شعار قسم ميدان

"غوغل بلاي".. نموذج غوغل الفريد في عالم التطبيقات

ميدان - غوغل
من كان يدري أن الفكرة التي رفضها ستيف جوبز (Steve Jobs)، عرّاب الابتكار في العصر الحديث، ستتحوّل لتُصبح نموذجا ربحيا سريعا غيّر حياة الملايين حول العالم عندما تم تطبيقها وتحويلها إلى مُنتج على أرض الواقع.

متاجر التطبيقات التي أنجحت أنظمة تشغيل، وأسقطت بعضها الآخر، لاقت مُعارضة كبيرة من جوبز الذي اعتبر أن التطبيقات الخارجية أمر مرفوض في نظام "آي أو إس"، رُبما خوفا من التحدّيات والتعقيدات التي تنتظر مُهندسي الشركة(1). لكنها أثبتت كفكرة أنها تستحق ذلك العناء، خصوصا أنها خلال عقد من الزمن أخذت أكثر من شكل كان آخرها ضمن نتائج البحث.

من متاجر إلى منصّات

undefined

منذ 2008، العام الذي قدّمت فيه آبل متجر التطبيقات للمرّة الأولى، وأهمّية متاجر التطبيقات تزداد عاما بعد عام وتنمو بأرقام كبيرة من ناحية عدد التحميلات، ومن ناحية العائدات المالية كذلك. تلك المتاجر أدّت كذلك إلى خروج الكثير من الأسماء الكبيرة على غرار مايكروسوفت و"بلاك بيري" من سوق الهواتف الذكية بسبب عدم امتلاك متاجر تدفع مستخدمي تلك الأجهزة إلى الحصول على وظائف إضافية باستمرار.

التحليلات المالية الصادرة مع نهاية عام 2016 أشارت إلى أن عائدات شركة آبل من متجر التطبيقات "آب ستور" (App Store) وصلت إلى 28 مليار دولار أميركي تقريبا(2). بينما تراوحت عائدات غوغل من متجر "غوغل بلاي" (Google Play) بين 7 و9 مليارات دولار أميركي تقريبا(3).

تلك الأرقام لم تمر مرور الكرام أمام أحد أهم اللاعبين في الوقت الراهن، شبكة فيسبوك الاجتماعية، فعلى الرغم مما يُقارب الـ 28 مليار دولار التي حققتها كعائدات(4) فإن نموذج متاجر التطبيقات بدا مُغريا، لتُقرّر هي أيضا دخول هذا المُعترك. وللأمانة، لم تكن فكرة فيسبوك في دخول هذا المُعترك ذاتية، فشركة "تنسنت" (Tencent) الصينية المالكة لتطبيق "وي تشات" (WeChat) هي من أغراها أولا نجاح متاجر التطبيقات لتُقرّر إنشاء واحد داخل التطبيق يسمح للمستخدمين بتثبيت بعض الخدمات مثل الاستماع للأغاني أو تحويل الأموال ودفع الفواتير دون الحاجة إلى مغادرة التطبيق، أو البحث عن تطبيق لهذا الغرض في متاجر التطبيقات.

فيسبوك بدورها وجدت في تطبيق مسنجر خير وسيلة للقيام بهذا الأمر، لتُعلن عن توفير متجر للتطبيقات يسمح أيضا بالوصول السريع إلى بعض الخدمات مثل البحث عن المطاعم أو طلب سيّارات الأُجرة لتخليص المستخدم من عناء الانتقال بين التطبيقات أسوةً بالنموذج الرابح الموجود في متاجر التطبيقات. آبل هي الأُخرى، وعلى الرغم من امتلاكها لمتجر التطبيقات، قرّرت خوض نفس المجال، فالمستخدمون يقضون وقتا طويلا في تطبيقات المحادثات الفورية مثل "آي مسج" (iMessage) الذي توفّره لمستخدمي حواسبها وأجهزتها الذكية، وبالتالي لا بُد من استغلال هذا الأمر والسير على خُطى الجميع لتوفير مورد مالي جديد.

وبالفعل، يُمكن الآن من داخل تطبيق الرسائل الخاص بأجهزة آبل الوصول إلى بعض التطبيقات وإتمام المهام وتبادل المعلومات، أو حتى تحويل الأموال بين المستخدمين بشكل مُباشر ومن نفس التطبيق، الأمر الذي مثّل انتقال التطبيقات من المتاجر العالمية إلى المنصّات التي يُفضّل المستخدمون قضاء وقت أطول فيها.

غوغل بدورها، مُستفيدة من بيانات مُحرّك البحث الخاص بها، رصدت أهمّية البحث للوصول إلى التطبيقات الجديدة، فمع امتلاء المتاجر ووجود الكثير من التطبيقات قد يقع المستخدم في حيرة ويبتعد عن تثبيت التطبيقات وتجربتها. وبحسب بعض الدراسات فإن 40٪ من الوصول إلى التطبيقات يتم من داخل المتاجر ذاتها، لكن 1 من أصل 4 من المُستخدمين يصلون إلى التطبيقات الجديدة عن طريق مُحرّك البحث، الأمر الذي لم تُهمله الشركة أبدا(5).

وبناء على المعلومات السابقة قدّمت غوغل نفسها مفهوم الروابط العميقة (Deep Links) التي تسمح بتوجيه المُستخدم من الويب إلى التطبيق على الهاتف الذكي بطريقة مُشابهة لتوجيهه بين الروابط، وجود "youtube://" في رابط ما سيؤدي إلى فتح تطبيق يوتيوب الموجود داخل الجهاز الذكي. بعدها، طوّرت الشركة ميزات تلك الروابط بحيث يُمكن توجيه المستخدم إلى قسم مُحدّد بشكل مُباشر بعد أن كانت تلك الروابط بنسختها الأولى تقوم بفتح التطبيق فقط، وبالتالي يُمكن الوصول إلى المحتوى بطريقة أفضل مع الحفاظ على تجربة استخدام مُميّزة(6).

ولأن تبنّي الصيحات التقنية الجديدة والمُفيدة لا يحتاج إلى تردّد أو إلى قوانين وروتين قاتل، قفزت آبل إلى نفس المركب هي الأُخرى مُعلنة عن الروابط الشاملة (Universal Links) التي تقوم بتوجيه الروابط التشعّبية الموجودة على الإنترنت إلى التطبيقات الموجودة على الهواتف الذكية. وهذا يعني أن النتائج التي يعرضها مُحرّك البحث قد تنقل المستخدم إلى متجر التطبيقات لتحميل التطبيق، أو لفتحه وعرض المحتوى المطلوب بشكل فوري(7).

حلّل ثم ابتكر

لم تنخدع غوغل بفكرة أن واحدا من أصل أربعة من المستخدمين يصل إلى التطبيقات عبر مُحرّك البحث، ففي الجهة المُقابلة هناك إحصائية تقول إن عدد التطبيقات التي يقوم المستخدم بتحميلها سنويا يتناقص بشكل تدريجي لأن التطبيقات الأساسية أصبحت واضحة مثل فيسبوك أو "واتس آب"، أو "إنستغرام" أو "سناب شات"، مع ظهور تطبيقات جديدة باستمرار قد تدفع المستخدم إلى تجربتها، لكن الإقبال لم يعد مثل الذي كان موجودا مع بداية حقبة المتاجر عندما كان المُستخدم يرغب بتجربة كل شيء كتطبيق الولّاعة الافتراضية على سبيل المثال لا الحصر(8).

تلك النتائج، أي دور مُحرّك البحث في الوصول إلى التطبيقات وأهمّيتها لأنها تُقدّم أدوات جديدة باستمرار، دفعت غوغل إلى ابتكار ما يُعرف بالتطبيقات الفورية (Instant Apps) التي تجمع تلك النتائج في مُنتج جديد لتسهيل حياة المُستخدمين قدر الإمكان(9).

التطبيقات الفورية باختصار هي عبارة عن تطبيقات للهواتف الذكية العاملة بنظام أندرويد تعمل داخل مُحرك بحث غوغل، فالمستخدم إذا كان يبحث عن غرفة في مدينة ما للمبيت فيها، فإنه عادة ما يلجأ إلى محرك بحث غوغل. لكن مع التطبيقات الفورية سيتم تمرير كلمات البحث لتطبيقات مثل "إير بي إن بي" (Airbnb) للعثور على الشقّة المناسبة وعرضها ضمن نتائج البحث دون الحاجة إلى تحميل التطبيق أبدا.

آلية عمل التطبيقات الفورية بسيطة جدا، فالمُبرمج بشكل عام يقوم بتصميم وبرمجة النوافذ (الواجهات) في تطبيقه، وسيكون مُطالبا بإنشاء نوافذ جديدة إذا ما رغب باستخدام الميزة الجديدة. ويحتاج إلى تخصيص الصور والموارد بحيث تتوافق مع معايير غوغل الافتراضية الخاصّة بالتطبيقات الفورية. وبعد إرسال التحديث إلى متجر "غوغل بلاي" سيتم اعتماد التطبيق في نتائج البحث لو كانت كل الأمور وفقا لشروط ومعايير غوغل.

أي تطبيق بإمكانه الاستفادة من تلك الخاصيّة، فالبحث عن وصفة طعام سيؤدي إلى عرض نتائج من تطبيقات مختصّة في هذا المجال. البحث عن مُنتج ما لشرائه سيؤدي إلى ظهوره في متجر وليكن "أمازون"، عندها يقوم المستخدم بالضغط على التطبيق الفوري الخاص بأمازون لإتمام عملية الشراء دون الحاجة إلى تحميل تطبيق أمازون على الجهاز بالأساس.

في 2017، وتحديدا في الربع الأخير، أعلنت غوغل عن تحسينات جديدة أيضا، فالمستخدم مثلا عند شراء مُنتج من أمازون دون تحميل التطبيق يقوم بإدخال بعض البيانات. الآن غوغل لن تقوم بإزالة تلك البيانات بل ستحتفظ بها لاستخدام لاحق أو لاستخدامها عندما يقوم المستخدم بتحميل التطبيق الرسمي للمتجر، بحيث تختصر هذه العملية بعض الوقت، وهذا خيار متروك للمُبرمج ذاته فلا شيء إجباري معها. إضافة إلى ذلك، سعت الشركة إلى تحسين تجربة الاستخدام من خلال تحميل الموارد والبيانات المتوافقة مع جهاز المستخدم أولا، وموقعه الجغرافي ثانيا. فاستخدام هاتف بشاشة كبيرة يعني أنه لا يحتاج إلى تحميل الصور والموارد الموجّهة للشاشات الصغيرة. أما استخدامه للغة العربية فيعني أنه ليس بحاجة إلى تحميل ملفّات اللغة الخاصّة ببقيّة اللغات.

القبضة المُحكمة

undefined

بمثل تلك الميزة نقلت غوغل متجر التطبيقات الخاص بها إلى مُحرّك البحث، صحيح أن الأساس هو متجر "غوغل بلاي" بحيث يحتاج المُبرمج إلى رفع التطبيق عليه أولا، لكن الوصول إلى التطبيقات واستخدامها من داخل المُحرّك من شأنه دفع عجلة التطبيقات وتطويرها لتقديم الميزات المهمّة بشكل يتلاءم مع نتائج البحث، وبالتالي الحصول على الفائدة التي يسعى المُطوّر لتقديمها، ويسعى المُستخدم للحصول عليها. كما أن المستخدم بإمكانه مُعاينة التطبيق بهذه الحالة وتجنّب التطبيقات الخبيثة التي لن تجد لنفسها مكانا في التطبيقات الفورية لأن غوغل تسعى لتطبيق معايير عالية لضمان توفير تطبيقات ذات مصداقية عالية فقط.

غوغل تتفوّق أيضا على الجميع بامتلاكها لمُحرك البحث رفقة نظام أندرويد ومتجر "غوغل بلاي"، الأمر الذي لا تمتلكه أي شركة أُخرى، فآبل مثلا بحاجة إلى إيجاد نموذج يسمح لها بتطوير نفس الفكرة أولا، ثم التعاون مع "بينغ" (Bing) من مايكروسوفت وغوغل، بحيث تظهر التطبيقات الفورية من آبل لمستخدمي الأجهزة العاملة بنظام "آي أو إس" (iOS) في نتائج البحث، وهذا يعني بطبيعة الحال دفع مبالغ مالية مُرتفعة جدا، غوغل مثلا تدفع 3 مليارات دولار لشركة آبل فقط لجعل مُحرك بحثها افتراضيا!

تتحوّل بشكل عام صيحات استخدام التطبيقات مع مرور الوقت، خصوصا مع انتشار مفهوم "التطبيق كخدمة" (Software as a Service)، المعروف اختصارا بـ "إس إيه إيه إس" (SaaS). وهذا يعني أن وظائف التطبيق الكثيرة سيتم تقليمها لتُصبح متوافقة أولا مع منصّات المحادثات الفورية مثل مسنجر من فيسبوك أو "آي مسج" من آبل. وثانيا مع مُحرّكات البحث بعيدا عن الحاجة إلى تحميل كل شيء على الجهاز. لكن نموذج غوغل في التطبيقات الفورية هو الأنسب لأنه يجمع بين البحث والمتجر في مكان واحد، الأمر الذي ساعد خدمات أُخرى على الانتشار مثل موقع يوتيوب ومُحرّك البحث الموجود بداخله الذي يُميّزه عن البقيّة، والذي يسمح بالوصول إلى ملايين المقاطع بسهولة تامّة.

المصدر : الجزيرة