شعار قسم ميدان

كيف فسر علم النفس إدماننا على الهواتف؟

ميدان - إدمان الهواتف
مقدمة الترجمة
يستعرض المقال الأسباب النفسية والتربوية التي تدفعنا للإدمان على اقتناء واستخدام الهواتف، وفي الوقت الذي اعتدنا فيه على استخدام الهواتف دون أن نسأل أنفسنا عن الأسباب التي تقف وراء إدماننا، يأتي هذا المقال ليتناول هذه القضية من عدة زوايا لم نعتد النظر إليها.

 

نص المقال

على الرغم من اختلاف الأجيال التي تستخدم الهواتف الذكية فإن ثمّة حالة من التعلق والارتباط بصور التكنولوجيا -بما فيها الهواتف الذكية- دعت علماء النفس إلى تناولها ومعرفة أسبابها الحقيقية. يتناول المقال أسباب إدمان استخدام الهواتف الذكية من الناحية النفسية والتربوية.

 

أعلنت شركة آبل مؤخرا عن إطلاق هاتفيها آيفون 8 وآيفون إكس اللذين يأتيان بسمات جديدة وأنيقة. تأمل آبل أيضا أن تدشن مجتمعا جديدا لهواتف آيفون، وقبل الإعلان عن إطلاق الهاتفين قالت أنجيلا أهريندتس، التي ترأس إدارة البيع بالتجزئة، إن متاجرهم سوف تسمى "تاون سكويرز" (ساحات المدن)، وقد تكون مساحاتها ضعف مساحات الأماكن العامة، مع احتوائها على مراكز تجارية وساحات خارجية، ومنتديات وغرف نوم داخلية. تابع ملايين من الأشخاص إطلاق المنتج الذي طال انتظاره، وذلك من خلال مشاهدة الحدث عبر خدمة البث الحي على منتديات الإنترنت، والمدونات، والمواقع الإخبارية. وكنت أنا أيضا من بينهم.

 

فما الذي يجذب الناس إلى هذه الهواتف؟ فمن المؤكد أن عامل الجذب لا يقتصر على التصميم الرائد أو الاتصال بأحد المجتمعات. باعتباري قسيسا، ومعالجا نفسيا، وباحثا يدرس علاقاتنا بالأجهزة المحمولة، فأنا أعتقد أن ثمة مزيدا من الأمور تدور حول هذا الانجذاب. في واقع الأمر، سأناقش، مثلما أفعل في كتابي "التجذُّر: اللاهوت والطبيعة البشرية في العصر الرقمي" (Growing Down: Theology and Human Nature in the Virtual Age)، حول معرفة الهواتف بتطلعاتنا الأساسية كبشر. فإليكم الأسباب الثلاثة التي توصلت إليها وتتعلق بحبنا للهواتف:

   

نوعٌ من امتداد الذات
يشعر كثير من الأفراد بالقلق المفاجئ إذا ترك هاتفه أو كان غير قادر على العثور عليه، كما ينعكس أيضا في عدد المرات التي يتفحص كثير منا هاتفه
يشعر كثير من الأفراد بالقلق المفاجئ إذا ترك هاتفه أو كان غير قادر على العثور عليه، كما ينعكس أيضا في عدد المرات التي يتفحص كثير منا هاتفه
    
يتشكل شعورنا بالذات بينما لا نزال في الأرحام، رغم هذا يتسارع تطور الذات بعد الولادة، فبادئ ذي بدء تتعلق المولودة الجديدة بمصدر الرعاية الرئيس (الأم والأب في الغالب) ثم تتعلق لاحقا بالأشياء، لتحصل على ما يطلق عليه "الذات الممتدة".

 

كان ويليام جيمس، وهو أحد رواد علم النفس في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين، من بين أوائل المجادلين بشأن الذات الممتدة، ففي كتابه "مبادئ علم النفس" عرّف جيمس الذات بأنها "جميع الأشياء التي يمكن أن يلحقها المرء بياء الملكية لتعبر عن ذاته، فلا ينطبق هذا فقط على جسده وقواه الروحانية، بل أيضا ملابسه ومنزله وزوجته وأطفاله". فحسبما يوضح يمكن أن يؤدي فقدان أي من هذه المكونات للذات الممتدة، وهو ما قد يضم المال أو أي شيء ثمين، إلى شعور بالخسارة الكبيرة. ففي بدايات الطفولة مثلا يبكي الأطفال إذا فقدوا فجأة السكاتة أو لعبتهم المفضلة، وهي الأغراض التي تصير جزءا من ذواتهم الممتدة.

 

وإني أجادل بأن الهواتف تلعب دورًا مُشابهًا، فأنا أشعر ببدايات حالة من القلق المفاجئ إذا تركت هاتفي أو كنت غير قادر على العثور عليه، فمن واقع خبرتي يشعر كثير من الأفراد بذات الشعور، كما ينعكس أيضا في عدد المرات التي يتفحص كثير منا هاتفه.

 

توصل عالم النفس لاري روزين وزملاؤه في جامعة ولاية كاليفورنيا إلى أن 51% من الأشخاص الذين وُلدوا في الثمانينيات والتسعينيات عانوا من حالة متوسطة أو مرتفعة من القلق عندما أُبعدوا عن هواتفهم لأكثر من 15 دقيقة. والمثير للاهتمام أن هذه النسبة انخفضت قليلا لتصل إلى 42% مع هؤلاء الذين وُلدوا بين عامي 1965 و1979. يعود هذا بصفة أساسية إلى أنهم ولدوا خلال فترة كانت صور التكنولوجيا المحمولة تبدأ في الظهور، فقد صارت الهواتف بالنسبة لهذه الفئة جزءا من ذاتهم الممتدة فقط في أواخر عمر المراهقة أو بدايات سن الرشد.

 

استدعاء علاقات تهتم بنا
undefined
  
إنها ليست ذوات ممتدة وحسب، فالهواتف الذكية على وجه الخصوص، بألعابها، وتطبيقاتها، وإشعاراتها، صارت جانبا أساسيا من شعورنا بذاتنا. وإليكم السبب في هذا: استنادا إلى نظرية الديناميكية النفسية، التي تفترض أن تجارب الطفولة تشكل الشخصية، أجادل بأن علاقاتنا مع التكنولوجيا تعكس البيئة التي خلقها آباؤنا لرعايتنا. فهذه البيئة، حسبما يذكر الطبيب النفسي البريطاني دونالد وينيكوت، تدور حول اللمس، والوعي الكامل باحتياجات الرضيع، وترسيخ حالة من التواصل البصري والإبقاء عليها.

 

وبنفس الطريقة فإننا عندما نصبح بالغين نعيد تجربة اللمس، والانتماء إلى هواتفنا. تتيح التكنولوجيا مساحة حيث تكون الذات راضية، وتحصل على التسلية، وتشعر أنها على قيد الحياة، وهي المساحة التي كان يوفرها الراعي في الماضي.

 

عندما نمسك بهواتفنا تذكرنا بلحظات الألفة سواء من مرحلة طفولتنا أو من مرحلة الرشد، إذ إن مادة الدوبامين الكيميائية في الدماغ وهرمون الأوكسايتوسين المسؤول عن مشاعر الحب، اللذين يلعبان دورا في الإدمان، ينشطان. تخلق هذه المواد الكيميائية أيضا شعورا بالانتماء والتعلق. يمتلك حمل هواتفنا نفس التأثير الذي يحدث عندما تنظر أمٌ بحب إلى طفلها أو عندما يحدق زوج من المتحابين إلى أعين بعضهما. وبالتعبير الذي قاله فيليب شيلر، وهو أحد المديرين التنفيذيين في آبل: إن آيفون إكس "يعلم من تكون".

 

يدعم التأمل اللاهوتي أيضا ما علمناه بشأن الدوبامين والأوكسايتوسين. على سبيل المثال، تعرّف التقاليد اليهودية المسيحية الله بأنه إله ودود يريد مقابلة مخلوقاته ويخلق بيئات من الرعاية بهذه المخلوقات، فقد ورد بالكتاب المقدس في سفر العدد 6:24-26: "يباركك الرب ويحرسك. يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاما.

 

تلبية الحاجة إلى الإنتاج وإعادة الإنتاج
undefined
 
يذكرنا عالم الأنثروبولوجيا، مايكل تاوسيج، بأن "النسخ والتقليد واتخاذ شخص ما نموذجا واستكشاف الاختلاف هو شيء في طبيعتنا الثانية"، فنحن نحاول أن نكون أفضل أو أن نكون ذاتا مختلفة. تساعدنا الهواتف في القيام بذلك، إذ إننا نلتقط الصور، ونتلاعب بهيئتها، وننضم إلى المناقشات، ونختار إحدى صور السيلفي، ونتواصل مع الآخرين. فمن خلال تبادل الرسائل النصية ننسج محادثة، ومن خلال البحث نصير مُطلعين (حتى إذا كنا نفتقر إلى الحكمة). لذا فإننا نتشارك في هذا مع أسلافنا الذين كانوا يرسمون على الكهوف كي يخبروا القصص أثناء التفافهم حول النار في أوقات السمر.

 

فلا يجب أن نتفاجأ إذًا من أن الهواتف الذكية تمثل 46% من الاستخدام الكلي للإنترنت. يُتوقع أن ينمو هذا ليصل إلى 75% بحلول عام 2021. فقد كُتب علينا، على ما يبدو، أن نحيا وهواتفنا في أيدينا.

  

الحياة مع التكنولوجيا
بيد أني سوف أجادل في بعض الأوقات، بعد أن أفصحت بذلك، أننا نحتاج أن نظهر بشخوصنا وأن نُحدث الفارق. فيمكن أن نصير محبطين إذا اقتصرنا مساحاتنا وعلاقاتنا على الشاشات الصغيرة أو "ساحات المدن"، فنحن في حاجة إلى بدء علاقات حيث نتلامس فيما بيننا، ونحدق في أعين بعضنا بعضا، بالإضافة إلى أننا نحتاج مساحات -بعض منها سيكون عبر الإنترنت- يمكن من خلالها إيجاد روابط عميقة، حيث يمكننا أن نستريح ونلعب ونستكشف.

 

وبما أن بعضًا منا سوف يتوجه إلى هذا الـ "تاون سكوير" كي يبتاع أحدث هواتف آيفون، أو أنه سيبتاعه عبر الإنترنت، سيكون من الأفضل أن نتذكر القول المأثور لمؤرخ التكنولوجيا ملفين كرانزبرج: "التكنولوجيا ليست جيدة وليست سيئة، وهي أيضا ليست محايدة".

 _____________________________________________

  

مترجمٌ عن: (ذا كونفرزيشن)

المصدر : الجزيرة