شعار قسم ميدان

هل بدأت الحرب بين ترمب ووادي السيليكون؟

US President Donald J. Trump signs an executive order in the Oval Office of the White House, in Washington, DC, USA, 03 February 2017. Trump signed several executive orders including an order to review the Dodd-Frank Wall Street to roll back financial regulations of the Obama era.

بعد أسبوع واحد فقط من تنصيبه رئيساً، وفي السابع والعشرين من يناير / كانون الأول، وقع الرئيس الاميـركي المنتخب على عدة قرارات تنفيذية تقتضي بحظـر دخول مواطني 7 دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، كجزء من طرحه الانتخابي الذي اعتمد على منع واستبعاد المهاجرين واللاجئين، لحماية المجتمع الامريكي من خطر الإرهاب وفقاً لتصوّره.
 

كان هذا القرار بداية أزمة كبيرة للآلاف خصوصاً أنه لم يشمل المهاجرين واللاجئين فقط، وإنما امتد ليشمل من لديهم إقامة داخل الولايات المتحدة وينتمون إلى هذه البلدان، الامر الذي أثار ضجّة كبرى في وسائل الاعلام العالمية، وأدى إلى اندلاع مظاهرات عارمة مازالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور.
  

ومن بين المتضررين من هذه القرارات، كانت ( أنوشة أوسكـوان). هي أميركية من أصل إيـراني، هاجرت إلى الولايات المتحدة في العام 1978 وهي في الرابعة عشر، وحصلت على الجنسية الأمريكية وهي في السادسة والعشرين من عمرها. درست مجال الهندسة الكيميائية، ثم نالت درجة الماجستير في ريادة الأعمال.

 

قرار ترمب بمنع المهاجرين من 7 دول قابله رفض شعبي واسع.
قرار ترمب بمنع المهاجرين من 7 دول قابله رفض شعبي واسع.
 

أنوشة أصبحت ريادية أعمال واعدة، تكللت مسيرتها الأكاديمية والمهنية بافتتاح شركة كبيرة لمعالجة التلوّث البيئي وإعادة تدوير المنتجات في كاليفورنيا، وتضم شركتها أكثر من 100 موظف وتدرّ ربحاً يزيد عن 10 ملايين دولار سنوياً.
 

" الإيـرانيون مثلي الذي هاجروا إلى الولايات المتحدة، جاءوا هنا ليكي يضيفوا إلى هذا البلد، وأيضاً يطوّروا من حياتهم الشخصية. نحن رياديّون، وأساتذة جامعة، وعلماء، وفنانون.. مع هذا القرار الذي تم إتخاذه بمنع الإيرانيين من دخول أمريكا، كيف سنجتمع مع عائلاتنا؟ "
 

هذه السؤال الذي طرحته الريادية ذات الأصول الإيرانية مازال بلا جواب حتى الآن، ويمتد ليشمـل علامات استفهام كبيـرة بخصوص مستقبل الرياديين من كافة انحاء العالم الذين يسعون دائماً إلى الولايات المتحدة، باعتبارها الملاذ الأكبر لهذا النوع من الأنشطة على مستوى العالم. 
 

أمـة من الرياديين المهاجرين

في تقرير تم نشره في منتصف العام 2012 في موقع البيت الأبيض تحت ادارة أوباما، جاءت بعض الحقائق التي توضّح دور المهاجرين في سوق العمل والاعمال والوظائف الاميركي، منها:
 

المهاجـرون إلى أمريكا يتجهون إلى إنشاء مشروعات صغيرة بزيادة 30 % عن غير المهاجرين، إلى جانب أن 18 % من إجمالي المشروعات الصغيرة في أمريكا مملوكة لمهاجرين.
 

وفقاً لإحصائية للعام 2011، المخترعون المهاجرون لأمريكا شكّلوا نسبة أكثر من 75 % في تسجيلات براءات الاختراعات في أفضل 10 جامعات أمريكية منتجة للاختراعات. (وكالة الأنباء الأوروبية)
وفقاً لإحصائية للعام 2011، المخترعون المهاجرون لأمريكا شكّلوا نسبة أكثر من 75 % في تسجيلات براءات الاختراعات في أفضل 10 جامعات أمريكية منتجة للاختراعات. (وكالة الأنباء الأوروبية)

نسبة 7.5 % من الأمريكيين الذين ولدوا في الخارج (المهاجرين) يعملون كموظفين ذاتيين "Self Employed"، مقارنة بـ 6.6 % من الامريكيين المولدين في أمريكا. المهاجـرون هم الذين بدأوا حوالي 25 % من الشركات الأمريكية الضخمة بدعم من مؤسسات التمويل المخاطر. منها شركات عملاقة مثل جوجل، وإنتل، وe bay، وياهو!، وغيرها.

 

وفقاً لإحصائية للعام 2011، المخترعون المهاجرون لأمريكا شكّلوا نسبة أكثر من 75 % في تسجيلات براءات الاختراعات في أفضل 10 جامعات أمريكية منتجة للاختراعات. وفي عام 2007، المشروعات الصغيرة المملوكة لمهاجرين ساهمت في توظيف 4.7 مليون شخص. وبحسب المصدر، الاعمال الصغيـرة في الولايات المتحدة تدر أكثر من 776 مليار دولار أميركي.

 

بحسب إحصائية، مقارنة بمجموع حاملي شهادة البكالوريوس والدرجات الأكاديمية الأعلى، المهـاجرون يمثلون 33 % من المهندسين، 27 % من الرياضيين (المتخصصين في الرياضيات، والإحصاء وعلم الكمبيوتر)، و 24 % من علماء الفيزياء.
 

يشارك المهاجرون بتأسيس شركة واحدة من بين 4 شركات تقنية ناشئة في أمريكا. فضلاً للمهاجرين الفضل في تأسيس أكثر من ( نصف ) الشركات الناشئة في وادي السيليكون. وأكثر من 40 % من قائمة الـ 500 شركة الأغنى في العالم، تأسست بواسطة مهاجرين أو أبناء مهاجرين.
 

ثورة في وادي السيليكون
وادي السيليكون (رويترز)
وادي السيليكون (رويترز)


بمجرد التوقيع والإعلان عن هذه القرارات التنفيذيـة تجاه المهاجرين من الدول الإسلامية، وعلى الرغم من أن هذه القرارات كانت متوقّعة بسبب إعلان ترمب عنها عدة مرات، اندلعت أزمات عديدة في مختلف القطاعات الرسمية والإعلامية والشعبية في الولايات المتحدة.
 

ومن بين هذه القطاعات التي شهدت انفجاراً في التصريحات وردود الأفعال الواسعة، كـان قطاع الأعمال خصوصاً المُتركّـز في وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا.
 

طوفان هائل من التصريحات صدر من كل مؤسسي الشركات العالمية الكبرى التي تتمركز في الولايات المتحدة، إما برفضٍ قاطع للقرار، أو بردود أفعـال تعبّــر عن رفض هذه الشركات لقرارات ترمب.
 

غوغل العملاقة، رفضت القرار بشكل حاسم، بل وخرج موظّفوها وعلى رأسهم المدير التنفيذي "سيرجي براين"  للتظاهر ضد قرارات ترمب، مُصرّحاً: أنا هنا لأنني لاجئ. في إشارة إلى هجرة أسرته من روسيا الولايات المتحدة عام 1979.
 

أما تيم كوك، المدير التنفيذي لأبل، فقد أبدى اعتراضاً كاملاً على قرارات ترمب، قائلاً: لولا المُهـاجرين لما تأسست أبل. خصوصأ أن الجميع حول العالم يعلمون أن مؤسس الشركة "ستيف جوبز" من أصول سورية.
 

الرئيس التنفيذي لشركة آبل تيم كوك من المعارضين لقرار ترمب.
الرئيس التنفيذي لشركة آبل تيم كوك من المعارضين لقرار ترمب.
 

أما مايكروسوفت فقد اعلن مديرها التنفيذي "ساتيا ناديلا" الذي ينحدر من أصول هندية، أن مايكروسوفت ضد القرارات، وصرّحت الشركة بأنها مُستعدة للدخول في معركة قضائية ضد قرارات ترمب بشأن المهاجرين. في الوقت الذي أعلن فيه ( جيف بيزوس ) مؤسس أمازون أن الشركة قامت على (جذب المواهب من كافة أنحاء العالم )، وصرّح بخطوات قضائية ستتخذها الشركة ضد القرار.
 

كما قامت العديد من الشركات الكبرى باتخاذ نفس الموقف الرافض للقرارات، مثل تويتر وسلاك، وحتى الفيسبوك الذي أعلن مارك زوكربيرغ أنه وزوجته ينتميان إلى عائلة من المهاجرين بالأساس.
 

إجراءات مضادة

لم تقتصر ردود الأفعال فقط على التصريحات أو التغريدات الغاضبة والمعترضة على القرارات، وإنما شملت ايضاً اتخاذ بعض الشركات العملاقة لإجراءات تعكس " تحدّيها " لإدارة ترمب.
 

الكثير من الشركات العالميـة تقف بالمرصاد ضد قرار تربم بمنع المهاجرين من 7 دول قلقاً من قرارات أخرى مستقبلية (وكالة الأنباء الأوروبية)
الكثير من الشركات العالميـة تقف بالمرصاد ضد قرار تربم بمنع المهاجرين من 7 دول قلقاً من قرارات أخرى مستقبلية (وكالة الأنباء الأوروبية)


ستار باكس الأمريكية لصناعة المشروبات، أعلنت أنها سوف تعمل على توظيف 10 آلاف لاجئ ومهاجــر حول العالم، رداً على إجراءات ترمب. بينمـا اتخذت شركة Viber قراراً بأن تكون كافة المكالمات الدولية من أمريكا إلى الدول السبعة التي تمّ حظـر مواطنوها للدخول إلى الأراضي الأمريكية مجانيــة تماماً بلا رسوم ( كانت تتكلف ما بين 15 إلى 70 سنت لكل دقيقة).
 

أيضاً أعلنت "Airbnb" توفيـر سكـن مجّــاني لكل المهاجرين واللاجئين المتضررين من وراء هذه القرارات المفاجئة، وتبرّعت شركة "Lyft" بمبلغ مليون دولار لجمعيّــات دعم اللاجئين والمهاجرين. بينما أعلنت شبكة "Linkedin" لإطلاق برنامج لتوظيف اللاجئين والمهاجرين.
 

تخوّفات من قرارات أخرى

الحقيقة أنه قد يبدو ظاهرياً أن الشركات الكبرى والريادية في الولايات المتحدة تدعم الجانب الأخلاقي من القضية، وتروّج لمفهوم "أميـركا أرض المهاجرين"، باعتبارها القيمة الجوهرية التي نشأت عليها الامة الاميركية.
 

ولكن، بالتعمق في النظر أكثر، نجد أن الكثير من الشركات العالميـة تقف بالمرصاد ضد هذا القرار قلقاً من قرارات أخرى مستقبلية، قد تؤدي إلى تضرر هذه الشركات بشدة على المدى القريب والبعيد.
 

أشارت تقارير عن بلومبيرغ أن الخطوة المُقبلة التي قد يتخذها دونالد ترمب لها صلة مباشرة بالشركات التقنية والريادية في وادي السيليكون، وهي البدء في تعطيل أو تعديل شروط الفيزا الخاصة بالعمـل، وجعلها أكثر صعوبة من حيث الاشتراطات، وهي الفيزا الذي تعتمد عليها معظم الشركات التقنية لاستقدام عشرات الآلاف من المواهب حول العالم.
 

 (وكالة الأنباء الأوروبية)
 (وكالة الأنباء الأوروبية)

هذا التعديل الذي يستهدف زيادة توظيف الأمريكيين في الداخل أكثر من الأجانب، على الرغم أنه مازال في مرتبة المسوّدة ولم يُطبق بعد، إلا أن كونه في محل الدراسة وحده أمر كفيل بإثارة أزمة لدى الشركات العالمية التي تعتمد على توظيف المواهب حول العالم، بما فيها منطقة الشرق الأوسط، في إدارة شركاتها وفروعها حول العالم.
 

تأتي هذه التخوّفات بالتزامن مع إقرار ادارة ترمب أن هذه الإجراءات المثيرة للجدل ما هي إلا خطوة في طريق طويل، قد يصل ذروته قريباً عندما يتم إقرار بناء الجدار على حدود المكسيـك، وأيضاً الدخول في خلافات عميقة مع الصيـن، كلها قد تؤدي في النهاية إلى التأثير بشكل مباشر في وادي السيليكون.
 

دعوات لاستقلال كاليفورنيا.. رسمياً

على مدار العام 2016 وأثناء الحملة الانتخابية لترمب، تزايدت الأصوات الداعية إلى انفصال ولاية كاليفورنيا من الاتحاد الأمريكي، وتحوّلها إلى أمـة مستقلة على غرار انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي الذي تمّ العام الماضي.
 

ولاية كاليفورنيا ولاية فريدة في الولايات المتحدة، حيث تحتضن أهم مراكز الأعمال الأمريكية الريادية العالمية ووادي السيليكون وهوليــوود، الأمر الذي جعلها قبلة الكفاءات والمهاجرين من كافة أنحاء العالم.
 

وبحسب استطلاع رأي حديث، فإن واحداً من كل ثلاثة أشخاص يعيشون في ولاية كاليفورنيا مؤّيد لانفصال الولاية من الاتحاد الأمريكي، واعتبارها دولة منفصلة بسبب اعتراضهم على سياسات ترمب.
 

رافضون لسياسة ترمب بمنع المهاجرين لدخول أميركا.
رافضون لسياسة ترمب بمنع المهاجرين لدخول أميركا.

إلا أنه، وبعد إصدار القرارات التنفيذية التي تحد من الهجرة وتمنع التنقّل، تم تقديم ( دعوات رسمية ) بالانفصال عن الولاية، وتم اعتمادها للدراسة والتحقيق من طرف حكومة الولاية، في الوقت الذي أطلقت إحدى دعوات الانفصال التي تسمّى "نعم لاستقلال كاليفورنيا" حملة كبيرة لجمع 600 ألف توقيع لانفصال كاليفورنيا من الولايات المتحدة، جاء فيها:
 

من وجهة نظرنا، فإن الولايات المتحدة الامريكية تمثل العديد من الأمور التي تتعارض مع قيم كاليفورنيا، واستمرارنا في حالة الاتحاد يعني أن كاليفورنيا ستظل تمثل دعماً للولايات الأخـرى على حساب الضرر الذي يلحق بنا ولأطفالنا!
 

يذكر أنه طبقاً لدراسات تمّت العام 2016 احتلت كاليفورنيا مكانة أقوى سادس اقتصاد في العالم متقدمة على فرنسا بناتج محلي هائل، وصل إلى حوالي 2.4 تريليـون دولار.
 

ما الذي تحمله الأيام المقبلة؟

في أغسطس الماضي 2016، أعلنت إدارة أوباما إصدار مقترح تشريع يهدف إلى جذب الآلاف من روّاد الأعمال المهاجرين إلى الولايات المتحدة لإقامة مشروعاتهم، وتسهيل دخولهم إلى الاراضي الأمريكية، خصوصاً هؤلاء الذين حصلوا على تمويل من مستثمرين أمريكيين.
 

هذا التشريع يهدف إلى إصدار "فيزا شركات ناشئة Start Up Visa"، يُسرّع بشكل كبير تنشيط حركة ريادة الأعمال في البلاد، وينصّ على اصدار الإدارة الأمريكية تصريحات مؤقتة لرواد الأعمال للإقامة في أمريكا، خصوصاً إذا امتلكوا 15 % من شركات ناشئة تأسست في البلاد خلال 3 اعوام ماضية.
 

الآن، ومع قدوم إدارة ترمب التي تعادي بشكل واضح المهاجرين واللاجئين، ليس فقط من الدول المسلمة، وإنما لديها مشاكل كبيرة مع المهاجرين المكسيكيين، وأيضاً ازمات كبيـرة في الأفق مع الصين، يبدو أن كل شيء أصبح ضبابياً وغير معروف بالنسبة لاتجاه الولايات المتحدة في دعم حركة ريادة الأعمال.
 

(رويترز)
(رويترز)

لا أحد يعرف الآن مسار الأحداث في الفترة المقبلة من حكم إدارة الرئيس ترمب، على الرغم من إصدار حكم قضائي مؤقت يلغي القرارات التي اتخذها ترامب بحظر المهاجرين واللاجئين، ويسري على كافة أنحاء الأمة الأمريكية، إلا أن البيت الأبيض أعلن بعد إصدار الحكم أنه سيقدم طعناً قضائياً، في إشارة واضحة إلى استمرار سعي إدارة ترمب في اتخاذ خطوات ضد المهاجرين.
 

ربما لا يوجد معنى يلخص بوضوح واقع الأزمة أكثر من تصريح أندرو نج، الريادي الأمريكي / الصيني أحد مؤسسي "كورسيرا Coursera" التعليمي، وكبير علماء مشروع بايدو البحث في وادي السيليكون:

لكـل الباحثين، إذا استمر الحظر الامريكي للمسلمين، دعونا ننقــل مؤتمراتنا إلى مكان آخر. العلم يجب أن يكون مفتوحاً للجميع. 

المصدر : الجزيرة