شعار قسم ميدان

كيف يؤثر العنف الأسري على عالم الأطفال؟

midan - v

كيف يؤثر العنف الأسري على عالم الأطفال: ما نوع العلاقة التي يحتاجها الأطفال في سنواتهم الأولى؟ هل للعنف الأسري أثر على حياة الأطفال ونموهم؟  وكيف تختلف صحتهم النفسية عن الأطفال الآخرين؟ نتعرف إلى ذلك وأكثر، في هذه المقالة القصيرة والغنية.
 

يؤثر العيش في ظل العنف الأسري على رؤية الأطفال لأنفسهم والعالم من حولهم، مما يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية.

 

إن الآثار المدمرة للعنف الأسري على النساء موثقة بدرجة جيدة؛ لكن الوضع مختلف فيما يتعلق بالأطفال الذين يشهدون -بصورة مباشرة أو غير مباشرة- تعرض أحد الوالدين إلى العنف. وترجح مجموعة من الأبحاث الجديدة أن الأطفال الذين يتعرضون إلى العنف في المنزل قد يعانون من عدة اضطرابات عاطفية تؤثر على نموهم على المدى البعيد.

 

الأمن والأمان

يحتاج الأطفال إلى التمتع بعلاقة آمنة ومستقرة مع القائمين الأساسيين على رعايتهم من أجل نمو صحي، وفقا لما يطلق عليه علماء النفس اسم نظرية "التعلق". لكن الأطفال الذين تتشابك حياتهم مع العنف الأسري أقل قدرة على تكوين هذه العلاقة، ويرجع ذلك في الأغلب إلى استهداف الطرف المنتج للعنف لعلاقة الأم بأطفالها؛ مما يعني عجزهم عن التمتع بامتيازات هذه الرعاية خلال وقائع العنف الأسري وبعدها.
 

الاستيقاظ على صوت صراخ، أو رعاية أم بائسة، ورؤية الكدمات أو المزهريات المهشمة وحدها كافية للتأثير على رؤية الطفل للعالم، وعلى نموه بعيد المدى
الاستيقاظ على صوت صراخ، أو رعاية أم بائسة، ورؤية الكدمات أو المزهريات المهشمة وحدها كافية للتأثير على رؤية الطفل للعالم، وعلى نموه بعيد المدى
 

تقول أوليفيا بويل، المتخصصة في علم النفس السريري وعضو الجمعية الأسترالية لعلم النفس: "يفترض بعلاقة الأطفال بالقائمين على رعايتهم، أن توفر لهم الأمان والحماية خلال نموهم. فعلاقة الأطفال في سنواتهم الأولى بالأشخاص والخبرات خارج نطاق علاقاتهم الأسرية محدودة جدا، لذا لا يشعر الأطفال الذين يشهدون وقائع العنف الأسري بالأمان؛ بل يرون والديهم ما بين معتد وضحية".

 

تستقبل أذهان الصغار كمية هائلة من المعلومات المتعلقة بالعالم، خاصة خلال المراحل الأولى من الطفولة، وتتولى هذه العملية توجيه الوظائف الانفعالية في مراحل لاحقة من العمر

وتضيف قائلة: "من الطبيعي أن ينصب معظم اهتمام ضحايا العنف الأسري على مواصلة الحياة -تأمين السلامة الجسدية لهم ولأطفالهم- والتعامل مع الصدمات الناتجة عن ذلك العنف الأسري. وهو ما يؤثر على تواجدهم باستمرار لدعم الأطفال في معاناتهم من الاضطرابات العاطفية التي يسببها العنف الأسري لهم أيضا". 

تتفق "كاثي موريسون" عضو الجمعية الأسترالية لعلم النفس (MAPS)  مع زميلتها، قائلة: "عندما يعجز الوالد -الذي ينتظر منه حمايتك- عن التخفيف عنك في أوقات خوفك، وعن مساعدتك في تكوين علاقة صحية بالعالم من حولك، تكون النتائج كارثية. فلذلك أثر كبير على أدمغة الأطفال الصغيرة، خاصة الأطفال الأصغر سنا، الذين تنمو أدمغتهم بطرق مدهشة، فهذه الصدمات تؤثر بالسلب على قدرتهم على النمو التدريجي كسائر أقرانهم".
 

لكن الأطفال لا يحتاجون إلى التعرض للعنف الأسري، أو رؤيته خلال وقوعه رأي العين، لكي يصيبهم الأذى، وذلك هو الأمر الذي يبعث على القلق. فالاستيقاظ على صوت صراخ، أو رعاية أم بائسة، ورؤية الكدمات أو المزهريات المهشمة وحدها كافية للتأثير على رؤية الطفل للعالم، وعلى نموه بعيد المدى.

 

الآثار

تستقبل أذهان الصغار كمية هائلة من المعلومات المتعلقة بالعالم، خاصة خلال المراحل الأولى من الطفولة، وتتولى هذه العملية توجيه الوظائف الانفعالية في مراحل لاحقة من العمر. وفي حالة العنف الأسري، ينشأ الأطفال في بيئة متقلبة يسودها التوتر والقلق والخوف، وهو ما يؤثر على المعلومات التي يستقبلونها، وعلى طريقة تفاعلهم مع الآخرين، وتحكمهم في مشاعرهم، وهو الأمر الأكثر أهمية.

 

يجد الأطفال الذين تعرضوا للعنف صعوبة في التحكم في غضبهم، ومخاوفهم، وسائر المشاعر السلبية الرئيسة. فيفقدون هدوء أعصابهم بسهولة، ويصبحون عرضة للانهيارات العصبية
يجد الأطفال الذين تعرضوا للعنف صعوبة في التحكم في غضبهم، ومخاوفهم، وسائر المشاعر السلبية الرئيسة. فيفقدون هدوء أعصابهم بسهولة، ويصبحون عرضة للانهيارات العصبية
 

تقول بويل: "إن سنواتنا الأولى هي الفترة التي تشهد نمو وتطور أدمغتنا بصورة متسارعة، وفي هذه السنوات نتعلم كيفية التحكم في مشاعرنا؛ لكن افتقاد الأطفال إلى دعم ومساندة القائمين على رعايتهم خلال المحن والوقائع المفجعة، مع تكرار وقوع هذه الأحداث، يعيق قدرتهم على اكتساب وتنمية مهارات التحكم في المشاعر".

 

العنف الأسرييعلم الأطفال الخوف من البشر والعلاقات ويؤثر على طريقة نمو دماغ الأطفال وتطوره؛ مما يؤثر على رؤيتهم لأنفسهم، ولغيرهم، وللعالم كله

كذلك يجد هؤلاء الأطفال صعوبة في التحكم في غضبهم، ومخاوفهم، وسائر المشاعر السلبية الرئيسة. فيفقدون هدوء أعصابهم بسهولة، ويصبحون عرضة للانهيارات العصبية. كما كشفت الدراسات أن الأطفال الذين يشهدون وقائع عنف أسري أكثر قابلية لتبني السلوكيات العدوانية مثل التنمر، وأن فرصة خوضهم للعراك تعادل ثلاثة أضعاف فرصة الأطفال الآخرين.

تقول "موريسون" إن للعنف الأسري أثر على تطور معتقدات الأطفال الأساسية، التي تشارك بدورها في رسم تصورهم عن أنفسهم والعالم من حولهم. "تظهر المعتقدات الأساسية في عمر مبكر، على أساس التجارب التي نخوضها، ونتمسك بهذه المعتقدات طوال حياتنا، إلا في حالة تلقي بعض المساعدة الخارجية. وقد تتضمن المعتقدات الأساسية لهؤلاء الأطفال أشياء مثل "أنا غير محبوب"، أو "أنا في خطر"، أو "أنا عديم القيمة"، أو "أنا مغلوب على أمري". وتبني هذا النوع من المعتقدات في سن مبكرة، يكون له أثر كبير على خياراتك خلال بقية حياتك.

 

في النهاية، نقول إن العنف الأسري يعلّم الأطفال الخوف من البشر والعلاقات. تقول بويل: "يغير العنف الأسري طريقة نمو دماغ الأطفال وتطوره؛ مما يؤثر على رؤيتهم لأنفسهم، ولغيرهم، وللعالم كله. فغالبا ما يفتقد هؤلاء الأطفال إلى العلاقات الآمنة، فيهتمون -بدلا من ذلك- بالصراع من أجل البقاء، وهو ما يعيق تطورهم الطبيعي، ويجعل خوض العلاقات أمرا شديد الصعوبة بالنسبة لهم، فهم يرون الخطر في كل شخص يلتقون به".

=================================================
المقال مترجم عن: هذا الرابط
المصدر : الجزيرة