يختلف منظور النجاح من شخص إلى آخر؛ إذ يرى البعض أن الحظ هو الطريق إلى النجاح، ويعتقد بعضًا آخر أن مفتاح النجاح هو الذكاء، بينما يرى آخرون أن النجاح لا يتحقق إلا بالعزم. لذا خلال هذا التقرير سنعرض العديد من المحاضرات التي أُلقيت على مسرح مؤتمر تيد (TED) وتتناول رحلة النجاح وأسراره، وفلسفته، واختلاف وجهات النظر في رؤية النجاح ورحلته.

 

يتناول الفيلسوف إلين دي بوتون، خلال هذه المحاضرة التي ألقاها على مسرح تيد في (يوليو/تمّوز) عام 2009، العديد من الجوانب الفلسفية للنجاح والفشل، ويطرح العديد من التساؤلات حول ما يدور بخّلد الناس عن النجاح وفرضياتهم عن الفشل، ويتعمق متسائلا: هل من الممكن أن يكون أحدهما دائم التحصيل بينما لا يتحقق الآخر أبدًا؟

 

يعرِض بوتون في محاضرته التي اقتربت من 6 ملايين مشاهدة بطريقة شديدة البلاغة وفكاهية في الوقت ذاته، فلسفة نجاح أكثر ودية ولطف، بينما تّكمن المعضلة الأساسية في الغطرسة والتكبر، فالغطرسة هي التي تجعل الكثيرون لا يحظون بالسعادة الحقيقية فيما يقومون به، كما قد يكون تعاملنا مع المتكبرين ووجودهم بكثرة حولنا هو سبب معاناتنا وعدم شعورنا بالنجاح والسعادة.

 

تّروي إليزابيث غلبرت، مؤلفة كتاب "طعامٌ، صلاةٌ، حبّ: امرأة تبحث عن كل شيء"، الذي تصّدر قائمة النيويورك تايمزِ للكتب الأكثر رواجًا لأكثر من سنتين، خلال هذه المحادثة القصيرة التي ألقتها على مسرح تيد في (مارس/آذار) عام 2014، كيف يمكن أن يتساوى كلٌ من النجاح والفشل، بأن يكونا سببًا للضياع، وأين يوجد الحافز لمواصلة الإبداع!

 

ترى إليزابيث أن النجاح كالفشلِ تمامًا؛ فالفشل يقذف صاحبه فجأة إلى الهاوية وسط ظلال فسيحة من خيبات الأمل، كذلك النجاح يقذف صاحبَه بالطريقة المفاجئة ذاتها لكن إلى التألق والشهرة والتقدير والثناء لا إلى الهاوية. كما ترى أن العقل اللاوعي غير قادر إطلاقًا على التفرقة بين النجاح والفشل، في حين أن الشيء الوحيد القادر على إحساسه هي القيمة المطلقة لكلٍ منهم، على غرار المجتمع الذي ينظر إلى كلٍ منهما من منظور معاكس بحت، فالفشل سيء في حين أن النجاح جيد.

 

يلخّص المحلّل "ريتشارد جونز" في هذه المحادثة القصيرة التي ألقاها على مسرح تيد في (فبراير/شباط) عام 2005، وحصدت أكثر من 10 ملايين مشاهدة. خِبرة سبع سنوات قام خلالها بنحو 500 مقابلة شخصية مع الأشخاص الناجحين للوقوف على أسرار النجاح؛ إذ يؤكد جونز أن النجاح لا يتحقق بالذكاء أو الحظ أو حتى السحر، فالناس لا ينجحون لأنهم أذكياء أو محظوظون، بل ينجحون لأنهم يتحركون بدافع الشغف ويبذلون قصارى جهدهم في العمل الشاق. إذ يرى ريتشارد أن أسرار النجاح الفعلي تّكمن في السعي وراء الشغف، ثم القيام بالعمل الشاق ومواصلة التدريب، والتركيز على النجاح والإصرار على تحقيقه.

 

يعتقد الكثيرون أن النجاح يتمثل في الفوز والتفوق على المحيطين بهم، لكنْ يأتي المدرب وُودن جون، في هذه المحاضرة التي ألقاها على مسرح تيد في (فبراير/شباط) عام 2001، وحصدت ما يقرب من 5 ملايين مشاهدة، ليعيد تعريف النجاح. فيرى أن النجاح لا يتمثل أبدًا في الفوز، بينما في راحة البال التي لا تتحقق إلا برضا الذات عند علمِها يقينًا أنها قامت بأفضل ما لديها وبذلت ما في وسعها لتحقيق ما تريد. كما يشجع وُودن مشاهديه على السعي الحثيث لاستخراج أفضل ما لديهم بالجهد والعزم وعدم النظر إلى النجاح بهذه السطحية المتمثلة في الفوز.

 

يتناول المحلل ريتشارد جون الذي مكث أكثر من عقد من الزمان في التنقيب عن النجاح والبحث عن الدروس المستفادة من قصص نجاح الآخرين، خلال هذه المحاضرة التي ألقاها على مسرح تيد في (فبراير/شباط) عام 2009، وحصدت ما يقرب من 4 ملايين مشاهدة، أحد أكثر الأسئلة جدلًا، ألا وهو؛ لماذا يصل العديد من الناس إلى النجاح ثم يفشلوا بعد ذلك؟

 

يرى ريتشارد أن أحد أهم الأسباب التي تقذف بالناس إلى الفشل بعد تحقيقهم النجاح هو اعتقاد الأغلبية العظمى منهم أن النجاح عبارة عن طريق وحيد الاتجاه، وبالتالي يبذلون قصارى جهدهم حتى يبلغون نهايته، وعندما يصلوا إليها يعتقدوا أنهم هكذا قد حققوا النجاح، ولا حاجة للمزيد من السعي، فيتكاسَلُون، ثم يجلسون ساكنين عن القيام بالأشياء التي أدت إلى نجاحهم منذ البداية، ما يؤدي بهم إلى الهاوية بنهاية المطاف.

 

تتناول مؤرخة الفنون سارة لويس في هذه المحادثة القصيرة التي ألقتها على مسرح تيد في (مارس/آذار) عام 2014، أهمية النجاح والفشل الوشيكان في حياتنا، ودورهما الحثيث في تعزيز سعينا للنجاح والتفوق. فترى أن النجاح يُكلَّل بالسير في الطريق لتحقيقه وليس بمجرد الوصول إليه، وأن التفوق يتحقق عبر طلب الشخص المستمر لردم الفجوة بين مكانه الحالي والمكان الذي يرغب بالوصول إليه مستقبلًا، إذ أن الانتصارات ليست مجرد نتيجة لإنجاز عظيم بل دافع لسلسلة من النجاحات الوشيكة.

 

يحاول المؤلف تشيب كونلي في هذه المحاضرة التي ألقاها على مسرح تيد في (فبراير/شباط) عام 2010، وحَصدت ما يقرب من 3 ملايين مشاهدة، الوقوف على ماهية النجاح وما يجعل الحياة ذات قيمة حقيقية، ملقيًا الضوء على التسلسل الهرمي للاحتياج البشري ومقارنته بالتسلسل الهرمي لاحتياجات كل شخص في مكان العمل الخاص به، ثم النظر إلى الدور المحوري الذي يلعبه السعي وبذل الجهد في تحقيق السعادة التي تمكن صاحبها من النجاح.

 

يوضح متخصص الإعلان روري سزرلاند، خلال هذه المحاضرة التي ألقاها على مسرح تيد في (ديسمبر/كانون الأول) عام 2011، أن إعادة صياغة وجهات النظر هي مفتاح السعادة. يمعن سزرلاند التركيز على دور إعادة صياغة الأشياء في إنقاذ اقتصاد اليونان، كما يلقي الضوء على قوة إعادة الصياغة كأداة جوهرية لتحقيق السعادة عبر مد الناس شعور السيطرة والتحّكم في حياتهم وشؤونهم الخاصة، وكيف يمكن أن تؤثر إعادة صياغة وجهات النظر على رؤية مجموعة من الأشخاص، موقف ما، بمنظورين مختلفين تمامًا، أحدهما جيد والآخر سيء.

 

يرى الكاتب والمفكر دافيد بروكس أنّ هناك نفسان بداخل كل شخص منا، النّفس الأولي تتّوق إلى النجاح وتبذل قصارى جهدها لتحقيقه؛ لتضعه في سيرتها الذاتية، بينما تسعى النفس الثانية إلى القيم والتواصل والحب. يتساءل بروكس خلال هذه المحادثة القصيرة التي ألقاها على مسرح تيد في (مارس/آذار) عام 2014، عن الفرق بين فضائل السيرة الذاتية، أي المهارات والإنجازات والنجاحات التي يضعها الشخص في سيرته الذاتية، وفضائل خطاب التأبين، التي توضح القيم الحقيقية لكل شخص، كما يتساءل عن جدوى الانحياز لأحد الجانبين على حساب الآخر، وكيفية الموازنة بين تحقيق النجاح المتمثل في السيرة الذاتية والسعي من أجل القيم المتمثلة في خطاب التأبين.