعور بالنُّدرة، وتستخدِم قيودا زمنية لإثارة مخاوف فقدان الفرص وسط المتسوِّقين، وهذا يحدث حتى في حال الشراء عبر الإنترنت. تخلق مناسباتُ التخفيض -مثل "الجمعة السوداء" (Black Friday)- عقليةَ القطيع، التي يمكن أن تتسبَّب في موجةِ ذعر لدى المتسوقين أو هستيريا أو ما هو أسوأ. لذا فإنّ التفطّن لهذه الضغوط كفيل بالتقليل من آثارها، ويمكِّن المتسوِّق من الحفاظ على رؤيةٍ واقعيّة للمشهد.

 

    

مزيد من أصناف الأموال المُجرَّدة

مفهوم المال عبارة عن أسطورة مشتركة يدعمها الخيال البشري. لقد ساهم خيالنا بدور أساسيّ في التطوّر السريع للأنواع، مما سمَح للبشر بمقايضة قطع من الورق وقطع معدنيّة لاقتناء شتّى السلع التي يرغبون فيها. كانت التعاملات في البداية عن طريق الأوراق النقديّة والعملات المعدنيّة، ثم تحوّلت إلى البطاقات الائتمانيّة، ثم انتقلت مؤخّرا إلى الهواتف و"Fitbits"؛ ومع هذه التحوّلات أصبح الخيال الإنساني يتعامل بسلاسة متزايدة مع مختلف الأصناف المجرَّدة من الأموال، وهذا أمر خطير.

 

تهوِّن هذه الأشكال الجديدة من النقود من "ألم الدفع"، ومن ثم تُقلِّل من مستوى الإحساس بالذنب الذي نشعر به عندما نُخرِج الأموال من جيوبنا. تُخفي هذه الأصناف الجديدة من الأموال المجرَّدة مؤقّتا التداعياتِ الماليّةَ المترتبة على مشترياتنا (مثل انخفاض الرصيد البنكي، أو تقلص حجم محفظة النقود)، وهذا يقود الناس إلى ارتكاب حماقات دون التفطّن إلى التكاليف المالية الحقيقية الناجمة عن قراراتهم. إن استخدام الطرق النقدية عند التسوّق يزيد من ألم الدفع، ويجعل المتسوق أكثر استشعارا بكميّة الأموال التي يُنفِقها؛ وهذا بدوره يجعله لا ينفق المال إلا على الأشياء التي يريدها حقا.

 

التعب في اتخاذ القرار

تشير الأبحاث إلى أن الإنسان لديه مخزون محدود من قوة الإرادة. وأثناء اتخاذ القرارات على مدار اليوم، يتضاءل هذا المخزون شيئا فشيئا، لينتهي الأمر إلى "نضوب الموارد"، الأمر الذي يجعل الناس يتصرّفون باندفاع. إن اختيارَ الساعات الأولى من الصباح للتسوّق، مع تجنب مصادر الإجهاد الأخرى، مثل الحشود الغفيرة، قادر على التقليل من خطر نضوب الموارد.

 

الذهنيّات

يمكن للحالات النفسية المعروفة باسم "الذهنيات" -والتي تؤثر في التصوّرات وعمليّات اتّخاذ القرارات- أن تجعل الناس أكثر قابلية للإنفاق. تحدث هذه الحالات خارج إدراكنا الواعي، عندما ننقل عمليات التفكير التي نستخدمها في موقف ما، فَنستخدمها ثانية لمعالجة المعلومات في الموقف التالي.

  

undefined

  

التفكير الإيجابي في حالة من الحالات قادر على تأهيل الشخص للتفكير بشكل إيجابي في وضع غير ذي صلة، على سبيل المثال، قد يحفّز بناءُ الأفكار الداعمة حول التبرع لصالح الجمعيات الخيرية المرءَ على التفكير إيجابيا بشأن زجاجة منظّفات يشاهدها في إعلان بعد بضع دقائق؛ ويجعلهم هذا أكثر عُرضة لشرائها.

 

وتؤثر الذهنيات أيضا على أهداف التسوّق. فالأشخاص الذين يمتلكون "ذهنية متداولة" منفتحون عقليا ومستعدّون على الأرجح لمراجعة كل خياراتهم، في حين يكون الأشخاص من ذوي "الذهنية التنفيذية" أكثر انغلاقا وتركيزا على الأهداف. الذهنية التنفيذية تقلل من التسويف، وتدفع الناس باتجاه تحقيق أهدافهم في الشراء. يمكننا العثور على هذه الأهداف متضمَّنة صراحة في قائمة التسوق أو حتى مفعَّلة دون وعي صاحبها.

 

يمكن أن تنطوي الذهنية التنفيذية على مخاطر، لأنها توّلد زخما للتسوق. وهذا يحدث عندما يجعلك شراءُ شيء ما أكثرَ عُرضَة لشراء شيء آخر؛ وسبب ذلك، أن ذهنيّتك المنصبَّة حول الهدف تستمر نشِطة حتى بعد حصولك على ما كنت تنوي شِراءه. وهذا أحد الأسباب التي تجعل الناس يخرجون من مراكز التسوق مُثقَلين بالعديد من حقائب المشتريات، رغم قصدهم تلك المتاجر لشراء شيء واحد.

 

لسوء الحظ، قد يتسبّب التحوّل من ذهنية إلى أخرى في نضوب مواردك العقلية ويدفع بك إلى إنفاق المزيد. إلّا أنّ تحديدَك لقواعد معيّنة من أجل ترشيد قراراتك قبل الذهاب للتسوّق قد يتصدى لآثار هذه الذهنيات ويقلّل من خطر زخم التسوق. من أمثلة ذلك تحديد سعر معيَّن لا يجب تجاوزه عند شراء منتج ما، وعدم شرائه في حال تجاوزه ذلك السقف. قيامك بإعداد قائمة مشتريات وتحديد ميزانية معينة من شأنه أن يساعدك على تذكر المثل القديم القائل "الصفقة غير ذات جدوى ما لم تكن بحاجة إليها".

    

undefined

  
إجراء المقارَنات

إنّ التسوق هو في الأساس عملية من ثلاث خطوات. أولاها أن تسأل نفسك "هل أرغب في شراء شيء ما؟"، ثم "أي منتج هو الأفضل؟"، وأخيرا "كيف سأشتري ذلك المنتج؟". لكن عندما ينظر المرءُ إلى عمليتَي شراء محتملة، يتولّد عن ذلك ذهنيّة "أيّهما أشتري"، التي تدفع المشتري إلى تخطّي السؤال الأول، ليصيرَ بعدها أكثرَ قابلية لشراء شيء ما.

 

تأثير الهالة

يساعدنا استخدام الاختصارات الذهنيّة على التنقّل في ممرات حياتنا اليومية بشكل أكثر كفاءة. ومع ذلك، يمكِن أن تؤدِّي هذه الاختصارات إلى افتراضات غير صحيحة وأخطاء مُكلِّفة. وفي سياق التسوق، ليست كل الافتراضات سيئة. في واقع الأمر، بعض هذه الافتراضات أساسيّة بالنسبة للتسويق؛ ومنها -على سبيل المثال- إستراتيجيّة العلامة التجاريّة (brand)، لأنّنا في هذه الحالة نفترض أنّ المنتجات ذات العلامة التجارية الواحدة تنطوي على مستوى مماثل من الجودة.

 

لكن الافتراضات الأخرى أقل موثوقية. يحدث "تأثير الهالة" عندما نضع افتراضات غير صحيحة، تقودنا إلى التفكير بشكل إيجابي حول شيء ما. ومن هنا، فإن العروض المثيرة في واجهات المحلات التجارية التي تخطف أنظارنا غالبا ما تجعلنا نفترض أن المقتنيات الأخرى الموجودة داخل المتجر هي بالقدر من الإثارة والسخاء نفسه. ومن أجل التصدي لتأثير الهالة، أنت بحاجة إلى تحضير نفسك وتهيئتها. تضمن لك معرفةُ سعر التجزئة الموصى به للمنتجات (RRP) عدمَ التأثّر بالأسعار المرتفعة التي تُوهِم الزبائن بخصومات كبيرة. إن التحلّي باليقظة والهدوء يُحسِّن من عملية اتخاذ القرار ويقلِّل من مخاطر التحيُّز المعرفيّ. وما من شك أنَّ مثل هذا النهج يعود بالفائدة على المجتمع والبيئة، وعلى جَيبك أيضا.

——————————————————

ترجمة (فريق الترجمة)

هذا التقرير مترجم عن: The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان

المصدر : الجزيرة