شعار قسم ميدان

ما أسباب اضطرابات الأكل؟

ميدان - أكل
تبرز خطورة اضطرابات الأكل لتأثيرها المباشر على جميع الأشخاص باختلاف العمر والجنس والعِرق وحتى الفئة الاجتماعية والاقتصادية، ورغم أن هذه الاضطرابات تبدأ عادة خلال مرحلة المراهقة فإن هناك العديد من الحالات التي تم تشخيصها في الأطفال وكبار السن.

وكمدخل نظري فإن اضطرابات الأكل هي أحد الاضطرابات النفسية المُعترف بها رسميا من قِبل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية. تسبب اضطرابات الأكل العديد من الاضطرابات السلوكية والهواجس المرتبطة بالأكل وعادات تناول الطعام وشكل الجسم لدى الشخص.([1])

  

هذا وتُشكّل اضطرابات الأكل خطرا كبيرا على صحة الشخص قد يصل إلى الوفاة، فالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل أكثر عرضة للإصابة بفشل القلب مقارنة بغيرهم، كما أنهم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات القلق والإدمان فضلا عن الاكتئاب الذي يدفعهم في نهاية المطاف إلى الأفكار الانتحارية ومن ثم الانتحار.([2]) رغم أنه يُشاع أن اضطرابات الأكل تحدث بسبب العوامل البيئية والثقافية فقط فإنه لا يوجد سبب محدد لحدوث تلك الاضطرابات. لذا خلال هذا التقرير سوف نتعرف على اضطرابات الأكل وأنواعها ومن ثم نحاول استكشاف العوامل المسببة لها. 

   

undefined    

   

ما أنواع اضطرابات الأكل؟
تتراوح اضطرابات الأكل بين تناول الشخص كمية ضئيلة للغاية أو كمية كبيرة جدا من الطعام. تتعدد أنواع اضطرابات الأكل لكن أشهرها هو اضطراب فقدان الشهية العصبي (Anorexia nervosa)، واضطراب الشره المرضي العصبي (Bulimia nervosa)، واضطراب الأكل الشره (Binge eating).

 

اضطراب فقدان الشهية العصبي

يُعد اضطراب فقدان الشهية العصبي هو أكثر اضطرابات الأكل انتشارا، يتطور الاضطراب عادة خلال مرحلة المراهقة ويكون أكثر تأثيرا في النساء مقارنة بالرجال. الأشخاص المصابون بفقدان الشهية العصبي لديهم خوف شديد من زيادة الوزن، إذ يرون أنفسهم بدناء للغاية رغم أنهم يعانون من نقص حاد في الوزن، وبالتالي يقيدون أنفسهم تقييدا شديدا بعدد محدد من السعرات الحرارية ويقومون بتجنب أنواع محددة من الطعام فضلا عن المراقبة المستمرة لأجسامهم.([3])  

   

   

يعاني نصف المصابين بفقدان الشهية العصبي من اضطرابات القلق والوسواس القهري، بيد أنهم مشغولون دائما بأفكار وهواجس مخيفة حول الطعام وشكل الجسم. بعض المصابين بفقدان الشهية العصبي يقيدون أنفسهم بنظام غذائي قاسٍ يعتمد على القليل من السعرات الحرارية، على عكس البعض الآخر منهم الذين لا يقيدون أنفسهم بنظام غذائي بل يتناولون الطعام الذي يريدونه ثم يقومون بإخراج الطعام عمدا عبر التقيؤ أو تناول المسهلات ومدرات البول.([4])  

 

مع مرور الوقت يُصاب الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي بترقق العظام وتقصّف الشعر والأظافر والتعب المستمر وقد يتطور الأمر في الحالات الخطيرة إلى الإصابة بفشل القلب والدماغ ومن ثم الموت.([5]) تستنكر الدكتورة نانسي زوكر، أستاذة علم النفس والأعصاب في جامعة ديوك، الجهل باضطراب فقدان الشهية العصبي رغم خطورته التي قد تصل إلى الوفاة قائلة: لا يزال يمكنك قراءة المزيد حول فقدان الشهية العصبي في الصحف بأقسام المشاهير لا الصحة، إذ إن التركيز على فقدان الشهية العصبي كظاهرة ثقافية أكثر بكثير من التركيز عليه كاضطراب نفسي.

    

اضطراب الشره المرضي العصبي

   

ينطوي اضطراب الشره المرضي العصبي على نوبات متكررة من تناول الطعام بكميات كبيرة في فترات قصيرة، ثم الشعور بالعجز وعدم القدرة على التحكم والسيطرة في هذه النوبات. رغم أن الأشخاص المصابين باضطراب الشره المرضي العصبي لديهم وزن صحي على عكس أولئك المصابين بفقدان الشهية العصبي فإنهم يخشون من زيادة الوزن، إذ يقومون بالعديد من السلوكيات التي قد تعوّض الإفراط في تناول الطعام مثل التقيؤ القسري أو الصوم وممارسة الرياضة بصورة مفرطة.([6])  

    

اضطراب الأكل الشره

  

رغم أن اضطراب الأكل الشره صُنّف كأحد اضطرابات الأكل في الآونة الأخيرة فإنه يُعد واحدا من اضطرابات الأكل الأكثر شيوعا في الوقت الحالي. يظهر على الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الأكل الشره أعراض مماثلة لأعراض الأشخاص المصابين باضطراب الشره المرضي العصبي، بيد أنهم يقومون بتناول كميات كبيرة من الطعام على فترات قصيرة نسبيا، لكنهم لا يستخدمون سلوكيات التطهير القسرية التي يستخدمها نظراؤهم من المصابين بالشره المرضي العصبي.

 

أسباب اضطرابات الأكل
لطالما شاع أن اضطرابات الأكل تحدث بسبب العوامل البيئية والثقافية فقط، لكن يعتقد الكثير من الخبراء أن اضطرابات الأكل تنجم عن العديد من العوامل البيئية والثقافية والاجتماعية فضلا عن العوامل البيولوجية (الجينات والوراثة)، وقد تتضافر جميع هذه العوامل معا لإثارة اضطرابات الأكل. ورغم أن العوامل البيئية تلعب دورا جوهريا في تشكيل السلوكيات فإن العديد من الأدلة تؤكد أن اضطرابات الأكل تبدأ في الدماغ.

 

يقول الدكتور والتر كاي، مدير برنامج أبحاث وعلاج اضطرابات الأكل في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا، إن العوامل الثقافية تلعب دورا ما في الإصابة باضطرابات الأكل، لكن ربما أقل بكثير مما كنا نظن في الماضي. يضيف كاي معلقا على أهمية القيام بالمزيد من الدراسات حول اضطرابات الأكل قائلا: يموت مئات الآلاف من الناس بسبب هذه الاضطرابات، لذا من الضروري أن نفهم العوامل المسببة لها ومن ثم تطوير أساليب علاج جديدة، لكن أحد الأسباب الرئيسة التي تُسهم في صعوبة تطوير علاجات جديدة هو فهمنا المحدود لوظائف الدماغ وكيف يمكن أن تُسهم في حدوث تلك الاضطرابات.([7])

   

للتعرف على العلاقة بين دور وظائف الدماغ في ظهور أعراض اضطرابات الأكل أجرى الباحثون في قسم الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا في سان ديجو دراسة بحثية على مجموعة من النساء المصابات بفقدان الشهية العصبي والشره المرضي العصبي، وذلك لاستكشاف وفرز مناطق الدماغ والدوائر العصبية المسؤولة عن اضطرابات الأكل والكثير من الأمراض النفسية والعصبية الأخرى.([8])

   

      

شارك في الدراسة مجموعة من النساء الصحيحات ومجموعة أخرى من النساء اللواتي يعانين من فقدان الشهية العصبي، طلب الباحثون من المشاركات لعب أحد ألعاب الرهان النقدي ثم قاموا بفحص أدمغة المجموعتين. كشف الفحص أن دوائر الدماغ المسؤولة عن نظام معالجة المكافآت لدى النساء المصابات بفقدان الشهية العصبي أقل نشاطا في حالة الفوز وأكثر نشاطا في حالة الخسارة على نقيض نظام المكافآت لدى أقرانهم من النساء الصحيحات.

 

نظام معالجة المكافآت هو نظام يقع في الفص الجبهي للدماغ، ويقوم بتفعيل الدوائر العصبية المرتبطة بالشعور بالمتعة عند قيام الشخص بنشاط أو سلوك مفضل لديه، ويُعد الدوبامين هو أحد أهم النواقل العصبية التي تؤدي دورا رئيسا في الإحساس بالمتعة. يختلف مقدار المتعة المتولدة من نظام معالجة المكافآت بناء على نوع المؤثر، لكن أكثر قدر من المتعة ينتج من السلوكيات المتعلقة ببقاء الكائن الحي مثل تناول الطعام وممارسة الجنس.([9])  

 

رغم أن تناول الطعام يُعد نشاطا ممتعا للأغلبية العظمى من الناس فإنه يعتبر نشاطا مُقلقا للأشخاص المصابين بفقدان الشهية العصبي. كشفت نتائج الدراسة التي نُشرت في (ديسمبر/كانون الأول) عام 2013 أن نظام معالجة المكافآت ينهار لدى الأشخاص المصابين بفقدان الشهية العصبي، إذ يؤدي إفراز الدوبامين في الدماغ إلى وظيفة عكسية بحيث يسبب القلق بدلا من المتعة. فيقول الدكتور كاي: هناك اختلال في توازن نظام المكافآت لدى الأشخاص المصابين بفقدان الشهية العصبي، حيث يواجهون صعوبة في ترميز المكافأة ويكونون أكثر حساسية للعقاب.([10])  

 

كشفت دراسة تالية قام بها الدكتور غويدو فرانك، أستاذ الطب النفسي في جامعة كولورادو، ونشرت في (أبريل/نيسان) عام 2015 أن الأشخاص المصابين بفقدان الشهية العصبي والشره المرضي العصبي لديهم اختلافات هيكلية ووظيفية في بعض مناطق الدماغ المتعلقة بتنظيم عادات تناول الطعام، مثل القشرة الجبهية الحجاجية (Orbitofrontal cortex) المسؤولة عن المعالجة المعرفية من أجل اتخاذ القرارات، فضلا عن القشرة الجزيرية (insular cortex) التي تساهم في الإدراك والوعي الذاتي والاستيعاب والقدرة على الإحساس بإشارات الجسم.([11]،[12])  

 

تُعلّق الدكتورة كريستينا فيرينغا، أستاذة علم النفس الإكلينيكي في جامعة كاليفورنيا والمشاركة في الدراسة البحثية مع الدكتور والتر كاي، على نتائج الدراسة قائلة: إن علاجات اضطرابات الأكل ليست فعالة بما يكفي، حيث يعاني المصابون باضطرابات الأكل من معدلات انتكاس مرتفعة، وذلك لأن العلاجات لم تسترشد بفهم مسببات هذه الاضطرابات، لكن علم الأعصاب سوف يفسح الطريق إلى الأدوية وسبل العلاج الجديدة. ويُعقّب الدكتور والتر كاي قائلا: هذه النتائج تعتبر تحولا مهما في عالم الطب النفسي، فكلما فهمنا الأسباب الدقيقة لاضطرابات الأكل كانت وسائل العلاج أكثر فاعلية واستهدافا.([13])  

المصدر : الجزيرة