شعار قسم ميدان

هل بدأت فيسبوك بالتأثر اجتماعيا من تجارب غوغل؟

ميدان - جوجل وفيسبوك

على الرغم من فارق السنوات الست بين تأسيس غوغل في 1998 وفيسبوك في 2004، إلا أن الشركتين الآن في مصاف الكبار على مستوى العالم في أكثر من مجال تقني بما في ذلك مُحرّكات البحث، وأدوات مشاركة الصور، إضافة إلى المحادثات الفورية والشبكات الاجتماعية أيضًا.

 

وبالتركيز على بدايات التجربة الاجتماعية في فيسبوك وغوغل سنجد أنها مُختلفة، فكل شركة كانت تسير عكس الأُخرى. لكن فيسبوك بدأت مؤخرًا في الانحراف نحو مسار غوغل، الأمر الذي قد يدفعها للتذبذب من جهة، أو قد يُظهر أن مُشكلة غوغل بالأساس لا علاقة لها بالمسار بقدر ما هي مُتعلّقة بالفكر.

 

غوغل والتجربة الاجتماعية

لدى غوغل باع طويل في مشاريع تقنية كثيرة، فهي تمتلك أكبر شبكة إعلانية إلكترونية على مستوى العالم، إضافة إلى واحد من أكبر متاجر التطبيقات، دون نسيان نظام أندرويد الأكثر استخدامًا على مستوى العالم أيضًا. إلا أنها وعلى الرغم من الخبرة الطويلة لم تنجح حتى الآن في ترك أثر أو بصمة واضحة في مجال الشبكات الاجتماعية.

 شبكة أوركت (مواقع التواصل)
 شبكة أوركت (مواقع التواصل)

بدايات غوغل كانت مع شبكة "أوركت" (Orkut) التي كانت تطمح من خلالها لتوفير أدوات تجمع مُستخدمي الإنترنت في مكان واحد مع إمكانية مشاركة النصوص والصور تمامًا مثل فيسبوك(1)، وهي بالمناسبة انطلقت في (يناير/كانون الأول) 2004، قبل أسابيع قليلة من فيسبوك التي وصلت في (فبراير/شباط) 2004. استحوذت غوغل بعدها في 2005 على شبكة "دودج بول" (Dodgeball)، الشبكة التي تأسّست في 2004 والتي كانت تسمح لمُستخدميها بتسجيل التواجد في موقع جغرافي ما "تشيك إن" (Check-In)، إلا أنها مثل الشبكة آنفة الذكر، فشلت ولم يُكتب لها النجاح(2).

 

ومع حلول 2006، كانت فكرة تويتر تلقى رواجًا، أي نشر الحالة بنص لا يزيد عن 140 حرفا، وهذا أدّى لظهور أكثر من مُنافس من بينهم "جايكو" (Jaiku)(3)، الشركة الفنلنديّة التي استحوذت غوغل عليها في 2007 وقامت بإغلاقها في 2009، نفس العام الذي أيقنت فيه أن شبكة "دودج بول" لن يكون النجاح حليفها. لتعود في نفس العام وتُعلن عن "ويف" (Wave) الشبكة التي تجمع البريد الإلكتروني مع مشاركة الصور والمحادثات الفورية، والتي يُمكن اعتبارها شبكة اجتماعية بنكهة غوغل لمنافسة فيسبوك التي كانت تسير في خُطى ثابتة نحو الريادة الاجتماعية الافتراضية. هذا لم يمنع غوغل من الاستمرار في المحاولات، صحيح أنها أعلنت عن دفن "ويف" بعد فترة زمنية قليلة من إطلاقها، لكنها أعلنت عن "باز" (Buzz)، الذي يُمكن اعتبارها شبكة للتدوين المُصغّر -تويتر- داخل بريد "جي ميل" (Gmail). "باز" كبُرَت وتم تحويلها لشبكة "غوغل بلس" (Google+) آخر محاولات عملاق البحث على الإنترنت في مجال الشبكات الاجتماعية.

  

يُمكن التكهّن بأسباب فشل كل شبكة أغلقتها غوغل، فشبكة "أوركت" من ناحية الفكرة كانت جيّدة جدًا، لكن وصول فيسبوك بآلية وفكر مُختلفين أدّى لتفوّق واضح، في وقت أهمل فيه القائمون على شبكة غوغل الأولى أهمّية التجربة الاجتماعية على الإنترنت. أما "دودج بول"، فمؤسّسها قام فيما بعد بتأسيس تطبيق "فورسكوير" (Foursquare) الذي يُتيح أيضًا للمستخدمين تسجيل التواجد ضمن موقع جغرافي ما، لكن في 2004-2005 لم تكن فكرة مُشاركة الموقع الجغرافي عبر الهواتف أمرا رائجا جدًا، ولهذا السبب لم تنجح الفكرة عندما قامت غوغل باحتضانها، عكس "فورسكوير" الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ تطبيقات الهواتف الذكية.

 

وترى مجلّة "تايم" (Time) أن شراء غوغل لشبكة "جايكو" أدى لفشلها(4)، وهو نفس المصير الذي كانت ستواجهه شبكة تويتر لو تم الاستحواذ عليها، وهنا الإشارة إلى ضعف غوغل أو عدم فهمها الكامل لفكرة الشبكات الاجتماعية، على الأقل في ذلك الوقت. "ويف" في المُقابل قدّمت الكثير من الأدوات لكن بشكل مُزعج ومُشتّت، فالنوافذ كانت تظهر بجانب بعضها البعض، عكس فيسبوك التي خصّصت عمودا للمشاركات وآخر للقوائم الجانبية بحيث يظهر المحتوى بطريقة مُنظّمة ومُريحة.

 

 غوغل ويف (مواقع التواصل )
 غوغل ويف (مواقع التواصل )

  

أخيرًا، نصل لشبكة "باز" التي لم تُقدّم الكثير من الميّزات خصوصًا مع نمو تويتر الواضح في ذلك الوقت. لتأتي "غوغل بلس" بصورة بدت مدروسة تجمع مُعظم الأدوات التي راقت للمستخدم في شبكات اجتماعية ثانية، إلا أنها أيضًا -على الرغم من استمرارها- ليست بأهمّية بقيّة الشبكات على غرار فيسبوك وتويتر، أو يوتيوب وإنستغرام.

 

شريط فيسبوك الزمني

في ظل تشتت بيانات المستخدمين الذي كانت تعيشه غوغل، آمنت فيسبوك بضرورة السير بطريق آخر يبدأ من إيجاد منصّة واحدة تجمع المُستخدمين للانطلاق منها. ولم تطمع بعدها بتجزئة المُنتجات، بل حافظت على نفس الفكر من خلال توفير مُعظم الميّزات ضمن الشبكة الاجتماعية نفسها، تارة في نسخة الويب، وتارة أُخرى في نسختها على الأجهزة الذكية، لتُصبح فيسبوك كالهرم الذي بدأ بقاعدة عريضة من المُستخدمين وأخذ بالارتفاع مع كل ميّزة جديدة يُقدّمها "مارك زوكربيرغ". ولأنها ترغب في تمكين تلك القاعدة، وفّرت إمكانية استخدام حساب فيسبوك لتسجيل الدخول في خدمات أُخرى على الإنترنت، لتلحقها بقيّة الشركات فيما بعد بنفس الخطوة بما في ذلك غوغل وتويتر أيضًا.

 undefined

وتنبّهت فيسبوك لأخطاء غوغل القاتلة التي رغبت في دخول التجربة الاجتماعية من خلال الاستحواذ على بعض التطبيقات التي بقيّت تُعامل على أنها مُنتجات مُنفصلة دون منطق، فهي لم تُحاول إنشاء حساب اجتماعي جديد لا يعتمد على البريد الإلكتروني، بل أصرّت على فرض حساب غوغل ومعاملته على أنه الأمثل للتجربة الاجتماعية، إلا أنه وفي نفس الوقت لم يكن كذلك لأن فيسبوك مهّدت بقوّة لفكرة استخدام الاسم الحقيقي بعد سنوات من استخدام الأسماء المُستعارة على الإنترنت.

 

ولا نحتاج لإجراء الكثير من الأبحاث لإظهار تخبّط غوغل ورغبتها في فرض حساب البريد الإلكتروني، فهي مثلًا في يوتيوب كانت تطلب من صاحب القناة، أو حتى الراغبين بالتعليق، إنشاء حساب في غوغل أولًا، أو استخدام حساب البريد الإلكتروني نفسه، وهذا تداخل غريب أو غصب للمُستخدم على استخدام خدمة لا يحتاجها بالأساس. فيسبوك في المُقابل، حتى بعد الاستحواذ على إنستغرام و"واتس آب" حافظت على نفس الفكر القائم على أن كل مُنتج له هوّيته الخاصّة المُنفصلة، فإلى جانب إمكانية إنشاء حساب جديد في إنستغرام، يُمكن استخدام حساب فيسبوك، إلا أنه ليس بالأمر الإجباري.

 

وقبل الخوض في مُمارسات فيسبوك الجديدة، يُمكن النظر إلى خطوات غوغل التي قامت من خلالها بفصل تعليقات يوتيوب عن شبكة "غوغل بلس" لأنها أيقنت على ما يبدو أن الشبكة لن تنجح بالشكل المطلوب. كما يُمكن كذلك النظر إلى تطبيق "سبيسز" (Spaces) الذي جاء كمنصّة للمحادثات الجماعية ومُشاركة الروابط بين المُستخدمين، الذي لم يقض أكثر من سنة قبل أن تُعلن الشركة إيقافه من جديد(5)، وهذا لأنه ضحيّة حساب غوغل الذي لم يعد مقبولًا بنفس الشكل في الوقت الحالي.

 

فيسبوك بنكهة غوغل

منذ تأسيسها قبل عقد ونصف تقريبًا، بدأت فيسبوك بالتغيّر قليلًا والسير على طريق غوغل اجتماعيًا التي اعتبرت أن البريد الإلكتروني هو رأس الهرم للوصول إلى بقيّة خدمات الشركة. الأمر الذي تقوم به حاليًا فيسبوك مع إنستغرام -حتى الآن على الأقل- وذلك من خلال اختبار ميّزة نشر الصور مُباشرةً من فيسبوك إلى حساب المستخدم في إنستغرام، وأُخرى لنشر الحكاية من إنستغرام إلى فيسبوك مُباشرةً الأمر الذي بدأ بطرح بعض التساؤلات حول الدمج بين خدمات الشركة المُختلفة(6).

 

 

يعتقد البعض أنه وبسبب ضعف الإقبال على نشر الحكايات مُباشرةً على فيسبوك، ستسمح الشبكة الزرقاء لمستخدمي إنستغرام بنشر حكاياتهم هناك، لتجنّب ضرورة تكرار العملية أكثر من مرّة ما بين "واتس آب"، وفيسبوك، وإنستغرام بطبيعة الحال. هذا من جهة الناشر. لكن ماذا عن المُتلقّي، أي أصدقاء المُستخدم؟ في هذه الحالة سيتم تكرار نفس المحتوى أكثر من مرّة دون أن يكون له معنى، وهذا أمر قد يفتح باب النزوح من فيسبوك أو تجاهل الحكايات فيها على الأقل.

 

من الضروري جدًا أن تُحافظ فيسبوك على اختيارية كل الميّزات الجديدة، فالمستخدم يجب أن تُتاح له إمكانية نشر الصورة، أو الحكاية، على فيسبوك وإنستغرام في ذات الوقت، دون إجباره على هذا الأمر. ويجب أن تستمر كذلك في معاملة كل خدمة على أنها مُنفصلة، أي ألا تقول للراغبين بمشاركة الحكايات أنهم بحاجة لاستخدام إنستغرام لهذا الأمر، لأنها ستُقلّد نموذج فشل غوغل الاجتماعي الذي أجبرت فيه مستخدمي يوتيوب في وقت من الأوقات على استخدام "غوغل بلس"، أو مُستخدمي "باز" على امتلاك حساب "جي ميل" (Gmail) راغبة بحمل "أكثر من بطيخة بيد واحدة"، الأمر الذي انعكس عليها بالسلب على مدار السنوات الماضية.

 

 

يقول البعض إن غوغل شركة لتنظيم وترتيب البيانات على الإنترنت بفكر هندسي، ولهذا السبب لم تنجح تجربتها الاجتماعية كثيرًا. إلا أن طبقة العزل التي قامت بها وعدم تسهيل إمكانية العثور على الأصدقاء بعيدًا عن حساب البريد الإلكتروني باستخدام طُرق أكثر فاعلية مثل رقم الهاتف أو الاسم الحقيقي كان له الأثر الأكبر. أما فيسبوك، فهي خاطبت الناس بلغتهم في جميع مُنتجاتها وحافظت على ذلك، لكن تكرار المحتوى أمر مُقلق مع مرور الوقت، وقد يكون له الأثر العكسي على تجربة الاستخدام، فاستهلاك البيانات أمر مهم جدًا تمامًا مثل إنشائها، ولو تحوّلت العلاقة لتداخل بين جميع الخدمات قد تُصبح التجربة صعبة؛ كأن تقوم بالتخلّي عن مسنجر لقاء استخدام "واتس آب" للمحادثات الفورية داخل فيسبوك، وإنستغرام كمُنتج لمشاركة الصور ومقاطع الفيديو.

  

المهارة في الاستماع إلى آراء المستخدمين هي من أوصلت فيسبوك إلى مكانتها الحالية، وبالتالي قد لا تتمادى كثيرًا وستترك كل شيء بيد المُستخدم لاختيار ما يُفضّله. أما ومن ناحية استهلاك المحتوى، فهي قادرة على تطوير أداة تقوم بإخفاء الحكاية بعد مُشاهدتها في أحد تطبيقاتها، وبالتالي لن يجد المستخدم نفسه مُضطرًا لتكرار المشاهدة على كل تطبيق.

المصدر : الجزيرة