شعار قسم ميدان

كيف سيكون شكل الحياة في المستقبل؟ محاضرات "تيد" تجيبك

midan - ted
عادة ما تبدو الإجابات عن سؤال "كيف ستبدو الحياة في المستقبل؟" ذات طابع خيالي، إما مغرق في التفاؤل بالتقدم التقني والعلمي للإنسـانية، أو على النقيض، إجابات غارقة في السوداوية التي تنظّر لمستقبل مليء بالمشكلات والأزمات، وناظرة إلى أن البؤس الحالي الذي تعيشه البشرية أفضل بكثير مما ستشهده بعد عدة عقـود.

 

لكن العلمـاء لهم رأي آخر، ورأي العلمـاء ليس مبنيا على الخيال أو التنظيـر الأدبي، لكن آراءهم تظـل في حدود استكشاف المستقبل بشكل علمي بناء على ما هو متاح بين أيدينا اليوم من تقنيـات وعلوم من ناحية، ومسارات وتوجّهـات فكـرية واستنبـاطية يمكن بناء نظـرة توقّعيـة مستقبلية لها من ناحية أخرى. في هذا التقرير نستعرض مجموعة من أهم المحاضـرات التي تم إلقاؤها على مسـرح "تيد" (Ted)، ينظّـر محاضـروها حول المستقبل، ما الذي سنشهده في المستقبل القريب؟ ماذا تحمل لنا العقـود القليلة المقبلـة من أحداث وتقنيـات ومميزات ومشكلات، بل وربما كوارث أيضا؟

 

العالم سينتهي بواحدة من عشر طرق!

كثيرا ما تشغل قضية نهاية العالم العقل البشري، مئات الأفلام والروايات والكتب والتحذيرات تناقش قضية نهاية العالم، سواء من منظورها العلمي، أو الديني، أو من منظور الخيال، أو -وهذا هو الأغلب- من منظــور يشتمل على مزيج من كل ما سبق.

 

في هذه المحاضرة الشيّقة من "تيد" (Ted) -التي ألقيت في بدايات القـرن الحالي- يشرح ستيفن بيترانيك مجموعة من السيناريوهات حددها بعشـر سيناريوهات استخدمت فيها وسائل تقنيــة لاستشفاف ما يمكن أن يحدث في المستقبل، وأبرز المخاطر الحقيقية التي من شأنها إنهاء الحياة على كوكب الأرض. كيف ستكون النهاية؟ هل ستكون من خلال نيزك متربّص يندفع بسرعة كبيرة ليرتطم بالأرض؟ هل ستكون النهاية بحرب نووية أو تغير مناخي؟ هل ستكون النهاية بفقدان الناس رغبتهم في العيش مع زيادة متوسط الأعمار في هذا القـرن إلى 85 عاما وانهيار الحياة بسبب تزايد معدلات الاكتئاب؟ هل ستكون النهاية بانهيار النظام البيئي تحت وطأة التلوث وازدياد سكان الأرض؟ ماذا لو خرج مصادم الجزيئات الضخم من السيطرة وأدى إلى انهيار الكوكب كله من باب الخطأ؟

 

المحاضـرة حققت مشاهدات مليونية، وما زالت حتى الآن تعتبر من أكثر محاضرات "تيد" (Ted) المثيرة للجدل التي تتنـاول الجانب المظلم عن المستقبل الذي ننتظره جميعا بشغف، وربما ببعض الأمل.

  

عن آلات المستقبل المُدهشــة

 

محاضـرة ذائعة الصيت من "تيد" (Ted) يلقيهـا رفاييلو دي أندريا المهندس والريادي والباحث المتخصص في أتمتـة الآلات والتقنية. حققت المحاضرة أكثر من مليوني مشاهدة، وتعتبر من أكثر المحاضرات التي ألقيت في عام 2016 من حيث الشعبيـة من بين العديد من المحاضرات التي تتناول ابتكارات سنشهدها في المستقبل.

 

الطائرات بدون طيّار في وعينا الحالي إما تعني أمرا مفيدا جدا، أو شيئا خطيرا جدا له صورة في عقولنا ترتبط بالحروب أو التجسس، لكن الواقع أجمل بكثير مما يجول في أذهاننا، حيث يحمل لنا المستقبل القريب صورا وأنماطا من الطائرات بدون طيّار تمزج بين الفائدة والإبداع والجماليات الفنية الابتكـارية، وتجعـل حركة الطائرات أسرع وأفضـل وأكثـر نعومة وانطلاقا.

 

ما يجعل هذه المحاضرة مختلفة هو أن المحاضر قام باستخدام أصناف مختلفة ومدهشة من الطائرات الصغيـرة التي كانت تتراقص مثل الفراشات الآلية على مسرح "تيد" (Ted) أمام الجمهـور الذي يتصايح بالإعجاب والانبهار بما هو آت في المستقبل من آليـات تبدو كأنها خارجة من إحدى أفلام الخيال العلمي.

 

كيف ستبدو النقــود في المستقبل؟

  

كيف ستبدو الحياة المالية في المستقبل؟ نحن هنا لا نتحدث عن مستقبل بعيد بعد 500 سنة، وإنما نتحدث عن مستقبلنا القريب الذي يغطّي هذا القـرن تحديدا. هذا السؤال ليس عبثيا بقدر ما يأتي على خلفيـة تطورات ثورية في كل معايير النقد العالمي الحالية، بدءا من توزيع الموارد حول الأرض، والمعاملات المالية والبنكيـة، وبزوغ نجم العمـلات الافتراضية "البيتكوين"، وتحولات كبرى في الأنظمة المصرفية.

 

نيهـا نارولا ألقت هذه المحاضرة على مسرح "تيد" (Ted) في عام 2016، وتصاعد ترتيبها بشكل سريع جدا لتصبح من أكثر المحاضرات إقبالا في عدد المشاهدات، إذ تشرح بأسلوب هادئ ولطيف ملامح الحياة المالية الحالية، وتبدأ بالتدريج بشكل منظم في شرح توقعاتها بخصوص مفهـوم العمـلات في المستقبل، سواء العمـلة الورقيـة أو العملة المعدنية، وأيضا تشرح مبادئ أساسية عما تمثّله هذه العمـلات من موارد وما يمكن أن يكون موازيا لها في المستقبل.

 

تطرح المحاضرات علامات استفهام وتعجب، كيف ستتغير طريقة حياتنا وشرائنا وبيعنا للأشياء؟ هل سيتم إلغاء المصارف؟ هل ستظل العمـلات في أيدينا بهذا الشكل أم أن العملات الافتراضية مثل البيتكوين وإثيروم ستكون هي الأساس؟ أسئلة كثيـرة تدور كلها حول محور الإقـرار بأن المستقبل سيشهد أنماطا مغايرة لمفهـوم العمـلات النقدية التي نتعامل بها الآن.

 

الوظائف التي سنتركها للآلات.. والوظائف التي لن نتركها

  

المستقبل القريب هو عصـر صعود الآلة، هذه حقيقة لم تعد تخفى على أحد، وتم التمهيد لها عبر عشرات الأفلام والروايات على مدار القرن العشرين كله، وبدأت إرهاصاتها بالفعل حولنا، وإن كان بأنماط وأشكال مختلفة لم تصل بعد إلى عصـر الروبوتات بشكل كامل.

 

وبما أن الآلة قادمة لا محالة فإن التفكيـر العالمي الآن يتجه إلى إبراز مميزات أتمتة كل شيء في حياتنا والاعتماد على الآلات، بالإضافة إلى إبراز سلبيـات الاعتماد على الآلات أيضا، بما فيها احتمال فقدان سيطرتنا عليها من ناحية، ليتحول الأمر إلى تراجيديا طالما أبرزتها أفلام الخيال العلمي، أو التراجيديا الأسوأ بالنسبة للبعض إحلال الآلة محل الإنسان في الوظائف والعمل، وتحوّل الإنسان -خصوصا في الطبقات العاملة والوسطى- للبطالة الجبرية.

 

في هذه المحاضرة يقرر أنثوني جولدبلوم مزايا صعود الآلات في حياتنا لإنجاز مهام صعبة، وفي الوقت نفسه يطرح السؤال المُقلق بوضوح: هل يمكن أن يقوم الإنسان الآلي بعملك في المستقبل، خصوصا أن الآلات الآن أصبحت لديها القدرة على إنجاز مهام معقدة وصلت إلى حد تقييم المقالات الكتابية وتشخيص الأمراض بدقة؟!

 

على أعتاب عصــر الهولوغــرام

  

من أشهر محاضرات "تيد" (Ted) التي تم إلقاؤها في مطلع عام 2016، حققت حتى الآن ما يزيد عن مليوني مشاهدة، وتعتبر من أكثر المحاضرات التي تم تسليط الضوء من خلالها بشكل بارز على جانب من أكثر الجوانب إثارة للخيال البشري، وهي صعــود عصر الهولوغرام والرسوميات المجسمة.

 

تمر البشرية حاليا بعصـر التقنية اللمسية، حيث يتم معالجة أي شيء تقريبا لمسا، في المستقبل القريب ستكون الحياة قائمة على عرض الرسوميات المجسّمة بدون شاشات، حالة أشبه ببرزخ يقع بين البث الواقعي والافتراضي. أن يتم عرض كل شيء أمامك هوائيا دون الحاجة إلى لمس سطح مادي بيدك، هي حالة كانت من أكثر الأمور إثارة لخيال البشر على مدار سنوات طويلة.

 

في المحاضرة يعرض أليكس كيبمان -عمليا- تطور تقنيـات الصور المجسمة الثلاثية الأبعاد وتطبيقاتها المنتظرة في المستقبل، حيث مرحلة جديدة من التكنولوجيا تعيشها البشرية بالكامل تعتبـر أن التكنولوجيا اللمسية الحالية -ربما- ضرب من الكلاسيكية والبدائية!

 

هل سيكون القرن الـ 21 هو القـرن الأخير؟

  

على مدار القرن العشرين كله تقريبا والعلماء والأدباء يشككون دائما في أن الحياة سوف تستمر لما بعد القرن الحادي والعشرين، ودائما ما كان هذا القـرن هو محل الديستوبيا السوداء التي تشير إلى أن التكنولوجيا سيكون لها عامل أكبر في تحطيم الحيـاة واندثار الكوكب.

 

في هذه المحاضرة يتجاهل السير مارتن ريس العالم الفلكي المخضـرم كافة الأدبيات الخيالية، ويبدأ في التعامل مع الموضوع بجدية، ويطرح السؤال: هل سيكون هذا القـرن بالفعل هو القرن الأخير لحياة البشر على الأرض، أو القرن الأخير لبدء اندثار الحيـاة ككل؟ أم أنها خيالات أدبيـة وروائية سوداوية متشائمة؟

 

الأجمل في المحاضرة أنه يركز على الموضوع من منظور كوني بحت، ويطرح عنـاوين عامـة لما ينبغي أن يتم عمله لمنع التبعات المظلمة للتطور العلمي والتكنولوجي الذي له نصيب كبيــر من الاتهامات في هذه المحاضرة، مع الإقرار بأن هذا التقدم قد يكون هـو طوق النجاة أيضا لاستمرار كوكب الأرض لما بعد القـرن الحادي والعشرين.

 

يتحدث السير مارتن ريس كعالم فلك و"كفرد من الجنس البشري يشعر بالقلق" وهو ينظر إلى كوكبنا ومستقبله من منظور كوني، ويحث على اتخاذ إجراء لمنع التبعات المظلمة للتطور العلمي والتكنولوجي.

 

ماذا سيحدث عندما تكون الحواسيب أكثر ذكاء من البشر؟

  

محاضرة مثيرة للجدل شهدها مسرح "تيد" (Ted) في عام 2015، حققت مشاهدات مليونية تجاوزت مليوني ونصف مليون مشاهدة، وتشمل المحاضـرة كشف الغطاء عن واحد من أكثر الأمور المفتـاحية للمستقبل في القرن الحادي والعشرين، وهي الذكـاء الصنـاعي، وصعود عصر تعلم الآلة (The Machine Learning).

 

يلقي المحاضر نيك بوستروم المتخصص في هذا المجال، ويشير إلى مجموعة من الحقائق بعضها مبهج وبعضها مخيف، على رأسها أن الأبحاث التي تم القيام بها خلال السنوات الأخيرة تؤكد أن الذكـاء الصناعي للحواسيب سوف يكون مماثلا لذكاء الإنسان بشكل مؤكد، الجيد في الأمر أن ذكـاء الآلة سيعد أحد أهم الاختراعات التي تحتاجها الإنسـانية، والتي ستساهم في حل عدد هائل من المشكلات في كافة القطاعات.

 

ومع ذلك، يظل التوجسّ -المشروع- من اللحظة التي يتخطى فيها ذكـاء الآلات ذكـاء البشر، ماذا سوف يحدث وقتها؟ هل سيكون ذلك شيئا طبيعيا، أم أن هذه المرحلة تمثل تهديدا حقيقيا للبشر؟ وهل سوف تساعدنا هذه الآلات عالية الذكاء على الحفاظ على قيمنا وجعل المجتمعات البشرية أفضل، أم أن هذه الآلات -في هذه المرحلة- ستعيد تشكيل منظومة القيم أيضا؟

 

المستقبــل سوف يكون… وممل أيضا!

  
رغم أنها واحدة من أحدث محاضرات "تيد" (Ted) التي أطلقت في (أبريل/نيسان) من عام 2017 فإنها حققت مشاهدات ضخمـة تجاوزت أربعة ملايين مشاهدة في غضون شهـرين فقط -لحظة كتابة هذه السطـور-، وتعتبر من أكثر المحاضرات التي تناقش المستقبل ببعض التفصيـل على مدار 40 دقيقة كاملة.

 

من المتحدث في هذه المحاضـرة؟ إنه إيلون ماسك الريادي المُبدع مؤسس "سبيس إكس" (SpaceX) وشركة "تيسلا" (Tesla) وغيرها من الشركات التقنية التي تغيّـر من وجه الحياة على كوكب الأرض، وعرّاب مشـروع نقـل البشـر للحيـاة على المريخ، وغيرها من المشروعات التقنية الضخمة التي تبدو أقرب للخيال عندما يتم الإعلان عن العمـل عليها، ثم تتحول إلى واقع يجبـر الجميع على الاعتراف به.

 

جلسة أسئلة إجابات يشرح فيها إيلون ماسك العديد من الأمور، ليس فقط بخصوص مشروعاته أو رؤيته للمستقبل، وإنما أيضا يشارك بأفكـاره ومخاوفه وما يثير قلقه بخصوص المستقبل، وحتى بعض التجارب الشخصية والمعوّقات والتحديات التي مرّ بها طوال السنوات الماضية.

  

ما سيحدث خلال الثلاثين عاما المقبلة؟

  

نختم بهذه المحاضـرة التي يلقيها نيكولاس نيغروبونتي مؤسس مختبر ميديا بمعهد ماساتشوستس للتقنية. نيكـولاس شخصية شهيـرة في الأوساط التقنية باعتباره "نوستراداموس" المستقبل التقني، إذ إن له محاضـرة شهيـرة ألقاها في عام 1984 ألقى فيها مجموعة من التنبـؤات بخصوص التطور التقني الذي سيشهده العالم خلال الثلاثين عاما المقبلة، والمذهـل أن كل ما ذكـره تقريبا أصبح جزءا لا يتجزّأ من حياتنا اليوم، رغم أن ما قاله وقتئذ كان محل سخرية وتندّر من البعض، أو في أبسط الأحوال كان محل اتهام بالمبالغة.

 

في هذه المحاضـرة يذكّـرنا نيكولاس بما قاله آنفا ومستوى تحققه، ثم يقفـز قفـزة زمنية أخرى للثلاثين عاما المقبلة ليدلي بتوقعـاته. من المؤكد أنها حازت اهتمام الجميع باعتبار أن الزمن أثبت صدق توقعّــاته المدروسة بعنـاية، خصوصا فيما يتعلق بالشق التقني والعلمي.

 

كل محاضرة من هذه المحاضرات تقدم لك بأسلوب "تيد" (Ted) السلس المبسّط ما يشبه وجبـة متكاملة من الحقائق والتصوّرات بخصوص المستقبل القريب الذي نعيش إرهاصاته الآن، ونمط الحيـاة الذي نتّجـه إليه حثيثا، سواء كان عامرا بالتفاؤل، أو مليئا بالتحذيرات.

المصدر : الجزيرة