شعار قسم ميدان

لماذا تزداد نسب الانتحار في فصل الربيع؟

midan - suicide
مقدمة المترجم
هل ترتفع نسبة شعورك بالاكتئاب في الربيع وبواكير الصيف؟ هل تساورك الرغبة في البقاء وحيدا، هل تشعر بالغضب السريع؟  هل ينحدر مزاجك بسرعة؟ كلها إشارات على أنك تعاني مستويات متقدمة من حساسية الربيع، التي ثبت أنها تدفع النساء والرجال للانتحار بنسب أعلى في هذه الفترة من السنة عن باقي الفترات.

 

نص المقال
صُدِم تيودور بوستُولاش، أستاذ الطب النفسي بجامعة ماريلاند، في باكورة مسيرته المهنية، من نزعة غريبة ظهرت مرارا في الأبحاث حول الانتحار. فقد ظهر له أن الانتحار، على مرّ عقود وفي مختلف البلدان، كان أشد شيوعا في الربيع وبواكير الصيف عن أوقات أخرى من العام. يعتقد بوستولاش وباحثون آخرون، هذه الأثناء، بأنهم وجدوا رابطا مميزا بين فصول السنة والإيذاء الذاتي، ألا وهو، حبوب الطلع المسببة للحساسية. وجد بوستولاش ومعاونوه، في 2015، بأن نسب الانتحار في أوساط النساء الشابات قد تضاعفت في ذروة موسم حبوب الطلع، بينما ارتفعت النسبة ضمن النساء الأكبر سنا حتى أربعة أضعاف العام الفائت.

 

ووجد الباحثون في ولاية تكساس بأن محاولات الانتحار في أوساط النساء ارتفعت بحسب إحصاء يومي لحبوب طلع الأشجار في منطقة دالاس. بينما وجدت ورقة نُشرت في دورية البحث البيئي، الشهر الفائت وحسب، بأن حبوب الطلع المتزايدة في الهواء ترفع مخاطر الانتحار عند النساء في طوكيو -ما يعني أن هذه النزعة المؤسفة قد تكون عابرة للحضارات.

   

يقول ميسياس:
يقول ميسياس: "إن علينا نحن الأطباء النفسيين أن نولي اهتماما أكبر للجسم، بينما ينبغي على الناس الذين يولون انتباهًا أكبر لأجسامهم أن يولوا اهتماما أكبر لنفسياتِهم"
   

"أعتقد بأن هذا يشير إلى وجود رابط قوي بين السلامة النفسية والتهاب الأنف التحسسي"، قال كريستوفر لوري، أستاذ علم وظائف الأعضاء التكاملي في جامعة دنفر. يشعر العديد ممن يعانون الحساسية، عندما تلتهب الأغشية المخاطية والجيوب الأنفية لديهم كما لو أنهم مقيّدون بحبال لعبة "كرة المخاط"، معربين عن رغبتهم بقتل أنفسهم. عثرت بعض دراسات بوستولاش، بما لا يدع مجالا للشك، على روابط بين زيادة أعراض الحساسية والعدوانيّة، والتقلبات المزاجية.

 

لكن لا يبدو وأن تعاسة الهيجان الحساسوي وحدها كافية لتحفيز أفكار مماثلة. إذ يبدو الأمر ناجما، على الأغلب، عن سلسلة التهابات تطلقها مسببات الحساسية في الجسم. ثمة عدة طرق تمكّن رد الفعل الحاد على مسببات الحساسية في الجو من رفع مخاطر الانتحار لدى أحدهم، وإليكم واحدا. عندما تلامس حبة طلع قادمة من الهواء خلايا جهاز المناعة في الأنف، تطلق الخلايا ما يسمى بـ السيتوكينات، وهي جزيئات تستخدمها الخلايا لنقل رسالة من واحدة لأخرى. يؤمن بوستولاش وآخرون، بأن السيتوكينات قد تنحرف خلال الأنف لتدخل إلى الدماغ. هناك، قد تعبث السيتوكينات بالحساء الكيميائي الحساس للدماغ، مرجّحة كفة كيميائيات الشعور السام التي قد تستدعي أحاسيس القلق المفرط وتحفز السلوكيات المتهورة على كيميائيات الشعور الجيد.

 

إلى جانب الأنف، قد تؤثر السيتوكينات أيضا على الدماغ من خلال الانتقال عبر الأعصاب، أو تحفيز الخلايا المناعية لمهاجمة خلايا دماغية لا تشكو خطبا عن طريق الخطأ. قد تلعب هذه السيتوكينات، إذا، دورا في الفزع والتهور الذي يدفع الناس لإنهاء حياتهم. وتأكد الأمر لدى بوستولاش وآخرين عندما وجدوا مستويات متصاعدة من السيتوكين في أدمغة الضحايا المنتحرين. لا يعني ذلك أن كل من يعانون التحسس سيقدِمون على الانتحار. إذ يعتمد الكثير على قابلية المرء نفسه للمعاناة من الاضطرابات المزاجية والحساسية. بحسب بوستولاش، فإن أولئك الذين يتعرضون للكثير من حبوب الطلع في سن مبكر قد يكونون بمنأى عن الأمر.

    

في دراسة عام 2013، وجدوا بأن إحصاءات غبار الطلع في الهواء قد رفعت مخاطر الانتحار، عند الرجال، وكان الأثر أقوى ضمن أولئك الذين يعانون اضطرابات مزاجية
في دراسة عام 2013، وجدوا بأن إحصاءات غبار الطلع في الهواء قد رفعت مخاطر الانتحار، عند الرجال، وكان الأثر أقوى ضمن أولئك الذين يعانون اضطرابات مزاجية
  

قلة من هذه الانتحارات، مع ذلك، تكون بسبب الحساسية وحدها. "فكروا في الانتحار على أنه دائرة مجزأة"، قال إريك ميسياس، أستاذ الطب النفسي بجامعة أركنساس. "إن عدة عوامل، من بينها تاريخ العائلة، أو خسارة وظيفة، أو امتلاك مسدس، هي شرائح محتملة ضمن الدائرة. في اللحظة التي تُطبق فيها الدائرة على عدد من الشرائح، تكون لديك محاولة انتحار. لكن بالنسبة للبعض، قد تكون حساسيات غبار الطلع سببا واحدًا يبتلع الأسباب الأخرى". على الرغم من تنامي جسم من الأدلة -أو ربما بسببه- تبدو بعض دراسات انتحارات الحساسية وأنها متناقضة. حيث وجد ميسياس، في 2010، رابطا بين التحسسات والتفكير في الانتحار، لكن ليس محاولات الانتحار نفسها، وهو أمر يربطهُ بحقيقة أن أكثر الناس يفكرون في الانتحار دون الإقدام عليه بالفعل.

 

بينما وجد بوستولاش، و بينج كين الأستاذ بجامعة آرهوس، وآخرون  في 2011، بأن من المرجح معاناة ضحايا الانتحار أكثر من غيرهم من تحسسات مفرطة. وكان هذا صحيحا فقط ضمن أولئك الذين لم يكن لديهم تاريخ في الاضطرابات المزاجية.أخبرني كين أن هذا قد يرجع إلى كون الحصول على علاج للاضطرابات المزاجية يخفف من وطأة عوارض الحساسية أيضا، بما أن كلا الاعتِلالين متصل بميكانيزمات بيولوجية.

 

لكن في دراسة أخرى عام 2013، وجدوا بأن إحصاءات غبار الطلع في الهواء قد رفعت مخاطر الانتحار، عند الرجال، وكان الأثر أقوى ضمن أولئك الذين يعانون اضطرابات مزاجية. بينما فشلت دراسة أخرى، هذه الأثناء، في الإجابة عن الرابط بين نسب الانتحار ومستويات غبار الطلع. يربط بوستولاش النتائج المتضادة بالمنهجيات اليائسة المستخدمة في الدراسات. إذ تسهم في كل من التحسسات والمرض النفسي  عوامل أخرى -كنوع الشجرة أو الهشاشة الجينية أمام الانتحار لدى المريض- التي تعدّل قليلا على جمع المعلومات والتحليلات التي يمكن أن ينجم عنها نتائج  متباينة إلى حد كبير.

  

ينصح الباحثون أطباءالعناية الأساسية أن يسألوا دائما مرضاهم الذين يعانون الحساسية الحادة عن وضعهم النفسي
ينصح الباحثون أطباءالعناية الأساسية أن يسألوا دائما مرضاهم الذين يعانون الحساسية الحادة عن وضعهم النفسي
  

وبرغم ذلك، يقول بعض الباحثين  أن على الدراسات المستقبلية  إثبات الصلة. "إننا لسنا قريبين بأي شكل من إمكانية القول بثقة أن الحساسية تسبب خطر الانتحار"، قال إيان داوي، رئيس فريق عمل معايير منع الانتحار في جمعية مشفى أونتاريو ، لموقع "جلوب أند ميل" العام الفائت. في بحثه المستقبلي، يخطط بوستولاش لفحص إن أمكن، من أجل إعطاء المضادات الحيوية للحيوانات أن يساعد في تخفيف أعراض الحساسية، وتغيرات المزاج، والسلوك الانتحاري. في المحصلة، إن كانت البيئات مفرطة التعقيم قد أفسدت أنظمتنا المناعية بحيث باتت تهتاج بسبب الأشجار والأعشاب، فلعل القليل من البكتيريا "النافعة" قد يهدئ من هيجانها.     

 

في الوقت الحالي، ينصح هو وآخرون بأن يسأل أطباء العناية الأساسية مرضاهم الذين يعانون الحساسية الحادة عن وضعهم النفسي. "إن علينا نحن الأطباء النفسيين أن نولي اهتماما أكبر للجسم"، قال ميسياس" بينما ينبغي على الناس الذين يولون انتباهًا أكبر لأجسامهم أن يولوا اهتماما أكبر بنفسياتِهم".

________________________________

المقال مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة