شعار قسم ميدان

لماذا لا يجب أن تقلق من سرقة الآخرين لأفكارك؟

ميدان - أفكار
اضغط للاستماع
    
عمل تشيستر كارلسون على فكرته لسنوات عديدة. كان العمل صعبًا وأحدثَ فوضى عارمةً في المنزل، وعندما تعبت زوجته من الروائح الكريهة وحرائق الكبريت والانفجارات المنبثقة في بعض الأحيان من المطبخ، نقل تجاربه إلى شقة في الطابق الثاني في منزل تملكه حماته. في نهاية المطاف، استطاع التوصل أخيرًا لنموذج ناجح من العمل. 

حاول بيع آلاته إلى الشركات الكبرى في ذلك الوقت، بما في ذلك جنرال إليكتريك، شركة راديو أميركا، وشركة آي بي إم، لكن دون جدوى. في نهاية المطاف، تعاون مع شركة هالويد، التي غيرت اسمها لاحقًا إلى زيروكس. وفي عام 1959، أي بعد أكثر من 20 عامًا من بدء كارلسون سعيه، أُطلقت زيروكس 914 وهي أول آلة ناسخة (ماكينة تصوير مستندات) ناجحة وأصبحت واحدة من الشركات الرائدة في أميركا.

وقال رائد الحوسبة هوارد أيكن "لا تقلق بشأن سرقة بعض الأشخاص لأفكارك"، "إذا كانت أفكارك جيدة بما فيه الكفاية، لوجب عليك إجبارهم على الاستماع والقبول لها"، ليس هناك شيئًا يمكن قوله بعد ذلك. الحقيقة هي أن الابتكار يحتاج إلى دمج العديد من الأفكار معًا والعديد من الأفكار مجتمعة يمكنها تحقيق تأثير أكبر من فكرة واحدة. لذلك إذا كنت تريد لفكرتك تحقيق أي شيء، فمن الأفضل لك أن تتشاركها مع الآخرين.

الأفكار العظيمة ليست كافية لوحدها
فكرة مشروع يحاكي تحكم الكمبيوتر بالآلات الميكانيكية  (رويترز)
فكرة مشروع يحاكي تحكم الكمبيوتر بالآلات الميكانيكية  (رويترز)

لم تكن حالة تشيستر كارلسون هي الحالة غير العادية الوحيدة. بالنظر في حالة إيغناز سيملويس؛ فبإدخاله غسل اليدين لمستشفى فيينا العام، قضى تقريبًا على معدل الإصابة بحمى النفاس أو حمى ما بعد الولادة، وأنقذ عددًا لا يُحصى من الأرواح؛ إلا أنه لم تتم الإشادة به كبطل، بل على العكس، تم نبذِه، كمهووس، واستغرق الأمر عِقدًا من الزمان كي تصبح نظرية جرثومية المرض مقبولة على نطاق واسع.

ومن الأمثلة الحديثة على ذلك جيم أليسون، الذي طور العلاج المناعي للسرطان، وأدى إلى إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح. واليوم، يعتبره الكثيرون على القائمة القصيرة للفوز بجائزة نوبل، ولكن عندما حاول لأول مرة بيع فكرته لشركات الأدوية، لم يقبل بها أحد. قال لي: "كان الأمر محبطًا. "كنتُ أعرف أن هذا الاكتشاف يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا، ولكن لا أحد يريد الاستثمار فيه".

هناك الكثير من الأسباب التي تدفع الناس إلى عدم الاعتراف بالأفكار العظيمة عند رؤيتهم لها، وفي حالة تشيستر كارلسون، لم تتمكن الشركات العملاقة من تحديد نموذج أعمال لجهازه، ووفر اكتشاف سيملويس قرونًا من الحكمة التقليدية في الطب، في حين أنفقت شركات الأدوية المليارات على العلاجات المناعية الفاشلة قبل أن يأتي جيم أليسون باكتشافه.

لم توجد أي فكرة في أي وقت مضى من فراغ، ولكن لا بد عليه من دخول في سوق طاحنة؛ حيث تتنافس العديد من الأفكار الأخرى، وكل تلك الأفكار لها حُجَجِها القوية الخاصة بها، لذلك إذا كنت تريد لفكرتك النجاح، يجب عليك ألّا تقلق بشأن حمايتها، ولكن اخرِجها للعلن وحاول بيعها!

الطريق الطويل بين الفكرة والتأثير

هناك مفهوم آخر خاطئ، وهو اعتبار الابتكار حدثا منفردا، هذا غير صحيح على الإطلاق. على العكس، هو في الواقع عملية طويلة من الاكتشاف والهندسة والتحويل، وعادة ما يستغرق عقودًا من الزمن، ويشمل المئات -إن لم يكن الآلاف- من الناس.
 

تبادل الأفكار بين الشركات يساعدها على الابتكار والتقدم بشكل أفضل، كما أنه يساعدها على الانتشار وبناء سوق أفضل. وبعبارة أخرى، فإنها لا تُعد مشاركة بمفهوم الإيثار المطلق، إنهم يقومون بذلك لأنه يدر عليهم المزيد من الأرباح

بالنظر في حالة الكهرباء، تم اكتشاف المبادئ الأساسية من قبل فاراداي وماكسويل في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وتم هندستها وتحويلها إلى حلول عملية من قبل اديسون وتسلا في الأجزاء الأخيرة من القرن ذاته، ومع بداية القرن العشرين، استُعملت التكنولوجيا بشكل واسع في المصانع، ولكن من الغريب أنها لم تحقق فائدة ملموسة في البداية.

المشكلة، كما اتضح بعد ذلك، لم تكن الكهرباء، ولكن المصانع نفسها. في محطات دفع البخار، كان لا بد من تنظيم الآلات حول مصدر الطاقة وتم تصميم المصانع الأولى التي بدأت في استخدام الطاقة الكهربائية بالطريقة نفسها، وبذلك تغيرت آلية العمل قليلًا، ولكن الغريب في الأمر هو أن ذلك لم يحقق في البداية سوى نتيجة بسيطة جدًا.

استغرق الأمر حوالي ثلاثين عاما لجيل جديد من المديرين، الذين ما زالوا يتذكرون القليل عن محطات البخار، وبذلك أدركوا أن المصانع يمكن أن تصبح أكثر كفاءة إذا كانت مصممة حول سير العمل. وبمجرد أن حدث ذلك، ارتفعت معدلات الإنتاج بصورة جنونية وتقدمت بذلك الصناعة جنبًا إلى جنب مع جودة ورفاهية الحياة.

لماذا تعرض الشركات الأفكار للمشاركة؟

بإلقاء نظرة حولك سوف تجد أن بعضًا من الشركات الذكية في الواقع تهب أفكارها للغير. في عام 2014، أعلنت تسلا أن مصادر براءات الاختراع التي تمتلكها متاحة للاطلاع عليها. وفي الآونة الأخيرة، أعلنت غوغل أنها أتاحت تنسور فلو للاستخدام العام، (تنسور فلو هي مكتبة من البرمجيات مفتوحة المصدر للتعلم الآلي أو الذكاءِ الاصطناعي عبر مجموعة من المهام). وكانت شركة آي بي أم قد تبرعت ببراءات الاختراع لعقود.

مكاتب شركة غوغل في مدينة كامبريدج  (رويترز)
مكاتب شركة غوغل في مدينة كامبريدج  (رويترز)

وعندما سألتُ بيرني ميرسون، الرئيس التنفيذي للابتكار بشركة آي بي إم: لماذا تقوم شركته بذلك؟ قال لي: "نحن نستخدم المصادر المفتوحة عندما نريد إنشاء مجتمع حول التكنولوجيا، ما يدفعنا لاتخاذ قرار حول المصادر المفتوحة هو أننا نسأل أنفسنا إذا ما كان الاستخدام الأكثر فعالية للموارد المحدودة يدفع بالتكنولوجيا أو أنه من الأفضل لنا المساعدة على بناء المجتمع؟".

كان لدى راجات مونجا، الذي يقود فريق تنسور فلو في غوغل، أفكارًا مماثلة. فقد أخبرني أنه "بعد أن أصبح هذا النظام مفتوح المصدر، يُمكننا التعاون مع العديد من الباحثين الآخرين في الجامعات والشركات الناشئة، والتي تعطينا أفكارًا جديدة حول كيف يمكننا المضي قدمًا في تحديث التكنولوجيا لدينا. منذ اتخذنا قرار المصدر المفتوح، كود البرنامج يعمل بشكل أسرع، فقد أصبح بإمكانه عمل المزيد من الأشياء كما أنه أصبح أكثر مرونة وأريحية".

ببساطة، هذه الشركات تقوم بتبادل أفكارها لأنها تساعدهم على الابتكار والتقدم بشكل أفضل، كما يسمح للآخرين بالإضافة لأفكارهم وجعلها أفضل، كما أنها تساعدهم على الانتشار وبناء سوق أفضل. وبعبارة أخرى، فإنها لا تُعد مشاركة بمفهوم الإيثار المطلق، إنهم يقومون بذلك لأنه يدر عليهم المزيد من الأرباح.

الكرم يمكن أن يكون ميزة تنافسية

أثناء كتابة كتابي "رسم خرائط الابتكار"، تحدثتُ إلى عشرات المبتكرين الاستثنائيين، من العلماء والمهندسين العالميين، إلى المديرين التنفيذيين في الشركات الكبرى لرواد الأعمال الذين خلقوا شيئًا من لا شيء، وقد أصابتني الرهبة قليلًا، ولكن وجدت أن جميعهم تقريبا كانوا سعداء بمسَاعدتي، ومنحوني وقتهم بسخاء وأبدوا كثيرًا من الاهتمام بمشروعي.
 
في الواقع، كنتُ مندهشًا للغاية كيف كانوا لُطافاء بشكل لا يُصدق، وباستمرار، ثم بدأتُ بالبحث في هذه المسألة بشكل أبعد، ووجدتُ أن الكرم غالبا ما يكون ميزة تنافسية. من خلال مشاركة أفكارك والاستماع للآخرين خلال مشاركة أفكارهم، فأنت تزيد من قدراتك للوصول إلى المزيد من المعرفة والرؤى المختلفة، أنت أيضًا تبني شبكات قيمة من الاتصالات يمكنك الوصول إليها في وقت لاحق.

أصبحت فكرة تشيستر كارلسون قوية عندما تم دمجها مع نموذج العمل الجديد الذي وضعه هالويد، أصبحت نظرية جرثومية المرض فقط أكثر فاعلية عندما تم تزويدها بأساليب جديدة لجمع البيانات والإبلاغ عنها، نشأت فكرة جيم أليسون عن العلاج المناعي للسرطان عندما دمج أبحاثه مع رؤى باحث آخر في مختبره.

لذلك، إذا كنت تعتقد أن لديك فكرة جيدة، فلا تحميها، ولكن شجع الآخرين على البناء عليها؛ بحيث يمكن أن تنمو وتحقق النجاح المرجو لها. الاحتمالات الأكبر أن أحدًا لن يسرقها. في الواقع، سيكون لديك وقت صعب جدًا لإقناع الآخرين بأخذِها على محمل الجد. لذا، ستحتاج إلى كل المساعدات التي يمكنك الحصول عليها.
 
============================

 
مترجم عن: (آي إن سي)